الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجديد الخلاّق في استراتيجية -حرب العصابات- : حركة -حماس - في مواجهة الكيان الصهيوني

محمد عبد الشفيع عيسى

2024 / 3 / 2
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


إنها الحرب .. تجسيد غريزة العدوان لدى الجنس البشرى العتيد ..!
ولن نتحدث عن المبارزات القتالية للإنسان الأوّل وعصور ما قبل التاريخ. ولكن دعنا نركز على "التاريخ" وعلى أكثر حقباته تطوراً، أى "الدول" والإمبراطوريات القديمة .
فى العصور القديمة نماذج ظاهرة للمعارك الحربية أو القتالية حين اصطدمت حضارات بحضارات، ودول بدول، وملوك بملوك وأباطرة كُثر. فى تلك العصور وجدنا السطور اللامعة فى كتاب الحرب والعدوان البشرى، وممارسة العنف والقتال الدموي، لأسباب مُبّررة لدى أصحابها، دفاعاً عن الأوطان تارةً، أو سحقاً لاستقلالية أوطان، تارةً أخرى.
هذا ما وجدناه مثلاً فى مصر القديمة، زمن حروب رمسيس وتحتمس ثم الهكسوس وأحمس. ولا ننسى، بالتوازى مع ذلك، أو بغير تواز، حروب الفرس وروما القديمة، وصولات وجولات فى "العراق القديم" من بابل وآشور ..الخ، وحروب الفينيقيين القادمين من الساحل المتوسطى (العربى حاليا)، لإقامة دولة قرطاجنة – تونس الحالية، فى مواجهة روما. واستراتيجيات وتكتيكات هانيبعل ضد الرومان .
أما الإسكندر الأكبر فهو كتاب منفرد للقوة الساحقة للإغريق، بعد حروب أثينا و إسبرطة ، امتداداً إلى أقاصي أصقاع آسيا الرعوية. ومن بعد ذلك جولات البطالمة، وصولاً إلى مصر حيث الشهرة المشهورة لحكام من طراز يوليوس قيصر وكليوباترا.
ولابد أنه كان هناك ما يوازى كل ما سبق فى الشرق الآسيوى الأقصى وشمال شرق آسيا، عبر الإمبراطوريات والدول المتطاحنة فى الرقعة الحالية للصين واليابان وشبه الجزيرة الكورية والهند الصينية (كمبوديا ولاوس وفيتنام).
أما عن العصور الوسطى فحدّث ولا حرج، من القرن السادس الميلادى مع البعثة النبوية عام 610 م، إلى القرن السادس عشر، وخاصة مع بزوغ ثم سطوع ثم ازدهار عالم الإسلام بدءً من البعثة النبوية، حتى سقوط عاصمة الدولة العباسية (بغداد) عام 1258 م، وما عاصرها و أعقبها من (دول) إسلامية عتيدة ذات عمق بالغ في المنطقة المسماة غربيا بالشمال الإفريقي والشرق الأوسط، ونسميها بالمنطقة العربية –الإسلامية المركزية..
وقل مثل ذلك أيا عن ظهور الدولة العثمانية بعد سقوط القسطنطينية عام 1453حتى سقوط الدولة في أتون الحرب العالمية الأولى عام 1916.
ولن نفيض في كل ذلك ، بل لن نتحدث، حتى مجىء العصور الحديثة، وما تخللها عن حروب قارية (خاصة داخل أوروبا). أما الحروب الاستعمارية المسلّطة من أوروبا على آسيا وإفريقيا فكانت علامة مشهودة على تصاعد نزعة العدوان (الإمبريالى) طمعاً فى الثروات أو سعياً إلى الهيمنة بلا شريك .
ومن ذيول المرحلة الإمبريالية، ذيل قصير وإن كان هزيلاً، لكنه يمتع بقدرة عالية على بناء التحالفات؛ ذلك هو الذيل الصهيونى الذى ظهر بقوة مع "المؤتمر اليهودى الأول" بقيادة هرتزل عام1897. ثم إذا بالذيل يعيد بناء تحالفاته حتى قيام كيانه السياسى عام 1948بالتعاون الوثيق بين الحركة اليهودية وبريطانيا – الدولة المنتدبة استعمارياً على فلسطين.
و ها نحن نتحدث عن آخر حلقات محاولات التمدد الصهيونى بعد (وصولات وجولات) عديدة مديدة طوال حقبة 1948-2024 مع حرب غزة الراهنة. وعنها نتحدث ها هنا من منظور حرب حماس الوطنية في مواجهة الكيان الصهيونى اسرائيل اعتباراً من السابع من أكتوبر 2024.
هذا لب ما نود أن ندلف إليه اليوم فى مقالنا حول استراتيجية حرب الحركة الفلسطينية المقاومة ممثلة فى "حركة المقاومة الإسلامية" –حماس- و (أخواتها) عبر الربع الأخير من عام 2023، ومن يدرى، لعله يمتد إلى شطر ما من عام 2024.
لقد سجلت (حماس) صموداً أُسطورياً ومن أمامها ومن ورائها، الشعب الفلسطيني البطل فى (غزة العزّة). فما السر من وراء هذا الصمود الأسطوري يا ترى ..؟
ليس سرّاً واحداً، ولكنها أسرار عدة. ومن هذه الأسرار، اتباع استراتيجية خاصة للحرب بين شعب أعزل و معه حركة مقاومة قليلة الإمكانيات، من جهة، وبين كيان مُدجج بالسلاح والمال، من أمريكا وأوربا، دون مواربة، ودون خشية من العواقب، فيما يبدو.
فما هي تلك الاستراتيجية التى اتبعتها حركة "حماس" لتواجه برغم فقرها المادي أعتى كيان مدجج، لا تلوى على شىء، انطلاقاً من إيمانها العقائدي العميق بعدالة قضيتها، قضية فلسطين العتيدة.
وكما رأينا دراسات عديدة فى استراتيجية الحرب لدى البعض من الكُتاب والمفكرين مثل (كلاوس فيتز) و (ليدل هارت) و (أندريه بوفر)، فكذلك نحاول اليوم، وإن كان مذهبنا أقرب إلى استلهام دروس حرب حركة التحرر الوطنى فى شرق آسيا، وخاصة الصين وفيتنام فى النصف الأول من القرن العشرين، أو ثلثيه بتعبير أدق.
لذا ترانا نميل إلى بحث الاستراتيجية لدى ماوتسي تونج (الصين) وهوشي منه (فيتنام) انطلاقاً من مدخل "حرب العصابات" بالذات .
و لئن استفادت (حماس) من استراتيجية وتكتيكات حروب العصابات الصينية-الفيتنامية، و الآسيوية عموماً، إلا أنها فى حرب غزة الأخيرة (حرب السابع من أكتوبر 2023) قدمت مساهمة جدية، جديدة لا بأس ، فى علم وتطبيق استراتيجية الحرب بين طرفين أحدهما غير متكافىء القوة بالمطلق مع الآخر .
فماذا فعلت حماس، وكيف جددت فى تطبيقات الاستراتيجية المعاصرة، وتكتيكات العصابات، حتى بلغت ما بلغته من قصة الصمود الأسطوري كما قلنا..؟
فيما يلى نقدم نبذة مختصرة أو لمحة موجزة عن أهم مرتكزات استراتيجية المقاومة الفلسطينية ( الحمساوية) –إن شئت- فى (الحرب غير المتكافئة). وهذا، ما نعبر عنه فى النقاط التالية، دون إطناب، و لكن دون أن نتكلف عناء البحث المقارن بين حروب العصابات الآسيوية المذكورة ، وبين حرب غزة الراهنة.
ولسوف نركز فى عرضنا هنا على نقاط (التجديد) التى أتت بها المقاومة الفلسطينية سواء فيما يتعلق بحروب العصابات الآسيوية أم فى بعض من أمريكا اللاتينية أيضا.
وهذا ما يتجلى فى المبادىء الاستراتيجية العشرة التالية :
1- الانتقال من استراتيجية وتكتيكات "الحرب الكبيرة" Grand War إذا صحّ التعبير، إلى "الحرب الصغيرة" Mini War. مثال الحرب الكبيرة الواضح منازلات الدول الكبرى عبر الحرب العالمية الأولى (1914-1919)، والحرب العالمية الثانية (1939-1945). أما الحروب الصغيرة فهى كثيرة ولكنها لا تكاد تترك أثراً لمّاحاً قويا على خارطة العلاقات الدولية و لوحة "الصراعات والنزاعات الإقليمية".
وتبدو (حرب حماس) الراهنة ذات بصمة قوية لامعة، حيث تواجه ما قد يقال من أنه ربما يمثل الجيش رقم 14 على المستوى العالمى..! وهو الجيش الصهيونى، جيش (اسرائيل) .
إنها حرب صغيرة بميزان مساحة المواجهة (تبلغ مساحة قطاع غزة نحو 365 كيلو متر مربع)، وضيق مساحات المواجهات بين الطرفين، حيث تتم غالباً فى المناطق المبنيّة بما تحويه من شوارع وحارات ضيقة ومساكن متلاصقة (كما هو الحال فى مدينة خان يونس وفي مخيم جباليا..إلخ) .
2- من الحرب العلوية إلى الحرب السطحية والسفلية. الحرب العلوية أدواتها سلاح الطيران، والمدفعية الثقيلة، والدبابات والمدرعات والعربات (المجنزرة-المصفحة). ولا تمتلك المقاومة الفلسطينية مثل هذه الأدوات، ولكنها تلجاً إلى الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى والمحمولة على الكتف، والقذائف الموجهة أو غير الموجهة من على بُعد غير بعيد (صواريخ من طراز آربى جى و تى بى إس بالذات).
تمارس المقاومة الفلسطينية حربها (الصغيرة) فى مساحاتها الضيقة، ضد العدو وجهاً لوجه (ما يقال إنها من "المسافة صفر") عبر التلاحم العضوى المباشر. وهذه نقطة قوتها الساحقة، فى مواجهة نقطة الضعف القاتلة لجيش الكيان الصهيونى، الذى يفر أفراده من معارك التلاحم ويهرب إلى الجو – بالطيران- وإلى السطوح المستوية وغير المستوية (بالمدفعية الثقيلة..). وتبدو "الأنفاق" أيضا ركنا مكملاً لاستراتيجية الحرب الصغيرة، حيث توفر الملاذات الآمنة لاختباء المقاتلين الوطنيين ومن ثم خروجهم من مكامنهم على حين غزة، لاصطياد العدو الجبان الساكن فوق الأرض على مسافات متفاوتة، والمختبىء فى البنايات المحصنّة خوفاً من المجهول القادم من بعيد أو من قريب جدا (فتحة النّفق).
هذه إذن حرب صغيرة سطحية وسفلية تواجه ما فوق ذلك وما دونه، دون تهيب ولا خوف، بل انطلاقاً من إيمان عقائدي عنيد، لا تشوبه شائبة، عكس ما يلوح من الجيش الصهيوني "الرعديد" .
3- من المخزن العريض إلى النفق العميق. تعتمد الجيوش الحديثة على أبنية لوجيستية ضخمة war houses ، لتكديس الأسلحة الضخمة المعقدة وغيرها. أما حرب حركة المقاومة، مثل "حماس" وما يناظرها، فإنها اعتمدت الأنفاق العميقة التي لا تصل إليها قذائف العدوّ بالهدم والتدمير.. النفق هنا مكان لإعاشة وإقامة وسكنى المقاومين، يخرجون منه على حين غزة (تحت الطلب) لملاقاة العدوّ "الجبان". والأنفاق شبكات بالغة التعقيد، ولا يكاد يكون من الممكن اختراقها جديّا إلا بشقّ الأنفس .
4- عودة إلى تكتيك "اضرب واهرب". ذلك هو التكيتك الذى اتبعه المقاومون فى الصين ووالهند الصينية، ولكن تمّ هجرانه مع تغير الظروف. وتجىء المقاومة الفلسطينية لتعيد سيرة هذا التكتيك، حين تقفز على حين غزة وتضرب ضربتها المميتة ثم سرعان ما تلوذ بمكامنها المجربة، التي لا تكاد تبين.
5- من استيراد السلاح إلى تصنيعه. بينما يعتمد العدوّ الصهيونى على استجلاب السلاح من الخارج، بلا ثمن تقريباً، وخاصة من الولايات المتحدة؛ فإن المقاومة الوطنية الفلسطينية، تقوم بتصنيع سلاحها بنفسها، في حدود معينة، عن طريق تقنية (الهندسة العكسية) Reverse Engineeringبأقل قدر من التكاليف. ويتلاءم ذلك مع واقع ضعف الإمكانت المادية للمقاومة، ومهاراتها التقنية لدى كوادرها المجربة، والتى تعاود المرّة تلو المرّة إنتاج سلاحها بنفسها، مثل تلك التجارب التى عرف عنها أنها تنتج غذاءها وقمحها بنفسها حتى لا تعتمد في عيشها على الغير. ذلك هو أسلوب "الاكتفاء الذاتي" الخلاّق –النسبي بالطبع- و الذى يعيد إنتاج الآلات والمعدات فيما يسمى اقتصادياً بعملية "تكرار الإنتاج" Reproduction .
6- بدلاً من الطائرات المسيّرة (الدرونز) المستخدمة فى حرب (روسيا-أوكرانيا) – برغم انخفاض تكلفتها- فإن حرب "حماس" تعتمد على المجاميع البشرية الصغيرة (3-5 أفراد غالباً) بمعدات تسليحية بسيطة، وخاصة ما أشرنا إليه آنفاً عن الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، والتى تعاند شبكات (القبّة الحديدة) لدى العدوّ الصهيونى. وهي تفلت منها لتذهب إلى أقاصي (أرض اسرائيل..!؟) وخاصة عاصمتها الاقتصادية-الإدارية: تل أبيب، وما حولها مثل "أشدود".
7- العمل على "إعادة تعريف" Defining الحلفاء وتوسيع جبهة المواجهة: من جنوب لبنان وشمال فلسطين (حيث حزب الله) إلى جنوب اليمن ومضيق باب المندب والمدخل الجنوبى للبحر الأحمر ومضيق هرمز، ثم إلى العراق (من أربيل إلى الجنوب)؛ و دعْ عنك (إيران).
تتسع رقعة المواجهة إذن لتضيّق الخناق على الداعم الأكبر للجيش الصهيونى وكيانه (الهزيل)، حتى لا تترك له منفذاً للهروب حين تجدّ لحظة الجدّ، وهى غير بعيدة على كل حال .
8- (خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الخلف )، حيث تتم إعادة إحياء هذا التكتيك (اللينينىّ) العتيد، فتتقدم المقاومة خطوة ، ولا مانع لديها أن تتراجع خطوتين ، لتعود إلى التقدم مرة أخرى، وهكذا دواليك ومن دون هوادة. ومن مزدوجة التقدم والتراجع تكتسب المقاومة قوة دفع لا تلوى على شىء، ولا يعيقها شىء .
9- الاعتماد المقاوم على المقاتل الفرد، العقائدى، المسلح،المنظم، المدرّب، الملتزم، القوى الشديد. هذا بينما يقوم اعتماد العدوّ على الكتل البشرية الضخمة التى تتسلح على عجل لتحاول مزاحمة المقاومة وقهرها، ولكن هيهات ..! و إذ يبلغ تعداد الجيش (الإسرائيلي) النظامى والاحتياطى معا ما يزيد على نصف المليون من الأفراد (الخائفين)، فإن تعداد أفراد المقاومة لا يتجاوز بالكثير عشرة آلاف.. ولكنهم الأفراد العقائديون المسلحون، المنظمون، المدرّبون، الملتزمون، الأقوياء الأشداء، كما قلنا منذ هنيهة.
10- لا تنازل عن الحق ولا مساومة على المبادىء.. ولا خوف .. ولا عودة إلى الوراء الاستراتيجى، حتى لو تم الاحتماء والاختباء مؤقتاً فى مكمن آمن، حتى تنجلى الغيوم، وتزول الغمّة.
وفي الختام، ليس ماقلناه هنا بمثابة مقدمة لدرس فى الأخلاق أو "الميتافيزيقا" الأرسطية مثلاً، ولكنّه فعل "تطبيقى"، من أعمال المقاومة الوطنية، التي لا تكلّ ولا تملّ، حتى تحقق هدفها الوطنىّ –الاجتماعي العظيم، و الذى طال انتظار سطوع شمسه منذ زمان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟