الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)

عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)

2024 / 2 / 26
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


[ هذا النَصّ هو الجزء الأوّل من فَصْل مُـقْتَطَف من كتاب: (رحمان النوضة، الجِنْس والدِّين، نشر 2016، الصفحات 180، الصيغة 17). والعُنوان الكامل لهذا الـفَصل هو "كَيْف نَتَـعامل مع مُمَارَسَة الجِنْس خَارج الزَّواج ؟". وهذا الكتاب هو مكتوب على شكل حِوَار بين شخصين، هما آدم وإبراهيم. وَيُمكن تَنْزِيل هذا الكتاب بِالمَجَّان من مُدوّنة الكاتب ].
آدم : وماذا تُريد أنت ؟ هل تُريد أن يَعْتَـقِل البوليس كل هؤلاء المُواطنين الذين يمارسون الجنس خارج الزواج القانوني، وأن يحكم عليهم القاضي بِـعُـقُـوبَة سِجْنِيَة ؟
إبراهيم : لاَ، أبدًا ! ما أريده هو: أولاً، أن تعترف الدولة، وأن تعترف الحركات الإسلامية الأصولية، وأن يعترف الشعب هو نـفسه، أن أجزاء واسعة من جماهير الشّعب، ومن كلّ طَبَـقَات المُجتمع، ترغب في حرّيات أكبر في مجال مُمَارَسَة الجِنس. وَلَوْ أن هذه الجماهير لا تَتَجَرَّأُ بَـعْد على الاعـتـراف العَلَنِي، بِالرَّغْبَة في هذه الحُرّيات الجنسية. وأريد ثانيًّا، من هؤلاء المُواطنين (الذين يرغبون في مُمَارَسَة الجنس خارج الزواج)، أن يَعُوا حاجيّاتهم، وحقوقهم، وأن يتجرّؤوا على المشاركة في النِضال الجَماعي المُشترك، من أجل إقرار حقوق الإنسان، وضمان الحريات الشخصية (بما فيها الحرّيات الجنسية). وأريد ثالثًا، أن يُـقِـرَّ القانون القائم بأن : «كلّ علاقة جِنسية بين رجل وامرأة، إذا كانا رَاشِدَيْنِ، وغير مرتبطين بزواج قانوني، وإذا كانت علاقتهما سِلْمِيَّة، وبالتّراضي المُتبادل، وإذا لم تَـكن هذه العلاقة تشمل قاصرًا، ولا مُـعَـوَّقًا ذِهْنِيًّا، وإذا لم يَشْتَـكِ منها أيّ طَرف ثالث (مثلما يحدث في حالة الخِيانة الزوجية المُشْتَكَى منها)، فإن هذه العلاقة الجِنسية لا تُعتبر جَريمةً، ولو تخلّلتها مُمَارَسَة الجِنْس (خارج الزواج القانوني). ولا يحقّ، لا للدولة، ولا لأيّ طرف آخر، أن يتدخّل فيها، ولا أن يُـعَاقِبَ عليها»(1) !
آدم : أظنُّ أنه يجب علينا الرُّجُوع إلى فُـقهاء الدِّين لكي يَجِدُوا حَلًّا لِمَشَاكل الجِنس في المُجتمع.
إبراهيم : فُـقَـهاء الدِّين هُم بِطَبِيـعَتِهِم مُحافظون. وأيّ اعتماد عليهم في مجال مُعالجة أيّ مُشكل مُجتمعي هو مَضْيَـعَة لِلوقت. والـفُـقـهاء والشُّيُوخ المَأجورون لدى الدّولة، غَالِبًا ما يَـكْتَسِبُون عِدَّة زَوْجَات، وَيُناصرون تَعدّد الزَّوْجات. ومن المُستحيل أن يُوافـق فُـقـهاء الدِّين على أيّ شكل من أشكال مُمَارَسَة الجنس خارج الزّواج. بينما مُعظم المُراهقـين، والعُزَّاب، والمُطَلَّقِين، ومن شابههم، لَا يَـقدرون على عَـقْد زَواج مُـكْتَمِل الأركان.
آدم : ولكن فُـقهاء الدِّين والشُيُوخ هم النُخْبَة النَيِّرَة في المُجتمع، وهم الـقُدْوَة الرئيسية. فلماذا لا نَـعمل بِرَأْيِهِم ؟
إبراهيم : كَمْ مِن فُـقَـهاء الدّين هم حقـيقةً قُدْوَة لِلْمُجتمع ؟ هل فُـقَـهاء مثل عمر بن احماد، أو فاطمة النجار، أو محمد الـفِزَازي(2)، أو غيرهم، هل هُم قُدْوَة لِلمُجتمع ؟ مثلًا الـفَـقِـيه محمد الـفزازي، له زَوجات متـعدّدات، ثُمّ تَزوّج بِـفـتاة قَاصِرَة، بِـ «زواج قراءة الـفَاتِحَة»، ومارس معها الجنس خلال قرابة ستّة أشهر، ثمّ تخلّص منها كَأَنّها وَرَق كْلِينِـكْسْ (Kleenex) وَسِـخ، دون أن يَـعْبَأَ بِمَصيرها المُجتمعي. ولا أظنُّ أنّ المُجتمع سَيَسْتَـفِيد إذا اِعْتَمَد على مثل هؤلاء الفُـقـهاء.
آدم : أنا لا أفهمك بما فيه الكِفَايَة. أنت تتكلّم كأن فِـكرة مَنْـع، وَمُعاقبة، مُمَارَسَة الجنس خارج الزواج القانوني، هي فكرة خاطئة، أو ظالمة. وأنـت تَتحدّث كأن مواطنين كثيرين يتّـفقون معك حول نَـقْد تجريم العلاقات الجنسية الخارجة عن الزواج. بينما العكس هو الصحيح. أنت وحدك تريد إلغاء تجريم مُمَارَسَة الجنس خارج الزواج القانوني. ولا أحد في المجتمع ينتـقد تجريم هذا السّلوك.
إبراهيم : من وجهة نظر عامّة الناس، إقدام عمر بن احماد وفاطمة النجار على الدّخول في علاقة غرامية، ثم في مُمَارَسَة الجنس (خارج الزواج القانوني)، هو مُجرّد ”مخالفة“ للتّـقاليد، ولِلدّين (أي ”لِلشّريعة الإسلامية“)، وكذلك لِلقانون الجنائي. ولكن من مِنظار العَالِم المُحَايِد، هذه ”المُخالفة“ تتجاوز الأشخاص الذين إِرْتَـكَبُوهَا. بل هذه "المُخالفة" هي ظَاهِرَة مُجتمعية، وَفِـعْل قَدِيم وَمُتكرّر. وهذه المُمَارَسَة هي أيضًا، وفي نفس الوقت، صِنْـف من ”النَّـقْد“ الضِمْنِـي لِلتّـقاليد، وللدِّين، وللقانون. حيث أن التـقاليد، والدّين، والقانون، يقولون جميعًا : «لَا تَـفعل هذا» ! لكن الإنسان ”فَعَلَ“، وَ”يَفْعَلُ“، وَ”سَيَـفْـعَلُ“، مِرَارًا، وَتِـكْرَارًا. حيث أن عمر وفاطمة، ورغم إدراكهما لتوصيات التـقاليد، والدّين، والقانون، أقدما على خرقها، وذلك بهدف تلبية حاجة طبيعية، أو موضوعية، أو ضاغطة. كأن العقل الظاهر (لدى المواطنَيْن عمر وفاطمة) يقول رسميا «نعم» للتـقاليد، وللدّين، وللقانون؛ بينما العقل العَميق، أو الخَفـي، يقول «لَا» ! فَـعَامِل الضَّغط الهَائل للمُجتمع، يجعل عادةً المُواطنَ يُساير المُعتـقدات السائدة في المُجتمع؛ لكن من فترة لأخرى، أو حينما تختـفي المُراقبة، أو حينما تتوفّر بعض الظروف الخاصة، ينتـفض هذا العَـقْل الخَفي ضدّ المُعتـقدات السّائدة، وضدّ الدّين، وضدّ القانون، بل يخرقها، ويعاكسها، بسبق الإصرار. هذه هي الحقيقة المُرَّة. هذه ظَاهِرَة مُجتمعية مُتَـكَرِّرَة. وهذا السّلوك المُجتمعي المُتـكرِّر، يكتسي دَلَالات فكرية، وسياسية، وَمُجتمعية. ومن بين هذه الدّلالات أن تلك التوصيات المُجتمعية، والدّينية، والقانونية، تعاكس نَزوات الإنسان الحُرّ، أو طموحاته، أو حاجياته. وعليه، فَمِن حقّ، بل من واجب، المُواطنين أن يُنَاقِشُوهَا، وأن يَنْتَـقِدُوهَا، أو على الأقل، أن يَتـعاملوا معها بِحَذَر، أو بِمُرونة، أو بِتَـوَاضُع.
آدم : أُوخْ ! كَيْف ؟ ... أنت تَدعونا إذن إلى التساهل مع مُمَارَسَة الجنس خارج الزواج القانوني. وهذا التساهل يؤدّي إلى الإباحية، وإلى الزِّنَـى، وإلى الرَّذِيلَة ! ألا تَدري أن التساهل مع مُمَارَسَة الجنس خارج الزواج هو حَرَام، بَلْ هُو انحراف خطير، ويمكن أن يؤدّي إلى خراب المُجتمع؟
إبراهيم : العَـكس هو الصحيح ! المُبالغة، أو التَشَدُّد، في مجال قَمع مُمَارَسَة الجِنس الخارج عن الزواج، هو الذي يدفع أَعْدَادًا لَا يُسْتَهَانُ بها من المُواطنين نحو انحرافات جنسية مُتنوّعة، تَضرّ، في نفس الوقت، بالفرد، وبالمجتمع. بينما سُلوك المُرونة، والتَسامح، والتَـفَهُّم، والرّحمة، والإشفاق، والرَّأْفَة، في ميدان مُمَارَسَة الجنس، هو الذي يساعد على عَـقْلَنَة تَدْبِير التَوَتُّرَات الجِنسية. وهو الذي يُمَـكِّنُ من تربية مُواطنين سَليمين، ومُتوازنين. وبقدر ما يتعامل مُواطنو المُجتمع بمرونة، وتَسامح، مع مُمَارَسَة الجنس التي تحدث خارج الزَّواج، بقدر ما تصبح هذه المُمَارَسَة للجنس نادرة، أو تافهة، أو عادية، أو غير مبحوث عنها، أَوْ أَقَلَّ اِسْتِحْوَاذًا على عُقول المُواطنين، أو بَعيدة عن مُمَارَسَة العُنـف ضدّ النساء.
آدم : أُخْ، لَا ! كَيْف ؟ لَا أَتَّـفِـق معك ! أنـت تَدَّعِي أن التَسَامُح مع مُمَارَسَة الجنس خارج الزّواج يُسَاعِد على تَـكوين مُواطنين سَلِيمِين، وَمُتَوَازِنِين. أنا لَا أُوَافِـق على هذه الفِـكرة.
إبراهيم : من فَضلك، دَعْنَا نَبقـى هادئين. إذا نحن فَـكَّرْنَا بِـعُـمْـق، قد نَـكْتَشِـفُ أشياء مُخالـفة لِبعض مُـعتـقداتنا القديمة. أَلَا تَرَى أنّه، كُلَّمَا كانت الكائنات الحَيَّة حُرَّة، كُلّما كانت نَاضِجَة، ومُتَـقَـدِّمَة، ومُتطوّرة ؟ وكلّما كانـت الكائنات الحيّة مُـكَبَّلَة، أو مُـكْرَهَة، أو مُضْطَهَدَة، كلما زَادَ تَأَزُّمُهَا، أو تَخلّـفها، أو انحطاطها. هذه قَاعِدَة تَصْدُقُ على النباتات، وعلى الحَيَوَانَات، وكذلك على البَشَر. بَل تَصْدق أيضا هذه المِسْطَرة في ميدان مُمَارَسَة الجِنْس. بِمَعْنَى أنه، بِـقَدْرِ مَا تَـكُون الكائنات الحيّة مُتَمَـتِّـعَـة بِحَدٍّ أدنى من الحُرّية في مُمَارَسَة الجنس، بِـقَدْرِ مَا تَـكُون ناضجة، أو مَسْئُولَة، أو مُتـقدّمة في جَوْدَة سُلُوكِهَا. وكلما كانت محرومة مِن مُمَارَسَة الجنس، كلّما كانـت خَجُولَة، أو مَكْبُوتَة، أو مَضْغُوطَة، أو مُخْتَلَّة، أو مُحَمَّلَة بِـعُـقَـد نَـفْـسِيَّة (complexé).
آدم : مِن وُجْهَة نَظري، أنا أَتَسَاءَل : كيف يُمكن لنا التّسامح مع الجنس الخارج عن الزواج الـقانوني ؟ ألا تتطور الحريات الجنسية إلى فَسَاد ؟ ألا تُؤَدِّي الإباحية (في مجال الجنس) إلى انحلال المُجتمع ؟ أَلَا يُرْجِعُنَا التَسَامُح مع الغَرَائِز الجِنسية إلى اِنْحِطَاط نَحْوَ مُجتمع حَيَوَانِي ؟ وَمَتَى يُمكن الثِّـقَة في قُدرة المُواطنين على التحكّم في نَزواتهم، أو غَرَائِزِهِم ؟ وهل قَدَرُنَا هو تَحمّل تَفَسُّخ المجتمع ؟
إبراهيم : هذه تَساؤلات وجيهة. لكن ما نُدركه بشكل أَكِيد، من خلال تجارب المُجتمعات، هو أنّ الْإِفْرَاط في كَبْتِ الجِنْس داخل المُجتمع، يُؤَدِّي دائمًا إلى مشاكل عَوِيصَة، وإلى مَظاهر مُجتمعية مُضِرَّة، وَمُؤْلِمَة، وَمَـكْرُوهَة. على كلّ حال، تُبيّن التجارب التاريخية، أنه لم يَسبق لِلتَشَدُّد في مجال قمع الجنس (خارج الزّواج) أن أَنْـتَـجَ العِفَّةَ المَرْجُوَّة. وإذا لم نَتـعامل مع المُجتمع كما هو في الواقع، فإن مظاهر انحلال المجتمع ستزداد. وطموحنا إلى إصلاح المجتمع، يُوجب علينا أن نَنطلق من واقع المجتمع كما هو، وأن نأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع المَوْضُوعي.
آدم : وما هو هذا الواقع الموضوعي للمُجتمع الذي تُلِحُّ عليه ؟
إبراهيم : مُعطيات المُجتمع هي التالية : 1) انتشار ظاهرة التَـفَاوُت بين سِنِّ البُلوغ (في قُرابة سِنّ 12 سنة)، وسنّ الزَّوَاج (في قُرابة سِنّ 30 سَنَة). 2) حاجة المُراهقين، والعُزَّاب، والمُطلّقين، وغير المُتـزوّجين، إلى علاقات جنسية (خارج الزّواج)، هو واقع موضوعي، ولا يُعقل تجاهل هذا الواقع، أو نُـكرانه. 3) الناس مَيَّالُون إلى البحث عن ما هو مَمنوع. لأن ما هُو مَمْنُوع يَـكُون مُـثِـيـرًا أَكْثَـرَ مِمَّا هو مُبَاح. وَعَلى خِلَاف الظُنُون الشَّائِـعَـة، إذا قَسَوْنَا في مَنْـع العلاقات الجنسية الخارجة عن الزّواج، فإن البحث عنها سيزداد، ولو بِطُرق مُختـفية، أو سِرِّيَة. 4) مُمَارَسَة الجنس، هي صنـف من التَرابط، أو التَوَاصُل، فيما بين أعضاء المجتمع. وهذا الترابط (أي مُمَارَسَة الجنس)، يُساهم في تلطيف التوتّرات المُجتمعية.
آدم : أظنُّ أنك تُبالغ نِسْبِيًّا في تَـقدير حَجْم المشاكل الجنسية الموجودة في المُجتمع. وَرُبّما أنك تحتاج إلى هذه المُبالغة في ذلك التـقدير، لكي تَستطيع فيما بعد تَبرير الدِّفاع عن ضَرورة التَسامح مع مُمَارَسَة الجِنس خارج الزّواج القانوني.
إبراهيم : كثيرون من الأشخاص يَلْجَأُون مثلك إلى التَـقْـلِيل من خُطورة المَشاكل الجِنسية الموجودة في مُجتمعهم. لأنهم يَحْمِلُون صُورة مِثالية عن مُجتمعهم. وَيَظُنُّون أن غالبية المُواطنين يَلْتَزِمُون فِـعْـلِيًّا بِالتَوْصِيَّات الدِّينية. وَيَـعْتَـقِدُون أن الانحرافات الجنسية ضَئِيلة جدًّا في مُجتمعهم. والغريب أيضًا هو أنه، في كثير من المُجتمعات المُحافظة نسبيا، يَـعـتـقـد الكثير من الأشخاص، أو الفئات، أنه بإمكانهم أن يُخْـفُـوا نَوْعِيَة مُمارستهم للجنس. ومن يَحمل هذا الوَهم يَجهل أن سُـكّان العالم كلّه يعرفون جيِّدًا، من خلال تَجاربهم الشخصية، «القوانينَ العامّةَ التي تَتَحَـكَّم في مُمَارَسَة الجِنس لدى مُجمل البَشر». وعليه، فكل من لا يُمارس الجنس بشكل سليم، ينـفضح أمره من خلال مظاهره. وعموم الناس يعرفون أن كلّ من لا يُمارس الجنس بقدر كاف، وبطريقة مُـكَرَّمَة (digne)، أو لَائِـقَـة، فإنه سَيضطرّ إلى مُمَارَسَة الجنس في الخفاء، وبشكل غير جائز، أو غير مُرض، أو غَير مُوَقَّر. وعليه، فمن مَصلحة مُجمل المُجتمع أن يَتوافـق على إِتَاحة مُمَارَسَة الجنس لكل مُواطنيه، بطرق تستحقّ الاعتراف، والاحترام. وإلّا سقط هذا المُجتمع في تَناقض مُحرج بين خِطابه المِثَالي عن الجنس، وَمُمارسته الفِـعْـلِيَة المُؤْسِـفَـة لِلجنس.
آدم : أنـتَ تَجُرُّنِي إلى أن أَتَّـفِـقَ معك على وُجود مَشاكل جِنْسِيَة هَامَّة في المُجتمع. ثم تُحاول أن تُـقْـنِـعَـنِـي بِضَرورة التَسامح مع مُمَارَسَة الجنس خارج الزّواج القانوني. وأنا لَا أريد أن أَصِل إلى دَرَجَة المُوافـقة على ضرورة التَسامح مع مُمَارَسَة الجنس خارج الزَّوَاج. فَأَقُول لك، لَا يُوجد أيّ مُشكل جِنسي في المُجتمع. قَدْ تُوجد في المُجتمع أَقَلِّيَة ضَئِيلَة من الأفراد الذين يُمارسون الجِنس خارج الزواج، وهذه الأقلّية تَافِهَة، أو مَرِيضَة، أو ضَائِـعَة، وَلَا قِيمَة لها. فَلَا نَحْتَاج إلى أيّة إِبَاحِيَة في مجال مُمَارَسَة الجنس خارج الزواج.
إبراهيم : مِن السَّهْل على أيّ شخص أن يَنْـكُر وُجود مَشاكل جِنْسِيَة في المُجتمع. لكن حينما سَيَصْطَدِم هو نـفسه بِإِحْدَى هذه المشاكل الجنسية، فإنّه سَيَـعْجِزُ عن مُعالجتها، وَسَيَـعِيش مِحْنَة مُؤْذِيَة، وَسَيُـقَاسِي عِدّة أَضْرَار، وَسَيَتَـكَـبَّـدُ عَذَابًا مُؤْلِمًا.
آدم : إِنْ كُنْتَ وَاثِـقًا مِمَّا تَـقُول، أَعْرِض عَلَيَّ بِوُضُوح هذه المَشاكل الجِنْسِيَة المُجتمعية المَزْعُومَة.
إبراهيم : تَنْـقَسِم المشاكل المُجتمعية الكبرى، في ميدان الجِنس، إلى أربعة أصناف :
1) في مجال مُمَارَسَة الجِنس، يُوجد تَنَاقُض صارخ بين الإرشادات الأخلاقية، والمُعتـقدات الدِّينية، مِن جهة، ومن جهة أخرى الحَاجِيَّات، أو الرَّغَبَات، أو الغَرَائِز، أو المُيُول، أو الشَّهَوَات، أو السُّلوكِيَّات الفِـعْلِيَة المَوجودة في المُجتمع.
2) سِنُّ البُلُوغ هو قُرابة 12 سنة. بينما معدّل السِنّ الـفعلي لِلزّواج (في مُجتمعاتـنا الحالية) هو قُرابة 30 سنة. وبين سِنِّ 12 سنة، وَسِنِّ 30 سنة، يَكون المُواطن المَـعْنِي في حاجة إلى مُمارسة الجِنْس، بَيْنَمَا المُجتمع يَمنـعه من ذلك. وهذا يُؤَكِّد وُجُود فَارِق زَمَنِـي هامّ بين سِنِّ البُلوغ (أي سِنّ بداية الحاجة البيولوجية إلى مُمَارَسَة الجِنس)، والسِنّ الذي يُصبح فيه الزَّواج مُمكنا، أو سَهْل المَنال (مِن نَوَاحِي القانون، والاشتـغال، والإمكانات الاقتصادية، والوسائل المادّية، الخ).
3) يَصْعُب على عامّة المُواطنين التَمييز بين مُمَارَسَة الجِنس مِن أجل الإنجاب (في إطار زَواج قانوني)، ومُمَارَسَة الجنس مِن أجل الاستجابة إلى حاجيّات عُضْوِيَة، أو بَيُولُوجِيَة، أو عَابِرَة، أو مُتَـكَرِّرَة، أو من أجل الاستمتاع بالحياة (دون التَسَبُّب في إنجاب جَنِين، أو حَمْل، أو إِبْن).
4) بُلوغ ذِرْوَة النَشْوَة الجنسية المُتَـزَامِنَة لَدَى كِلَا الشَريكين الجنسيين نَادِرٌ جدّا، أو غَير مُمكن. حيث يوجد سُوء تَـفاهم بين الإناث والذكور في مجال مُمَارَسَة الجنس. فـالمُذَكّر يريد الوصول إلى رَعْشَة الجِماع الجِنْسِي مِن خلال إيلاج قضيبه، بينما تُريد الأنثى الوصول إلى هذه الرَّعْشَة مِن خلال مداعبات لطيفة للبظر. وغالبا ما يكتـفي المُذكّر بالوصول إلى نشوته، ولا يعرف، أو لا يقدر، على إيصال شريكته إلى ذِرْوَة نَشوتها الجِنسية الخاصة.
هذه المشاكل الأربعة هي الأساس الذي يُغدِّي كل المشاكل المُجتمعية الأخرى الموجودة في ميدان الجِنس.
آدم : ولكن، وبشكل عامّ، وبِصراحة، وفي داخل نـفسي، أنا لا أطيق الرّذيلة. ولو كنتُ مسؤولا كبيرا في الدولة، لَمَنَعْتُ كلّ شكل من أشكال مُمَارَسَة الجنس التي تحدث خارج الزّواج القانوني. وسأعاقب بِـعُـقُوبَات رَادِعَة، كلّ من مارس الجنس خارج الزواج القانوني. لأنني أحبّ الأخلاق، وأفضّل الطّهارة، وأكره الفِسْق، وأَبْغُض الزِّنَـى، وَأَشْمَئِـزُّ مِن المِثْلِيَة.
إبراهيم : أُوهْ ! يَا له من مَوقف مُتـشدّد ! ما قُلتَه ليس «أَخْلاَقًا»، وإنما هو «أَغْلاَلًا» ! لا يا مُواطن ! هل الأخلاق الجيّدة عندك هي منع مُمَارَسَة الجنس على كلّ المُرَاهِقِين، وعلى كلّ العُزّاب، وعلى كلّ الطلبة، وعلى كلّ المُطَلَّـقِين، وعلى كلّ الأشخاص الذين يعجزون على توفير شروط عَقْد زَواج قانوني، وأعدادهم تُحصى بالملايين (ولو في بلد صغير مثل المغرب) ؟ هل هذا الصِّـنْـف من المُواطنين لا يستحقّ أن نحترمه، ولاَ أن نعترف له بحقّه في تَلبية بعض حاجيّاته الطبيعية (في مجال مُمَارَسَة الجنس خارج الزواج) ؟
آدم : ولكن الدّين الإسلامي، وكذلك الدّيانات السّماوية الأخرى، كلها صَارمة في مجال منـع الجنس خارج الزّواج.
إبراهيم : ما لَا تُـدركه عامّة النُصُوص الدِينية المُقَدَّسَة، في مجال الجِنْس (بما فيها اليهودية، والمسيحية، والإسلام) هو التالي:
1) أنّ مُمَارَسَة الجِنس هي نَـوعان، وليست نَـوعًا واحدًا، كما يظنّ عامّة الناس. والنَّـوْع الأول هو جِنس يَبْتَـغِـي إنجاب أبـناء، بهدف استمرار النّوع البشري، والتَأَكُّد من هَوِيَة الْأَبْنَاء، وَتَمْرِير الْإِرْث إلى الخَلَف. والإطار السليم لهذا النّوع الأوّل من الجِنس، هو بِالتَّـأْكِيد الزّواج الرّسمي القانوني. والنّـوع الثاني، هو جِنس يهدف إلى تلبيّة حاجيات (بَيُولُوجِيَة، ومُجتمعية) عَابِرَة، أو يَبتـغي المُتـعة، أو الْلَّعِب بِالجِنْس، دون التَسَبُّب في أيّ إِنْجَاب. وتأتي الحاجة المُجتمعية إلى مُمَارَسَة هذا النّوع الثاني من الجِنس مِن كَوْنِه يُلَبِّـي حاجة بَيُولُوجِيَة ضَاغِطَة، وَعَابِرَة، وَمُتكرِّرة. وَيُساعد هذا النّوع الثاني من الجِنس على إدماج الفرد المعني في مُجتمعه، وَيُـمَـكِّن من تخفيض حِدَّة التَوَتُّرَات القائمة فيما بين الأفراد والجماعات. وكُلّ الأشخاص الذين يُصرّحون أنه بِإِمْـكان المُواطنين البَالِـغِين أَنْ يَتَحَاشَوْا تَمَامًا مُمَارَسَة الجِنْس، أو أن يَمْتَنِـعُوا عن تَشْـغِيل أَعَضَائِهِم التَنَاسُلِيَة (organes sexuels)، أو أَنْ يَـكُـفُّـوا كُلِّيًا عن اِفْرَاغ حُوَيْصِلَاتَهم المَنَوِيَة (vésicules séminales)، فإنّ تصريحهم هذا خاطئ، وفاشل، وَمُـعَاكِس لِوَاقِع المُجتمع.
2) نتيجة لما سبق ذكره، يجب، بِالتَّـأْكِيد، مَنـع مُمَارَسَة جِنْس الإنجاب خارج إطار الزواج القانوني. أمّا النوع الثاني من الجنس (والذي هو جِنس لِتَـلْبِيَة حاجيات بَيُولُوجية ضاغطة، أو عَابِرَة، أو للمُتـعة الشّخصية، أو لِلَّـعِب بِالجِنْس، ودون إِحْدَاثِ أيّ إنجاب لِلْأَبْنَاء)، فَـمِن الوَهْم مُحاولة مَـنْـعُـه، بَـل مِن الإيجابي التَّسَامُح مـعه، إذا كان بِالتَـرَاضِـي بين رَاشِدَيْن. خاصّة إذا أُسْتُـعْمِلَت أثناء مُمَارَسَة هذا الجِنس وَسائل مَنـع الحَمل، وَوَسَائِط الوِقَايَة من الأمراض الجِنسية المُعدية (مثل الكِيس الواقِي المَصنوع من مادّة الْلَّاتِــكْـس، (préservatif en latex, condom). وهذه الأمراض المَنْـقُولَة جِنسيا (maladies sexuellement transmissibles)، مُتَنَوِّعَة، وَمُتَـعَـدِّدَة، وَمُـؤْذِيَة.
3) بِسبب "الـفَصل الصَّارِم بين الإناث والذكور"، المَـفْرُوض داخل المُجتمع، بِمُوجِبِ تَطْبِيق فَهْم مُحَدَّد لِلدِّين (سواءً كان هذا الدّين هو اليهودية، أم المسيحية، أم الإسلام، أم غير ذلك)، تُصبح مُمَارَسَة الجِنس (خارج الزّواج القانوني) شِبْه مُستحيلة. بَل يصير حتّى التَـعَايُش، أو التَـعَارُف، أو التَوَازُن، بين الإناث والذُكور غَيْر مُتَاح. فيصبح المُواطن مَدْفُوعًا إلى البحث عن مُمَارَسَة جِنْسِيَة بديلة. ولا يَـقدر هذا المُواطن على مُمَارَسَة الجنس سوى دَاخِل الوَسَط المُجتمعي الذي يُسْمَحُ له بِالتَوَاجُد داخله. أيْ أنّ هذا المُواطن يُصبح مَدْفُوعًا إلى مُمَارَسَة الجنس مع شخص مِن جِنْسِه. ومعنى ذلك أنّ المُواطن يَـغْدُو مَدْفُـوعًـا (بِـقُوَّة مُجتمعية خَـفِـيَـة) نَحو المِثْـلِيَة (homosexualité)، أو نَحْوَ ثُنَائِيَّة الجِنْس (bisexualité). وَبِـقَدْر مَا يَـكون ”الجِدار العازل بين الإناث والذكور“، غَير مَرْئِـيٍّ، أو صَعْب الاجتياز، بِـقَدْر مَا تَـكْثُر الانحرافات الجنسية (مثل المِثْلِيَة، أو ثُنَائِيَة الجِنْس، أو الزّنى، وغيرها) داخل المجتمع المَعني. وجزء هام من الأمراض النَـفْـسِيَة نَاتِج عَن، أو مُرتبط بِـ، تَشَدُّد المُجتمع في قمع مُمَارَسَة الجنس خارج الزّواج القانوني.
4) الـفاعلون الرّئيسيّون، أو المُبادرون الأوّلون، في مجال مُمَارَسَة الجنس خارج الزّواج الـقانوني، هم خُصوصًا الذُكُور، أو الرجال، وليس الإِنَاث، وَلَوْ أنّ ضحايا هؤلاء الذُكُور هُنَّ إناث، أو نِسَاء.
5) المُتَّهَمُون بِمُمَارَسَة الجنس خارج الزَّواج الـقانوني، هم في غالبية الحالات، رجال مُتَزَوِّجُون، وَمَيْسُورُون، أو أَغنيّاء، أو سَائِدُون، وليسوا نِسَاءًا، وَلَيْسُوا شُبّانًا، أو مُراهـقـين، أو عُـزَّابًا. وغالبًا ما يَتَدَبَّر هذا الصِنْـف مِن الرجال المُتَزَوِّجُون أمرهم لكي لَا يَنـفضحوا، ولكي لَا يُحَاسَبُوا، وَلَا أن يُـعَاقَبُوا.
آدم : هذا التَدْقِيـق، أو التَمْيِيز، فيما بين أنواع الجِنس، قد يُساعد على مُـعالجة مَشاكل الجِنس في المُجتمع. ولكن، لماذا قُلْتَ أنّ «المُتّهمين بِمُمَارَسَة الجنس خارج الزّواج هم في غالبية الحالات رجال مُتَزَوِّجون» ؟ أو بِـعِبَارَة أخرى، لماذا لَا يَـكْـتَـفِـي هؤلاء الرجال المُتَزَوِّجِين بِزَوْجَاتُهُم لِتَلْبِيَة شَهَوَاتِهِم الجنسية ؟
إبراهيم : في الحقـيـقة، لَا أدري جيّدًا أَسْبَاب تلك الظّاهرة. رُبَّمَا لأن هؤلاء الرجال المُتَزَوِّجِين لَا يَجدون في زَوْجاتهم ما يَتَمَنَّوْنَـه مِن صِفَات، أو مِن إِثَارَة جِنْسِيَة، أو مِن طُمَأْنِينَة، أو مِن رِضَى، أو من سَعادة. وربّما لأنهم لا يُحبّون زَوجاتهم بما فيه الكفاية، أو لأنهم غير قادرين على حُبِّ زوجاتهم، أو لأن زَوجاتهم لا تُحْبِبْنَهُم. وربّما لأن زَوَاجَهُم الثُنَائِي (leur couple) يَشْتَمِل على سُوء تَـفَـاهُمَات، أو على تـناقضات مُعـقَّدَة، أو على صِراعات خَـفِـيَّـة. وربّما لأن بعض الذُكُور يَـعـتبرون «التَحَرُّش الجِنسي»، أو «الإعتـداء الجنسي»، أو حتّى «الإغتصاب الجنسي»، بِمَثَابَة مُجَرَّد لُـعْـبَـة جِنْسِيَة بَسِيطَة وَمُثِيرَة. وربّما لأن مُمَارَسَة هؤلاء الذُكور لِلْجِنْس مع شَرِيك جَديد، أو مَجهول، يُثِير داخل أنـفسهم الـفُضُولَ، أو الرَّغْبَةَ في الاستمتاع بِمُتْـعَة المُغامرة، أو مُبْتَـغَـى اِكْتِشَاف شَريك جِنْسِي جديد، أو إِشْتِيَّاق إلى تَلْبِيَة شَهْوَة غَرِيزِيَة عَمِيـقَة، أو نُزُوع إلى تَحَدِّي المَحْظُورات الاجتماعية.
آدم : أنـتَ لَا تَهْتَدِي إِذَن بِـ «عِلْم النَّـفْـس» كَوَسِيلَة لِتَحليل وَفَـهْم هذه المشاكل الجِنسية.
إبراهيم : أنا لَا أعتبر «التَحليل النَّـفْـسِـي» (psychanalyse)، أو «عِلْم النّـفس» (psychologie)، عِلمًا دَقيقًا. وفي إطار «علم النّـفس» المزعوم، لا يمكن للباحثين القيّام باختبارات تجريبية قابلة للتـكرار، وخاضعة لِمَنَاهِـج الضَّبْط العِلْمِي. وكلّ معرفة لَا تَنْبَنِي على أساس سَبَبِيَة حَتْمِيَة (causalité déterministe)، أو لَا تَخضع لِلْمُرَاقَبَة، وَلِلتَجْرِيب، سَيَصْـعُـب عليها الرُّقَـيّ إلى مُستوى عِلْم. وَلَا أُصَدِّقُ بعض الأُسُـس التي بَنَـى على أساسها سِيغْمُونْد فْرُويْد (Sigmund Freud) «التَحليل النَـفسي»، أو «عِلْم النَّـفْـس»، مثل النَّـفْـس (psyché)، وَعُـقْدَة أُودِيب (complexe d’œdipe)، وَالْلَّاوَعْي (inconscient) القابل للتّحويل إلى وَعْي، والغَرَائِز (pulsions)، وَهَيْمَنَة الوَسَاوِس الجِنسية (obsessions sexuelles)، والرُّعْب من الْإِخْصَاء (angoisse de castration)، الخ. وقد صَدَق كَارْل بُوبَرْ (Karl Popper) حينما اعتبر أنّ «عِلْم النَّـفْـس» أو «التَحليل النَـفسي» يدخلان ضمن صِنْف من المِثَالِيَة، أو المِيتَافِيزِيـقَا (metaphysique)، والفكر الأسطوري (pensée mythique)(3). وفي الأدب المَنشور في ميدان «التحليل النّـفـسـي» أو «علم النّـفـس»، تُوجد بعض المُلاحظات، أو الأفكار التي يُمكن قَبُولها، أو الانطلاق منها. لكنني لا أُصدّق أنه بالإمكان مُـعالجة مشاكل المُواطنين من خلال الاقتصار على مُحاولة الغَوْص داخل «لَا وَعِيِهِم» الشخصي. ونـقطة ضُـعف «علم النّـفس» هي أنه يُرَكِّز على الـفَرد، وينسى المُجتمع، أو لَا يَـعرف كيـف يربط بين الـفرد والمُجتمع. وَيَتَنَاسَى «علم النّـفس» أنّ «المشاكل الشخصية» المزعومة، هي دائمًا مشاكل مُجتمعية، قبل أن تـكون مشاكل فَردية، أو شخصية. وعندما تَـقرأ كتابات سِيغْمُونْد فْرُويْد، تَجِدُ أنه يُوهِمُك بأنه يَشْرَح «المَشَاكِل النَّـفْـسِيَة»، وَيَزْعُم أَنَّه قادر على مُـعَالِجتها، لكن في الواقع، تبـقى شُرُوحُاتُه غير مُـكْتَمِلَة، أو غير مُـقـنـعـة. وفي مُعظم الحالات، يـفشل «عُلماء النّـفـس» في مُـعالجة «الأمراض النـفسية». لأن فعل «علماء النـفس» يـقتصر على الشّخص المريض، ولا يَمْتَدُّ إلى مُستوى مُـعالجة المُجتمع المعني. ورغم ذلك، تَزْعُـمُ نظرية «التَحليل النَـفسي» أنها قَادرة على فَهْم وَمُـعَالَجَة مشاكل الشَّخْص أو الـفَـرد، وذلك دُون الْاِهْتِمَام بِـفَـهْم، وَبِمُـعَـالَجَة، مشاكل المُجتمع في شُمُولِيَتِه. وهذا الْاِدِّعَـاء هو مُجرّد وَهْم رَأْسَمَالِـي. وَمَـآلُـه هو الفَـشَـل.
آدم : ولكن لماذا ؟
إبراهيم : لأن أسْرَار «المشاكل النّـفـسية» تُوجد في تَنَاقُضَات المُجتمع، وليس في «لَا وَعْي» الشّخص المعني، أو في خُصوصيّات حياته الجِنْسِيَة الشّخصية. ولأنه يَستحيل فَـهْـم أو مُـعالجة مَشاكل الـفَرد، إذا لم نَـفْـهَم، أو لم نُـعَالج، في نـفس الوقت، مَشاكل المُجتمع. ولأنه تُوجد تَرابُطات عُضْوِيَة بين الـفَرد والمُجتمع (الوطني، والعالمي) الذي يَـعِـيش فيه. فَـلَا يُمكن تَـغْيِير الـفَرد، دُون تَـغْـيِير المُجتمع. كما أنه لا يُمكن تَـغيير المُجتمع دُون تَـغيير الفَرد. وفي كلّ الأحوال، أنا لا أَنْـكُر وُجود بعض «الأمراض النَـفـسية»، وعلى الخُصوص بعض «أمراض الدِمَاغ»، كَـعُـضْـوٍ في الجِسم قَائِم بِذَاتِه نِسْبِيًّا. لكنني أَرْفُـضُ المَزاعم التي اِسْتَنَد عليها سِيغْمُونْد فْرُويْد، وكذلك الأشخاص الذين تَـبَـنَّـوْا أطروحاته. لأن أطروحاتهم ليست مَبْنِيَة على أُسُـس عِلْمِيَة مُـقْـنِـعَـة.
آدم : كَيْف !؟ أنـت تُشَـكِّـكُ في "عِلْم النَّـفْـس" ؟
إبراهيم : لَا يُمكن بِنَاء تَخَصُّص عِلْمِي مُـعَـيَّـن (مثل «عِلْم النَّـفْـس»)، فَقَط على أساس أُطْرُوحَات خَيَالِيَة، مِثْلَمَا حاول سِيغْمُونْد فْرُويْد أن يَـفْـعَـل ذلك. وَلَا أَنـكر أن سِيغْمُونْد فْرُويْد يَتَمَتَّـع بِخَيَال خِصب. لكن الخيال لا يـكـفـي وحده لِتَشْيِيد عِلْم بِـكَـامِلِه.
آدم : لكن سِيغْمُوند فْرُويْد كان يُـعالج مَرْضَى مُصَابِين بِـ «أمراض نَـفـسية».
إبراهيم : يَصْدُقُ على سِيغْمُونْد فْرُويْد المَثَل الشَّـعْبِي الذِي يَقـول : «لَوْ كان الخُوخُ يُدَاوِي، لَـدَاوَى نَـفْسَه». فـقد حَـكَى مِيشِيل أُونْـفْرِي (Michel Onfray)(4) عن سِيغْمُونْد فْرُويْد أنه كان، خلال مرحلة مُـعَـيَّـنَة، يُمارس الجِنس مع أُخْتِ زَوْجَتِه بِوَتِيرَة أكبر، بالمُـقارنة مع مُمارسته لِلْجِنس مع زوجته القانونية. ورغم اِخْتِرَاع سِيغْمُونْد فْرُويْد لِـ «عِلْم النَّـفْـس» المَزْعُوم، فإنه لم يستطع مُعالجة نَـفـسه. وليس أَكِيدًا أن سِيغْمُند فْرُويْد كان يُعالج المَرْضَى بِالنَّـفْس بِـفَـعَالِيَة عِلْمِيَة مُؤَكَّدَة. لكن هذا مَوضوع آخر، وهو مُختلـف عن موضوعنا الحالي. ويحتاج إلى وَقت أطول لنـقـاشه.
آدم : لِنَـعُد إذن إلى موضوعنا الرئيس. أَلَا تَخْشَى أن يُؤَدِّيَ هذا النُزُوع إلى الْإِبَاحِيَة في ميدان الجِنس، إلى الـفَوْضَى في المُجتمع ؟
إبراهيم : يجب أن نحرص على تلافى وُقُوع أيّ سُوء تَـفَاهُم فيما بيننا. وما أقوله شخصيًا، هو أن كل مُواطن هو حُرّ في تصرّفاته، وهو، في نـفس الوقت، مسؤول عن نتائج سلوكه. وعلى عكس المَظاهر، أنا لا أدعو الناس إلى مُمَارَسَة الجنس خارج الزواج. وكلّ من يُـفَضِّل اِتِّـبَـاع التَحَكُّم في النّـفس، والإمساك التّام عن مُمَارَسَة الجنس خارج الزواج، سنـعترف له بكلّ الاحترام والتّـقدير. لكن، كيف نتـعامل مع المُواطنين الآخرين الذي يضطرّون إلى مُمَارَسَة الجنس خارج الزواج ؟ هل نَـقتلهم ؟ هل نُـعاقبهم ؟ هل نَسجنهم ؟ هل نطردهم من الشّـغل ؟ هل نُهِينُهم ؟ هل نَـعْزِلُهم ؟ المُعاملة التي ستـكون أكثر قُربًا من العَدل، ومن الحِكمة، هي التالية: في حالة حُدوث مُمَارَسَة للجنس خارج الزواج القانوني، سيكون مِن مصلحة المجتمع، أن نتـعامل مع مُرتـكبي هذه المُمَارَسَة بأكثر ما يُمـكن من التَـفَهُّم، والمُرُونة، والرَّأْفَـة، والتَسامح. وهذا التَـعامل بِمَنْهَج الشّفقة، والرّأفة، والإنسانية، هو الذي يُـقَلِّص التَوَتُّـرَات الجنسية داخل المجتمع، ويساعد الأشخاص المعنيّين على الوُصول إلى التَّوْبَة، ثم العِـفَّة. هذا ما أقوله، ولا أدعو إلى أكثر من ذلك.
آدم : لكن الطَّرِيـقَة التي تَتَنَاوَل بها مشاكل الجِنس، تَتَضَمَّن، ولو بشكل غير مُباشر، نَوعًا من النَّـقْد لِلدِّين. وهذا المَنْهَج يُحْرِجُنِي، بَلْ يُـقْـلِـقُـنِـي.
إبراهيم : أَنَا أحتـرم كلّ الدِّيَانَات، وَلَا أَرْغَبُ بَتَاتًا في الإِسَاءَة إلى أيّ دِين. وأنا أَتَـأَسَّـفُ على كَوْنِي مُضطرًّا إلى نَـقْد دَوْر الأَيْدِيُّولُوجِيَة الدِّينِيَة في مجال تَشْدِيد المُحَرَّمَات، والمَحْظُورَات، في ميدان الجِنس. كما أَنَّـنِـي أَتَأَسَّفُ أيضًا على أن تَـكون نتيجة هيمنة الأيديولوجية الدّينية الأصولية على المجتمع، في مجال الجِنْس، هي وُجود مَلايين من المُواطنين، الذين يَـعِيشُون في حِرمان من الجنس، أو في عذاب مؤلم، وطويل الأمد، بسبب هذه الرّؤية الدّينية للجنس، التي تُـهَيْمِن على عقول المواطنين. وتحرير المجتمع من هذه الهيمنة، ومن هذه الرُّؤْيَة لِلجنس، سَيُساعد على عَودة المُواطنين إلى الاستمتاع السّليم بالجنس، كما سَـيُسَاعِدُ على فتح بعض طُرق السّعادة اليومية العادية لِفَائدة مَلَايِـين المُواطنين.
آدم : لَا يَحـقّ لأحد أن يُحِلَّ ما حَرَّم الله، وَلَا أن يُحَرِّم ما أَحَلَّ الله.
إبراهيم : قَنَاعَتِي هي أن الْإِلَه لَا يَتَدَخَّلُ في شُؤُون البَشَر، لَا بِشَكْل مُبَاشِر، وَلَا بِشَكْل غَيْر مُباشر، وَلَا بِـفِـعْل إيجابي، وَلَا بِـفِـعْـل سَلْبِي(5). ولا تُوجد وَلَوْ حُجَّة واحدة في تاريخ البشر تَدُلّ بشكل عِلْمِي، وَثَابِت، وَجَلِيّ، على أنّ الْإِله تَدَخَل في شُؤُون البشر. و"الـقَوَانِين" التي يَزْعُمُ المُتَدَيِّنُون أنها من تَوْصِيَّات الْإِلَه، مثل تَحْرِيم أو تَجْرِيم كلّ العلاقات الجِنسية التي تَحْدُث خَارج الزّواج الـقانوني، هي من إِنْتَاج البَشَر. وَالْإِلَـه بَرِيء مِمَّا يَنْسُبُه البَشَر إليه. وَيَلْجَأُ بعض فُـقَـهَاء الدِّين إلى إِضْفَاء طَابَع مُـقَدَّس على هذه "القـوانين"، وذلك بِهَدف مَنْع نِـقَاشِهَا، أو نَـقْدِهَا. بينما بعض فُـقَـهَـاء الدِّين (الإسلامي)، في الواقع الملموس، يَدُوسُون هم أنـفسهم هذه المُحَرَّمَات(6). ولهذا السّبب، تَنَاوَلْنَا بعض هؤلاء الـفـقـهاء الإسلاميّين بِأَسْمَائِهِم الحقيقية داخل هذا الحوار الحالي(7). وكلّ "القـوانين" التي تُريد أن تَحْـكُم حَيَاة المُجتمع، وحياة المُواطنين، يجب أن تَخْضَع لِنِـقَاش هؤلاء المُواطنين، وأن تَحْضَى بِرِضَاهُم. كما يجب أن تَخضع هذه "القوانين" لِلْـعَـقْـل، وَلِلًـعَـدْل، وَلِلْمَنْطِق، وَلِلْـعُلُوم. وَإِذَا لم تَحْضَ هذه القـوانين بِرِضَى غالبيّة المُواطنين، يجب آنئذ أن تُلْـغَـى، وأن تُـعَوَّضَ بِـ "قَـوانين" أخرى، تَـكون أكثر عَدْلًا، وَأكثر عَـقْـلَانِيَّةً.
[ يُـتْـبَـع في : الجنس خارج الزّواج (2/2) ]
رحمان النوضة
(نُشر هذا الكتاب لأوّل مرّة على مُدَوَّنَة الكاتب، على الإنتـرنيت، في 13 شتنبر 2016. وَرَقْم آخر صِيغة مُحَيَّنَة لهذا الكتاب: 17).

الـــــهـــــــــوامـــــــــــش :
(1) هذه الجُملة مُـقْتَبَسَة مِن كتاب : رحمان النوضة، "أية علاقة بين الدّين والقانون". ويُمكن تـنزيله بالمجّان من مُدَوَّنَة الكاتب.
(2) أُنْظُر تَـفَاصِيل فَضِيحَة الـفَـقِـيـه محمد الـفِزَازِي في المُلْحَـق رقم 5 في آخر هذا الكتاب.
(3) https://fr.wikipedia.org/wiki/Psychanalyse
(4) أُنْظُر فِيدِيُوهَات وَمُحاضرات مُتـعدّدة لِـ مِيشِيل أُنْـفْرِي (Michel Onfray) حول «التَحليل النَـفسي»، على مَوقع "جامعة كَا" (L Université de Can).
(5) أُنظر كتاب: رحمان النوضة، نـقد الشعب، نشر 2012، الصفحات 395، الصيغة 56، pdf. ويُمكن تـنزيله بالمجّان من مُدَوَّنَة الكاتب: https://livreschauds.wordpress.com/2015/01/03/listes-لوائح/.
(6) أُنظُر أمثلة إضافية عن هؤلاء الفـقهاء الإسلاميّين الذين خرقـوا وَصَايَا الدِّين. وتجدهم في المُلحـقات الموجودة في آخر هذا الكتاب.
(7) أُنْظُر سبعة مُلحقات في آخر هذا الكتاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زوابع قوية تضرب ولايات وسط أمريكا وتتسبب في أضرار جسيمة وإصا


.. الرئيس الفلسطيني: لا بد من حل سياسي يجمع غزة والضفة والقدس ف




.. حزب الله يستهدف المسيرات والصواريخ مقر القيادة العسكرية الإس


.. تساقط حبات بَرَد ضخمة على مدينة -قوانغتشو- الصينية




.. تظاهرات متضامنة مع غزة في اليابان