الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بالعقل تتقدم الأمم وبالعلم والديمقراطية

عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث

2024 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


افتتحت الجزائر الشقيقة ما وصفته بأسلوب التفضيل على وزن أفعل، بأنه أكبر مسجد في افريقيا. لعل أول ما يستدعيه مشروع كهذا، بكل ما يعنيه ويرمز إليه، التساؤل عن الجدوى والغاية، وهل تدخل دور العبادة مهما بلغت ضخامتها ضمن معايير التقدم والإنجاز بمعايير العصر؟!
الإجابة، لا النافية. لم نسمع يومًا أن دولة متقدمة في عالمنا، تباهت بافتتاح أكبر كنيسة في القارة التي تقع فيها، أو على مستوى الدول التي تشاركها المعتقد الديني. تلك الدول، كما نقرأ ونسمع، تتباهى بديمقراطيتها، أو بانجازاتها العلمية والتكنولوجية. وتتفاخر بعدد براءات الاختراع في ميادين العلوم، وبعقولها الحاصلين على جوائز نوبل. في عصرنا سريع التحول والايقاع، تتمايز الأمم والشعوب بالعقل ممتحًا للتفكير العلمي، بمعنى الانطلاق من العقل ومنطقه للحكم على الأشياء في الاقتصاد وفي السياسة وفي شؤون الاجتماع الانساني كافة، كرافعة رئيسة للتقدم. كما نرى ومعنا القارئ الكريم، لا علاقة للدين ومتعلقاته ومن بينها المساجد، بمقاييس النهوض والتقدم ومؤشراتهما. الدين، بشروط التقدم وضرورات التماسك المجتمعي، كما أثبتت وتثبت تجارب الدول المتقدمة، شأن معتقدي تعبدي خاص، مكانه دور العبادة، ولا علاقة له بالسياسة وشؤون الاجتماع الإنساني.
على صعيد الدولة صاحبة المشروع "الأكبر من نوعه" في قارة افريقيا، نتساءل بداية: ماذا تَتَغَيَّا الجزائر من إقامة مسجد بهذا الحجم، وما المردود الذي سيتحقق منه على المديين المتوسط والبعيد؟! ولنا أن نتخيل عدد المساجد في الجزائر عاشر أكبر بلد في العالم مساحةً، وذات الستة والأربعين مليون نسمة، إذا نحن في الأردن ذي الثمانية ملايين مواطن يضاف إليهم ثلاثة ملايين مقيم، في بلدنا سبعة آلاف مسجد. لا يتوقف تدافع التساؤلات، في ضوء حقائق عدة، كل منها يسكب الأسى في كأس الأخرى. فالمنطقة العربية، ومن ضمنها دول شمال افريقيا وباقي أجزاء هذه القارة غير العربية أيضًا، هي الأعلى عالميًّا في نسب الفقر والبطالة. هنا نعود للتساؤل، حتى بمنظور الدين نفسه: أيهما أولى بناء مسجد هو الأكبر من نوعه في افريقيا أم خلق فرص عمل لإطعام آلاف إن لم يكن ملايين الأفواه الجائعة؟!
على صعيد متصل، نتساءل أيضًا انطلاقًا من تخلف الأمة التي تنتمي اليها الجزائر: ما الأكثر أهمية لحاضرنا ومستقبلنا بناء المساجد أم تشييد المصانع وإقامة محطات الطاقة النووية؟!
تأسيسًا على ما تقدم، كنا سنشعر بالإرتياح لو أتحفتنا الجزائر ببناء أكبر مصنع للسيارات أو الثلاجات، على سبيل المثال لا الحصر. وسيغمرنا الزهو لا شك، لو زف لنا بلد المليون ونصف المليون شهيد خبر إقامة معهد هو الأول من نوعه في افريقيا والعالم العربي، مهمته الرئيسة إعادة قراءة موروثنا بشروط العصر ومعايير العلم ونواميس العقل ومقاييس النهوض والتقدم. ما أحوج العرب إلى معهد كهذا، بناءً على حقيقة أننا الأمة الوحيدة على وجه الأرض، التي يشتبك في الديني والدنيوي، ولم ترتقِ بثقافتها وأنماط تفكيرها بعد إلى الفصل بينهما فتعطي لله ما لله ولقيصر ما لقيصر.
وماذا لو فَجَأتْ الجزائر، ذات الإمكانات والموارد الطبيعية الكبيرة، العالمَ بمدينة تقنية على غرار وادي السيليكون في أميركا أو مدينة بنجالور الهندية؟ لنا أن نتصور انعكاس ذلك على صورتها وسمعتها، في عصر يحترم الأقوياء الساعين بالفعل لامتلاك عناصر القوة ووسائل التقدم.
للتذكير أخيرًا، بالعقل تتقدم الأمم وبالعلم والديمقراطية، وليس بغيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جودي سكيت.. يكشف عن أشياء مستحيل أن يفعلها ومفاجأة عن علاقته


.. تساؤلات حول تقرير واشنطن بشأن استخدام الأسلحة الأمريكية في غ




.. بعد الوصول إلى -طريق مسدود- الهدنة لا تزال ممكنة في غزة.. «ج


.. المستشفى الإماراتي العائم في العريش.. جهود متواصلة لدعم الجر




.. تحرك دولي لإطلاق تحقيق مستقل بشأن مقابر جماعية في قطاع غزة