الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من دفع أجرة العازف؟

حمزة الحسن

2003 / 6 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


 

كشف السيد فائق الشيخ حسن وهو إعلامي وسياسي ومحامي عراقي مقيم في لندن في لقاء متلفز مع شبكة الاخبار العربية .أ.ن.ن، الثلاثاء المصادف يوم 23/6/ كشف سرا طلب من مقدم البرنامج السيد زهير، ضاحكا، أن لا يبوح به، قائلا:

ـ إن عددا من المثقفين والسياسيين العراقيين وعددهم يصل إلى مئة وقعوا على تعهد مع السلطات الامريكية قبل الحرب على أن تقوم امريكا بدفع مئة ألف دولار سنويا لهم مقابل الترويج لسياستها في العالم العربي وبالطبع دعم موقفها من الحرب.

وأضاف: كما خيروهم في الاستمارة التي عرضت عليه هو شخصيا سبع مرات أن يختاروا نوع الوظيفة التي يريدونها بعد سقوط النظام.


 وأضاف بعد لحظة: رفضت لأني لا أريد أن أخسر تاريخي الشخصي وشرفي.


 هل كنا بحاجة إلى  هذا السر الذي باح به الشيخ  لكي نعرف أن حملات ودعوات ومهاترات وجنون وحماسة البعض بحب أمريكا والدعوة إلى صداقتها كانت مدفوعة الأجر، وهي في تفكير هؤلاء تكون( صرماية) العمر و تحويشة سنوات الفقر والعوز؟

طبعا معظم الذين قبضوا كانوا من الذين يقبضون لأول مرة ومن عتاة الثوريين والتقدميين والوطنيين والمثاليين والذين صمموا هذه المرة بعد كل سنوات الالتزام الشكلية، وسنوات الوطنية والنضال والتبن والتنظير والعداء الصارم للإمبريالية، صمموا هذه المرة أن لا تفوتهم المائدة أو الوليمة.

لا أحد يأسف قطعا على زوال حكم الوحش. لكن ليس باسمنا نسرق ونهان ونسحق ونجر إلى مهازل جديدة وعلى يد ذات الشريحة المشؤومة من الحزبيين  القدامى الذين يبررون، في كل مرة، أفعالهم حسب أحدث الأزياء.

والطاغية لا يصلح لتبرر أخس الأفعال باسمه، وهو لا يصلح كذلك معيارا نقيس به الحياة والسياسة، فحين نقول أن المحتلين قتلوا أو سرقوا أو اغتصبوا يأتي الجواب من قبل أصحاب هذا المعيار السوقي: إن الطاغية قتل وسرق واغتصب أكثر.

كأن قدرنا هو بين موتين.


والذين يحاولون عن طريق الحيلة والبلف والنصب والصراخ والتنظير السطحي والجعير  إيهامنا بأنهم أكثر وطنية من غيرهم هم من سلالة نصابة فكر وسياسة ومتسولي مناصب وأذلاء.

هذا الصنف من المخانيث سواء في دعوتهم العريقة في العداء للإمبريالية قبل القبض أو في الدعوة الجديدة لصداقتها بعد القبض، يجدون في اللغة العربية فرصة واسعة لتبرير كل شيء بما في ذلك الارتزاق والخيانة والكذب.

تاريخان متناقضان في الظاهر هما:
قبل القبض والدعوة لتدمير الإمبريالية.
وبعد القبض والوقوع في عشقها.

لكني أرى انه تاريخ واحد.
إنه ليس تغيير الموقف كما كتب أحد هؤلاء وهو يلقي التهمة على غيره، بل تغيير الجلد.

لكن مائة ألف دولار لا تصنع منظرا أو مفكرا أو مناضلا أو إنسانا، بل تصنع، رغم العجالة، جاسوسا ترك له بقايا ماء الوجه حين قدمت له هذه الأموال تحت شعار الدعوة لصداقة وحرية أمريكا المرفوضة من قبل كتابها ومفكريها، وهو عادة شعار المخابرات الأمريكية في التعامل مع نوع من (الزبائن) الذين يخجلون من العمل الصريح كجواسيس ويحبذون صفة أخرى مقبولة للعمل في المهمة نفسها.

من يريد أن يعرف المزيد عليه أن يقرأ الكتاب المثير( من دفع أجرة العازف؟) الصادر سنة99 للباحثة الانجليزية التي تخرجت من جامعة أكسفورد فرانسيس ستونر سوندرز مع عنوان فرعي( المخابرات الأمريكية وحرب الثقافة).

عنوان الكتاب بالانكليزية وهو لم يترجم للعربي حتى اليوم حسب علمي:
ـ   Who  paid  the piper?

 والكتاب الذي أثار ضجة عالمية يعتمد في عنوانه على مثل انجليزي يقول( من يدفع اجر العازف يختار اللحن) وهو وثيقة دامغة  بالوثائق والشهادات عن اساليب تجنيد المخابرات الامريكية للنخب الثقافية والسياسية والعلمية في العالم بوعي من هؤلاء ودون وعي من بعضهم من أجل مصالح سياسية أمريكية عليا، وعمليات التمويل والغطاء السياسي لهذا التمويل، أو الغطاء الثقافي للنماذج التي لا تقبل العمل المباشر في وكالة المخابرات يجري إيجاد( تسوية) مقبولة لها للحفاظ على الكرامة أو الواجهة. ويشير الكتاب إلى قلة من الكتاب والشعراء والفنانين والمؤرخين ( الذين لم ترتبط اسماؤهم بطريقة ما بهذا المشروع السري) في القرن الماضي.

وفي اعتراف صريح لأهم رجال المخابرات البريطانية في تلك الحقبة هو السيد توم برادن فإن لعبة تجنيد هذه النخب كانت تتم من خلال ندوات أو مؤتمرات أو حلقات دراسية وتركهم يعتقدون أنهم أحرار في التفكير وفي إصدار القرارات ولكنهم لا يعرفون أن المخابرات هي التي تحركهم كالدمى من وراء ستار.

يقول:
( لم يكن الهدف من دعم الجماعات اليسارية هو التدمير أو الهيمنة، بل تحقيق اقتراب ذكي أو غير محسوس من تفكير هذه الجماعات ومراقبته، وتوفير أداة تعبير لهم يستطيعون من خلالها التنفيس، ثم في نهاية المطاف ممارسة نوع من حق الاعتراض ـ فيتو ـ على مطبوعاتهم، أو أفعالهم، إذا أمكن، إذا حاولوا أن يصبحوا تقدميين أكثر من اللازم...).!

ومن ضحايا هذا الأسلوب في التجنيد عن طريق الدعم أو صنع غطاء الدعم الثقافي والسياسي في العالم العربي في منتصف القرن الماضي هم:
ـ مجلة حوار اللبنانية.
ـ مجلة شعر اللبنانية.
ـ مجلة فصول المصرية.

نقول ( ضحايا) هذا الأسلوب لأن الشعراء والكتاب العرب( خاصة أدونيس، ويوسف الخال وغيرهم) لم يكونوا على معرفة إلا بصورة متأخرة بهذه الصورة من صور التجنيد السياسي التي لم تكن مألوفة في العالم العربي، وقد أدى انكشاف هذه الطريقة إلى صدمة نفسية وأخلاقية لم يتخلص منها بعض هؤلاء حتى اليوم وصارت وصمة عار في تاريخهم .
  
بهذا السعر الرخيص يصبح القتل الأمريكي للعراقيين اليوم هو قتلا من أجل الحرية.

من أجل الديمقراطية.
لم لا؟

أليس من يدفع أجر العازف، يختار اللحن؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشير شوشة: -من الضروري نشر المحتوى التاريخي على جميع المنصات


.. حماس تعلن وفاة أحد المحتجزين.. وإسرائيل توسع عملياتها باتجاه




.. في ظل الرفض العربي لسياسات رئيس الحكومة الإسرائيلية في غزة..


.. روسيا تكتسح الغرب في -معركة القذائف-.. المئات يفرّون من القت




.. جبهة لبنان على صفيح ساخن .. تدريبات عسكرية إسرائيلية وحزب ال