الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصة الحبكة .....المصطلح المراوغ

كاظم مؤنس

2024 / 2 / 27
الادب والفن


...المصطلح المراوغ
• الدكتور كاظم مؤنـس
منذ أزمنة بعيدة،عمل الكتاب والنقاد على تأسيس نظريات تهتم بتصنيف أنواع مختلفة من هياكل بنيات الحبكة. على اعتبار أنها عنصر جوهري في جميع الروايات والمسرحيات و الأفلام الروائية فضلا عن العديد من القصائد إن لم نقل كلها. ولعل تعبير أرسطو يقطع الجدل بأهميتها في العمل الدرامي حين يصفها في كتابه :فن الشعر بأنها " الجوهر الأول في التراجيديا، بل هي في منزلة الروح بالنسبة للجسم الحي " .
ويقترح بول ريكور في كتابه الزمان والسرد تعريفا أوسع حين يقول " لو أنني اقتطفت من فن الشعر لأرسطو نموذج الحبك، الذي أقترحُ توسيعه، فسيشمل كل تأليف نسميه سردا "، فالحبكة على مستوى القيمة والدور والوظيفة هي المنفذ الذي يرى منه المتلقي ترابط عناصر السيناريو، وقوة ومتانة التواشج فيما بينها، كما تفصح من جانب آخر عن قدرة المؤلف في عرض موضوع قصته بكل وضوح، فضلا عن احتفاظ القصة بكامل طاقتها على المستوى التعبيري، حين تتجلى قدرتها في تجسيد عمل درامي ناجح، فالحبكة هنا هي التي توضح مسارات تطور الأحداث و وقائع القصة، لأنهما مرتبطان جدا بل منصهران ببعضهما، هذا الترابط أساس المُشكل الذي نتعرض له هنا،لأن عدد غير قليل من الكتاب لا يتلمس هذا الخيط الرفيع، مع أنهم يعون جيدا وجود المصطلحين، غيرأن عددا غير قليل منهم يستخدم مصطلح القصة كمرادف للحبكة، مع أنهما يختلفان بالكامل، وكثيرا ما نسمع بعد خروجنا من صالة العرض تعليقا من أحدهم يقول: ياله من فلم جميل بقصة عظيمة، بينما السبب الحقيقي مرده، أن للقصة حبكة عظيمة على حد تعبير كاوغيل في كتابه: (فن رسم الحبكة السينمائية). فالقصة هي سلسلة من الأحداث الجارية، بينما الحبكة تكشف لنا الكيفية التي تجري بها هذه الأحداث وترابطها. ولن نجافي الحقيقة إن قلنا أن الحبكة مصطلح مراوغ، ويتفرد سد فيلد في كتابه (السيناريو) بوصف جميل لمعاناة السيناريست إثناء كتابة السيناريو وتشيء حبكة له، بقوله : " أن المسألة أشبه بتسلق الجبل ".
ومع كل هذا التداخل والغموض الذي كلما توغلنا فيه، قفزت إلى الذهن تساؤلات وشكوك جديدة، ولعل أبسطها هوالتالي: هل من مدخل لتحديد مفهوم قاطع للحبكة ؟ أولاً لا مناص من الأعتراف بأن المصطلح مراوغ وعصي على التحديد، لكننا نستطيع أن نقترح مفهوما، بأنها سلسلة من الأحداث المترابطة داخل فضاء: القصة، المسرحية ، الرواية أو الفيلم أو الملحمة أو أي عمل أدبي سردي. وهي أكثر من مجرد سرد لتطور مجريات الأحداث، كونها تنطوي على السبب والنتيجة لطبيعة العلاقات الجارية للأحداث والوقائع المحتدمة. فهي من أهم مقتضيات العمل الدرامي، وعلى قاعدتها ينهض موضوع الفلم، وعادة ما يكون للحبكة مكونا بنائيا قائما بذاته يدفعها للإعلان عن نفسها من خلاله، لكنه لا ينكشف علينا إلا من خلال الصراع، كون الأخير يشكل الأساس المادي لوجوده، ولا يمكن أن نتصورعملا فنيا راقيا، بحبكة دقيقة خالٍ من الصراع، فلا حبكة دون صراع، والعنصران تربطهما جدليا علاقة وجود، أساسها الفعل حيث تقوم الحبكة على ترتيب هذا الفعل. و يوصي أرسطو الكاتب بضرورة "أن يُبقي الفعل نصب عينيه"، كي يتنامى على مسارالزمن الذي لاغنى عنه، فيستمد منه جميع مفرداته التي يتطور بواسطتها ويتدفق منها، وفي هذا التدفق تكمن السببية، على حد تعبيراليزابث ديل في مؤلفها "الحبكة" إذن فهي مجموعة من الأحداث المتواشجة والتي تهندست وأنتظمت في بنية واحدة ، لتخص النص بتثوير القيم التعبيرية بأقصى طاقة دراماتيكية، وهذه الطاقة هي نسغ السيناريو وقصته التي تتحرك بموجب التأثير الفعال للفعل والأحداث المتطورة على طول المسار البنيوي المؤدي إلى الصراعات التي توصل إلى النهاية، وتقرير مصيرالشخصيات، فتؤكد الحبكة نفسها ككيفية متبعة في ترتيب الأحداث لحكاية ما. ولكن ينبغي أن نلفت النظر بأن هذا القول لا يعني تسطير الوقائع بعد بعضها، لأن الأمر محكوما بمنطقية أو سببية مشروطة في البنيات الدرامية، وبالضرورة ثمة نتائج تترتب على الأحداث الواقعة، وكل نتيجة تتسبب بظهور نتائج أخرى، ويضع لينداج كاوغيل تصورا دقيقا بقوله أن " الحبكة ليست مجرد أن (أ) يحدث و(ب) يحدث و(ت) يحدث بل هي، أن (أ) يحدث ويتسبب بحدوث (ب) نتيجة له، و(ب) بدوره يتسبب بظهور (ت) كنتيجة له... وهكذا، وهذا التشكل هو بالضرورة خاصية بنيوية لسرد القصة الدرامية. وعلاقات السبب والنتيجة بين المَشاهد، تدفع الأحدث بالتقدم على مسار القصة إلى الأمام، كما أنها تضمن من ناحية أخرى بأننا سنفهم المعنى الجوهري للحدث، لأننا نستطيع رؤية الروابط بين مجمل المشاهد، فنحن لا نرى ما يحدث فحسب بل أيضا سبب حدوثه" .
بمعنى أن من الأهمية بمكان أن يتوفر لدى السيناريست فهما كاملا لأشتراطات بنية القصة للفلم المنشود، فتتوحد القصة و الحبكة، كما لو أنهما بناءأ هندسيا مشيدا بدقة بالغة، وهيكلة محكمة، مؤلفة من جزئين: يتمثل الأول منهما بالشكل الذي تتلبسه القصة، أما الثاني فيتمظهر بالمخطط الفعلي للمشاهد المتتالية، بكل ما ينظوي تحتها من تنظيم و وقائع وتفاصيل، بحيث يشتغل الجميع كوسائل منتجة لمعان بعينها. هذا الفضاء المجمل الذي يكون البنية يركز على عرض العلاقات بدءا من نقطة الأنطلاق حتى النهاية، إلى جانب الحث على تثوير الصراع في الفصل الثاني من القصة، والعمل على جمعها ودمجها كوحدة عضوية، بحيث يتسنى لمخطط الحبكة إيجاد الروابط والتماسك عبر منعطفات دراماتيكية محددة، هذه الكيفية تمكن الكاتب من التمسك على الدوام بالأساسي: كأن تـُطرح نقطة إنطلاق جيدة أو مشكلة جدية تمس حياة البطل أو الشخصية الرئيسة، وترسم لها مسارا تتطور فيه الأحداث التي تمر بثلاثة فصول مختصة، يكرس الفصل الأول لنقطة الإنطلاق وعرض المقدمة المنطقية ومرحلة التوازن وينتهي بالإضطراب، الذي يعلن المدخل للفصل الثاني، المتمثل بالوسط الذي تتزاحم فيه الشخصيات و ما يتمخض عنها من صراعات وصولا إلى نهاية المسار، الذي تتجلى فيه نهاية الصراع وختام الحكاية، التي تطل في نهاية الفصل الثالث.
هذه الكيفية تمثل المسار التقليدي لأية بنية درامية سواء في صناعة السينما أو المسرح أو في دراما المسلسلات التلفزيونية، وفي كل هذه المجالات ينبغي على السيناريست أن يختار مواضع الحبكة بدقة بالغة في المسارات الفرعية التي يقودها المسار المهيمن لمجريات الوقائع والأحداث " التي قد تنظوي تحت حادث أو حدث يعلق في الفعل ويسحبه باتجاه آخر، ليدفع القصة إلى امام " على حد تعبير سد فيلد، لأن هذا الزخم الدراماتيكي المتواصل في التدفق والإندفاع المتواتر، يقتضي تكامل المشاهد، لا استقلالها أو إنعزالها على شكل كيانات مستقلة، وإنما وحدات يُكمل اللاحق منها ما يسبقه، عندئذ نرى أن الحبكة آخذة بالتطور في المشاهد المتراصة والمتلاحقة والمنشغلة في توسيع الفكرة التي تبنتها وأنطلقت من خلالها، هذه الكيفية تكشف عن نفسها في الكثير من الاعمال العظيمة، على سبيل المثال: فلم المجالد( Gladiator) للمخرج رادلي سكوت وتمثيل راسل كرو( الفلم حائز على خمسة جوائز أوسكار، بما فيها جائزة أفضل فلم وأفضل إخراج ) أو فلم الخارج عن القانون (جوني ويلز) لكلينت إيستوود، وفي الفلمين يتم القضاء على عائلتي البطلين، لتبدأ رحلة الأنتقام والتتبع لكل منهما، لتغطي باحداثها اللاحقة والمتصاعدة فضاء الفصل الثاني مرورا بالذروة ثم الوصول إلى الحل أو النهاية المتمثلة بالفصل الثالث، وإن بدت هذه الصيغة الخطية على شيء من البساطة لكن الحقيقة الفعلية، تؤكد أنها على قدر عال من الضبط والحرص الشديدين، اللذين يلزمان الكاتب بإبقاء الشخصيات في مسار المخطط لها، فلا تحيد عنه إثناء مراحل تطور الحكاية. وأي من الفلمين يمكن اعتباره إنموذجا ممتازا لترابط مثالي بين الحبكة والقصة من جهة والحبكة والشخصية من جهة أخرى، لذلك يجد البعض من الكتاب والروائين كما نوهنا آنفا، صعوبة بالغة في الفصل بين المصطلحين، اللذين تطرقنا إليها بابتسار شديد في هذه المساحة من الصفحة، مع معرفتي الكاملة بأن الموضوع بحاجة إلى المزيد من الأمثلة التطبيقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة


.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها




.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-


.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق




.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا