الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
فلسطين بين التطويع والتطبيع قراءة في المشاهد الفلسطينية
سمير محمد ايوب
2024 / 2 / 25مواضيع وابحاث سياسية
كتب سمير محمد ايوب
فلسطين بين التطويع والتطبيع
قراءة في المشاهد الفلسطينية
كشف طوفان الاقصى فيما كشف، كشف في عموم المشاهد العربية ما يقلق واكثر، تعج كلها بانحطاط غير مسبوق، وبكوارث موجعة، في ظلها وظلالها تناسلت فلسطين وتكاثرت، وسقطت الاقنعة عن اشرار الامة، وبات لعبهم عالمكشوف، وصار في هذه الطعة كل شيء مباحا.
لذا سأسمح لنفسي ان أسألكم: من منكم في اسوأ كوابيسه، قد تخيل يوما، او توقع حاكما عربيا، مهما بلغت نذالته او وقاحته، ان يجرؤ على تحريض الصهاينة علنا، على ابادة الجبارين في غزة العزة؟ او على ادارة الرأس عن الابادة المنظمة لكل تفاصيل الحياة في فلسطين ؟ انه يا سادة زمن الانحطاط، المكتظ بدود الخل والاعدقاء، المدججين بالعجز وسوء النية.
تكاثرت بنادق المتصهينين، وباتت بالكيد تصوب مباشرة الى الصدر الفلسطيني، بعد ان كانت بالغدر، لا تجرؤ الا على التصويب الى الظهر فقط، وللاسف ما زال في جرابهم، الابشع مما تشهدون الان.
في النسخة الخسيسة المعاصرة من النكبة، بعد اقل من ثمانين عاما من النكبة الاصل، العدو لم يعد فقط من لابسي البرانيط والرطن بالعبرية، بل تبعهم كلابهم من لابسي الدشاديش والديمايات والبدلات ولابسي القمباز والحطة والعقال والخناجر، يتأتؤن بالكثير من اللهجات العربية، لذا يؤسفني ان أؤكد: بأن قعر مستنقع الانحطاط ما زال بعيدا.
أما القلق الاكبر فهو حال فلسطين، فهو الاخر ليس باحسن . ولكن لحسن الحظ، ان هذه الفلسطين عجيبة، حتى وهي تتعرض لاكبر مؤامرة في تاريخها، تتسع للشيء ونقيض الشيء معا.
فيها، ليس من الضروري ان تكون عميلا لتخدم عدوك، يكفي ان تكون غبيا ، متقاعسا، صامتا، مفرطا، مساوما، مموها، متاجرا بالوهم، لتصبح رغم انفك متواطئا مع عدوك، تتآمر على اهلك، وبأبخس الاثمان تبيع.
في فلسطين، هناك من تأمرك، ومن تصهين، او تاسرل، وبعضهم تخلجن، وهناك بعض منهم قد استغنى عن غبار الخنادق بترف الفنادق، وفيهم من استغنى عن قذائف القسام بالزنا المناضل.
في ظل ركام اوسلو وتناسل العملاء، بات النضال من اجل تحرير فلسطين ذكرى، تشظت اهدافه، وتلوث سلاحه، وتاهت بوصلته. وانخفض سقف فلسطين، حتى باتت بعض بواريدها تحرس عدوها، وصار كل شتام مأجور او جاهل او حاقد، يتطاول عليها. صارت فلسطين مشتمة وملطمة، لكل من هب ودب، دون خوف من حساب او رعب من عقاب.
في ظل هذا الانحطاط الذي طال، يواصل العدو التمدد والبناء والاعلاء. ويطاردنا في كل مكان، بعد ان كنا وراءه في كل مكان. صمد العدو وحالنا ما زال في هبوط!
العدو هو هو، لم يتغير فيه شيء، معسكره، مكوناته ، أهدافه ، ترسانات ادواته، وعالضفة الاخرى لم يتغير الفلسطيني هوالاخر ، ولا حلفاؤه ولا همه ولا ادواته. ولم يتغير جدل الصراع المتداخل بينا وبين العدو.
ما الذي حصل وتغير؟! ما مصدره، اهو صدفة او خطأ؟
اقول للمفعمين بالفضول القلق، لتعرفوا ما الذي اوصلنا الى هذا التردي المتدحرج، عليكم ان:
لاتهربوا من الاجابات الموجعة، بدعوى ما فيش فايده، اذهبوا بلا تردد، الى المعلم الاكبر التاريخ، لجلاء بعض حقائقه، ولكن بحذر. فالتاريخ ليس قديسا، بأدب جم، اطرقوا ابواب الكثير من اروقته ، دون ان تغوصوا في مروياته السحيقة، تبصروا بما في الذاكرة المعاشة والقريبة ومدواناتها واراشيفها الحية.
من دون فتح الكثير من الدفاتر العتيقة، وبالاتكاء الى حد كبير على ما يحدث تحت السمع والبصر ، مكتفيا بمراجعة سريعة لبعض مجريات ما اعرف عن محطات النضال الفلسطيني المعاصر، أقول عن مصدر وبواعث والدوافع العمياء الكامنة وراء ما حصل وما يزال:
إذا آمنتم بان الصراع مع عدوٍّ كَعدوكم، مدججٌ بالحلفاء الدوليين، وبكلاب صيد اقليمية، اعتاد عدوكم ان لا يذهب للصيد بدونها،
ساعتها اقول لكم:
لا يجوز ولا يليق، ان يقاس هذا الصراع الوجودي بلحظاته الحالية، وان كانت هذه اللحظات المعاصرة عظيمة كاشفة فاضحة كالسابع من تشرين الاول، ولها تبعات مستقبلية مميزة خطيره.
وساعتها وأنتم تمسكون بالكثير من مصدر هذا الشر المتعجل، ستعرفون انه لم يكن صدفة عابرة، بل ثمارا مسمومة لسلسلة من عمليات واقعية ماكرة خداعة، مارسها بقايا يهود خيبر ممن اقاموا جسورا وطرقا وبحارا مع الاعداء، تشف عن قصدية في تزييف الوعي والمفاهيم الوطنية، وتمويه الاهداف وتقزيمها، وتتويه بوصلة الدم والهم والامل والعمل.
من اخطر عمليات التطويع والتطبيع، تلك التي خضعت لها النخب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والاعلامية العربية والفلسطينية، ومن ثم السياسية، تزييف المفاهيم الوطنية الذي كان بمثابة الارض الخصبة التي نمت فيها وعليها، كل انحرافاتهم التي ترتقي الى مستوى الخيانة المكتملة لانها تمادت بوحشية في اغتيال البندقية الفلسطينية وتصوراتها الذهنية، واسست لاحقا لكل هذا العتم الذي نعيش.
هيا الى شيء من التفتيش في بعض الصور الذهنية السقيمة الشائعة، التي نحتوها على مرأى من طهر البدايات، وإخلاص الرصاصة الاولى وصدق شلال الدم. ستجدون ساعتها ان بقايا يهود خيبر قد اورثونا ركاما مشبوها من المفاهيم التي حقنوا بها واقعنا لتسميمه بالتقسيط الممل، مثل مفاهيم
يا وحدنا – وحدانية التمثيل – استقلالية القرار - اعلان الاستقلال الكسيح، موهوا في طبيعة الصراع، وشوهوا مفردات معسكر الاعداء ومعسكر الاصدقاء. وقالوا مضلِّلين بالفرص الضائعة وشرقوا وغربوا في اولويات ادوات الصراع ومواقيتها وساحاتها. وتماهوا مع ملفات بعض حكام العرب، بل ووصلت وقاحتهم للقول بان الصهاينة ليسوا بمحتلين بل شركاء وان كانوا طماعين وهم جزء من المنطقة.
ولكن الا يوجد في ظل هذا الانحطاط المهيمن ما يؤشر على ان هناك مستقبل عربي افضل؟
بلى، هناك في فلسطين حصرا، فغد الامة لن يتشكل الا فيها، فلسطين اول معاقل الدفاع عن الامن الاستراتيجي لأمة العرب.
ولكن كيف وحال فلسطين كحال غيرها؟
كشف طوفان الاقصى فيما كشف: ان الانحراف لم يكن مكتملا، وان الاصنام المعاصرة من الاسلويين المثيرين للارتياب والاشمئزاز، لا يمثلون الا أنفسهم، وأن هناك عناقيد من المناضلين الرافضين لكوابيس الواقع، قابضون على الجمر، واصابعهم على الزناد، يعيدون بعزم وصبر، ترميم القوة الفلسطينية المادية، ويشذبون ويهذبون مقتضياتها وأولوياتها ومواقيتها ، ويعيدون تصويب البوصلات، ويكدسون الكثير من الحديد والنار والبأس بانتظار مواقيت هم سدنتها الاكفياء، الممسكين بلجامها بكفاءة.
قبل طوفان الاقصى،
لم يكن امام فلسطين الا واحدا من خيارين:
الاول: خيار من اضاعوا البوصلة فتركتهم بنادقهم لانه خيار يستكمل ضياع الحلم الفلسطيني
والخيار الثاني هو تجسيد الايمان بأن ما انهزم شعب او امة عبر التاريخ، إذا ما قرر ان لا ينشغل بشيء بعيدا عن قضيته المركزية.
الحمد لله ان وقائع طوفان الاقصى، واسود الضفة الغربية واحرار محور المقاومة تؤكد فيما تؤكد، ان مقاعد النضال الحق لم تكن خالية ابدا. كان يعبرها ويسكنها ويعرج منها يوميا شهداء واسرى وجرحى ومناضلون من كل الاعمار ، يستمدون العزم من ماض مشرف، يتقدمون الصفوف بالعلم والعزم والاخلاص، يستحدثون ويطورون اساليبا للمواجهة يطاردون بها العدو في كل مكان.
بامثال هؤلاء ممن تعرفون ولا تعرفون، طالعون من ارحام ولادة بكرم ، تكتب صفحات جديدة تستكمل ما خطه المخلصون من السابقين في لوحة التحرير وتمهد للاحقين بهم.
هؤلاء الابطال ليسوا ضيوفا عابرين على فلسطين ، وليسوا اسقفا مستعارة من احد او لاحد، بل هم مخزون المستقبل وقناطر العبور اليه. ولحسن الحظ انهم جموع لا يمثلها احد، الا المصرون على التحرير الكامل والعودة الكريمة. لكل منهم مرجعية مشتقة من فلسطين ، ناهضة من رماد النكبات، وتوهان التناحر بين اكلة لحم الوطن، وتأتآت الوهم الاوسلوي.
تلفتوا في كل اتجاه، لتعلموا علم اليقين، أن ارحام امهاتكم واخواتكم وبناتكم ما تخلفت يوما، عن الدفع بفلذات اكبادها في لجج الصراع. وعهد الله ما خذلن شيئا من توقعاتنا منهن، يتألقن مع كل بداية جديدة، ايقونات نضالية تتماهى مع الوطن، اقوى من اوهام المختبئين في سرادق العدو، في جمر المقاومة لكل منهن شهادة ميلاد وسيرورة وبصمة تاخذ بكل اسباب القوة.
وهنا اجد ان من المهم التاكيد بلا لبس او تأويل:
لان من يقاتل العدو اليوم نساء ورجال واطفال وشيوخ ، ليسوا اسماء تختزل بلحم هذا او دم ذاك. بل هم برمزيتهم الفردية ، رؤية متوهجة هادية لا اصناما تعبد، مع انهم بطولة واقعية شجاعة عز مثيلها. تبشر بان فلسطين باقية اكبر من كل عشاقها، واعظم من كل رموزها.
ايها السيدات والسادة،
للاقتراب ولو قيد انملة من الخيارات الممكنة ، بعيدا عن عدمية مفرطة او رومانسية حالمة او جمود عبثي ، هناك حاجة ماسة لضبط المفاهيم، التي لا بد لها ان ترى:
-ان فلسطين بكل ابعادها الشمولية هي منتصف الطريق بين القومي وكل قطري
-لهدم العدو من الداخل والخارج، علينا ان نعيد الالق لقومية المعركة، والتحالف مع اي صديق حر، والبناء على كل مشترك معه.
-حب فلسطين حق وتقوى لا تتسع الا للحوار المنتج، لا السفسطة العدمية
-وعلى كل عاشق موال لفلسطين ان يثق بان بركان الغضب في اتقاد متصل، وان المنازلة الكبرى آتية لا ريب فيها ، وان النصر بامس الحاجة للاستعداد والاعداد ما استطعنا الى ذلك سبيلا.
واختم بالقول،
صحيح ما في طيارات قاصفة او معترضة في فلسطين، ولا دبابات متحركة او ثابتة، بس فيها ما هو اهم من ذلك بكثير، فيها جبابرة مدد بلا عدد، انبتتهم ارحام نسائنا، هن على العهد باقيات. يطرزون نصرا مختبئا في كل هذا الحطام، وقائع الصراع الدامي مع العدو المجرم، تظهرنه تدريجيا وبصبر رسولي، لان سعيهن للحياة بكرامة لن ينتهي ، حتى لو اضطررن الى زلزلة كثير من المسلمات.
ستبقى فلسطين قريبة جدا، وان بقيت نوايا البعض من عربها بعيدة جدا. وستبقى توأم الاردن، فشرقي النهر كغربيه، فهي بابعادها الشمولية رافعة نهضة الامة، لانها اول قلاع الدفاع عن الامن العربي الاستراتيجي. إطمئنوا، كثيرون قد مروا من هنا، ولكن بلادنا تقبل كل ما اتاها كافرا او من أتاها مؤمنا. لأننا في أرض الرباط والجهاد، نؤمن ان لا سجن باق ولا سجان.
حق على انفسنا والاجيال والانسانية ان نظهر الحقيقة واللبس فيها.القتلة يا اخوان كسمك البحر ، كله بيعرف يسبح، بس عالميزان كل نوع بسعر، بربكم اعباس كفلان او فلان او علتان؟!
الاردن – 25/2/2024
كتب الدكتور سمير محمد ايوب
فلسطين بين التطويع والتطبيع
قراءة في المشاهد الفلسطينية
كشف طوفان الاقصى فيما كشف، كشف في عموم المشاهد العربية ما يقلق واكثر، تعج كلها بانحطاط غير مسبوق، وبكوارث موجعة، في ظلها وظلالها تناسلت فلسطين وتكاثرت، وسقطت الاقنعة عن اشرار الامة، وبات لعبهم عالمكشوف، وصار في هذه الطعة كل شيء مباحا.
لذا سأسمح لنفسي ان أسألكم: من منكم في اسوأ كوابيسه، قد تخيل يوما، او توقع حاكما عربيا، مهما بلغت نذالته او وقاحته، ان يجرؤ على تحريض الصهاينة علنا، على ابادة الجبارين في غزة العزة؟ او على ادارة الرأس عن الابادة المنظمة لكل تفاصيل الحياة في فلسطين ؟ انه يا سادة زمن الانحطاط، المكتظ بدود الخل والاعدقاء، المدججين بالعجز وسوء النية.
تكاثرت بنادق المتصهينين، وباتت بالكيد تصوب مباشرة الى الصدر الفلسطيني، بعد ان كانت بالغدر، لا تجرؤ الا على التصويب الى الظهر فقط، وللاسف ما زال في جرابهم، الابشع مما تشهدون الان.
في النسخة الخسيسة المعاصرة من النكبة، بعد اقل من ثمانين عاما من النكبة الاصل، العدو لم يعد فقط من لابسي البرانيط والرطن بالعبرية، بل تبعهم كلابهم من لابسي الدشاديش والديمايات والبدلات ولابسي القمباز والحطة والعقال والخناجر، يتأتؤن بالكثير من اللهجات العربية، لذا يؤسفني ان أؤكد: بأن قعر مستنقع الانحطاط ما زال بعيدا.
أما القلق الاكبر فهو حال فلسطين، فهو الاخر ليس باحسن . ولكن لحسن الحظ، ان هذه الفلسطين عجيبة، حتى وهي تتعرض لاكبر مؤامرة في تاريخها، تتسع للشيء ونقيض الشيء معا.
فيها، ليس من الضروري ان تكون عميلا لتخدم عدوك، يكفي ان تكون غبيا ، متقاعسا، صامتا، مفرطا، مساوما، مموها، متاجرا بالوهم، لتصبح رغم انفك متواطئا مع عدوك، تتآمر على اهلك، وبأبخس الاثمان تبيع.
في فلسطين، هناك من تأمرك، ومن تصهين، او تاسرل، وبعضهم تخلجن، وهناك بعض منهم قد استغنى عن غبار الخنادق بترف الفنادق، وفيهم من استغنى عن قذائف القسام بالزنا المناضل.
في ظل ركام اوسلو وتناسل العملاء، بات النضال من اجل تحرير فلسطين ذكرى، تشظت اهدافه، وتلوث سلاحه، وتاهت بوصلته. وانخفض سقف فلسطين، حتى باتت بعض بواريدها تحرس عدوها، وصار كل شتام مأجور او جاهل او حاقد، يتطاول عليها. صارت فلسطين مشتمة وملطمة، لكل من هب ودب، دون خوف من حساب او رعب من عقاب.
في ظل هذا الانحطاط الذي طال، يواصل العدو التمدد والبناء والاعلاء. ويطاردنا في كل مكان، بعد ان كنا وراءه في كل مكان. صمد العدو وحالنا ما زال في هبوط!
العدو هو هو، لم يتغير فيه شيء، معسكره، مكوناته ، أهدافه ، ترسانات ادواته، وعالضفة الاخرى لم يتغير الفلسطيني هوالاخر ، ولا حلفاؤه ولا همه ولا ادواته. ولم يتغير جدل الصراع المتداخل بينا وبين العدو.
ما الذي حصل وتغير؟! ما مصدره، اهو صدفة او خطأ؟
اقول للمفعمين بالفضول القلق، لتعرفوا ما الذي اوصلنا الى هذا التردي المتدحرج، عليكم ان:
لاتهربوا من الاجابات الموجعة، بدعوى ما فيش فايده، اذهبوا بلا تردد، الى المعلم الاكبر التاريخ، لجلاء بعض حقائقه، ولكن بحذر. فالتاريخ ليس قديسا، بأدب جم، اطرقوا ابواب الكثير من اروقته ، دون ان تغوصوا في مروياته السحيقة، تبصروا بما في الذاكرة المعاشة والقريبة ومدواناتها واراشيفها الحية.
من دون فتح الكثير من الدفاتر العتيقة، وبالاتكاء الى حد كبير على ما يحدث تحت السمع والبصر ، مكتفيا بمراجعة سريعة لبعض مجريات ما اعرف عن محطات النضال الفلسطيني المعاصر، أقول عن مصدر وبواعث والدوافع العمياء الكامنة وراء ما حصل وما يزال:
إذا آمنتم بان الصراع مع عدوٍّ كَعدوكم، مدججٌ بالحلفاء الدوليين، وبكلاب صيد اقليمية، اعتاد عدوكم ان لا يذهب للصيد بدونها،
ساعتها اقول لكم:
لا يجوز ولا يليق، ان يقاس هذا الصراع الوجودي بلحظاته الحالية، وان كانت هذه اللحظات المعاصرة عظيمة كاشفة فاضحة كالسابع من تشرين الاول، ولها تبعات مستقبلية مميزة خطيره.
وساعتها وأنتم تمسكون بالكثير من مصدر هذا الشر المتعجل، ستعرفون انه لم يكن صدفة عابرة، بل ثمارا مسمومة لسلسلة من عمليات واقعية ماكرة خداعة، مارسها بقايا يهود خيبر ممن اقاموا جسورا وطرقا وبحارا مع الاعداء، تشف عن قصدية في تزييف الوعي والمفاهيم الوطنية، وتمويه الاهداف وتقزيمها، وتتويه بوصلة الدم والهم والامل والعمل.
من اخطر عمليات التطويع والتطبيع، تلك التي خضعت لها النخب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والاعلامية العربية والفلسطينية، ومن ثم السياسية، تزييف المفاهيم الوطنية الذي كان بمثابة الارض الخصبة التي نمت فيها وعليها، كل انحرافاتهم التي ترتقي الى مستوى الخيانة المكتملة لانها تمادت بوحشية في اغتيال البندقية الفلسطينية وتصوراتها الذهنية، واسست لاحقا لكل هذا العتم الذي نعيش.
هيا الى شيء من التفتيش في بعض الصور الذهنية السقيمة الشائعة، التي نحتوها على مرأى من طهر البدايات، وإخلاص الرصاصة الاولى وصدق شلال الدم. ستجدون ساعتها ان بقايا يهود خيبر قد اورثونا ركاما مشبوها من المفاهيم التي حقنوا بها واقعنا لتسميمه بالتقسيط الممل، مثل مفاهيم
يا وحدنا – وحدانية التمثيل – استقلالية القرار - اعلان الاستقلال الكسيح، موهوا في طبيعة الصراع، وشوهوا مفردات معسكر الاعداء ومعسكر الاصدقاء. وقالوا مضلِّلين بالفرص الضائعة وشرقوا وغربوا في اولويات ادوات الصراع ومواقيتها وساحاتها. وتماهوا مع ملفات بعض حكام العرب، بل ووصلت وقاحتهم للقول بان الصهاينة ليسوا بمحتلين بل شركاء وان كانوا طماعين وهم جزء من المنطقة.
ولكن الا يوجد في ظل هذا الانحطاط المهيمن ما يؤشر على ان هناك مستقبل عربي افضل؟
بلى، هناك في فلسطين حصرا، فغد الامة لن يتشكل الا فيها، فلسطين اول معاقل الدفاع عن الامن الاستراتيجي لأمة العرب.
ولكن كيف وحال فلسطين كحال غيرها؟
كشف طوفان الاقصى فيما كشف: ان الانحراف لم يكن مكتملا، وان الاصنام المعاصرة من الاسلويين المثيرين للارتياب والاشمئزاز، لا يمثلون الا أنفسهم، وأن هناك عناقيد من المناضلين الرافضين لكوابيس الواقع، قابضون على الجمر، واصابعهم على الزناد، يعيدون بعزم وصبر، ترميم القوة الفلسطينية المادية، ويشذبون ويهذبون مقتضياتها وأولوياتها ومواقيتها ، ويعيدون تصويب البوصلات، ويكدسون الكثير من الحديد والنار والبأس بانتظار مواقيت هم سدنتها الاكفياء، الممسكين بلجامها بكفاءة.
قبل طوفان الاقصى،
لم يكن امام فلسطين الا واحدا من خيارين:
الاول: خيار من اضاعوا البوصلة فتركتهم بنادقهم لانه خيار يستكمل ضياع الحلم الفلسطيني
والخيار الثاني هو تجسيد الايمان بأن ما انهزم شعب او امة عبر التاريخ، إذا ما قرر ان لا ينشغل بشيء بعيدا عن قضيته المركزية.
الحمد لله ان وقائع طوفان الاقصى، واسود الضفة الغربية واحرار محور المقاومة تؤكد فيما تؤكد، ان مقاعد النضال الحق لم تكن خالية ابدا. كان يعبرها ويسكنها ويعرج منها يوميا شهداء واسرى وجرحى ومناضلون من كل الاعمار ، يستمدون العزم من ماض مشرف، يتقدمون الصفوف بالعلم والعزم والاخلاص، يستحدثون ويطورون اساليبا للمواجهة يطاردون بها العدو في كل مكان.
بامثال هؤلاء ممن تعرفون ولا تعرفون، طالعون من ارحام ولادة بكرم ، تكتب صفحات جديدة تستكمل ما خطه المخلصون من السابقين في لوحة التحرير وتمهد للاحقين بهم.
هؤلاء الابطال ليسوا ضيوفا عابرين على فلسطين ، وليسوا اسقفا مستعارة من احد او لاحد، بل هم مخزون المستقبل وقناطر العبور اليه. ولحسن الحظ انهم جموع لا يمثلها احد، الا المصرون على التحرير الكامل والعودة الكريمة. لكل منهم مرجعية مشتقة من فلسطين ، ناهضة من رماد النكبات، وتوهان التناحر بين اكلة لحم الوطن، وتأتآت الوهم الاوسلوي.
تلفتوا في كل اتجاه، لتعلموا علم اليقين، أن ارحام امهاتكم واخواتكم وبناتكم ما تخلفت يوما، عن الدفع بفلذات اكبادها في لجج الصراع. وعهد الله ما خذلن شيئا من توقعاتنا منهن، يتألقن مع كل بداية جديدة، ايقونات نضالية تتماهى مع الوطن، اقوى من اوهام المختبئين في سرادق العدو، في جمر المقاومة لكل منهن شهادة ميلاد وسيرورة وبصمة تاخذ بكل اسباب القوة.
وهنا اجد ان من المهم التاكيد بلا لبس او تأويل:
لان من يقاتل العدو اليوم نساء ورجال واطفال وشيوخ ، ليسوا اسماء تختزل بلحم هذا او دم ذاك. بل هم برمزيتهم الفردية ، رؤية متوهجة هادية لا اصناما تعبد، مع انهم بطولة واقعية شجاعة عز مثيلها. تبشر بان فلسطين باقية اكبر من كل عشاقها، واعظم من كل رموزها.
ايها السيدات والسادة،
للاقتراب ولو قيد انملة من الخيارات الممكنة ، بعيدا عن عدمية مفرطة او رومانسية حالمة او جمود عبثي ، هناك حاجة ماسة لضبط المفاهيم، التي لا بد لها ان ترى:
-ان فلسطين بكل ابعادها الشمولية هي منتصف الطريق بين القومي وكل قطري
-لهدم العدو من الداخل والخارج، علينا ان نعيد الالق لقومية المعركة، والتحالف مع اي صديق حر، والبناء على كل مشترك معه.
-حب فلسطين حق وتقوى لا تتسع الا للحوار المنتج، لا السفسطة العدمية
-وعلى كل عاشق موال لفلسطين ان يثق بان بركان الغضب في اتقاد متصل، وان المنازلة الكبرى آتية لا ريب فيها ، وان النصر بامس الحاجة للاستعداد والاعداد ما استطعنا الى ذلك سبيلا.
واختم بالقول،
صحيح ما في طيارات قاصفة او معترضة في فلسطين، ولا دبابات متحركة او ثابتة، بس فيها ما هو اهم من ذلك بكثير، فيها جبابرة مدد بلا عدد، انبتتهم ارحام نسائنا، هن على العهد باقيات. يطرزون نصرا مختبئا في كل هذا الحطام، وقائع الصراع الدامي مع العدو المجرم، تظهرنه تدريجيا وبصبر رسولي، لان سعيهن للحياة بكرامة لن ينتهي ، حتى لو اضطررن الى زلزلة كثير من المسلمات.
ستبقى فلسطين قريبة جدا، وان بقيت نوايا البعض من عربها بعيدة جدا. وستبقى توأم الاردن، فشرقي النهر كغربيه، فهي بابعادها الشمولية رافعة نهضة الامة، لانها اول قلاع الدفاع عن الامن العربي الاستراتيجي. إطمئنوا، كثيرون قد مروا من هنا، ولكن بلادنا تقبل كل ما اتاها كافرا او من أتاها مؤمنا. لأننا في أرض الرباط والجهاد، نؤمن ان لا سجن باق ولا سجان.
حق على انفسنا والاجيال والانسانية ان نظهر الحقيقة واللبس فيها.القتلة يا اخوان كسمك البحر ، كله بيعرف يسبح، بس عالميزان كل نوع بسعر، بربكم اعباس كفلان او فلان او علتان؟!
الاردن – 25/2/2024
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لوريان لوجور: واشنطن تدعم نزع سلاح حزب الله وإسرائيل تهدد با
.. -يوم صعب-.. إسرائيليون يستعيدون ذكريات 7 أكتوبر في مستوطنة ب
.. حريق غربي القدس بعد التصدي لصاروخ أُطلق من اليمن
.. كلمة رئيس الوزراء الفلسطيني حول تطورات غزة
.. إسرائيل تعلن القضاء على سهيل حسين حسيني وتوضح دوره في حزب ال