الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرعب قصة قصيرة

رياض ممدوح جمال

2024 / 2 / 28
الادب والفن


تأليف : رياض ممدوح جمال

الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، ومنع التجوال قد بدأ قبل ثلاث ساعات من الآن، والقتل والموت يعم شوارع المدنية ليل نهار، والأمطار غزيرة جداً في الخارج تزداد الأمطار والعواصف عنفاً، تريد أن تغسل شوارع المدينة من دماء وجثث، وبقايا جثث كانت لبشر مزقتها الانفجارات العمياء، أمطار غزيرة تريد غسل رائحة الموت، كل هذه الأمطار قادرة على غسل مدينة ولا يمكنها غسل قلب ملوث برغبة القتل، وان المدينة تأكل أولادها، الكل مرشح للموت، والكل مشاريع للذبح الجميع يدعي انه يقتل القاتل، وكلهم قتله وأنا وحدي الضحية سقطت من فوق السرير فزعاً وقد شل الرعب قدميّ، متسائلاً: ما معنى أن يقرع جرس الباب في مثل هذا الوقت؟ لا تفسير سوى أن الموت قادم في طلبي، إنها النهاية، لم اقترف شيئاً، لكن آلة الموت الصماء تطحن ولا تقاضي، وان سبب القتل جاهز لديها دون عناء. إن لم افتح الباب سيدخلون بأي شكل، لا جدوى. الجرس يقرع بإصرار، إصرار الموت الذي لا ينتظر أحداً، لا مهرب منه، إنني بين فكي وحش غريب، وجهاً لوجه مع أكبر حقائق الكون، انه الموت، انه أكبر حقيقة في العالم وأكثرها غموضاً.. أن تواجه طلقة أو قذيفة في جبهات الموت أهون بكثير من أن تكون فأرة بين مخالب قط. اصرخ يأساً ليس الموت ما يخيفني ويرعبني، بل طريقة الموت إن الطلقة ارحم من أن يمضغني فكين مفترسين إنها طلقة الرحمة ليس الارتطام أرضاً بعد مسيرة السقوط من الأعلى هو المرعب بل المسيرة نفسها قاتلة إن الطلقة ارحم من أنياب الوحش. إن الطلقة ارحم من جز الرقبة بالسكين. إن الموت واحد والطرق إليهِ كثيرة، إن هذا هو الذي يجعل الإنسان ينتحر. إن رؤية سقوطنا من الهاوية أبشع من ارتطامنا في قاعها. إن من يحمل سلاحه في الجبال والوديان والأهوار، خارج ساحة المعركة ليس أكثر بطولة ممن يقبع في أقبية التعذيب، إن من يحمل بيدهِ، يمتلك طلقة الرحمة متى وكيفما يشاء، لكن الويل للذي يريد أن ينتزع طلقة الرحمة من قلب عدوه الصخري، فأنه أكثر بطولة من جيفارا نفسه ومن كل أبطال التاريخ فإن جيفارا حدد مصيره بنفسه وفي أصعب اللحظات يمكنه أن يحسم مصيره بيديهِ وبالطريقة التي يريدها هو لا عدوه، أما من سره عدوه في قبو مظلم ومقيد اليدين والساقين في مروحة سقفيه ويواجه تفنن عدوه في إطالة موته فإنه عديم الحيلة أمام عدوه الذي هو كطفل يتلذذ بتقطيع أوصال حشرة، وليس بإمكانه حتى أن يجبر عدوه أن يطلق عليه طلقة الرحمة بهجومه اليائس عليه ومحاولته تمزيقه بأظافره.
لا ينقطع قرع الجرس، وأنا متسمرا مرعوباً عند الباب الخلفي عينيّ لا تفارقان الباب الخارجي الذي خلفه يكمن الموت، تجمدت الدماء في عروقي صرت أحدق في الباب، من يد الجرس في هذا الوقت وبهذا العنف؟ كأنه يقول افتح الباب وإلا سوف أحطمه، زاد رعبي إن الطارق لا يتكلم فلو تكلم لخفف ذلك عني. المطر غزير والظلام دامس والموت قادم فأنه كالوقف تحت المطر في الصحراء لا مفر من الاستسلام.
في زنزانة التعذيب يكون الموت رجلاً بلحمه ودمه منتصباً أمامك مدججاً بكل الأسلحة، وأنت مجرد ليس من أسلحتك بل حتى من روحك، كالعاري مواجهاً عواصف ثلجية، في أسلاك الموت الكهربائية حتى مقياس الزمن يختلف، اللحظة تصبح دهراً والدهر يختصر بلحظة، كأني في قاع بئر وقد غادرتني جميع بخور وأدعية أمي وليس معي في البئر إلا نمر جائع. أية محاولة مني أو مقاومة مهما صغرت أو كبرت لا تبعد الموت عني قيد أنملة، أقوى مقاومة تتساوى مع أدنى استسلام حتى الصراخ اللاإرادي هو عبث كانت صرخة عبث ليس في داخل جسمي المحدود هذا، بل أحسها خارجة من أعماق البشري كله، صرخة قادمة من أعماق التاريخ منطلقة إلى ابعد من المستقبل البعيد في الفضاءات النهائية اللامحدودة. عندما تسحق الروح لم يبق لأقوى المثل قيمة، تسخر من عبارات البطولة والرجولة والإصرار. إن إصرار جرس الباب يمزق الروح.
إن أعظم الحكم والأمثال وكل ما سطره تاريخ الإنسانية لا يساوي لفافة سكائر الآن، وتندثر كل جبال الأرض كلعب الأطفال، وتصبح ضحكة طفلي وكسرة خبز حار من تنور أمي ورائحة الشاي أغلى ما في الوجود، الأشياء الكبيرة تصغر، والصغيرة تكبر. ما قيمة الهراء المنمق الآن عن حقوق الإنسان ومجالس الأمن والأمم المتحدة، كلها لا تساوي لدي الآن قلامة ظفر ابني الذي سأفقده أو سيفقدني. كل تلك ما هي إلا عبارات جوفاء وسحابة صيف ستعيش من بعدي يا ولدي ستعيش يتيماً، كريشة تتقاذفها الريح فقد جنيت عليك يا ولدي لأني جئت بك إلى هذا العالم المتوحش. إن قلبي ينزف دماً عليك، كل ما يهمني في هذا العالم هو أنت، والآن أيقنت إني قد فشلت في إسعادك. إن الفراق الأبدي بيننا قد دنا، وروحي تنفصل عن جسدي الآن ولم يوقفني عن التفكير سوى صوت الجرس وهو يضرب بعنف قربت من الباب وجسمي يرتجف من الرعب وقدمي تعجزان عن حملي فمن ينتظرني خلف الباب؟ هل افتح الباب؟ كيف افتحه وأنا لا ادري من الطارق؟ لا مفر من الاستسلام، الجرس يقرع بإصرار، توجهت نحو الباب الخارجي كالذبيحة التي تساق إلى مصيرها المحتوم مددت يديّ المرتجفتين إلى الباب وفتحته! لا أحد سواي أنا وذهولي لا أحد عند الباب، والجرس مستمر بالقرع لوحده نظرت إلى الجرس كان قد بلله المطر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية