الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ڤاهان تيكيان أمير الشعر الأرمني الحديث

عطا درغام

2024 / 2 / 24
الادب والفن


النشأة والبداية
يُعد ڤاهان تيكيان من أشهر شعراء الشتات الأرمني ، و رمزًا مهمًا للهوية الأرمنية والتراث ،وينتمي إلى الجيل الباقي من الإبادة الجماعية للأرمن وخلال العقود الثلاثة الأخيرة من حياته أثَّر على جيل بأكمله.
لم يكن شاعرًا ذا مكانة عالمية فحسب ، بل جسَّدت شخصيته أيضًا معاناة شعبه ورؤيته وجوهره ؛ كان يرمز إلى الماضي والحاضر والمستقبل لأرمينيا والشعب الأرمني.
نجا بأعجوبة من مجازر عام 1915، وشارك في أعمال جمع الأيتام خلال الحرب العالمية الأولى ، وعمل أستاذاً في مدارس أرمنية.
ولد في منطقة "أورتاچيو" في إسطانبول في الحادي والعشرين من يناير 1878، وكان الأصغر بين خمسة أطفال، أصغر من أخيه المقرب بأربعة عشرعامًا. توفي والده وهو في الحادية عشرة من عمره، والتحق بمدارس نرسيسيان وبربريان وچتروناچان، لكنه لم يكمل تعليمه الثانوي واعتمد في التدريس لنفسه في أغلب الأحيان.
العمل العام
في عام 1894 وفي السادسة عشرة ذهب للعمل مع شركة تأمين كسكرتير ، وفي عام 1896 ، نُقل إلى ليڤربول بإنجلترا قبل مذابح الأرمن في إسطانبول وفي عام 1897 إلى مرسيليا ، حيث مكث لمدة أربع سنوات ، ثم إلى هامبورج (ألمانيا)، وعمل لبعض الوقت في الصحافة في بيروت
وفي عام 1904 رحل إلي مصر، وفي العام التالي (1905) بدأ في نشر المجلة الأدبية الشهرية "شيراك " مع ميكائيل چورچيان (1878-1965) ،ثم نقلها الى إسطانبول وبدأ بنشرها كصحيفة أسبوعية.
وبعد استعادة الدستور العثماني في عام 1908، عاد تكيان إلى إسطانبول، واستأنف نشر "شيراك" لفترة قصيرة ،و انتُخب عضوًا في المجلس الكنسي الوطني.
وما بين عامي 1917-1919 ساهم بفعالية في أعمال الوفد الوطني الأرمني وفي أعمال تطوعية وخدمية.
وفي عام 1919 ،عاد إلى يريڤان لقيادة المفاوضات نيابة عن الوفد الوطني الأرمني برئاسة بوغوص نوبار باشا مع ممثلي جمهورية أرمينيا، ثم شارك في المؤتمر الأرمني الذي عُقد في باريس في نفس العام.
غادر تيكيان إستانبول بعد احتلالها من قبل القوات الكمالية ، وتوجه إلى بلغاريا واليونان ومصر وسوريا للإشراف على رعاية اللاجئين والأيتام الأرمن،ويُعد الأب الروحي لأحد هؤلاء الأيتام ، الكاتب الأمريكي الأرمني المستقبلي"ليون سورميلان" (1906-1998) ، حيث قام بتشجعه وجمع شعره الأرمني ، الذي نشره في كتابه في عام 1924 ( النور المبهج).
وفي عام 1921، أسس حزب الرامچافار الليبرالي، كما ساهم في أعمال إعانة الأيتام الأرمن في الشرق الأوسط عام 1923 ، وما بين عامي 1925-1932 انشغل في تحرير (أريف) بين القاهرة وباريس.
ومن عام 1926 إلى عام 1932 أصبح رئيس تحرير صحيفة " آريڤ " التي ينشرها حزبه في القاهرة،وانتقل إلى باريس بعد فترة قضاها في المعهد التربوي الملكوني في 1935-1936،وأصبح رئيس التحرير المؤسس لصحيفة ( زارتونيك) في بيروت عام 1937،ثم عاد إلى القاهرة لاستئناف تحرير مجلة (أريڤ ).
النشاط الأدبي
دخل المجال الأدبي في التسعينيات من القرن التاسع عشر،ونُشرت أول قصيدة له في جريدة “الوطن” في إستانبول عام 1894، كما أصدر مجموعته الشعرية الأولى عام 1901 في باريس بعنوان (هموم) ، وقد اعتبرها النقاد في تلك الفترة بداية واعدة، ثم مجموعته الثانية (صعود ساحر) عشية الحرب العالمية الأولى عام 1914 ،وقد لاقت إشادة الجميع.
وفي عام 1918 جاءت مجموعته الشعرية (من منتصف الليل حتى الشروق) عبَّر فيها عن أهوال المجازر والحالة النفسية ومعاناة الشعب الأرمني الذي أُبيد، وتصل مشاعره الفردية إلى الإنسانية في مجموعته ( الحب) عام 1933.
ومجموعته ( أغنية أرمينيا ) عام 1943، وتحتوي علي قصائد وطنية تغني فيها بالأرمن و كذلك مجموعته (أوديس) عام 1944وتشمل قصائده : " الكنيسة الأرمنية " , و"صلاة عشية الغد", و"ذاكرتك الليلة", و"عندما يأتي اليوم أخيرًا " و" اسمك" و كتاب (الأغاني) في القاهرة عام 1944 .
كتب تيكيان العديد من القصص القصيرة تتحدث تتناول حياة الأرمن في المهجر وحركات التحرر، وأغنت كتاباته الأدب الأرمني ، حيث ظهر تأثيره الواضح على القصيدة الأرمنية في المهجرعميقًا، كما ترجم أعمال شكسبير وفيكتورهوجو وأوسكار وايلد إلى الأرمينية.
نُشرت أعماله الكاملة في تسعة مجلدات في القاهرة في 1949-1950، كما صدرت مجلدات من أعمال مختارة في بيروت عام 1954 ويريڤان عام 1970 ، ونُشرت مجموعة من رسائله في لوس أنجلوس عام 1983
شعره
جاء شعر تيكيان من تجاربه ومعاناته الشخصية ،ونجدها في شعره تارة بطريقة صريحة وتارة بالتستر علي الأسباب، وهو متألم أيضًا بمصير الشعب الأرمني الذي شتته المذبحة الكبري 1915،ففي ديوان ( منتصف الليل حتي الشروق) يصور أهوال المذابح والنفسية المعذبة لشعب مهدد بالفناء ، وهو مع كل هذا شاعر الحب، حبه هو النساء، وليس حبهن له.
تميل لغته إلي التخلص من الشاعرية؛ ليقنعنا بجدية التجربة الوجودية التي يقدمها، ومع ذلك فهو شديد الالتصاق بقوالب نظم الشعر.
واستطاعت قصائده أن تجذب الأنظار في شكلها ورقتها، و أن تعبرعن آلام ومآسي الشعب الأرمني وآلام الإنسانية.
ولا تنتمي القصائد التي يكتبها تيكيان إلى الشعب الأرمني فقط بل الى الأرواح النبيلة في البشرية جمعاء، فكانت روحه ترتعش للشتات الأرمني ،وتأتي قصائده لتكون شاهدة على قصة الإبادة.
تغني في قصائده بأرمينيا السوفيتية ،حيث عبر بقوة عن الصورة الجميلة التي رأى فيها أرمينيا أفضل مما رآها في الحلم.
عكس شعره ، سواء كان غنائيًا أو وطنيًا أو فلسفيًا دائمًا رزانة مؤلفه ، وبحلول وفاته كانت بعض قصائده قد أصبحت كلاسيكيات ، وحصل على لقب " أمير الشعر الأرمني" ؛ فخلق أسلوبه الأدبي بالفعل العديد من الأتباع، والتي ستظل نشطة لعدة عقود بعده.
درست أشعاره وسوناتاته عواقب الإبادة الجماعية، والشتات والحب ، وكان موضوع آخر ثابت في عمله هو استكشافه للتأثير النفسي والعاطفي للإبادة الجماعية للأرمن.
وقد اعتمد أصعب شكل للقصيدة ( السوناتا) ذات 14 بيتًا ، فقد ألف الكثير من قصائده في قالب السوناتا الذي يتطلب براعة فائقة من قبل الشاعر، حيث كان شكله المفضل هو (السوناتا) ؛ لذا نجد في أشعاره الكثير من التقارب مع شعر شكسبير لدرجة أنه ترجم مجموعة من سوناتات شكسبير، كما تأثر بالرمزية الفرنسية عند رامبو وڤيرلين و وبودلير وآخرين ، لكنه استوعب روح الرمزية لدرجة أنه أنشأ مدرسته الخاصة بالرمزية الأرمنية ، والتي جذبت العديد من الشعراء الشباب الموهوبين.
عبر تيكيان عن أفكاره وخلجاته بعيدًا عن الأبواق عالية الصوت ، فهولا يحب الكلمات الضخمة والمجلجلة ، حتى عندما كتب عن الحرب العالمية الثانية في قصيدته “صلاة أمام عتبة الغد “ استخدم أمنيات إنسانية وكلمات رقيقة إنما معبرة ومؤثرة ،وفي قصائد مثل “في سهل أرارات” حيث يناقض الشاعر الماضي البطولي للشعب الأرمني مع الواقع في زمنه.
عينه ضحية السياسة
أغلق عينه الوحيدة على العالم ، وعينه الأخرى وقعت ضحية لخصومه السياسيين. كان ضحية مبكرة لقضية حرية التعبير، حيث ضربه البلطجية حتى الموت في عام 1916 بسبب افتتاحية كتبها، لكنه نجا بعين واحدة أعمت، جعلته يكتب واحدة من أكثر القصائد المأساوية المقلقة والمؤثرة عن عينه بعنوان (وحيدتي فقط) .
ويقول فيها:
آهٍ يا وحيدتي
كم يرتعشُ قلبي
عندما بكِ أراكِ
وبدمعك أتوسلُ إليك الآن
ألَّا تهجريني أنت أيضًا
قصيدة واقعية؛ فالشاعر يريد أن يطمئن علي عينه السليمة ولذلك ينظر في المرآة, وهذه النظرة نظرة العين في العين تخلق القصيدة. المرآة تجعل من العين الواحدة عينين ، وكان الشاعر يريد بهذه الحيلة أن يعوض فقدانه للعين الأخري.
النهاية
بعد حياة طويلة في الخدمة ، توفي تكيان في القاهرة في الرابع من أبريل عام 1945 ، وتم إنزال نعشه في قبره ، وسقطت زهرة واحدة على قلبه وحفنة من التراب من أرمينيا ، حيث كان يتوق إلى أن يعيش سنواته الأخيرة ويدفن في أرض أجداده. لكن التاريخ كان له المجد، فتيكيان معروف ويحظى بالاحترام اليوم أكثر مما كان عليه خلال حياته، فقد كتب في إحدى قصائده "روحي تنمو اليوم وتتضاعف مثل جيش يسير إلى ساحة المعركة"، فبالمثل ذكره وأفكاره " تنمو وتتكاثر" اليوم لجيل الشباب وللأجيال القادمة.
كان تيكيان رجلاً قليل الكلام ، سابقًا لعصره ، ولم يفهمه معاصروه تمامًا، وكان منعزلاً فعليًا بين الحشود .
ترك وراءه وصية يطلب دفنه بهدوء ؛ لا تأبين ولا ضجة ولا تكريم خاص. ربما ، في أعماق قلبه ، كان مقتنعًا أنه لا يمكن لأحد أن يدرك روحه ، وكينونته ، ورؤيته لتغليفها في تأبين.
نماذج من أشعاره
الكنيسة الأرمينية
الكنيسةُ الأرمنيةُ هي مهد روحي.
مثل الكهفِ الشَّاسعِ ، إنَّهُ بسيطٌ وعميقٌ ، مظلمٌ وخفيفٌ -
مع فناءه المضياف ، ومنبرٍ واسعٍ ، ومذبحٍ هادئ
يقفُ على مسافةٍ كما لو كانت سفينةً تطفو على قدميه.

الكنيسةُ الأرمنيةُ التي أراها وأغمضُ عيناي.
أتنفسها وأسمعها من خلال غيوم البِخور
التي ترتفع باتجاه قدمي الطفلٍ يسوع ،
ومن خلال الصَّلوات الحارةِ التي تهتزُ جدرانُها.

الكنيسةُ الأرمنيةُ هي الحصنُ العظيمُ لإيمان جدي.
رفعوا بهم عن الأرض حجرًا بحجرٍ
ونزلوا من السَّماء قطرةُ ندى وسحابٍ في كل مرةٍ.
فيها كشفوا أنفسهم بسلامٍ وتواضعٍ.

الكنيسةُ الأرمنيةُ عبارةٌ عن سجادةٍ مطرزةٍ كبيرةٍ
ينزل من خلفها الرَّبُ إلى الكأس ،
وقبلها يقفُ كل شعبي برؤوس منحنية
للتواصل مع الماضي من خلال الخبزِ والنبيذِ الواهبين للحياة.
الكنيسةُ الأرمنيةُ هي ملاذ سلمي عبر البِحار المضطربةِ.
إنها ناٌر ونورُ في بردِ الليلِ.
إنه غابةٌ مظللةٌ في شمسِ الظَّهيرة الحارقةِ
حيث تتفتح الزنابقُ بجانب نهرِ التَّرانيم.
الكنيسةُ الأرمنيةُ ، تحت كلِّ حجرٍ في أرضيتها.
يحمل ممرًا سريًا يؤدي إلى الجنةِ.

الكنيسةُ الأرمنيةُ هي الدرعُ المشرق لروح وجسد أرمينيا.
ترتفعُ صلبانها لحمايتها ؛
تدق أجراسُها وأغنيتُها هي النصرُ دائمًا
الحسناوات
ستظل حسناء إلي الأبد
تلك التي عبرت يومًا إلي جوارك
ومَّست بعطر جمالها عينيك كزائر إلهي
تلك التي لم تَلْتَفِت خلفك لتراها مرة ثانية
ولم ترغب أن تُقابلها ولو مرة أخري
وحسناء أبدية تلك التي كانت تنمو ببطء أخاذ
تحت شمس نظرتك الساحرة
والتي مثل زهرة تتأرجح في نسمات الربيع
ظَلَّت في وجدانك
نضرةً فواحةً منذ أن رحلت
وحسناءُ تعرفُ أنت َ اسمها المُباركَ
والتي كانت علي وشك أن تقع في غرامكَ
كانت تُقن انك تعْشَقها وانتظرت مرتبكةً
ولكنك آثرت ألَّا تزعج قَلْبَها وحسنًا فعلت
الحسناواتُ هن من عبرنَ
خلال أشواقكَ
ورحلنَ والآن يُناديك من بعيدٍ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح


.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال




.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل


.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع




.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو