الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن وردة سعدون وارض الخوف وميلاد المقاومات الثلاثة

صائب خليل

2006 / 11 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


هاهي الجريمة البشعة في مدينة الصدر ترسل امواجاً من الغضب تندفع من المركز متوسعة كما تتوسع موجات اثارتها حجارة القيت في بركة من الماء. الغليان المندفع يجهد لتحطيم الحواجز التي اقامها العقل في وجه الرغبة الوحشية بالإنتقام...الإنتقام من اي كان, حتى لو كان بريئاً, ما دام من الفريق الآخر..الم يكن ضحايا مدينة الصدر ابرياء كذلك؟ هذا المنطق الأعوج هو ما يأمل من قام بجريمته, ان يسود رؤوس الناس فتندفع بنفسها لتكمل دائرة القتل والإنتقام ليفترس الشعب نفسه بنفسه.
إنه منطق اعوج لأن قتل الأبرياء لايواجه بقتل الأبرياء من الجانب الآخر, بل بألإقتصاص من القتلة فقط دون سواهم, فلا تزر وازرة وزر اخرى. هكذا كان العدل وهكذا سيبقى ولن يغيره فيضان الدم مهما طغى ولن يبرر الظلمَ الغضب مهما عظم.

اقرأ في الصحف عن احراق بشر ومساجد وقصف متبادل ونداءات للحرب, فينقبض قلبي خوفاً على بلدي وناسي...لكني ابقى متمسكاً برهاني ان اكون اخر من يصدق ان اهلي واصدقائي هم من ضعاف العقول والمجرمين, وان سنياً سينتحر يوماً ليأخذ معه الى الموت مجموعة من الشيعة لمجرد كونهم شيعة, او ان شيعياً يمكن ان يعذب اويقتل سنيّاً, لمجرد كونه سنّياً. من حاول وسيحاول اقناعي بذلك سيتعب طويلاًً.

أنا مطمئن ان اهلي وجميع من عرفت, ليسوا هكذا..ولا حتى قريبين الى اي شيء من هذا. لكني لست مطمئناً تماماً انهم سيثقون ببعضهم مثلما اثق انا. أن النافخ في الجمر وهو يصرخ "النار..النار", شخص كاذب, لكنه لن يكون كذلك غداً, ان اتيح له ان يستمر في النفخ والصراخ حتى تشتعل النار فعلاً.

"لا لم ينجحوا يا صديقي....... لحد الآن" كتب لي صديقي سعدون من مدينة الصدر- الثورة نفسها...مطمئناً, وكان يجيب عن تساؤلي في مقالتي السابقة ان كان المجرمون الذي فجروا السيارات الستة قد نجحوا في ان "يقتلوا الأمل" في غد كريم العيش للعراقيين, بلا احتلال ولا دكتاتورية.

يستمر سعدون: "في مدينة الثورة وتحديدا في ساحة خمسة وخمسين أي في قلب المدينة يوجد مكان يتجمع فيه عمال البناء. هذا المكان تعرض لعشرات السيارات المفخخة تصور ولم يتزحزح مكان تواجد هؤلاء العمال مترا واحدا. طريقي اليومي يمر بهذا المكان، وعندما تنفجر السيارة فيه نهاراً أعود لأمر عليه مساء وصباحا فلا يتغير المشهد" "نعم قل عدد العمال قليلاً"
"لكن تواجد العمال في مكان التفخيخ قد لا يعني عدم قتل الأمل، وربما لن يعني. غير أنه على كل حال يعني وسيضل يعني بأن في الجماهير البسيطة وفي الحياة البسيطة وفي كل الأشياء البسيطة ما هو أكبر من رهان القتلة، لا أعرف ما هو هذا الأكبر، غير أنني أراه يومياً كلما تضايقت من زحمات شوارع بغداد، الشوارع تزدحم بالسيارات وركابها، وجميع الركاب يعلمون بان الزحام مشروع مفخخة مؤجل، غير أنهم يزدحمون ولا يتوقفون. لم ينجح القتلة في إيقاف الناس.... إلى الآن."

كل هذا يجب ان يثير فينا الأمل ويوحي لنا بالرد المناسب على الأخطار والتحديات. فإذا كان الشعب العراقي قد رد على الإحتلال بإعتباره خطراً على البلاد بخلق مقاومة منظمة له, رغم إشكالاتها واختراقها والكثير من علامات الإستفهام عليها, فاننا بحاجة الى ذلك في وجه الخطرين الكبيرين الآخرين: الحرب الطائفية وعودة الدكتاتورية. يجب ان تكون "مقاومة الأنهيار الطائفي" و "مقاومة عودة الدكتاتورية" مقاومات منظمة تضع لنفسها اهدافاً محددةً تماماً مثلما هي "مقاومة الإحتلال" واكثر. وللمقاومات الثلاثة عدو واحد رغم تعدد الوانه.

والحقيقة ان هذه "المقاومات" موجودة تماماً وعميقة في نفوس الناس, لكنها تتحرق الى من يأخذ على عاتقه امر تنظيمها وسد نواقصها ووضع اهداف محددة لها يمكن من خلالها قياس نجاحاتها وفشلها. إن استمرار الإرهاب الهادف الى تحريك الحرب الطائفية وتصاعده, يقدم لنا في نفس الوقت سبباً للتفاؤل اضافة الى ما يقدمه من الم وخوف. فهذه الحرب الإرهابية تعني ايضاً ان الأرهاب لم ينتصر بعد وان الطائفية لم تنتصر بعد, فكل معركة تعني ان هناك مقاومة. مقاومة تعي مصدر الخطر ومصرة على ابقائه امام عينها رغم كل التشويش.

لكنها للأسف مقاومة هلامية ليس لها شكل محدد يراها الناس من خلاله. إنها لا تضع نفسها امام الناس بوضوح, ولا تستثمر مكاسبها لحث الناس على دعمها ورفدهم بالأمل كما يفترض. انها مقاومة سلبية ليست لها اهداف محددة تسعى للوصول اليها, وتبقى تقتصر على رد الفعل على المبادرات المحفزة للطائفية والإرهاب. ومن الأمور الحاسمة الأهمية ان يعرف المواطن العراقي بكل خبر يمثل نصرا لمقاومة الحرب الطائفية, وان يوضع مثل هذا الخبر في اطاره الصحيح ليلعب دوره في تشكيل صورة عن كيان تلك المقاومة لدى المواطن العراقي.

اليوم قرأت احد هذه الأخبار المؤشرة الى نهوض "مقاومة الإنهيار الطائفي" في فتوى لثمانية علماء سنة في البصرة تحرم دماء العراقيين الشيعة جاء فيه: " دماء جميع العراقيين محرمة وخاصة أخواننا الشيعة ، ولا يجوز التعدي على الأنفس والأعراض والممتلكات والمقدسات." وحذر البيان من "الفتنة الطائفية " التى وصفها بأنها "أعظم العوامل التي تساهم في هدم المجتمعات واقتلاع جذورها." وأوضح البيان أن"إزهاق النفس المعصومة في الإسلام من أعظم الجرائم وأبشعها، وتعد أمرا مناقضا للإرادة الإلهية." و " لابد أن نشيد بالموقف البطولي المتمثل بصحوة عشائر الانبار بتصديهم لقوى (القتل والإرهاب والتهجير)."

مثل هذه المبادرات "السنية", يجب ان يتم نشرها ليس فقط بين السنّة لتوجيههم بها بعيداً عن اخلاق الطائفية, وانما ايضاً, وهذا لايقل اهمية, بين الشيعة لكي يتبينوا ان هناك حركة هامة بين اخوانهم السنة تقف معهم ضد هذه الحرب وضد القتل الطائفي, ليكون ذلك مصدر امل لهم ودفع بزيادة مثل تلك المقاومة في داخلهم, والعكس صحيح بنفس القوة.

فبالتأكيد, ليست "مقاومة الحرب الطائفية" لدى الشيعة باضعف منها لدى السنة, ولدينا الكثير من الدعوات المشابهة والفتاوي المماثلة لمبادرة علماء السنة في البصرة. ولا تقتصر تلك المبادرات على علماء الدين بل وايضاً هناك التزامات قوية من الميليشيات الشيعية نفسها, والتي تتهم عادة بين السنة بكونها مصدر للأرهاب الطائفي. نقرأ ذلك في بقية رسالة سعدون والتي لايعلم هو لحد هذه اللحظة اني سأستعملها في مقالتي هذه:

يروي سعدون حكاية مفادها ان" التيار الصدري منع أي رد فعل من قبل جيش المهدي" وهذا ما جعل البعض يعتبرهم لهذا السبب "بعثيون". يقول سعدون: " الجيد بالموضوع أن في التيار الصدري, والذي هو تيار جماهيري, من يستطيع إلى الآن أن يضبط نفسه وسط كل هذا الفزع، ورغم خطورة التهمة بالبعثية في مدينة الثورة غير أنهم مصرون ... لحد الآن.. على عدم الانجرار."
افرحت هذه الحكاية سعدون فهي تنبئ بمولد "المقاومة الثانية" – مقاومة الحرب الطائفية – الأخت الثانية لـ "مقاومة الإحتلال". فهاهو يبتهج قائلاً: "عندما سمعت هذه الحكاية تشققت أرض قلبي التي كانت قد تحولت لصحراء، نعم تشققت وأعتقد أن شقوقها حدثت بسبب وردة أمل ستنبت فيها ستظهر عما قريب، ورغم أن ستة صواريخ كاتيوشا انطلقت من الثورة باتجاه الصليخ او الاعضمية ربما، غير أن شقوق أرض قلبي لم تتوقف."

نعم ان الصواريخ تنبئ ان الوعي لم ينتصر بعد, لكن القصة كلها تقول انه لم يستسلم بعد ايضاً, ولذا فأن من واجبنا ان لاندعه يستسلم. أن من يجد نفسه, من خلال مبادئه وما يؤمن به وما يحب, مدعواً لنصرة هذا الإتجاه المقاوم للطائفية مدعو الى التفكير والمبادرة من اجل العالم الذي يطمح اليه. اننا مدعوون الى ان ننظر الى العالم من وجهة نظر الطرف الآخر ايضاً. ان ننظر الى الكوارث التي تنصب عليهم من جراء الإرهاب, وان لانكتفي بالنظر الى كوارث طائفتنا. ان لانتسرع الحكم انـ "هم" المعتدون وان "جماعتنا" يردون على اعتداءاتهم فقط. ولنلاحظ ان الناس الأبرياء غير المسلحين هم الضحايا في الطرفين, وهذه الحقيقة تنزع الوهم عن خرافة "الإنتقام", فأنت تنتقم ممن يعتدي عليك وليس من الأبرياء, حتى ان كان هؤلاء من اقارب من تعتقد انه المعتدي.

ليس هناك "اعتداء" و"انتقام" في هذه المجازر...هناك "اعتداء" و "اعتداء" فقط ومن يقول بغير ذلك منافق.

المعركة دائرة بين مريدي السلام في الوطن وبين مشعلي الحرب الطائفية. ويبدو ان مستقبل هذه المعركة سيحدد مصير العراق فليكن لكل منا دور في هذه المعركة. لننشر اخبار تلك المقاومة بين من يصل اليهم صوتنا, لننشر اخبار الأبرياء من ضحايا الجانب الآخر ايضاً بين رفاقنا, لننشر الأخبار الطيبة ايضاً عن الجانب الآخر, ولننشر شكوكنا بالتفسير الطائفي للأحداث. لتكن المعركة في العراق بين الطائفية و"مقاومة الطائفية" وليس بين شيعة وسنة, وليكن ابطالنا ابطال "مقاومة الطائفية" وليس ابطال شيعة ضد السنة وابطال سنة ضد الشيعة.

لنعمل على ان لانسمح لاشقياء ومتطرفي ومهووسي الطائفة الأخرى بفرض تصورنا عن تلك الطائفة, بل نأخذ فكرتنا عنها من خلال معتدليها وشجعانها الداعين الى الحق فيها ومن خلال معرفتنا التأريخية باعضائها كاصدقاء لنا واقارب وانساب لانحتاج لأحد لكي يصفهم لنا. ليكن حماسنا في نشر اخبارهم اقوى من حماسنا في نشر ترهات المجانين في الجانب الآخر, واي طرف ليس له مجانينه؟ وأي طرف لم تخترقه الفلول الداعية الى التمزق, المستفيدة من الإرهاب؟

السؤال في نهاية الأمر هو: هل ستهدم زلازل الغضب التي ارسلتها تفجيرات مذبحة مدينة الصدر, منازلنا على رؤوسنا أم ستشق طاقتها الأرض التي يخنقها الإرهاب لترى وردة سعدون نور الحياة؟ هل من امكانية لتوجيه عقلاني حضاري انساني لكل طاقة الغضب والإنتقام المتفجرة في داخل نفوسنا لتعصف بالإتجاه الصحيح لتخدم اسمى امانينا؟ على قدرتنا على ذلك يتوقف مستقبلنا.
"هل هناك أمل؟؟", كان سؤال الختام في رسالة سعدون وهو يتأمل وردته بقلق, ولكل منا وردته...فما نحن من اجل ورودنا فاعلون....؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن الجمعية الوطنية الفرنسية؟ • فرانس 24


.. فلسطينيون يقيمون مصلى من القماش وسط الركام في جباليا




.. دمار كبير في أحياء غرب رفح جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غ


.. مصابون يصلون إلى مستشفى ناصر في خان يونس بعد قصف على مناطق ج




.. حريق ضخم اندلع في سانتا باربرا الأميركية .. والسلطات تخلي ال