الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن التعايش مع سلطة القوى الخاسرة؟

صادق الازرقي

2024 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


لقد نفذت انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم الاخيرة في العراق في كانون الاول 2023، بمقاطعة اغلبية السكان للاقتراع، ويمكن القول ان اغلبية من شاركوا هم من جماهير الاحزاب والمنتفعين منها.
فهل يمكن التعايش بين السكان وبين احزاب حاكمة لم تنل سوى اصوات اقلية ضئيلة من الناس والمقترعين؟
بدءا نقول، ان الامر يجري بخلاف ذلك في الديمقراطيات الحقيقية، اذ ان نسبة المقترعين في معظم الاحوال تتجاوز الـ 50%، كما ان النظام الانتخابي لديهم غير معقد مثلما يحدث عندنا، اذ يجري تكليف الفائز الاول في الانتخابات بالمناصب التنفيذية، وبدوره يختار الحكومات المحلية.
في بريطانيا مثلا، يكون نظام اختيار العمدة بالاقتراع المباشر، وفي فرنسا تُجرى انتخابات المجلس البلدي ويجري اختيار أعضاء المجلس البلدي من قبل المواطنين المسجلين للتصويت في المنطقة ذاتها.
وبعد الانتخابات، يجتمع أعضاء المجلس البلدي الجدد ويختارون من بينهم رئيس البلدية والمكتب البلدي، ثم يقوم رئيس البلدية وأعضاء المكتب البلدي بانتخاب عمدة المدينة وهو رئيس الحكومة المحلية في المدينة؛ والمرشح بحاجة للفوز بأغلبية الأصوات من أعضاء المجلس، وبعد فوز العمدة، يقوم بتشكيل حكومة محلية تتألف من عدد من النواب أو المساعدين له، يجري تعيينهم للعمل في مجالات متعددة وفقًا للمسؤوليات المحددة، وقد تختلف قليلاً بحسب القوانين المحلية والحجم السكاني للمدينة.
وينتخب عمدة مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الامريكية بصورة مباشرة، ويدير مكتبه جميع خدمات المدينة من الممتلكات العامة والشرطة والحماية المدنية، ومعظم المؤسسات العامة في هذه المدينة، ويفرض جميع قوانين المدينة والولاية والحكومة الاتحادية في مدينة نيويورك.
ولمدينة نيويورك قانون خاص، وفقًا له يقتصر عهد العمدة على مدتين متتاليتين امدهما أربع سنوات وللعمدة صلاحية تعيين عديد نواب رؤساء البلديات للمساعدة في الإشراف على المكاتب الرئيسة في داخل الفرع التنفيذي لحكومة المدينة.
أردنا من هذه الامثال ان نبين المغزى من انتخاب المسؤولين المحليين بصورة مباشرة من قبل الناخبين في المنطقة المعنية؛ لما لذلك من تأثير كبير على واقع المدن والمقاطعات وتقديم الخدمات لسكانها، اذ يجري الترشح عادة بصورة فردية، ومن يثق به الناخب والسكان هو الذي يتقدم لإدارة المؤسسات المحلية.
وفي مجريات الأحداث الأخيرة لدينا في العراق، ان محافظة ذي قار بحسب مصادر، رجحت ان التشكيلة الحكومية ستتوزع بين ائتلافين، اذ يكون منصب المحافظ من حصة تحالف قوى الدولة بزعامة عمار الحكيم وحيدر العبادي وتحديدا تيار الحكمة الوطني، فيما ستكون رئاسة مجلس المحافظة من حصة تحالف "نبني"، بحسب ما تسرب حتى الآن من اقوال تلك المصادر.
ومن المعلوم ان تلك الائتلافات لم تنل تأييد الناس في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة، التي قاطعها نحو 80% من السكان في اقل تقدير.
ومن المعروف، ان ذي قار بأغلبيتها خرجت الى ساحات التظاهر والاحتجاج في تشرين الاول عام 2019 وقدمت عددا كبيرا من الضحايا، وكانت الاحتجاجات بالأساس على الاحزاب الحاكمة الحالية التي تقول انها تمثل الوسط والجنوب، وهي نفسها المتحالفة الآن في التحالفين المذكورين، وغيرهما.. فكيف يجري اعادة تنصيب من رفضتهم الجماهير، وهل أصبح تنصيب الخاسرين عرفا في الوضع العراقي؟!
المفارقة الاخرى في الوضع العراقي، ان القوى التي لم تؤيدها الجماهير التي تتحكم بالحكومة المركزية دأبت على القول انها تريد تغيير جميع المحافظين الحاليين، وذلك امر يجافي سير الامور حتى وفقا للسياق الانتخابي المعمول به عندهم، اذ ان محافظين نالوا اعلى الاصوات في محافظاتهم كما في البصرة وكربلاء وواسط مثلا، يجري المطالبة بتغييرهم؛ فما قيمة نتائج الانتخابات حتى قياسا لقوانينها الحالية التي نرى انها واجبة التغيير.
لقد قلنا منذ البداية ان النظام الانتخابي المعمول به في العراق قاصر عن تلبية مطالب الناس، وناشدنا بضرورة تغييره الى نظام انتخابي عصري، كما ان اصحاب الرأي وكذلك الجماهير التي انتفضت في أكثر من مناسبة لطالما دعت الى الغاء مجالس المحافظات، او في الاقل انتخاب المحافظين بصورة مباشرة من قبل اهالي المنطقة، ومن ثم اختيارهم لمساعديهم ورؤساء البلديات.
اما الاصرار على الاخطاء ذاتها التي تسببت في انهيار الخدمات وضياع الاموال، فلن ينقذ البلد من خرابه وسنظل ندور في دوامة المشكلات الامنية والسياسية من جراء اهتمام المحافظين الحزبيين بالصراعات السياسية واهمالهم الجانب الخدمي وحاجات السكان، وهو ما شهدناه في معظم محافظات الوسط والجنوب طيلة أكثر من عشرين سنة ماضية.
لقد ابتدأوا الصراع على المنصب منذ اعلان نتائج الانتخابات، ولم يبينوا لنا ما هي برامجهم الانتخابية التي يتوجب ان ينفذونها الآن، وماهي خططهم لتطوير مدنهم ومحافظاتهم.
برأينا، ان الاصرار على النهج الخاطئ ذاته والتمسك بأشخاص ليس لديهم قبول جماهيري، يؤدي الى استمرار الانتكاسات ذاتها التي تمخض عنها الوضع العراقي منذ أكثر من عقدين، وسيتواصل الصراع السياسي على أشده مثلما كان في السابق؛ فيما يجري اهمال المطالب الاساسية للناس المتمثلة في احياء المدن وتعميرها، والقضاء على ازمات السكن وانهيار الخدمات وتخلف الكهرباء وازدياد نسب البطالة ومعدلات الفقر وتوقف الاستثمار؛ وبقاء الفساد وتناميه.
لذا الامثل برأيي هو انتخاب المحافظين بصورة مباشرة في اقتراع عام من ضمن المنطقة يترشح فيه أكثر من اسم وعلى الجماهير اختيار أحدهم، ثم منحه بعد فوزه صلاحية اختيار وتعيين نوابه ورؤساء بلدياته ومؤسساته، وطبعا مع تنظيم الامور المالية بينه وبين الحكومة الاتحادية؛ كي يتسنى له تنفيذ برنامجه المفترض، وتقديم الخدمات للناس التي تمثل الاساس الحقيقي الذي يطمئن القلوب ويوجه الامور الى وجهتها السليمة.
لقد ثبت بالتجربة ان النظام الانتخابي الحالي في العراق الذي طبق بعد عام 2003 غير ملائم للوضع العراقي، لأنه يوصل اشخاصا لا ينالون اصوات الناخبين وهم بمنزلة الخاسرين، الى تبوء المناصب التنفيذية؛ ومن الضروري تغيير ذلك النظام الانتخابي حتى اذا تطلب ذلك تغيير الدستور، وهو ما شددنا عليه طيلة اكثر من 20 عاما، اذ ثبت لنا بالتجربة المريرة انه نظام ميت غير قادر على تلبية مطالب الناس وطموحهم نحو الحياة الافضل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة