الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس في الثقافة مقتطفات 72

آرام كربيت

2024 / 2 / 25
الادب والفن


في المرسم
كنت في مرسمي غارقًا في وضع اللمسات الأخيرة على اللوحة التي تنزع نحو الظل المائل إلى الانحسار.
في الحقيقة، كنت أمسك بتلابيب الزمن لأحوله إلى لوحة، إلى كائن من روح ودم وزمن.
فأنا إنسان مزاجّي الطبع، سوداوي الرؤية للحياة والناس، وأحب العزلة وخاصة أثناء الرسم.
في لحظات العمل أغرق في وحدتي، وأعيش لحظات اللوحة، اندغم فيها وأحلق بعيدًا عن مشاعر الحزن والقهر، لأبدأ حزنًا من نوع أخر.
فهذا المرسم هو المعبد الذي ألجا إليه عندما تجتاحني الرغبة المرأة، فأرى الحياة لذة ما بعدها لذة، فاستعيدها في الألوان.
واللوحة هي الذاكرة، فيها أعشق عمري واستمرار حياتي.
قبل هذا أو ذاك أضع المؤشر على قطعة موسيقية هادئة تنسجم مع ضربات الفرشاة على الورق المقوى لتوحدني مع ذاتي وذات اللوحة.
مع الفن انفصل عن الذات لأدخل إلى ذات آخرى، في الحقيقة أنا لا أبقى ذلك الإنسان وأنما كائن من نوع خاص لا أستطيع وصفه أو أكتبه.
في لحظة النيرفانا العليا، في لحظة التوحد مع الله، طرق أحدهم الباب علي على حين غرة.
أصغيت السمع، جاءني صوت طفولي جميل يهجس بكلمة عمو من فضلك أفتح الباب.
غاب زمن اللوحة واستعاد بدلًا عنه الواقع. رميت الفرشاة جانبًا، ونظرت إلى ساعة الحائط، كانت تتحرك برتابتها الأبدية. واتجهت نحو الباب لأفتحه.
كانت مروحة السقف تدور لتحرك الهواء الخامد، هواء حزيران المكسور. فتحته فرأيت طفلًا في فم الباب. في الحقيقة فاجأني مجيئه. لم يكن من عادة سعد المجيء إلى مرسمي. قلت له:
ـ سعد، ابن أخي وصديق سامر؟
كان وجهه ينزاح نحو الخجل والخوف، مطأطأ الرأس لا يقوى على رفع رأسه:
ـ احتاج التحدث إليك. أنت الإنسان الوحيد الذي يمكنني اللجوء إليه والتحدث معه.
ـ ما بك؟ هل هناك شيء محدد تريد الحديث به؟ هل والدك والدتك بخير؟
شعرت بالحيرة والارتباك من هذا الطفل الصغير الذي أخذني من شرودي اللاشعوري واقتحم عالمي الوجودي.
قلت في نفسي:
الحلم لا يتجاوز الصور الممكنة التي يمتلكها الحالم. حتى الحلم وممكنات الحلم يعيشان داخل الخيط الذي رسمته الحياة. نحن سجناء القدر، ننتظر المنغصات لنقلنا إلى عوالم مختلفة.
وقفت مبهورًا، مستعطفًا اللحظات المتعبة أن تعلن عن نفسها:
ـ ماذا لديك يا سعد؟ ماذا تريد؟
ـ أستاذ رائد؟
ـ نعم يا سعد؟ أنا متلهف لمعرفة سبب مجيئك دون سابق موعد.
ـ أريد منك أن تعلمني الرقص.
ـ الرقص؟ هل جئت إلى هنا من أجل الرقص؟
ـ نعم.
وقفت أنظر إليه وإلى نفسي، ولا أعرف ماذا أقول له.
بدأت نظرات الطفل توحي بالاطمئنان والراحة النفسية. وكأنه جاء إلى الدكان يريد شراء قضامة سكرية ملونة.
قلت له:
ـ أنا فنان، رسام يا سعد.
ـ ألم ترقص مع الموسيقا؟ سمعت حركة أقدامك فقدرت أنك ترقص. علمني الرسم والرقص، أين المشكلة؟
نظرت إليه، شعرت بالفرح والسعادة. وشعرت بالحسد من هذا الوجه النابض بالحياة والرقة والطيبة والاسترخاء والاستقرار. نزلت من عالمي، ترجلت عنه، كأنه كان حصانًا طائرًا واقتربت من سعد، قلت له:
ـ أنت الفن كله يا صغيري. كان الصوت صوت الفرشاة يا سعد. وكنت أهتز معها. تفضل أسقيك كأس عصير.
ـ موافق، شرط أن يكون معها شطيرة لحم بالعجين.

اللذة
إن محرك تغيير التاريخ هي اللذات الحسية، التي تحشر الإنسان في مكان محدد لا يحيد عنه إلى درجة أصبح من خلالها مجرد أسير مستلب يكرر نفسه.
وإن الثقافة مجرد شاهد زور، ملطف، يرى ويكتب ويغني ويرقص، بيد أنه لا يملك القدرة الفعلية على التغيير.
إن الثقافة عامل مساعد على إبقاء التاريخ يراوح في مكانه، يقدم له النصائح والإرشادت لاستمراره في الدوران حول نفسه.
كل الافكار والآراء والمقترحات تصب طاحونة إنتاجها في مصلحة القائمين على هذا التاريخ.
من يملك المال والمكانة هو الثوري في هذا التاريخ، وما تبقى منه مجرد فضلات

اليهودية جماعة سياسية نخبوية، علمانية.
اليهودية لم تعد دينيًا كما كنّا نعتقد قبل أكثر من مئتي سنة وإلى اليوم، بل تحولت تحولات نوعية في شكلها ومضمونها، تحولت إلى شبكة علاقات سوقية، تستثمر السياسة لحيازة المجال العام في العالم.
إنها جماعة سياسية متماسكة، قوية، فوق سياسة واقتربت لتكون فوق دولة.
لا يمكن لإنسان عاقل أن يؤمن بهكذا دين، المملوء بالخرافات والأساطير الذي لا يبلعها عقل عاقل.
الأديان السماوية هي أفضل استثمار سياسي على مستوى العالم، لتعويم النخب المالية، وتثوير مصالحها، وترسيخ مكانتها.
وهي المكان المناسب لرمي الفتات أو الفضلات الزائدة للبسطاء والمساكين وأصحاب العقول المحدودة، لتكون جيشًا داعمًا لهم عند الحاجة.

الطائفية جماعة سياسية تحت دولة، تمارس السياسة في البلدان التحت مدنية في السوق السوداء
اكتشفنا على حين غرة أننا عجزة على كل الصعد. لم نحلل أي مكون خامد وكامن في شروش المجتمع ومخلفاته، كالطائفية والقبلية وغيرهما. ولم نستعد له على الصعيد الفكري والسياسي والاجتماعي
هناك شلل سياسي ومعرفي وفكري لدى المجتمع ونخبه. هذا، ليس وليد اليوم والبارحة، أنما هو نتاج عجز مجتمع شامل يتحمل مسؤوليته الجميع.
فالسياسة ليست منابر على التلفزيون أو رجم هذا الطرف أو ذاك، وليس الحديث الغوغائي عن الطائفة الفلانية أو العلانية.
لم نستعد لمثل هذا اليوم. ولم نتوقع ما يحدث. ولم نضع في بالنا أننا سنواجه مثل هذا المصير الوجودي المأساوي الشامل على كل الصعد سواء داخلي أو خارجي.
أغلبنا أكتفى بالتأمل وتفريغ طاقة أو شحنة عاطفية سياسية عابرة تمر في خاطره.
القضايا النبيلة تحتاج إلى رافعة سياسية وثقافية، إلى فكر يأخذها إلى مكانها الحقيقي.
لا يكفي أن تكون مظلومًا حتى يعترف الآخرين بك وبقضيتك. عليك أن تشتغل عليها، تمنحها الروح، العقل والقلب لتنطلق.

السلطة كيان ولد في وسط الخوف والقلق
من الخوف ولدت السلطة، ومن هذا الخوف بدأت أزمتها مع نفسها
القانون ليس بريئا، لا براءة في الحياة ما دام هناك كتلة منظمة مسيطرة على المجتمع، تستخدم السلطة لفرض قانونها وشروطها وأخلاقها.
القانون هو شرخ اجتماعي وسياسي وإنساني، أنه جزء مهم من تفكيك بنية الإنسان وتمزيقه، وتحويله إلى كيان مفتت خائف على وجوده ومصيره.
إنه رمز للتراتبية العمودية، رمز تفكيكي للذات، للإنسان.

نحن غربيون دون غرب
من هو خارج الثقافة الغربية؟
جميع الأفكار والمفاهيم التي نتداولها في حياتنا الثقافية هي غربية، وجميع النتاجات المعاصرة غربية، والصناعات والتكنولوجية والأدوات الزراعية غربية.
ومصممين أننا لا غربيين
عندما نكون في الشارع وفي المؤسسات العامة والخاصة، نتداول العلوم الغربية، وأغلب أستخداماتنا اليومية، الهاتف والسيارة والتعاملات التجارية والبنكية هي غربية.
عندما نعود إلى بيتونا، نتحول إلى ما قبل عصر هذا العصر.
نعود للتوكل على الوهم، ونخضع لإعجوبة ميلاد المسيح أو لبراق محمد أو سلة موسى وركوبه موج النيل وهو رضيع ويتيم.
نرمي الحضارة خلفنا في الليل، نبصق عليها أو نمارس الاستمناء عليها، وفي الصباح نرتديها كما نرتدي ستراتنا الواسعة والضيقة.
هذه التناقضات بين الذات القديمة والراهنة متعة لنا، سلوك ترفي معيب وصعب جدًا.
أننا مستمتعون في أذلال أنفسنا، وكأننا في حفلة تنكرية بايخة.

القمع المعنوي هو سبب خراب حياتنا
طوال حياتنا، كنّا خدام القمع المعنوي الذي عشناه في بلادنا:
العيب، الحرام، هذا حلال زلال وهذا لا، لا تفعل هذا ولا ذاك، لأنه مخالف للحس العام الاجتماعي، وخوفًا من النبذ الاجتماعي والديني
كنّا حراس السجن الاجتماعي، العادات والتقاليد، هذا يجوز وهذا لا يجوز، الخضوع لهذا أو ذاك، احترام التراتبية الاجتماعية التافهة.
مارسنا القمع المعنوي على أنفسنا، وغيرنا أنفسنا من أجل إرضاء هذا النكرة او ذاك، إلى أن أضحى المجتمع كله ورشة مرضى يطبطبون على اكتاف بعضهم البعض كذبًا، ونفاق.
كنّا سعداء بمشاعر العجز والضعف والتبعية، والدينامية التي فعلت فعلها بنا على أنها فضائل، وأدب اجتماعي جم، إلى أن خرجنا من أنفسنا مهزومين، مكسورين.
لم نفرح بأنفسنا وأحلامنا وأفكارنا وأعمارنا، عندما التفتنا إلى الوراء اكتشفنا أنفسنا بقايا بشر لا قيمة لنا ولا لمجتمعنا ولا لبلادنا أية قيمة.
فلتفرح هزائما بنا أيما فرح

لنترك الجامع والكنيسة في الشرق عندما نأتي لأوروبا
نتمنى من جماعتنا القادمين إلى السويد أن يبحثوا عن جوانب أخرى للاستثمار، بعيدًا عن بناء الكنائس والجوامع والجمعيات التي تدر علينا المال الحرام.
أغلبنا لا يرى في الحياة إلا الجانب الديني.
والدين عدو الفن بكل أنواعه كالرسم والنحت والموسيقى والغناء والرقص، والحب والحرية والسباحة المختلطة بين الذكور والأناث.
نتمنى من الجميع الانفتاح على الحياة المتنوعة والمساهمة في تفعيل النشاطات الإنسانية الأخرى، أن لا نكون سلبيين، وعلينا أن نرى الحياة من زوايا متعددة.
أوروبا تتغير بسرعة جنونية والسويد واحدة منها، والقوانيين تتغير، ولا استبعد أن تتحول هذه البلاد إلى دول فاشلة، بفعل فاعل.

البشر أداة السياسة
البشر العاديين فضلات السياسة، مجرد سماد نافل في الميزان السياسي منذ بدء التاريخ وإلى اليوم.

النص حمال أوجه
النص، أي نص حمال أوجه، هذا أجمل ما قيل عبر التاريخ، ونسبها علي بن أبي طالب للقرآن عندما قال:
القرآن حمال أوجه.
قراءة السياسيين للنصوص هي اسوأ قراءة، يخرجون من أعماقهم الخبث والدهاء والغايات والرغبات الدفينة في عقلهم الباطن، كالدونية والتشيء، والطعن في الظهر والصدر.
وفي هذه القراءة يبان البعد النفسي والسلوكي للدول والفاعلين فيها وقذارتهم وسلوكهم المنحرف لتحقيق مصالحهم الذاتية، كالشهرة والارتقاء الوظيفي، والخضوع لاصحاب القرار، السادة الذين يرسمون الاستراتيجيات العامة، وعلى الصغار التنفيذ.
المقترح الصيني للسلام في أوكرانيا من أخبث المقتراحات، كل جهة أو طرف تقرأه كما تريد وترغب.
يجب فصفصة كل كلمة فيه، أبعاده وغاياته ومراميه وإلى أين يذهب، الضحية، هو الشعب والمجتمع الأوكراني، وهو أخر من يحسب حسابه، لا حكومة أوكرانيا ولا الفاعلين في الصراع.
عالمنا مخلخل، تفعل النصوص الحمالة للأوجه في المزيد من المخلخلة.
الدولة كمفهوم ولدت مأزومة، ونشرت أزمتها، وبنيتها المخلخلة على البشرية كلها، وستستمر الحروب والفقر والتوتر والجوع وعدم الأمان.

تم الولوغ في أوكرانيا للمتعة
كانت أوكرانيا طعم، صنعته الولايات المتحدة واليوم ستجلس لتتغذى على الطريدة.
الحماقة كانت من زيلنسكي الساذج، اليوم أنه في الفخ، ولم يعد مهمًا إن مات أو قتل، لقد ساعد الولايات المتحدة بحماقته أو سذاجته على الإيقاع به بنفسه وجاره ووطنه.
ودفع الغلابة المساكين، النساء والأطفال والشيوخ ثمن الحسابات السياسية الغلط.
اليوم الولايات المتحدة بقيادة المخنث بادين في أوج سعادتها، وحولها صبيانها اليافعين، يصفقون لها ببلاهتهم المعتادة.
لقد أصابت الولايات المتحدة الهدف، وسقطت أوكراينا وروسيا، وأثبت الشرق أنه ما زال صغيرًا على التفكير، وعلى حمل العقل في الرأس.
لماذا لم نسمع عن جرائم الولايات المتحدة وحروبها منذ أن رمت قنابلها الذرية على المدنيين؟
لماذا لم نتهمها أنها سوقت هذه الحرب من أجل المجمع العسكري الامريكي لبيع السلاح بصفقات هائلة، وبيع النفط والغاز بخمس أضعاف لحلفاءها الاوربيين وابتزازهم.
عندما نكتب هذا لا نبرأ بوتين، لكن بالمقابل علينا أن نكتب عن جميع الفاعلين.
الجميع مساهمين في الخراب.
في رواية، للروائي ماركيز غاريسيا اسمها، قصة موت معلن، الجميع يعرف أن سانتياغو نصار، العربي، سيقتل، وأن أخوة الفتاة العاشقة له ذهبوا لقتله، ولكن الجميع صامت، ينظرون من الشبابيك والنوافذ كيف سيقتل.
أوكرانيا وحيدة، أنها تقتل يوميًا بيد أبناءها
جميع الممثلين الفاعلين مساهمين في قتلها، وعندما يتم الذبح، كلهم سينفضون يديهم ويرحلون دون دفن الجثة، وهذه الجثة هي الدولة والمجتمع الأوكراني.
اوكرانيا مجرد أداة، منصة متصارعين، هما الولايات المتحدة وروسيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و


.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح




.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة