الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(السينما ومرآة الواقع: تأملات في -يانال- لجاد أبو علي بعيون فلسفية)

يزن البدر
مخرج مسرحي

(Yazan Bader)

2024 / 3 / 1
الادب والفن


في زماننا هذا، حيث تتلاشى الحدود بين الواقع والخيال، يأتي جاد أبو علي بعمله السينمائي "يانال" ليقدم لنا لوحة فنية تعكس الصراعات الإنسانية بأسلوب يجمع بين الجمالية والفكر. ينغرس الفيلم في أعماق الوجدان، مستنطقًا الروح ومستفزًا العقل، في رحلة تصويرية تتخطى ما هو مرئي إلى ما هو محسوس ومعاش.

يتناول "يانال" موضوعات شائكة تنسج خيوط الوجود الإنساني، مثل البحث عن الهوية، الصراع من أجل الحرية، والتوق إلى الانعتاق من قيود المجتمع. فيقوم أبو علي بتوظيف السينما ليس كوسيلة للترفيه فحسب، بل كأداة للتفكير النقدي، داعيًا المشاهدين للتفاعل مع الأحداث والشخصيات بصورة تتجاوز الزمان والمكان.

يتميز الفيلم بطريقة سرده القصصية، حيث يتقاطع الشخصي مع الجماعي، وتتشابك الأماني مع الواقع في ديناميكية تصويرية مؤثرة. لا تقتصر رسالة "يانال" على الجانب السياسي أو الاجتماعي، بل يتعداها إلى البعد الأخلاقي والروحي، ما يجعله تجربة سينمائية شاملة.

من خلال استخدام تقنيات بصرية مبتكرة ولغة سينمائية شاعرية، يخلق أبو علي عالمًا يعكس فيه الأشخاص والمشاهد واللحظات المشحونة بالمعاني، وفي كل ذلك، يتألق "يانال" بفضل تجسيده العميق للتناقضات الإنسانية. يتقاطع فيه الألم مع الأمل، والضعف مع القوة، واليأس مع الإصرار، مقدمًا نموذجًا سينمائيًا يحتذى به في كيفية استكشاف الأبعاد المتعددة للحياة الإنسانية.

من الناحية الفلسفية، يمكن لـ "يانال" أن يُفسَّر كميتافيزيقا الوجود اللبناني، حيث يسبر أغوار الذات الفردية والجماعية، ويعكس تعقيدات التحديات التي تواجه الإنسان في سعيه للحفاظ على هويته وصون كيانه في مواجهة العواصف الاجتماعية والسياسية. وفي هذا، لا يقتصر الفيلم على كونه صرخة في وجه الظلم، بل هو أيضًا تأمل في معنى الحرية والكرامة الإنسانية.

جاد أبو علي، من خلال هذه الرؤية السينمائية، يجسد الحقيقة القائلة بأن الفن ليس مجرد انعكاس للواقع، بل هو محرك للتغيير وملهم للثورة الفكرية والروحية. يستخدم "يانال" كأداة للتحريض على الوعي، معبرًا عن القضايا الملحة بطريقة تربط الماضي بالحاضر وتفتح الأبواب أمام إمكانيات المستقبل.

إن الفيلم، في جوهره، هو دعوة للمقاومة، ليس بالسلاح، بل بالفكر والفن. هو تحدٍ للقوى التي تسعى لكتم الأصوات وتضييق الآفاق. يعلمنا "يانال" أن كل فرد منا قادر على صنع التغيير، وأن الأمل ينبع من الإيمان بالقيم الإنسانية والعمل الجاد من أجلها.

"يانال" لجاد أبو علي ليس مجرد عمل سينمائي آخر يمر في دور العرض، بل هو سفر في عمق النفس الإنسانية، وتحفة فنية تحمل بين طياتها روح العصر وصرخة جيل يرزح تحت وطأة التحديات، ولكنه لا يزال ينشد النور في نهاية النفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل