الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شكرا للمجذوب الذي لقنني درسا ب فقه الوظيفة !

احمد الحاج

2024 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


اليوم أصبت بـ داء العُجب لأمر ما كنت قد أنجزته في عملي الوظيفي فخلت نفسي لوهلة ولفرط جهلي بأنني “طرزان أو عنترة بن شداد “،وما هي الا دقائق معدودة على تسلل لعنة العُجب المقيتة الى النفس الأمارة بالسوء على حين غرة من النفس اللوامة، وإذا بـ”مجذوب”معروف يسكن واحدة من محلات بغداد التراثية العريقة يقف أمامي وجها لوجه بملامح متجهمة سائلا إياي بحدة وباللهجة الدارجة سؤالا لم يسألنيه أحد من قبل ، وأخال من بعد كذلك ونصه ( يا هو أحسن ، أني لو أنت ؟!) بمعنى ولمن يصعب عليهم فهم اللهجة العراقية العامية (أيهما الافضل ،أنا أم أنت ؟) فأجبته تواضعا ومن دون أن أكلف نفسي عناء هضم الرد والتفكير فيه مليا قبل النطق به “طبعا أنت الأحسن !” فرد على الفور بكل ثقة وبصيغة الجزم ” إي آني أحسن” بمعنى ” = نعم أنا الأفضل ” ، هنا قلت ” شكرا يا رب لقد وصلت الرسالة ” ، هذه الرسالة العاجلة غير الآجلة التي جعلتني أقر وأعترف بلساني وأمام الجميع ممن كانوا ينصتون الى حديثنا وإن لم يشاركوا فيه ، والإقرار كما هو معلوم سيد الأدلة بأن – المعتوه – هو أفضل مني إذ أن ما استنبطته من مجمل هذا الحوار القصير ،وما استشفيته من هذا الموقف المفاجىء الغريب هو الرد السريع على الشعور المريب الذي انتابني وما كان ينبغي لي أن أقع في شراك العُجب ،ولا أن أسقط في فخاخه ولو للحظة واحدة ، فهذا العُجب المقيت الذي لم يستمر أكثر من 10 دقائق قد تحطم تماما ، وإنهار كليا على لسان أشعث ،أغبر ، مدفوع عن الأبواب ،أخاله والله أعلم ممن يندرج في مجمل من قال فيهم النبي ﷺ ، لو أقسم على الله لأبره ، ولاسيما وأن هذا الشخص كان في غاية الوسامة والذكاء والشجاعة وهو سليل عائلة كريمة معروفة في بغداد قبل 35 عاما خلت حتى أصيب بـ” الجذب” كما يسميه الصوفية، أو بـ ” العته الحادث غير المطبق ” كما يطلق عليه رجال القانون ، وذلك أثناء معركة حامية الوطيس على الجبهة أثناء الخدمة العسكرية، ليتحول الرجل من حال الى حال لا يميز بين الخير والشر ، الا أنه لا يشكل خطرا على المجتمع” ، وفقا لتعريفات – المعتوه – قانونا بخلاف المجنون المطبق ، والابله ، والاحمق ، والغبي ، والسفيه ، أما وفقا للاحكام الشرعية وبحسب الموسوعة الفقهية فإن – العته – هو نقصان العقل من غير جنون ولا دهش ، حيث يختلط كلام المعتوه ليشبه بعضه كلام العقلاء، وبعضه كلام المجانين ، وقد رفعت عن المعتوه التكاليف وحكمه حكم الصبي غير المميز ” ، والمجذوب لغة هو الشيء المحول عن موضعه، أما المتصوفة فيعرفونه بأنه”الشخص الذي اصطفاه الحق لنفسه ففاز بجميع المقامات والمراتب بلا كلفة المكاسب والمتاعب” على حد وصفهم ، وهو رأي ابن عطاء الله السكندري ،الذي اعتبر المجذوب أفضل من السالك من وجهة نظره طبعا ، وبرغم أنني لست صوفيا بالمعنى الدقيق والحرفي للمصطلح إلا أنني والحق أقول لكم أعشق التصوف” النقي ، العملي ، العلمي ، الصادق ، الحقيقي” وأعني به تصوف الحسن البصري ، والجنيد البغدادي، ومعروف الكرخي ، والسري سقطي ، وزين العابدين ، والغزالي ، والجيلاني وأمثالهم ، بعيدا كل البعد عن التصوف النظري الغنوصي الفلسفي البدعي حيث نظريات الحلول والتناسخ ووحدة الوجود ونحوها من الأباطيل والتخاريف والهرطقات .
وعودا على بدء أقول لقد نطق الرجل بلسان الحق حين باغتني بسؤال ،وأرغمني على المقارنة بيني وبينه على رؤوس الأشهاد من حيث الأفضلية وبما سحق كل كبرياء يعتمل بداخلي ،وكل عجب يجيش في صدري ، إذ لم تبق اجابتي العفوية على سؤاله بأنه الافضل وتأكيده بحزم الواثقين على أنه كذلك وبأنه ” بالفعل هو الأفضل ” أي أثر للعجب الذي تبخر وكأنه ماكان ولم يكن ، وكيف لايكون هذا الشخص هو الأفضل وقد رُفعَ عنه القلم بما قد يضمن له الجنة من غير تكاليف ، فيما لم يرفع عني أنا العبد الفقير ، في عالم تسوده الفتن والكروب والحروب والمحن ، والله يقلب قلوب العباد كيف يشاء ولن يأمن أحد مكر الله تعالى قط ، ولن يأمن مخلوق ثبات قلبه ، واستقرار حاله ، وحسن خاتمته من عدمها إلا برحمة منه سبحانه جل في علاه ،وبقطرات من بحر جوده تملأ الأرض ريًّا، أو بنظرة من عين رضاه تجعل الكافر إذا يشاء وليًّا.
لقد علمني المجذوب ، المعتوه ، سمه ما شئت فالعبرة وعلى قول علماء الأصول بالمضامين لا بالعناوين ،وبالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني ، أقول لقد علمني درسا بليغا في الفضيلة والأخلاق الحميدة مفاده بأن ” العجب بالنفس لا يليق على الإطلاق بمن أوله نُطفة مَذرة، وآخره جيفة قذرة،وبين ذلك يحمل في بطنه العَذرة، فضلا على أن العجب لايليق البتة بمخلوق ضعيف تؤلمه البقة، وتقتله الشرقة، وتنتنه العرقة ، وحسب عواصف الواقع المعاش وكدماته معلما ومهذبا ومربيا ” .
وبما أن الشيء بالشيء يذكر فها أنذا أقدم دعوة أخوية صادقة لإصدار كراس ..كتيب ..كتاب بعنوان "فقه الموظف" لتوزيعه بين المؤسسات والدوائر والشركات الحكومية والمختلطة !
قديما و ما قبل عقود الفردانية والانانية ، وعندما كانت النفوس أكثر طيبة ، والقلوب أكبر رأفة ، والناس أشد ألفة ورحمة وأخوية ومحبة ، بوجود ادارات أشد حزما ، وأكثر كفاءة ، علاوة على موظفين أكبر دراية ، وأكثر خبرة في مجال تخصصهم ، مشفوعة بقوانين فاعلة أكثر تطبيقا وأشد صرامة كان الجميع يخشى من مغبة القفز أو التحايل عليها لأي سبب كان، يوم كان أساس التوظيف وركنه الركين يعتمد على القاعدة الذهبية " وضع الشخص المناسب في المكان و- الزمان - المناسب " بعيدا عن المحسوبيات والمنسوبيات والحزبيات والخطرانيات والعصبيات والمناطقيات ، كان الموظف لايهمل كتابا اداريا قط ولاسيما تلك التي تتعلق بمعاملات المراجعين ، ولا يؤخر كتابا رسميا عن موعده البتة وبالاخص تلك التي تتعلق بحقوق المواطنين ، وكان يروج الكتب الرسمية النافعة على وجه السرعة ليدخل السرور على قلوب أصحابها أملا بأن يسره الله تعالى بكتاب رسمي مثله في القريب العاجل ، أو أن يحظى بدعوة مباركة مستجابة من مواطن راجعه لانجاز معاملته فخرج مسرورا من دون مشاكل تذكر ولا "روح وتعال بعد شهر ...لو أكلك ، خليها ثلاثة أشهر أفضل !" لتدفع الدعوة من الضر ما لا يعلمه الا الله تعالى بخلاف الدعوة على الموظف من قبل مراجع مظلوم ستؤرق ليله ، وتذل نهاره ، كان الجميع يتحاشون تأخير انجاز المعاملات ، بينما كانوا يتحاشون اصدار وترويج الكتب التوبيخية والعقابية بحق زملائهم قدر الامكان إلا ما كان فيه مصلحة عامة لتحسين الاداء وضمان النزاهة والجودة ، أما اليوم ومما يؤسف عليه حقا وبما بتنا نسمع بشأنه عشرات الحالات حيث أسرع الكتب الرسمية والادارية وصولا الى أصحابها والى من يهمهم الأمر - هي كتب لفت النظر ، الإنذار ، قطع الراتب ، التوبيخ ، الغياب ، عدم موافقة المدير، رفض الطلب ...الخ " حتى أن بعضها يصل في نفس اليوم وبعضها في اليوم التالي في أبعد الأحوال ليزعج ويقلق أصحابها بدلا من أن يسرهم ويجبر خواطرهم ، أما بشأن أبطأ الكتب الرسمية ترويجا وأكثرها فقدانا وأشدها ضياعا فهي ولاشك - كتب الشكر والتقدير ، التكريمات ، العلاوات ، والترفيعات ، البعثات ، الزمالات الدراسية ، زيادة المخصصات ، اضافة خدمة ، المكافآت التشجيعية ، الإجازات المرضية ، ...نحوها - وجلها عادة ما - تدفن - أو تؤخر أو تركن على الرفوف وربما تخفى من - قبل بعض المعقدين نفسيا - ليظل صاحب الكتاب المسكين يبحث عن كتابه ولكن من دون جدوى لأسابيع وربما لشهور حتى يجده أخيرا تحت ركام من الملفات والكتب الرسمية أو في أدراج أحد الموظفين المهملين أو -المعقدين نفسيا - ليبادر الموظف المعني فورا ومن دون ابطاء وبدلا من الاعتذار للموما اليه على ما تسبب له به من أذى نفسي ومعنوي ومادي لصاحب العلاقة " إي عيني ، ودي للصادرة أو للمدير خلي يهمش عليه !!" هكذا وبكل بجاحة ووقاحة "وبالتالي اقول لكل موظف ، مهملا كان أو - معقد نفسيا - سبق له أن تورط بأمثال هذه الافعال القبيحة والشنيعة " اتق الله رجلا كنت أو امرأة فكما تدين تدان " .
أسباب المنشور هو كم المراجعين الكبير ممن يزدحمون على أبواب المؤسسات والدوائر الحكومية ليعود بعضهم أدراجهم خائبين دون إكمال معاملاتهم وكثير منهم يقطع المسافة بين محافظة بعيدة وأخرى ، وبعضهم يضطر الى المبيت في العاصمة لحين اكمال معاملته وربما لأيام عدة برغم ما يكلفه هذا المبيت من أموال طائلة هو في غنى عنها وحسبه وتكاليف المعيشة الباهظة وفي مقدمتها إيجار السكن ،أجرة الكهرباء السحب من المولدة الاهلية القريبة ، ثمن الدواء والنقل وأعباء الحياة اليومية الأخرى ، ومن أسبابه أيضا ما نسمع به مرارا وتكرارا بشأن صدور كتب مهمة في توقيتات متأخرة ما يلحق الضرر المادي والنفسي بأصحابها للالتحاق بدراسة أو ببعثة أو زمالة ... لعلاج حالة صحية طارئة بصورة مستعجلة خارج العراق...لتعويض شخص متضرر ...إبلاغ عاطل عن العمل يحلم بالتعيين ولو بصفة عقد أو حتى أجر يومي ، ونحوهم من أشباه ونظائر وعدم إبلاغهم بإنجاز معاملاتهم ، أو بوصول الكتب الرسمية التي تخصهم ، أو بظهور الاسماء ، أو بوجود نقص في المعاملات التي قدموها ليستدركوا الخلل ويسدوا النقص إلا بعد فوات الأوان بسبب موظف كسول أو مهمل أو معقد ، كان قد وصله الكتاب الرسمي كاملا من دون أن يسرع بإبلاغ صاحبه ، ولو كان هذا الكتاب عقوبة أو توبيخا أو رفضا للطلب المقدم لأرسل الكتاب في من فوره ولو عبر البريد السريع !
وتأسيسا على ما تقدم اضافة الى ما يسمى بـ البطالة المقنعة ، والابتزاز الوظيفي ، والرشوة ، والاخطاء الادارية ، والتقصير ، وتأخير المعاملات عمدا أو سهوا" أدعو وأقترح على من يهمه الأمر اصدار كتاب ، كتيب ، كراس جامع مانع بعنوان " فقه الموظف "يتم تأليفه بأسلوب السهل الممتنع وبعرض وتقديم وتوطئة وتقريظ ماتع شائق واف ومستوف يشترط بمن يؤلفه اضافة الى موهبته في الكتابة هو إحاطته بالعلوم الشرعية ، آلة وغاية ، النقلية منها والعقلية ، وأن يكون قد مارس الوظائف الحكومية - مسلكيا ومهنيا - وليس وصوليا ولا محسوبية أو منسوبية أو حزبية أو عشائرية - وبمختلف صنوفها ودرجاتها ردحا طويلا من الزمن ليكون ملما بكل ما يكتب ومطلعا على كل تفاصيلها عن كثب وليس بعيدا عنها ،ليوزع الكتاب بين جميع الدوائر والمؤسسات الحكومية والمختلطة في أرجاء العالم العربي ، والله من وراء القصد ...
اودعناكم أغاتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حريق في صفد اندلع مجددا بعد إخماده أمس إثر قصف من جنوب لبنان


.. حجاج بيت الله الحرام يتوافدون إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج




.. حلف النيتو يعلن أنه سيتولى دورا أكبر في تنسيق إمدادات الأسلح


.. اعتصام أمام البرلمان السويدي للمطالبة بإيقاف تصدير السلاح لإ




.. أكثر من مليوني حاج يقفون على صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظ