الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تساوي الفرص

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2024 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


لسنا بحاجة لاستدعاء كافة التسريبات التي يعبق بها سماء الازمة لكي نستنج ان الحرب على غزة لها ابعادها التي تتجاوز القضاء على حركة حماس ومعها كل الفصائل الفلسطينية المسلحة، أو تحرير واستعادة بضعة عشرات من الأسرى الاسرائيليين الذين تجاوزت كلفة استعادتهم الاخلاقية سحب كل الرصيد الأخلاقي المزعوم لدولة قامت على ادعاء انها ليست فقط جزء من مركزية ثقافة الغرب، بل حصنها المتقدم في مواجهة ثقافة الطغيان الدامي والظلامية الدامسة.
كما اننا لسنا بحاجة إلى رتق بعض المساحات المضيئة في تاريخ دولة حرية حركة رأس المال الاستعماري والتسلطي بالعودة إلى قراءة اطروحة صموئيل هنتغتون، أو نفض الغبار عن مقاربات برنارد لويس التي كانت ولا زالت تعتبر محرك تفكير الدولة العميقة في الولايات المتحدة، سواء ما تعلق منها باوراسيا او منطقة الشرق الاوسط، لكي ندرك ابعاد الاصرار الامريكي على تحويل الحدث إلى فرصة للانتصار وبناء إستراتيجية ما زال البحث عنها جاريا منذ انهيار جدار برلين، إستراتيجية كبرى تضبط ايقاع سلوكيات الولايات المتحدة تجاه الخيارات العظمى امامها التي سيكون لها بالغ الأثر في تشكيل مستقبل البيئة الدولية لنحو المائة عام القادمة.
كذلك فإننا في غنى عن مراجعة نتائج تطبيقات كونداليزا رايس المريعة لنظرية صراع الحضارات بهندسات الفوضى الخلاقة، ان بتصنيع الارهاب أو الانقلابات الدموية والحروب الأهلية فضلا عن الحروب التدميرية لدول بأكملها ونسف انظمة وتخليق انظمة بديلة عنها من خيالات الثقافة الاستعمارية بحجج وذرائع كشف سير الاحداث مدى تهافتها وسخافتها، نعم نحن في غنى عن كل ذلك لنصدق اننا لسنا خيارا امريكيا، وربما العكس هو الاصح.
فبعد اكثر من ثلاثين عاما على اتفاقية اوسلوا، ورغم ما ابدته القيادة الفلسطينية من مرونة غير مسبوقة، وقبلها اتفاقيتي كامب ديفيد والسلام المصرية الاسرائيلية، وتبعتهما اتفاقية وادي عربة، ثم قمة بيروت عام 2000 والتدحرج التطبيعي المتواصل، وبعد سلسلة من الفشل الاسرائيلي الذريع في خلق قيادات وهياكل قيادية فلسطينية بديلة للقيادات الوطنية الفلسطينية، فإن الولايات المتحدة لم تنصاع بعد لحقائق الواقع وتقبل بالضغط الجاد على إسرائيل لتسوية تاريخية من شأنها إعادة الهدوء إلى منطقة حيوية في الصراع بين دول قيادة النظام الدولي.
لذلك فان البحث اليوم عن محاولات للهروب من مواجهة الحقائق المؤلمة عبر بناء جدران من الوهم الجديد حول النوايا الأمريكية والاسرائيلية نحو الحقوق الوطنية الفلسطينية، أو الصداقات مع انظمة الدول العربية، لن يفضي الا الى منح الولايات المتحدة الوقت الذي تحتاجه لتنفيذ رؤيتها في البناء للقرن الأمريكي القادم، والتي ستكون أداته الإقليمية الفاعلة إسرائيل الواسعة النفوذ، رغم ما قد يحمله ذلك من مخاطر تحميل طرف ما ليس بوسعه القيام به الا بتوافر عدد من الشروط اقلها خلق توازنات بين القوى والامكانيات الجغرافية والديمغرافية.
ولذا فان عودة الحديث عن اعراق واثنيات المنطقة وافتعال مزيد من أزمات التفكيك الجغرافي للوحدات السياسية كما حدث من قبل في لبنان والعراق وسوريا وليبيا واليمن وفي السودان قديما وحاضرا، وكما هو مبيت مستقبلا بمثل ما اشار له الفريق احمد شفيق وغيره من خطط ومخططات تتماهى مع مقولات ووصايا برناند لويس الذي يرى بعالمنا العربي مجموعات أقوام من الفاسدين والفوضويين والقوميات والأديان والأعراق والاثنيات التي لم ترتق لمستويات اقامة دول عصرية علمانية او حتى إسلامية لذا يجب ان تستثمر هذه النقطة لتفكيكهم وممارسة السلطة عليهم من قبل قوى خارجية، عودة هذه الأحاديث وغيرها يؤكد التصميم الأمريكي على المضي قدما في تنفيذ رؤية تفكيك المنطقة لتسهيل قيادتها والسيطرة عليها اسرائيليا خدمة للاستراتيجية الأمريكية في احتوائها والنأي بها عن النفوذين الصيني والروسي. وأن اية أحاديث أخرى عن اقامة الدولة الفلسطينية او تمكين السلطة الفلسطينية من غزة وتوسيع نطاق ولايتها السياسية والامنية تتنافى تماما مع سياسات الاحتلال الذي لم يتوقف يوما عن مصادرة الأراضي الفلسطينية واستيطانها، واضعاف السلطة الوطنية الفلسطينة بمختلف السبل بدعم وتأييد امريكيين لخلق انطباع لدى دول العالم انه لا يوجد شريك فلسطيني يمكن البناء معه لمستقبل آمن.
وربما الأخطر من ذلك ليس تصديق هذه الادعاءات والمزاعم بل القيام بالدور الوظيفي لدعاتها ومختريعيها على حد تعبير المرحوم عبد الوهاب المسيري والدعوة لتصديقها والعمل على ضوء متطلباتها كحقائق بدون اخضاعها للتحليل المنطقي الذي قد يقود إلى عكسها، اوالارجح ان يكون كذلك، حيث يتضح اليوم مدى تهافت مجموعة المبادئ والقيم الحضارية الليبرالية وغياب وحدانيه المعايير في التعامل مع حقوق البشر والناس.
ولذلك وقبل تبادل الاتهامات والاتهامات المضادة او التربع على قمم الوهم وتصديق ادعاءات الاخرين وللقطع مع أساليب التفكير السلفي المتحجرة، صار من الضروري الان ان ينتقل الجميع، عربا ومسلمين وليس فلسطينيين فقط من مربعات التنصل من البحث عن تحويل الحدث إلى فرصة دون انتظارات العطايا الامريكية، لان إسرائيل ومعها أمريكا في المقابل ليستا بوضع افضل، حيث ولأول مرة تتساوى الفرص وأن من سيربح فرصته هو الذي يقطع مع الأدوار الوظيفية لخصمه.
هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????


.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????




.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر


.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما




.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث