الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الترامز بين الإرسال والتلقي / القراءات اللامتناهية في محمولات النص

كاظم مؤنس

2024 / 2 / 27
الادب والفن


الترامز بين الإرسال والتلقي

القراءات اللامتناهية في ( محمولات) النص

* كاظم مؤنس


نتفق جميعا على أننا نمارس يوميا أنواعا متعددة من الاتصال الذي يختلف باختلاف الغايات والأغراض والوسائل المستخدمة بيننا والأقطاب التي نتواصل معها،مدفوعين بعامل اشباع الحاجة للتواصل مع المجتمع الإنساني على اختلافه أو بدافع المعرفة والتجربة وفي كل هذه العمليات تلعب اللغة والمشاعر دورا خطيرا في فهم المتلقي واستجابته تماشيا مع مستوى تفسيره للرموز و الإشارات التي يتلقاها من المرسل.
أن مجمل العمليات الاتصالية تتوقف على ايصال الرموز الى الآخرين لأنها الوسائل التي يعتمد عليها توحد الفهم المشترك ودرجة الاتفاق على المعاني التي تنضوي تحتها،فالرمز الذي يتمظهر فيه واقع مكثف ثم يتداخل في نص خارج ماهيته ينتهي إلى حقيقته الوحيدة،أنه حامل للمعاني العرفية التي تشكل بنية لمرجعية ساندة قوامها التوافق النفسي والفكري الذي يعيش في ظله الانسان مع العالم الخارجي والذي ينعكس في علاقات اجتماعية ناجحة مع الاخرين كما يؤهله للسيطرة على البيئة أي كان نوعها وشكلها الثقافي .
منظومة كاملة من الرموز والإشارات الحاملة لجملة من المعاني والأفكار والمضامين ولا تحديد هنا لنوعية الرمز،فالمقصود به الكلمة او الايقونة على حد سواء،فكلاهما وسائل منتجة للمعاني ومن دونها لا يمكن للعملية الاتصالية ان تقوم اصلا كما لا يمكن ان تحقق الاهداف المتوخاة منها .
فالإنسان لا يستطيع التعبير عن افكاره إلا عن طريق وسيط مادي قادر على التعبير السليم عن المعاني في الاعمال او الرسائل الاتصالية التي لابد ان تتجسد بصورة ما،ومن دون هذا التجسيد لا يمكن إدراكها ويستحيل معرفة مضمونها،وهنا يبرز دور اللغة باعتبارها منظومة رمزية،وما الحروف والألفاظ إلا رموز وما الدائرة الاتصالية إلا عملية ترامز بين قطبين حيث يشكل الرمز الاساس المادي والمطلق في الاتصال الذي مهما اختلف وتنوع فأنه يظل قائما بين قطبين المرسل الذي لابد أن يضع أفكاره بتراكيب رمزية تبعا للوسيط التعبيري والمتلقي الذي سيقوم بالاستقبال فيفكك الرموز بإحالتها إلى أفكار ومضامين لذلك فهي عملية ثنائية الفعل تعاكسيه الحراك.
وتأسيسا على ذلك فأن عمليتي الإرسال والتلقي ،هما عمليتان عقليتان معرفيتان يجتهد فيهما المرسل والمتلقي للحصول على افضل تشكيل لغوي للتعبير عن المعاني والمضامين في الرسائل الاتصالية المتبادلة وأن كل عملية تعبير تمثل تحول المحتوى أو المعاني الى منظومة من الرموز اللفظية او غير اللفظية كما هو الامر في السينما والتلفزيون حيث يتكامل الخطاب البصري السمعي المرئي بتزاوج عنصري الصوت والصورة فيصبح لكل تشكيل بصري تشكيل سمعي يعززه ويسانده ويقويه او يشرحه ويفسره ويدعمه،وفي فضاء هذا التشييد اللغوي المركب يسعى كل عنصر تعبيري نوعي إلى الترابط العضوي مع العنصر الآخر مع اعتبار أن الصورة هي الوسيط المطلق لأنها بلا شك ليس العنصر المهيمن فحسب بل أيضا العنصر الذي تتجلى فيه حقيقة الوسيط فيمنحه المعنى والنظام كما يمنحه القوة التي لا تضاهيها قوة في جميع وسائل الاتصال الاخرى .
وتأسيسا على ذلك يبرز دورها كبنى فرعية عاملة بطاقتها القصوى على اطلاق كل موحد قادر على إنتاج معنى ومضمونا محددين،وان لا قيمة لهذه البنى مجتزأة او مستقلة عن بعضها البعض لان طبيعة الوسيط لا تقبل ذلك. وعليه تبقى تشكل الرموز مرجعية سيميائية مطلقة داخل نظاميات الرسالة و محمولاتها،فضلا عن ذلك فهي لا تتخلى عن دورها الوظائفي كونها عنصر تعبير نوعي بصفتها الذاتية كجزء من أجزاء بنية الوسيط،لذلك تنطوي على سمة التحديد القطعية مع أنها تحصل عليها من خلال علاقتها بالأجزاء المشتركة معها في إنتاج المغزى.
إن هذا التمايز الظاهري يفضي إلى القول بأن الرموز نتاج اجتماعي واع، ولأنها كذلك فهي تتكون من دال ومدلول،وأن لها شكل ومحتوى وهما يمثلان بالضرورة شيئا أو مفهوما وعليه فأن الرموز عموما مباشرة او غير مباشرة،انما هي تعبير عن فكرة ما،وهي تعمل كجسر تواصل،وهي علاقة بمعنى أن الاشياء حينما تستحيل الى رموز تتجسد في علاقات مركبة ومعقدة مع الذين يوظفونها ويستخدمونها هذا لأن كل رمز عبارة عن حوار اجتماعي مع الواقع الذي يدل عليه كما يندمج مع كل الرموز التي تنتمي الى نظامه .
وهكذا يرتسم دور المصدر والمتلقي في تحديد ماهية الرمز،بحيث يصبح كل تعبير سمعي أو بصري أو حركي رمزا،إذا ما دخل في العملية الاتصالية في إطار اللغة التي يستخدمها ويفهمها الأفراد الذين يتواصلون مع بعضهم في نقل الأفكار وتبادل المعلومات المتعلقة بالواقع، هذا الواقع الذي يصبح سجلا لكينونات تتمثلها اللغة .
وإذا سلمنا بان المعاني كما يعتقد " موجودة مســـــــتقلة عن علاماتها" لأنها سابقة على تمثيلها باللغة،كما أن لها حضور عيني سابق على اللغة التي تحدد تمثلها بالرموز،بيدَ أن الأخيرة تمنحها معنى محددا في الخطاب الحضــوري لأننا لا ندرك الكينونة إلا عند و عينا بها لغويا أي إلا عند انتقاءها ونظمها وتركيبها في سياق لغوي يمنحها معنى مقصودا
وعليه فأننا بمنحها معنىً إنما نعبر عنها لغويا،لأن الوجود سابق على اللغة..وتأتي تصورات استاذ التأويلية – مارتن هيدجر- الذي يرى بأن داخل اللغة فقط تتم التسميات الأولى للأشياء،فاللغة هي بيت الكينونة على حد تعبيره،ونحن لا ندرك الوجود إلا عند وإثناء وعينا به لغويا . كون اللغة وسيلة من وسائل الفكر وهي تعمل على وضع الفكرة موضع التأثير الجمالي الجذاب ولذلك هي ميزة الفردية في إطار مفهوم التجريبية وحتى المعنى ليس سوى جزء لا يتجزأ من وسائل المصدر التعبيرية ذلك لأن تجربته لا تعني بتجميع الأفكار والوقائع فحسب بل تمثل إدراكا ثقافيا وعاطفيا لمجمل الحياة، فاللغة تنتج درجات متفاوتة من الارتباطات الذهنية القادرة على خلق مستوى من الاعجاب والأداء المندمج مع التجربة الحاضرة والمباشرة لصياغة كلا ذا مغزى .
وإن أي استدعاء للغة الخطاب أي كان نوع الأخير سيضعنا مباشرة امــام الواقع – الرمز/ الرمز- اللغة بمعنى التركيب والبناء اللغوي وكل هذا سـيفضي بـــــالضرورة الـــى خاصية النص الذي يضعنا امام إشكالية مختلفة،إذ ثمة مستويات عدة من التأويل وتعددية في طبقات المعنى نظرا لطاقته الكامنة على إنتاج معان متجددة بالإضافة إلى قدرته الإيحائية المتمثلة بالرمز ودلالته،وهو أمر يقربنا كثيرا من تصورات – شيلنـــــج- الذي يعتبر الصورة الفنية " تعبيرا متناهيا عن اللامتناهي " لأنها تنطوي على عدد لا نهائي من المعاني بحيث يصعب وضع معنى محدد في جوهرها،وهي مسألة يأتي هيجل على ذكرها بأن الفن لا يسلم سره،وأن معناه الحقيقي يكمن في اعماقه السحيقة.كما تتأكد تباينات هذه التوجهات في طروحات – رولان بارت – حيث يذهب إلى القول"بإمكانية الاختلاف المطلق في قراءة النص " وهو ما ذهب اليه أيضا ـ ارنولد هاوزر- في قوله " هناك دائما تفسير جديد يغير من معـناه ومضمونه " وبالرغم من أن ـ بيرس ـ يحيل الرمز الى العالم الخارجي أي الى مرجعيته وكذلك يفعل العلم " إلا ان هذه الإحـالة في الحقيقة سواء كانت فنــا أو علما إنما تعكس الواقع الى حد نسبي على حد تعبير ميخائيل أوفسيانيكوف " غير لأن ـ جان متري ـ يرى " بأن الواقعة منبع لا ينضب من المعاني بالنسبة للبشر " وإذا توسعنا بتناول هذه المسألة واحتمالات تفسير النص فإن متري يلفت النظر إلى نقطة بالغة الخطورة تناولها ايزنيشتاين بقوله : ان كل الكلمات لها ظلال عديدة من المعاني بالإضافة الى معناها السائد " .
ومع أن الرموز منظومة من الأنظمة العلاماتية المتشابكة والتي لا تملك بالضرورة صفة النموذجية،بيدَ أنها نموذج لعملية تتم ضمن صيرورة متعددة الجوانب وأن الواقع المُعالَج ليس نظاما صارما،لأن المرسل قادر أن يدفعه إلى حيز الوجود فيكسبه معنى متوافقا مع اختياره الواعي لصياغة نظاما علاماتيا يتجمع في فضاء نص الرسالة .
ومن الطبيعي أن تقودنا هذه الجدلية لتضعنا في ساحة اللغة مباشرة وهي الحقيقة التي يمكن استخلاصها لتخطي أي عقبات تحول دون الحديث عن الرمز واللغة وأن اية نظرية تعنى بهذه الخصـوصية إنما ستعني التفكير ممارس بالتمثيل الرمزي الذي هو اللغة بحد ذاتها. وتأسيسا على ذلك تصبح اللغة وسيلة التفكير الإنسانية،من هنا تكتسب العبارة مصداقيتها بأننا لا ندرك الوجود إلا عند وإثناء وعـــينا بـــه
لغويا،وعليه فاللغة هي الشكل الوحيــــد الذي ينطــــــوي عـــلى إدراك
الموجودات والإقرار بوجود المرجع أو الأفكار والمعاني الــــتي
نعبر عنها ونعمل على إيصالها إلى المتلقي باستخدامنا لعلامــات و
رموز لغوية للتراسل فيما بيننا،وهذا التمثيل اللغوي للأفكار والمفاهيم هو ما يدعــــوه – جون لوك – بشفافية اللغة في شرحه لمفهوم اللغة و وظيفتها داخــل الدائرة الاتصالية .
ويمكن أن نعتبر مناقشتنا لموضوعة الرمز من أهم القضايا في علم الاتصال الحديث فالرمز شيء مادي محسوس لكنه من جانب آخر يرتبط بالدلالة كونها تصور ذهني لأشياء موجودة في العالم يسييقها المرسل بالتركيب،ويفككها المتلقي كي يفهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال


.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص