الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


((ألمانيا المعجزة.. وعملية تدمير الأفكار المدمرة))

محمد ساجت قاطع

2024 / 2 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


واحدة من أهم الأشياء التي عملتها ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ولولاها لما حصل فيها هذا التطور التي هي عليه اليوم، هو عملية " تدمير الأفكار المدمرة ". حيث أن الألمان وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سألوا أنفسهم أسئلة عميقة منها : (لماذا حدث هذا معنا؟) (لماذا وصل بنا الحال إلى هنا؟).

واحدة من الأفكار المدمرة التي اوصلت الألمان إلى ما هم عليه في نهاية الحرب العالمية الثانية، هي مسألة العنصرية، واعتبار إن العرق الآري هو أفضل عرق بشري، وأن كل البشر ما دون العرق الآري هم مجرد طفيليات وحشرات لا يستحقون الحياة، لذلك ومن هذه المنطلقات استباحوا البلدان وقتلوا الشعوب، وكانت هذه الأفكار تُبث في عقول الأجيال في المدارس على شكل مناهج، وتُنشر في الشوارع على شكل دعايات اعلانية، وكان الطلاب الألمان في ثلاثينات القرن العشرين، يحرقون كل الكتب العلمية والفلسفية التي تخالف مبادئ الحزب النازي، الذي يدعوا إلى سيادة العرق الآري للعالم، حتى انهم في غضون عشر سنوات احرقوا ١٣٠ مليون كتاب.

على العموم فإن الألمان بعد الحرب العالمية الثانية، اعترفوا بهذه المشاكل والأخطاء، ليس هذا فقط، بل تغلبوا عليها وتجاوزوها، وبنوا المتاحف والمعالم الكثيرة لتوثيق تلك الأخطاء والمساوئ، وللتذكير بما سببت لهم من كوارث ودمار شامل، لكي لا يتم تكرارها من قبل الاجيال القادمة، ومثلما كانت هذه الأفكار تُدرس في المدارس في أيام النازيين كأفكاره تُعَبِر عن توجه الشعب والحكومة، أصبحت فيما بعد يتم تدريسها كآثام ومشاكل وأخطاء يجب استئصالها والتخلص منها، والتذكير بمساوئها وبما تسببت به.

تزامناً مع اعتراف الألمان بهذه الأخطاء والمشاكل، والعمل على تحسينها وتجاوزها وتوثيقها، عملَ هذا السلوك بغضون نصف قرن، على جعل ألمانيا في مصاف الدول العالمية المتقدمة صناعيا، واقتصاديا، وعلميا، إذ أصبحت ألمانيا الدولة الأولى عالميا من حيث جودة الصناعة، والرابعة عالميا بقوة اقتصادها، ومن الدولة الخمسة الأولى بقوة تعليمها وجودة جامعاتها، وبعد أن كانت مدارسها وجامعاتها تُدرس فيها العنصرية والتعصب العنصري في مراحل سابقة، اصبحت لاحقاً أكثر مدارس وجامعات في العالم تضم بداخلها جنسيات واعراق مختلفة، والكثير الكثير من الانجازات والأرقام التي جعلتها تتربع على عرش دول العالم في العديد من المجالات والقطاعات..

ألمانيا الهمت وعلمت العالم بأن الدول التي تتعرض لنكسات سياسية واقتصادية وثقافية مهما كانت شدتها، فإذا أُريدَ لها أن تسلك طريق التغيير والتنمية والتطور، فلن تستطيع ذلك ما لم تدمر وتتخلص من الممارسات والأفكار المدمرة التي اوصلتها لتلك الانتكاسة، وتعترف بخطورة هذه الأفكار والممارسات وتقر بكونها سبب من اسباب التخلف والدمار والتراجع، والعمل على تجاوزها وتخطيها، وتوثيقها لتكون شاهد تحذيري للأجيال القادمة، لكي لا يقعوا فيها، ويصيبهم ما أصاب اسلافهم.

✍️محمد ساجت السليطي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بيسان إسماعيل ومحمود ماهر.. تفاصيل وأسرار قصة حبهما وبكاء مف


.. إسرائيل تتوغل في جباليا شمالا.. وتوسع هجماتها في رفح جنوبا |




.. واشنطن: هناك فجوة بين نوايا إسرائيل بشأن رفح والنتيجة | #راد


.. الكويت ومجلس الأمة.. هل أسيء -ممارسة الديمقراطية-؟ | #رادار




.. -تكوين- مؤسسة مصرية متهمة -بهدم ثوابت الإسلام-..ما القصة؟ |