الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدعاية السينمائية في ايطاليا الفاشية

محمد ناجي
(Muhammed Naji)

2024 / 2 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة / محمد ناجي

مقدمة المترجم :

نظام موسوليني الفاشي ، مثل غيره من الأنظمة المستبدة ، باختلاف مسمياتها ، وزمانها ومكانها ، تعتمد وتقف على قدمين (ركيزتين) :
1- أجهزة القمع والعنف (العصا الغليظة) ، وتشرعن تعسف هذه الأجهزة بالقانون . قوانين أمن الدولة والمجتمع والحفاظ على الآداب العامة والاساءة للشخصيات والرموز السياسية والدينية …
2- الدعاية والاعلام (العصا الناعمة المخملية) . التراث يضج بالامثلة .

بالرغم من أن (الفاشية الجديدة) اليوم تحاول في الشكل والمظهر ، الابتعاد عن النمط التقليدي للفاشية ، وتتخذ تسميات ديمقراطية وتشارك وتتبع وتستخدم الآليات الديمقراطية لتحقيق أهدافها ، فهي في جوهرها ، وممارستها ، لا تخرج عن طبيعتها التي تعتمد على ما ذكرناه أعلاه .

المتابع يرى بوضوح أن أساليب المستبدين والدكتاتوريين ولاحقا الفاشيين والنازيين لم تبق على حالها ، بل تغيرت وتطورت لتتناسب مع زمانها ومكانها ، فاعتمدت في زمن قياصرة روما مبدأ (الخبز والسيرك) ، و (العصا والجزرة) . عربيا ولأهمية الشعر في حياتهم كان الشعر والشعراء المدّاحين وفتاوى رجال الدين الدور الأكبر على نهج (يدل بمعنى واحد كل فاخر *** وقد جمع الرحمن فيك المعانيا - المتنبي في مدح كافور) ، وفتوى (حاكم غشوم خير من فتنة تدوم) ، وكرّت السبحة ، وتطورت مع الزمن ، ومنها ما نعرضه هنا في المقال ، والذي استغله موسوليني بمهارة ملحوظة ، ويكفى أنه المؤسس لأول وأشهر مهرجان سينمائي باقي حتى اليوم ( مهرجان البندقية - فينيسيا) .

****************************

في افتتاح المقر الجديد لمعهد لوس Istituto Luce ، وهي شركة أفلام إيطالية تأسست عام 1924 ، أعد النظام الفاشي خلفية كبيرة تظهر موسوليني يقف خلف عدسة التصوير للكاميرا ، مع هذه الكلمات في الأسفل : "التصوير السينمائي هو أقوى سلاح" .

كان هذا في نوفمبر 1937 ، لكن من الواضح أن موسوليني كان قد فكر بالفعل في هذا المفهوم منذ فترة طويلة . في عام 1924 ، كان (جياكومو بيلوتشي دي كالبولي) يعلم أن موسوليني سيذهب إلى نابولي لحضور المعرض الدولي للهجرة ، فأرسل فريق إلى (قصر شيغي) لعمل فيلم قصير عن مقر عمل الرئيس .

في نابولي ، عُرض الفيلم الوثائقي على موسوليني ، مع بعض الأفلام العلمية التربوية ، فاُعجب به كثيراً ، وأدرك على الفور الإمكانات الكبيرة التي يقدمها له الفيلم بغرض الحصول على استحسان جماهيري ، خاصة عندما لاحظ أن عرض الفيلم القصير عنه في الهواء الطلق حقق نجاحاً كبيراً . كانت هذه لحظة ولادة (معهد لوس) ، الذي سيتم إضفاء الطابع الرسمي على ولادته بعد بضعة أشهر .

في بلد تجاوزت فيه نسبة الأمية 35% وحيث كان عدد قليل جداً من الناس يقرأون الصحف ، أصبحت السينما على الفور وسيلة فعالة للغاية لنشر المعلومات ، وهي الوسيلة التي ستستخدمها الفاشية بهوس ملحوظ . قام موسوليني بنفسه بفحص الأفلام والصور الفوتوغرافية قبل الموافقة على نشرها .



في عام 1927 ، وُلدت أول نشرة إخبارية إيطالية عامة بعنوان "جورنالي لوسي"، والتي كانت حتى عام 1945 تُطلع الإيطاليين في دور السينما وفي ساحات البلدات والقرى على كل ما يريد النظام أن يعرضه عليهم . كانت الأفلام الإخبارية تُعرض في الأصل أسبوعياً ، ثم بدأت تظهر يومياً تقريباً بين عامي 1935 و 1936 ، أثناء الحرب في إثيوبيا ، نتيجة للعقوبات الدولية ضد إيطاليا حيث أصبحت الحاجة إلى الدعاية أقوى .

الدعاية والرقابة – المزيج المثالي للسيطرة الاجتماعية

شملت الدعاية جوانب مختلفة من الحياة في إيطاليا : في عام 1935 ، أبلغت إحدى وسائل الإعلام الناس ، عن وجود سيارة عرض سينمائية جديدة تماماً للدعاية الزراعية في القرى الريفية الصغيرة .
لقد أشادت الدعاية باستصلاح الأراضي وبناء المدن الجديدة ، وأعطت تعليمات حول كيفية تجنب الأمراض ، واحتفلت بنجاحات الطب الإيطالي - فقد أظهرت سلسلة طويلة من الأفلام الوثائقية ، على سبيل المثال ، العمليات الجراحية ذات الطبيعة الأكثر تنوعاً .

لكن الدعاية لا تقتصر على العرض فحسب ، بل تتعلق أيضاً بالرقابة . يظهر موسوليني في أكثر من 11000 صورة فوتوغرافية و1100 تقرير سمعي بصري . ولكن في أخبار لوس ، والأفلام الوثائقية والصور ، من النادر جداً أن تصادف مواقف أو أحداث يمكن أن تضعف روح الإيطاليين . نادراً ما نجد مشاهد الموت والدمار ، إلا عندما تُعزى إلى همجية أعداء إيطاليا .

مع اندلاع الحرب العالمية الثانية ، أنشأ معهد لوس ، بالتعاون مع وكالات الأفلام التابعة للجيش والبحرية والقوات الجوية ، إدارة الحرب المكلفة بتقديم التوثيق الفوتوغرافي والسينمائي لأحداث الحرب . وكان من المقرر أن يتم ذلك "بموضوعية الكاميرا التي لا جدال فيها" ، وفقاً لمقال نُشر في يوليو 1940 في مجلة Lo Schermo (الشاشة) .

من الواضح أن الأمر لم يكن كذلك : فقد خضعت جميع الصور لرقابة صارمة للغاية ، يمكن العثور على آثار لها في مطبوعات العديد من الصور ، والتي تم أرشفة سلبياتها بكلمة "سري" . فالصور كانت خاضعة للرقابة .من بينها صورة تم التركيز فيها على الأحذية والزي الرسمي الممزق الذي يرتديه الجنود الإيطاليون وأضيفت ملاحظة مكتوبة بخط اليد نصها "يا له من انطباع عظيم سنتركه إذا نشرنا صوراً كهذه !" ومع ذلك ، وفقاً لقواعد الرقابة الصارمة ، كان على صور الجبهة أن تظهر بطولة وشجاعة الجنود الإيطاليين . ولذلك ، لم يُسمح بمثل هذه الصور ، التي تعطي صورة أكثر واقعية عن الحرب .

بين يوليو 1943 ، عندما تم القبض على موسوليني ، وسبتمبر التالي ، عندما أطلق الألمان سراحه في (غران ساسو) ، انحازت أفلام (صحيفة لوس) على الفور إلى (بادوليو) وحكومته الجديدة ، وأظهرت بعد 25 يوليو ، مشاهد الفرح بإطاحة رموز الفاشية . ولكن بمجرد تأسيس الجمهورية الاشتراكية وانتقال معهد لوس إلى البندقية ، عادت الدعاية الفاشية للانتشار مرة أخرى . كانت هذه الأشهر الأخيرة من الحرب ، أشهر صعبة مليئة بالتفجيرات والمجازر ، قبل أن تستعيد إيطاليا حريتها في 25 أبريل 1945 .

كيف تطورت الدعاية
كانت الدعاية بلا شك إحدى الوسائل الرئيسية التي تمكنت الفاشية من خلالها من الحفاظ على السلطة لمدة 20 عاماً . ليست الوسيلة الوحيدة بالطبع ، مع الأخذ في الاعتبار أنه في البداية كان هناك التهديدات وأعمال العنف . في 3 يناير 1925 ، أكد موسوليني حقه في السلطة العليا وقمع أي مظهر من مظاهر الحياة الديمقراطية .

لقد كانت إيطاليا الفاشية هي الدولة التي اخترعت المهرجانات السينمائية ، إذ أقامت أول مهرجان سينمائي في البندقية عام 1932 . أن الأموال التي أنفقتها الحكومة الفاشية على الدعاية واستخدام الأحداث الثقافية أو الرياضية ، ذهب غالبيتها لتمويل الأفلام ، فكان مهرجان البندقية السينمائي ، الذي لا يزال يقام سنوياً ، والذي أنشأه هو (جوزيبي فولبي) ، الذي كان فاشياً متحمساً وكان وزيراً للمالية في عهد بينيتو موسوليني .

بشكل عام ، استخدمت الأنظمة الديكتاتورية دائماً الدعاية بشكل كبير . وكان هذا هو الحال مع جوزيف جوبلز ، وزير الدعاية في ألمانيا النازية ، وفي الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين . لكن الدعاية استُخدمت أيضاً في الديمقراطيات . وتعد وسائل التواصل الاجتماعي اليوم منصات فعالة للغاية للدعاية السياسية ؛ فهي منتشرة ويمكن أن تكون خطيرة لأنه من السهل جداً نقل رسائل زائفة لم يتم التحقق منها .

مترجَم من موقع europeana السويدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب