الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجود الإمام وفاعليته في زمن الغيبة

سعد العبره

2024 / 2 / 25
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قال تعالى:(ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) هذه الآية صريحة الدلالة على إنّ الله سبحانه وتعالى لا يُرى،هذا مع اعتقادنا -كمسلمين- بإنّ الله ليس بشرا ولا على هيئه البشر. إنما نستفيد من دلالة هذه الآية على على فاعليته وإيماننا بإنّه الفاعل الذي يرى ولا يُرى دون وجود أدنى شك في نفوسنا. وهو الذي لا يؤيّن ب(أين) ولا يكيّف ب(كيف)، حتى إذا سمعنا سؤالا أو طلبا يريد إثبات وجود الله فإنّ أدلة كثيرة ستكون جوابا شافيا مقنعا لمن يريد أن يستدل،لا أن يثير الشبهات فقط.
ثم إذا ما أسقطنا هذا المعنى على فاعلية الإمام المهدي (عج) في غيبته فإن الأمر لا يختلف كثيرا مع حفظ الفرق بين الخالق وصفاته كإله والإمام وصفاته كمخلوق، فمن يريد أن يبحث في موضوعة فاعلية الإمام الغائب عليه أولا الإيمان بوجوده وإلا لا يمكن أن نصل إلى مدى تأثيره في زمن الغيبة دون أن نسلّم بوجوده،علما إنّ دلائل وجوده وغيبته كثيرة إذا ما بحثنا عنها في كتب المذاهب الإسلامية،وفي كتب المذهب الإثني عشرية خاصة، ومن أهم المضامين التي تدل على وجوده إذا ما أردنا البحث:
عدد الإئمة المعصومين
الإمام الثاني عشر وولادته
خصائص الإمام
أسباب غيبته
وسيجد الباحث كل ذلك من خلال الروايات المعتبرة التي يصل سندها إلى الإئمة الطاهرين.

يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة الجاهلية).
وتلك الجاهلية في معرفة الناس لإمام زمانهم ليس لها معذورية عند الله،إذ يذكر الشيخ أحمد الاشكوري في كتابه (العقيدة المهدوية إشكالات ومعالاجات) قول الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الحجّة البالغة، إذ يقول الإمام: (إنّ الله يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أكنتَ عالما ؟ فإن قال: نعم، قال له:ألا عملت بما علمت ؟ وإن قال: كنت جاهلا،قال له: أفلا تعلّمت حتى تعمل..)
وهنا على سبيل الفرض الواجب لا على سبيل الخيار أن يعرف كل مِنّا إمام زمانه، خاصة ونحن لم نجد رواية واحدة في هذا الكم الروائي تشير إلى وفاة الإمام الثاني عشر،وهذا دليل من أدلة إثبات وجوده مع قرينة إن الأرض لا تخلو من معصوم، وكذلك إشارة إلى إن الخلاف لا يقع في هذه المسألة(وفاة الإمام) بل يرد الخلاف بين الإيمان به أو إنكاره من جهة وبين ظهوره أو ولادته في آخر الزمان من جهة أخرى.

ونحن -البشر- لا ندرك الله بالحواس لكن ندركه بالبصيرة، فالعقل يستدل على الوجود بالأثر، فهذا الكون الشاسع أثر وهذا الإنسان الجرم الذي انطوى به العالم الأكبر هو أثر أيضا، والأثر هو فعل، والفعل يقف خلفه فاعل، فلا حدث يحدث دون وجود من يحدثه،وهذه من أبسط الاستدلالات على وجود الله، فالله سبحانه وتعالى لا يُرى بالعين لكن لا تنكر فاعليته و دوره في إداره هذا الكون وهذا دليل على إن ليس كل من لا نراه معطلا عن العمل كما أن الغيب لا ينفي الدور والأثر.

أمّا الإمام الغائب فهو يقول وبتوقيعه: (وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء). ومن يقرأ ذلك التوقيع يلاحظ أنّ الإمام (عج) قد استخدم التوكيد في عبارته وبأكثر من حرف (إن، لام التوكيد) ، ومع أن قول الإمام هو حجّة بحد ذاته، إلا إنّه يؤكد ذلك لأهمية بالغة يريد إيضاحها للأمة.
وقد تؤيد ذلك بعض الروايات ضمنا،أذكر منها:
* روي عن أحد الإئمة :(لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت).
* روي عن الإمام الباقر(عليه السلام):(لو أنّ الإمام رُفِع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله).
* روي عن الإمام علي(عليه السلام) قوله: (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة،أمّا ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا؛لئلا تبطل حجج الله وبيّناته).
* العبارة الواردة في نهاية حديث الثقلين: (..... ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً،وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) إذ أجد فيها ثلاث إشارات مهمة:
الأولى: عدم الضلالة مع التمسك بالكتاب والعترة وهذا معنى واضح.
الثانية: نفي الافتراق بينهما بإداة تفيد نفي المستقبل (لن).

الثالثة: تأكيد وجود المعصوم في الأرض حتى قيام الساعة بعد أن أكدّ عدم افتراقهما،قال (حتى يردا عليّ الحوض).


ويذكر الشيخ الأشكوري في كتابه(العقيدة المهدوية إشكالات و معالجات): بعد أن قام البرهان على وجوده فلا مجال للاستفسار عن تصرفاته فعدم إدراك الفائدة لا يسوغ تضعيف الآثار.
ويأتي هذا الرد على الشبهة التي تقول لا فائدة من الإمام الغائب، وهنا يشير الأشكوري إلى إن مَن يستدل على وجود الإمام بالأدلة الثابتة،كل ما عليه هو التسليم للإمام دون التشكيك أو البحث عن تصرفاته التي يقوم بها، ولا ندركها.
فنحن قد عرفنا الله-كما أشرت سابقا- بالبصيرة، لكن نحن لا ندرك حكمة الله وتصرفاته وتدخلاته الخفية في هذا العالم والعوالم الأخرى.
ويعضّد الأشكوري هذه الفكرة بالرد على الشبهة القائلة بغيبة اللطف،إذ يقول: (إن الشيعة لا تقول إن الإمام معطل، والذي ينافي اللطف التعطيل لا الغيبة، وفرق بينهما، وقد دلت الآثار إن الإمام ليس بمعطل وإنما غائب لا تدركه النفوس الضيّقة).
وهنا في الوقت الذي ينفي التعطيل ويبيّن الفرق بين الغيبة والتعطيل فإنه يشير ضمنا إلى أهمية استعداد النفوس لإدراك الأشياء، نحن نقول وبالتجربة أن الأرض غير الصالحة لا يمكن أن تعطي نتاجا مساويا للأرض الصالحة المهيئة، كما إنّ بالتجربة العملية عندما تريد أن تصل لنتيجة فلا بدَّ من توفر الأدوات الرئيسية المناسبة والفصل بين العيّنات المختلفة حسب مادتها وصفاتها لكي تصل إلى نتيجة علمية يستند إليها لتكون حقيقة. ومن الأدوات التي نحتاجها لإدراك فائدة الإمام ولطف وجوده في غيبته هي الفطرة والتفكّر بعد التسليم بوجود الإمام وكذلك تنقية النفس من الأمور التي تعرقل أو تحجب إدراك الحقيقة المحضة، وهي إن الإمام الغائب عن الأنظار موجود في النفوس المؤمنة وتلك النفوس لا يعتريها أي شك في وجوده وفاعليته في زمن الغيبة والذي هو من إراده الله ومشيئته، على العكس من النفوس المريضة المضطربة التي ليس لها صلة روحية وثيقة بالإمام وآبائه أو تلك النفوس التي أثقلتها الذنوب وشغلتها مغريات الدنيا فقلَّ صفاؤها وتراخى تمسكها بحبل الله وضعفت صلتها بالإئمة الوارثين،مما جعل هذه النفوس الضيّقة بعيدة عن الشعور باللطف الإلهي الخفي،والتي لو أدركت ذلك لأطمأنت،ولعلي أجد هذا المعنى بقوله تعالى:
*(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى).
* (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
وإن كانت الآيتان صريحتين وخاصتين بذكر الله،إلا إننا-الموالين لآل محمد- نعتقد كل الاعتقاد بإنّ ذكر آل محمد هو ذكر لله،لأنهم هداة لدينه،وخلفاء له،وعباد صالحون،وسبحانه القائل في الحديث القدسي (عبدي أطعني تكن مثلي،تقل للشيء كن فيكون).
ولعلي أريد أن أصل إلى حقيقة إيمانية،وهي أن من صور ذكر الله في زمننا الحاضر هو ذكر حجّة الله الموجود بيننا،فالاعتقاد بوجوده لا يكفي،ما لم نستحضره في نفوسنا،وننصره بصالح أعمالنا،ثم ندرك فاعليته وأثر وجوده ولطفه (عج).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحفظ عربي على تصورات واشنطن بشأن قطاع غزة| #غرفة_الأخبار


.. الهجوم الإسرائيلي في 19 أبريل أظهر ضعف الدفاعات الجوية الإير




.. الصين... حماس وفتح -احرزتا تقدما مشجعا- في محادثات بكين| #غر


.. حزب الله: استهدفنا مبنيين يتحصن فيهما جنود الاحتلال في مستوط




.. مصطفى البرغوثي: نتنياهو يتلاعب ويريد أن يطيل أمد الحرب