الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوجاع يمانية في اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية!!

عيبان محمد السامعي

2024 / 2 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


أقرّت الأمم المتحدة تخصيص 20 فبراير/ شباط من كل عام يوماً عالمياً للعدالة الاجتماعية.
ولئن كانت مقاربات العدالة الاجتماعية تختلف باختلاف التوجهات الفكرية بين اليمين واليسار؛ فالاتجاه اليميني يختزل العدالة الاجتماعية في إصلاحات اقتصادية سطحية لا تمس جوهر النظام الاجتماعي الطبقي، فإن اليسار كان ولا يزال ينطلق من منظور راديكالي للعدالة الاجتماعية بوصفها عملية تغيير اجتماعي (Social change) تهدف إلى إحداث تغييرات جذرية في البناء الاجتماعي القائم باتجاه سيادة العيش الكريم والانصاف والحرية والديمقراطية وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين على قدم المساواة.

الحديث عن العدالة الاجتماعية في واقعنا اليمني حديث يثير الكمد والسخط في آنٍ معاً؛ كمدٌ على واقع الملايين من شعبنا اليمني الذي يقاسي حياة البؤس والكفاف والعوز؛ وسخطٌ على النخب الحاكمة والمُتربِّحة من معاناة الشعب ومن الحرب المستمرة منذ أكثر من 9 أعوام.

لقد عملت النخب الحاكمة طوال العقود الماضية على تبني سياسات إفقارية تجويعية بحق الشعب. كان المنعطف الأساس في مارس 1995 عندما اعتمدت الحكومة اليمنية (حكومة تحالف 7/7) ما يسمى "سياسة الباب المفتوح" (Open door policy) التي بموجبها انصاعت اليمن لاشتراطات صندوق النقد الدولي (IMF)، والبنك الدولي (WB)، عبر ما يُعرف "برنامج الاصلاح الاقتصادي والتكيّف الهيكلي"، والذي يقوم على حزمة من الاجراءات، أهمها: رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية والخدمات (أو سياسة "الجُرْعَة" كما هي متداولة الوسط الشعبي اليمني)، وفتح السوق المحلّية أمام السلع الأجنبية، وتحرير التجارة، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتقليص الانفاق العام على الخدمات العامة (التعليم، والصحة، والكهرباء، والمياه، والطرق... إلخ)، وخصخصة مؤسسات القطاع العام، وبيعها بأثمان بخسة.

لقد نتج عن هذه السياسات النيوليبرالية الإفقارية آثاراً اقتصادية، واجتماعية ماحقة، كان من أبرزها: انخفاض مروّع في الأجور الحقيقية للعمال، وارتفاع نسبة الفقر (تجاوزت نسبة 60% عام 2010) و (90% عام 2020)، وتصاعد معدّل البطالة لاسيما في أوساط خريجي الجامعات، والشباب (بلغت 45% عام 2010) و (70% عام 2020)، وتزايد معدل التضخّم، وارتفاع الأسعار بصورة جنونية، وتدهور القوة الشرائية للمواطنين، وتعويم العملة الوطنية ما أدى إلى تدهور قيمتها أمام العملات الأجنبية، وفتح المجال واسعاً أمام الاستثمارات الأجنبية، والوقوع في مصيدة الديون الخارجية.

كل ذلك أفضى إلى اتساع هوّة التفاوت الطبقي بين الطبقات الاجتماعية، فقد أمست أقلّية طفيلية (لا يتعدّى حجمها نسبة 5% من إجمالي سكان البلاد) تسيطر على السلطة، والاقتصاد الكلّي، فيما الغالبية من الشعب اليمني تعاني من البؤس، والحرمان الإنساني، والتهميش الاقتصادي، والاستبعاد الاجتماعي، والإقصاء السياسي.

بعبارة أخرى أفرزت تلك السيّاسات السوداء إلى انقسام اجتماعي حدي بين أقلية طفيلية مسيطرة، لا تنتج شيئاً، وتسيطر على كل شيء، وغالبية مُسيَطر عليها تنتج كل شيء، ولا تملك شيئاً!!

لقد حققت الطبقة الطفيلية حَرَاكاً اجتماعياً ضفدعياً ــ بتعبير عالم الاجتماع المصري د. أحمد موسى بدوي ــ، وهو نمط من الحَرَاك الاجتماعي الذي "يتجاوز المعايير المشروعة كافة، ويحتل لنفسه مكاناً داخل الجهاز البيروقراطي للدولة، أو داخل القطاع، عبر استثمار العلاقات السياسية لاستغلال موارد الدولة بطريقة غير مشروعة."

بمعنى أكثر وضوحاً: سيطرت هذه الطبقة الطفيلية على معظم القطاعات، والأنشطة الاقتصادية، لاسيما المُربِحة منها، مثل مجالات: استيراد السلع الأجنبية، والتوكيلات التجارية، والمقاولات، والمضاربات العقارية، والمضاربات النقدية، وشركات الاتصالات، والنقل، والنفط، والغاز، وفرض العمولات في المشاريع الاستثمارية، ومشاريع البنية التحتية، وممارسة أعمال التهريب، والبيع في السوق السوداء، والإتجار بالسلاح.

وفي مقابل ذلك، تقبع الطبقات الكادحة تحت نير الإفقار، والتجويع، والإدقاع، والاستغلال، والإذلال، والقهر، والأمراض، والافتقار إلى الأمن الإنساني، وفي مقدمته الأمن الغذائي.
أما الطبقة الوسطى فقد تلاشت وانسحقت تماماً تحت ضغط الكعب العالي للأوليغارشية الطفيلية وبارونات الحرب الجحيمية!
طبقة مافياوية وميليشيات وقتلة ولصوص يتفنون في تسويد حياة اليمنيين، ومصادرة أحلامهم، وممارسة العقاب الجماعي ضدهم لأنهم هتفوا للتغيير وللمستقبل اللائق.

عقود متطاولة واليمنيون يتلظَّون في متواليات من الجحيم.. جحيمٌ تشوي لحومهم وعظامهم، فيما تتكثف أوجاعهم وحسراتهم حتى صارت هرماً كبيراً يطاول هرم "خوفو"!
أمام هذا الوضع الجهنمي لا سبيل أمام المُفقَرين والمُستبعَدين والمُوجوعِين سوى أن يتمردوا ويثوروا.. ولن يخسروا حينها سوى القيود التي تكبّلهم وتسحق آدميتهم!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العدالة الاجتماعية والاشتراكية مفهومان منفصلان
منير كريم ( 2024 / 2 / 29 - 20:09 )
الاستاذ السامعي المحترم
ليست العدالة الاجتماعية اشتراكية ولا تحقق الاشتراكية العدالة الاجتماعية
العدالة الاجتماعية هي انصاف لكل الطبقات من خلال توزيع منصف للثروة وتكافؤ فرص امام الحقوق السياسية والقانونية والادارية
بينما الاشتراكية اعلاء طبقات والغاء طبقات
والغاء التعددية السياسية
وسيطرة الحزب الطليعي
الى اخره من الاجراءات التعسفية المتعارضة مع مفهو العدالة الاجتماعية كانصاف للجميع
شكرا

اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو