الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دلالات زيارتي المالكي والطالباني

حمزة الجواهري

2006 / 11 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


كغيري من العراقيين المهتمين باستقرار البلد، قرأت الكثير عن اللقاء المرتقب لبوش والمالكي، وزيارة الرئيس طالباني إلى إيران، وقرأت وكتبت عن توصيات وتحركات لجنة بيكر وهاملتون وتحركات أعضائها، وعن أدوار دول الجوار الإقليمي والعربي، (القصد من الجوار الإقليمي هو الدول العربية التي لا تربطها بالعراق حدود جغرافية لكن لها تأثير على الشأن العراقي)، وقرأت الكثير عن أدوار وتوصيات لها وزن بصناعة القرار النهائي الذي سيعتبر المسار الجديد للسياسة الأمريكية المرتقبة في العراق بعد فوز الديمقراطيين التاريخي وفشل السياسة الأمريكية في العراق.
لكن ما لفت انتباهي حقا سؤال اعتبرته الأكثر ذكاءا في هذا الشأن، السؤال جاء من المحلل السياسي العراقي الأستاذ زهير الدجيلي بزاويته المعتادة في صحيفة القبس اليومية أمس، يتساءل الدجيلي "السؤال الذي يتبادر للذهن أيضا هو: هل توجد علاقة بين اجتماع عمان واجتماع طهران؟ أم إن احدهم يريد أن يحبط الآخر أو ينتزع الدور السياسي منه؟ وهل المالكي مع الطالباني على خط واحد؟ أم أنهما يسيران في خطين متعاكسين؟".
المالكي يذهب إلى عمان، والطالباني إلى طهران! وهذا يعني، أو كما يبدو، أن الذي سوف يجري بعمان غير الذي جرى أو سيجري في طهران. وكما نعرف أن عمان تمثل تجمعا عربيا من دول في الجوار الإقليمي والجغرافي له رؤيا متعاكسة عما تسير به طهران وتابعها "ماتي*"، وكما هو معروف أن دول الجوار الإقليمي معظمها تعتبر من الدول الصديقة للعم سام، والذي لم يعد خافيا على أحد أن لها ذراع قوية ببغداد تنفذ ما ترغب به من سياسات، ممثلة بالسفير الأمريكي زلماي، الليبرالي في الظاهر والسلفي في الباطن، لكن ما يضعف موقف مجموعة الجوار الإقليمي من أصدقاء العم سام هو أن مشروعها بالاحتواء والمصالحة قد خسر كل الجولات عراقيا، وحول أرض العراق إلى جحيم لا يطاق، وكان السبب بوضع أمريكا بهذا الموقف المحرج أمام شعبها وشعب العراق، بل والعالم أجمع، وهو الذي وضع المشروع الأمريكي في مهب الريح، وتسبب بالخسارة التاريخية للجمهوريين، أما الذي يعتبر أكثر أهمية من هذا وذاك هو العدد الهائل من الأرواح البريئة التي أزهقت في العراق، وإن هذه الكارثة كانت كنتيجة لتطبيق ذلك المشروع، حتى أن أصوات انفجار السيارات المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة وصرخات الموت التي أطلقها الضحايا الأبرياء قد علت لدرجة أنها تسببت بإيقاظ أخونا كوفي أنان من غفوته ليعلن أن ما يجري بالعراق كارثة بكل المقاييس، وهو يتثاءب طبعا!
لكن مما لا شك فيه أن الذي يحمل وزر الدماء البريئة هو محور طهران وسوريا الخارجتين على القانون من خلال تدخل الدولتين السافر والمباشر بدعم الإرهاب في العراق، ولكن بالعودة إلى مقررات الكواليس التي كانت تتمخض عنها مؤتمرات دول الجوار المتعاقبة منذ سقوط النظام ولحد الآن، نجد أن الذي يحمل وزر الجريمة هو دول الجوار الإقليمي والجغرافي مجتمعة وليس محور دول الشر فقط، حيث أن مقررات الكواليس كانت جميعها بغياب وزير خارجية العراق، وهو ما يؤكد أن الذي يجري في العراق كان بتنسيق بين هذه الأنظمة بشكل مباشر، لأن أحد أهم أهداف التجربة العراقية، هو إسقاط هذه الأنظمة، لذا كان لزاما عليها أن تتفق بالرغم من اختلافاتها وصراعاتها وكرهها لبعضها البعض، لذا أقول:
لا يمكن تجاهل الاستنتاج الواقعي الذي يقول أن التنسيق كان ومازال يعتبر مباشرا بين دول مؤتمر الجوار العراقي، بالرغم من وضوح المسارين المتعاكسين.
مما تقدم نستطيع القول أن هناك مسارا واحدا متمثلا بإفشال التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق، وإن الخلافات الظاهرية ما هي إلا ذر للرماد في العيون، أو محاولة لخلط الأوراق على مخططي السياسة الأمريكية، وإن كانت مضامين خلافاتهم واقعية إلى حد بعيد، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، أن السعودية وإيران يختلفان حول عدة مسائل ساخنة وحيوية، لذا نجد الأمريكان قد وقعوا بالفعل ضحية لما خططت له دول مؤتمر الجوار، وذلك عندما تبنت الإدارة مشروع زلماي سيء الصيت، المدعوم من قبل أصدقاء أمريكا إقليميا، والذي أغرق العراق ببحر من الدماء.
لكن الخبث العربي لم ينتهي بعد، ولم تفرغ جعبتهم من السهام المسمومة، وهناك ما يشير إلى ذلك، حيث أن ما تسرب من أخبار، هو أن الملك الأردني يحمل نيابة عن دول الجوار الإقليمي العربي مشروعا لحكومة إنقاذ وطني عراقية، وهي التي تعتبر المشروع البديل لمشروع زلماي الكارثي المتمثل بالاحتواء من خلال المصالحة الوطنية والذي أجبر المالكي على تبنيه كشرط لتوليه منصب رئيس الوزراء، لذا عرف المشروع على أنه مشروع المالكي للمصالحة الوطنية، وقد تبين أنه نوعا من الانتحار الوطني، أما مشروع الملك الجديد فهو الذي سوف ينقذ العراق كما يزعمون! وقد تمت استشارة أقطاب الإرهاب في العراق حوله، ويبدو أنه قد حضي بمباركتهم جميعا.
وهنا نسأل: فإذا كان لدى العرب مشروعا جديدا وسوف يفرض على أمريكا كما فرض المشروع السابق، فلماذا كل هذا العناء؟ رؤساء يذهبون إلى هنا وآخرون إلى هناك؟ ولجان متخصصة من سياسيين ومخططين يشار لهم بالبنان يدرسون ويصدرون التوصيات؟ فهل وصل الهوان بالدولة العظمى إلى الحد الذي تبحث به عمن يحل لها مشاكلها؟ وهل يعرف القارئ أن لجنة على غرار لجنة بيكر وهاملتون تعتبر سابقة بتاريخ أمريكا، حيث جميع السياسات تضعها الإدارة التي تحكم البلد، ولم يسبق أن شكلت لجنة على هذا النحو سابقا؟
المالكي يذهب إلى عمان بالرغم من أنه الأبعد عن المسار العروبي القومي، والطالباني إلى طهران بالرغم من أنه الأقرب إلى أمريكا من باقي الزعماء العراقيين! وهذه مفارقة ثانية في المشهد العراقي، هنا نعود مرة أخرى للأستاذ الدجيلي لعلنا نجد عنده جواب، حيث أن الرجل على بينة من الحقائق المتعلقة بالشأن العراقي أكثر من أي محلل سياسي آخر، وذلك لتوفر المعلومات الأكيدة له، وهذه ميزة لا تتوفر لغيره من المحللين، لذا نقرا في تحليله الإخباري ما يؤكد أن الرئيسين العراقيين يشتركان بكل شيء، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالعراق واستقراره، لذا فإني أكاد أجزم أن توجه الطالباني إلى إيران والمالكي إلى عمان هو تنسيق عراقي له أكثر من دلالة، أي أن الأصدقاء الفرقاء في آن واحد، أي محور الجوار الإقليمي العربي ومحور الشر الإيراني السوري، كما أنهما التقيا على مسألة الإجهاز على التجربة العراقية، بإمكان الطرفين أيضا الالتقاء على مسائل أخرى مشتركة، وربما أكثر حيوية من أسباب اللقاء الأول، هذا بالإضافة إلى أن الصراع في المنطقة كبير جدا ولا يمكن أن ينتهي عند حدود الدم العراقي البريء. كما وأستبعد أن تكون مناورة عراقية من أجل شق الصف بين صناع الحرب على أرض العراق، وإن جميع الدلائل تشير إلى أن تحركات الرئيسين جاءت تنفيذا للتوصيات التي خرجت بها لجنة بيكر وهاملتون، أي أنها محاولة أمريكية يساهم بها المالكي والطالباني لإبلاغ أصحاب الشأن "أن اللعبة قد تكشفت جميع ملامحها ولا مجال للإنكار"، وإن الرؤساء الثلاثة يحملون مشروعا بديلا يضمن الفوائد الجمة لجميع هذه الأنظمة المتهرئة، كما ويضمن بقاءها بالسلطة، خصوصا بعد أن تمترس أبناء هذه الشعوب وراء جلاديهم ضد أي مشروع ديمقراطي بديل في المنطقة، كنتيجة للانتصار المدوي الذي سجلته أجهزة الإعلام المملوكة من قبل أنظمة الاستبداد العربي على المشروع الديمقراطي في المنطقة، بحيث جعلت شعوب المنطقة تنظر للديمقراطية على أنها الشر المطلق الذي ينذر بعاقبة وخيمة في الحياة الدنيا وخلود بالنار في الحياة الآخرة.
لكن السؤال الذي أتمنى معرفة جوابه، ما هو شكل المشروع البديل الذي حمله الرؤساء الثلاثة والذي يكرس الاستبداد في منطقتنا لأجيال قادمة ويسمح لأحفاد مبارك وآل الأسد بالوصول إلى رئاسة دولهم، ويؤجل الديمقراطية لعدة عقود قادمة؟؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا