الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات المقبلة هذه الماكيط، فأين الروح؟

أحمد الخمسي

2006 / 12 / 1
كتابات ساخرة


تتهيأ الدولة للانتخابات...تعد العدة لتحسين الصورة وتجفيف الزجاج ومسحه من الشوائب، تعد العدة لتهيئة الأرضية الانتخابية لتضع فوق الماكيط كل المكونات السياسية. تعد العدة وتحصر الأبواب والروافد المؤدية إلى الساحة الانتخابية..فتحسب حساب الربح والخسارة. تمسك القلم وتحسب إمكانيات جلب الناس نحو المشاركة. فتعمل على رصد الجهد الملكي عبر الخطب التوجيهية لتشريع مداخل التيارات نحو نحو تحقيق المطالب عبر المؤسسات، ورصد الجهد الملكي عبر البرامج والعطايا التي تزرع في المعنيين أملا للعيش رفقة السياسة. كما ترصد جهود الحكومة وما تستخلصه من اتفاقاتها مع الأطراف الاجتماعية والمالية والمقاولاتية، لنفس الهدف الاستقطابي نحو العملية الانتخابية. وترصد جهود الأحزاب السياسية في المحاور الكبرى للأغلبية الحكومية، من حيث تراكم خلق أقطاب كبرى لليسار والوسط واليمين...تململ اليائسين من زواياهم لتخرجهم نحو العملية الانتخابية....

مرة أخرى تحسب الربح والخسارة، فتحتاط من تسرب الذين يعتبرون السياسة كلاما واضحا، يؤدي إلى ربح مواقع في مؤسسات الدولة لفائدة المجتمع، في اتجاه تكريس الديمقراطية الكمية والنوعية...وتعمل على ضبط الحقن والحصص التي توزع بين الفرقاء من كيس الديمقراطية الذي يتصف بصفة السلاح ذي الحدين...فتعتبر الدولة نفسها مسؤولة عن "التوزيع العادل" لهامش الديمقراطية السياسية المسموح بها...حسب منافع الطبقة السياسية..في اتجاه تحسين سمعتها لدى مراكز القرار الدولي...

وبالتالي، تكثر أمام الدولة، وهي تهئ الظروف للعملية الانتخابية مقاييس التعامل مع الفرقاء، وقد تعددت أنواعهم، بسبب الفقرات السبع في سلسلة العمود المكون لمحور الهيكل المؤسساتي المنتخب...من التشريعية إلى الجماعات المحلية إلى الغرف المهنية إلى ممثلي الأجراء المنقبين، إلى المجلس الإقليمي إلى مجلس الجهة إلى غرفة المستشارين......

والحال أن الدولة نفسها تحمل عبئا بيروقراطيا وتقنوقراطيا ثابتا، تشتغل بواسطته، يرث قيم عمله ومقاييس مردوديته من عهد الريع الإداري بتوجيه من ادريس البصري، الذي طال ما ضحك على ذقون الحداثيين والديمقراطيين والأصوليين والمقاولين والفاعلين الدوليين وضحك من خلف كل الفرقاء، ليثبت جدارته، وانغماسه في نمط تفكيره الميكيافيللي اليميني المتطرف، من أخمص قدميه إلى "جدارة" أذنه.

مما يبعد الأهداف السياسية الصافية المرتبطة بالديمقراطية في البلدان الموصوفة عريقة في العملية الانتخابية النزيهة.

إن كل متتبع مولع بالشأن العام إن صح التعبير، يجد المسألة الانتخابية معقدة في بلد كالمغرب. تخاف فيه المؤسسة الملكية على ما ورثته من أجيال أجدادها السابقين، سواء من باب الحرص على هذا الكائن الحي العملاق المسمى "الدولة"، أو من باب الحرص على حق أفراد العائلة الملكية، باعتبارهم بشر ومواطنين، لهم الحق في التشبث بالمكتسبات الاجتماعية والاقتصادية والرمزية...وهو ما لا يفرط فيه أحد من باب غريزة البقاء وما يرافقها من توابع بلا زوابع...

والمتتبع المولع بالشأن العام، يتذكر أن بناء الأوطان والمجتمعات والصروح السياسية، مرفوق بالتضحيات...فكم من مسؤول على رأس كيان ما أقدم على حلول موجعة على صعيد المعتاد والموروث...لكنه ومن باب الاستثمار لفائدة تمكين الأجيال المقبلة، لا يصيبه الخوف من أجل الإقدام على بناء ممرات جديدة لم يتعود عليها السابقون....

إن المغاربة في الشمال، على سبيل المثال لا الحصر، لم ينتظروا أن تتحلى الدولة بالجرأة لتبني معلمة الميناء المتوسطي قبالة ميناء الجزيرة الخضراء، وفي ذلك قدرة على استباق ردود الفعل الدولية الكبرى في ممر مزدحم بالخطط وخرائط الطريق لذوي المصالح الجيوستراتيجية...فلم تكن الدولة لتقدم على خلخلة البنية التحتية في مضيق جبل طارق حيث الحضور الانجليزي والأمريكي والفرنسي والاسباني والمغربي والروسي والصيني وووو...لو لم تكن تشعر بمصداقية تعاملها مع كل هؤلاء الفرقاء الخارجيين....وهو ما قد يعادل معركة حربية كبيرة مثل تلك التي خاضها أبو الحسن المريني في الجزيرة الخضراء "قياس الخير"...

لكن الضمانة التاريخية الآتية والتي ستوفر الطمأنينة الطويلة الأمد للأسرة الملكية و للشعب، وضع ذلك الأساس السياسي المتين بخرسانته الأسمنتية المسلحة بإرادة الشعب...تلك الخرسانة هي سيادة الشعب في السياق المغربي....ففقدان العمل بها...سيترك العملية الانتخابية مثل وضع العكار على وجه لم يتهيأ بعد من الناحية الاستتيكية للتجميل...

ففي الفقرة الأولى من هذا المقال، تحدثنا عن إعداد العَدد والأعداد، وحساب الربح والخسارة وترتيب قوائم الأحباب والأصدقاء والخصوم والأعداء....
لكن العملية الانتخابية المرتبطة بتقرير المصير الاجتماعي والاقتصادي للكتل الناخبة، انبنت على مبدأ الاقتراع العام، حيثما وجد السكان...وإذا انساقت النخب المركزية إلى التعامل مع أولئك السكان تعامل أكياس البطاطس فقط بلا تأهيل ولا رفع لمعاناة حبات البطاطس داخل اكياس، فبالضرورة ستدب الحركة داخل الأكياس وسوف تخرج "النباتة" من كل بطاطة لتتحول إلى تمرد غير معلوم الشكل ولا الصيغة ولا التوقيت....

فمبدأ سيادة الشعب كمضمون سياسي يحول أكياس البطاطس إلى دوائر انتخابية يملأها الناخبون المواطنون الدافعون للضرائب والمدافعون عن حقوقهم...فيكون ذلك بمثابة مناعة أصلية متأصلة في الجسم السياسي الذي يتلخص في صوت الناخب من المعدن الثمين...الذي لا يقدر بورقة نقدية يوم الاقتراع...

وهو بمثابة نواة صلبة يدعم الكينونة الأصلية للدولة....ويجعلها دولة قوية الرمزية بفضل تنظيمها لشعب سيد مسيس يملك مقومات النضج للتصويت ولاختيار أعضاء البرلمان....فكم يكبر الملك الذي يعلو عرشه ولو رمزيا فوق هذا الكل العظيم....أما إذا كان الكيان السياسي مهدد، ومرة أخرى نستحضر فقط المثال، ليس من باب المقارنة ولكن من باب التخييل الكاريكاتوري فقط، ولا نملك في نفس الوقت سوى الاعتذار المسبق لشعب جمهورية افريقيا الوسطى...إذ يصعب الأمر أمام كل كيان سياسي يتخيل من الناحية الشكلية تحول مواطن بسيط من صفوف الجيش إلى أمبراطور بعرشه المجنح على شكل نسر من الفضة كما كان الأمبراطور....بوكاسا..

ونحن نشهد هذه التراكمات على الصعيد القانوني والتشريعي، لابد من التفكير في التخفيف من الأعباء التي يتجشم الملك حملها لا لابموجب الدستور...بل ليكن الله في عون كل بشر يواجه تفاصيل الأسفار والبروتوكول والتنظيم الحديد الذي لا يقبل المس بما يتتبعه المراقبون الدوليون...لذلك، كم تستمر العملية الانتخابية هدفا للمصالح الشخصية وتفتقد رمزيتها السياسية التي توازن بين الدولة والمجتمع بلا ضرر ولا ضرار.

متى تصبح الانتخابات روحا لجسم سياسي كامل الصحة والعافية السياسية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطة تخطف أنظار الحضور بعد صعودها على خشبة المسرح أثناء عزف ا


.. عوام في بحر الكلام - علاقة الشاعر فؤاد حداد وسيد مكاوي




.. عوام في بحر الكلام - فؤاد حداد أول من حصل على لقب الشاعر في


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 10 يونيو 202




.. عوام في بحر الكلام - حفيد الشاعر الكبير فؤاد حداد مع الشاعر