الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معاً يا رفيق لا نضلّ الطريق

عبد الحسين شعبان

2024 / 3 / 2
الادب والفن


كلمة الأستاذ مروان عبد العال
في ندوة تكريم المفكر د. عبد الحسين شعبان


تحية لكم في هذه الأمسية البيروتية ، الحضور الكريم ولهذه الثلةِ الجميلةِ والنخبةِ المميزة والشخصياتِ الفكريةِ والثقافيةِ والسياسيةِ في ندوة :الثقافة العربية وفلسطين و د. عبد الحسين شعبان. ثلاثية في زمنِ فلسطين تستحق أن أبدأ بما قاله درويش الى المبدع اليوناني يانيس ريتسوس:
(آهِ فلسطينُ، يا اُسْمَ الترابِ، ويا اُسْمَ السماءِ، سَتَنْتَصِرين...)
انها معاييرُ النصرِ، وفرضيّة النصر، المُحقّق والمؤجل، ومهما كان فالحربِ تقاسُ بنتائجها وبالقيمة الثقافية ، أي بمدى نهوضِ أو استيقاظِ الوعي الجمعيِ الفلسطينيِ والانتصارِ لسرديةِ الحقِ والحقيقة. وهي مناسبة للتذكيرِ بالسؤالِ البديهي، اين الثقافةُ العربيةُ مما يجري؟ من ينتصرُ لمن؟ الثقافةُ العربيةُ تنتصر لفلسطين أم العكس؟

٢
في خضمِ جدلِ الثقافةِ العربيةِ وفلسطين ولمناسبةِ الإحتفاءِ بالمنجزِ لا بالمديحِ، فالأجدرُ منّي بالإجابة هو المفكرُ المناضلُ الدؤوبُ الذي لا يستسلمُ أبدًا. ولا يكفُ عن المحاولةِ أبدًا، الدكتور عبد الحسين شعبان.
لماذا هو بالذات؟ ليس فقط لأنَه النجفي ابن الرافدين ابن العراقٍ رمحِ العربِ، حيث للمكانِ ذاتٌ أخرى، بعينٍ وعقلٍ وتاريخ ٍونزوعٍ وقلقٍ وفكرةٍ، وهو الاكاديميُ والمثقفُ العضويُ وسليلُ فكرً مزنر بأسئلةٍ ومساءلةٍ وسؤال، عندما درع الثقافة ورمح فلسطين، الذي أضافَ لها بالتِـزامِهِ وبأبداعِهِ وفكرِهِ وقلمِهِ ووقتِهِ وعطاؤِهِ. وإنتاجُها كقضية وحقيقة، في الواقعِ والتاريخِ، فعرفناه جبهة مقاومةً ثقافيةً شاملةً واسعةً ولكنها ترامتْ بين ثنايا شخصٍ واحدٍ.

٣
في قراءة المنهجِ الفكريِ لصاحبُ "تحطيمِ المرايا" الذي وجد من صياغةُ الممارسةِ هي من أنبل السُبلِ للممارسةِ النظريةِ، فكان خياره الانحياز الى شجرةِ المعرفةِ المورقةِ والخضراء دائماً، وبمنهجيتِهِ العلميةِ والنقدية والبحثيةِ لتخترق الخطيئةَ الذهنيةَ لبعضُ المثقفين العرب عندما حقق تجاوزاً لمأزقين:
- مأزق نقطةُ البدايةِ: عندما ينظرُ للأحداثِ من لحظةِ النهايةِ وتصويرُها كأنَّها بداية، بدلَ قراءةِ نتائجِ الصراعِ من خلالِ المقدماتِ التاريخيةِ أساسِ واصلِ الصراعِ للمشروعِ الاستعماري الغربي، من سايكس بيكو الذي قامَ لتفتيتِ المنطقةِ ولتنفيذِ وعدِ بلفور واقامةِ كيانٍ صهيونيٍ في فلسطين، وتأسيسِ نظمٍ رجعيةٍ تابعةٍ وثم مطبعةٍ.. تلبي شروط الاستعمار وتحتجز تقدم ومستقبل وحرية شعوبنا العربيةِ وتبقيها رهينةَ التخلفِ والتجزأةِ والتبعيةِ والنهب.
- ومأزق ذهنيةُ القطعِ: عندما جرى القطع المنهجي بين النظرية والواقع وإخراج ِالحوادثِ عن سياقها واتجهاتِها كي نقرأَ التاريخَ بعدها بصورةٍ مجتزأةٍ وانتقائيةٍ دون تحليلٍ منطقيٍ وتفسيرٍ وتقييمٍ ومراجعةٍ شاملةٍ للوقائعِ، الالتزامُ بمبدأِ التاريخِ الاجتماعيِ وليس التاريخَ الفردي. ليكونَ مكتملاً بروحِ القيمِ العليا التي تحيا بها الامم ..

٤

كنتُ قد قرأت وتعلمت تعرفتُ على الخارطةِ الفكريةِ للعزيز الدكتور عبد الحسين شعبان من صفحاتِ مجلةِ الهدف، التي لم يبخلْ عليها بمقالٍ او اضاءةٍ وبحث جاد حتى عددها ال 55 الرقمي الخاصِ الاخير الذي صدرَ بالأمس، واتحفنا بمقاله " طوفان الاقصى: صراعُ الاراداتِ والعقول" .
الحدث العظيم الذي هزّ العالم في السابع من أكتوبر ، أنّما أعادنا الى سؤال البداية، ليسقط معه البديهياتُ العاجزة والمفلسة عن تفسيرِ التاريخِ وقراءةِ التحولاتِ النوعيةِ، ذكرنا ببعض فلاسفةِ اليسارِ، من فسرَّ المراجعةَ بالاستدارةِ من النقيضِ الى النقيضِ. لكن المفكر اليساري حسين شعبان صاحب المنهجية النقدية الثورية الصارمةُ، وقف بالمرصادِ ليمنع ولو نسبياً مخاطرَ الوقوعِ ضحيةَ هذه الفرضيات. وتظهيرُ البديهيات المطلوبة، ان يتحقق تحرير الفكر من العقد التاريخية والتذكيرَ بطبيعةِ وجوهرِ الصراعِ، كونه صراع موضوعي في مواجهة مشروع نقيض يستهدف الجميع .

٥
بعد عملية السابعِ من أكتوبر البطولية وما تبعها من جنونٍ عنصري وحربَ الابادةِ الجماعيةِ لتصحح لنا ولغيرنا الاخطاءَ الفكريةِ القاتلة، حيثُ جرى عبر عقودٍ مضت بإعادةِ صياغةِ الوعيِ الجماعيِ وانتاجِ ايديولوجيةِ الهزيمةِ! بهدفِ تكسيرِ الوعيِ الجمعيِ الى جزئياتٍ متناقضةٍ لطمسِ صورةِ العدوِ الحقيقيِ في الذاكرةِ واحلالِ آخرَ مكانِه. حين اضاء على حقبةٍ من تاريخِ "عصبةُ مكافحةِ الصهيونيةِ ونقضُ الروايةِ الإسرائيلية" وإجلاءِ حقيقةِ الدورِ التضليليِ الديماغوجي للحركةِ الصهيونيةِ، بحقِ اليهودِ قبلَ غيرِهم، وهو ما تكشفُ عنه وثائقُ العصبةِ ذاتُها. والدورُ المشرفُ لقادةٍ دفعوا حياتَهم ثمنَ موقفِهِم ضدَ الصهيونية مثلَ الشيوعي العراقي الرفيق "فهد" من الذين رفضوا موقفَ «الرفاق السوفيات» بشأنِ قرارِ تقسيم فلسطين.

٦

الدكتور عبد الحسين شعبان ايها السادة ، نتشرفُ ونعتزُ أنَّه رفيقُ وحبيب فلسطين والجبهةِ الشعبيةِ لتحريرِ فلسطين ، منذُ انطلاقتِها بعد نكسةِ حزيرانَ عام ١٩٦٧ وهو من صفوة حواريها الخُلّصِ، وأشهد أنه كان بمثابة العقل المدبّر الذي يستشار في مواقفها وقراراتها ووثائقها، وهو الصديق الوفيُ لعددٍ كبيرٍ من قادتِها الأوائل ومنهم تيسير قبعة وغسان كنفاني وأبو علي وصابر محي الدين وليلى خالد وصلاح صلاح وخاصة جورج حبش رفيقُه في الزمن الدمشقي، يومَ كان "الحكيمُ" يلحُ على قراءةٍ جديدةٍ لمعرفةِ ليس من هو العدو فقط، بل ماهيّة هذا العدو؟" فانشغلَ الحكيمُ بكتابه" نحو فهمٍ اعمقَ وادقَ للكيان الصهيوني" ليتقاطعَ مع عبد الحسين عند نقطةٍ جوهريةٍ هامة، تدحض تلك التصوراتِ الخاطئةِ عن الحركةِ الصهيونيةِ وهرطقات مُفلسة تأكد فشلها بالملموس من نوع (حق تقرير المصير للشعب اليهودي) والزعمُ أنّ الصهيونية حركةُ تحررٍ وطنيٍ لليهود! كما تعاملَ بعضُ اليسارِ التافه، بالرهانُ الخاسر على التحولاتِ الديمقراطيةِ للدولةِ العبريةِ! لنتفق بالدرس والبحث والتدقيق والتجربة والادلة الدامغة في غزة وفلسطين، وأنها لا تتحول ديمقراطية بل عداء للحياة والإنسانية والعدالة و تزدادُ صهيونيةً وعنصرية وتطرف وإرهاب وفاشية وتحلم بتحقيق مشروع الصهيونية بإقامة امبرياليةٍ صغرى، بهدف استعمار بالوكالة يسيطر على عموم بلادنا وشعوبها. الى أن أفشى صديقنا د. شعبانُ سراً خطيراً الى د. جورج حبش .

٧
ما هذا السرُ الذي نهشَ عقلَ وتفكير د. جورج حبش؟ وبعد اجتماع للتبيان والتخطيط والدرس، بدأت رحلة البحث مذكراتِ ريدليخ، وبإلحاح منه طار د. عبد الحسين الى براغ، للتفتيش عن أوراقٌ تحتوي معلوماتٍ مثيرةً تتعلقُ بالصفقةِ اللاخلاقيةِ بين النازيةِ والصهيونيةِ، الأمرُ الذي يعكسُ حقيقةَ أن الصهيونيةَ والنازيةَ هما وجهان لعملةٍ واحدة، وكلاهما يستمدّان أيديولوجيتِهما من الفكرِ العنصريِ الاستعلائي.
"مذكراتُ صهيونيٍ" وثيقةٌ دامغةٌ لصناعةِ "الهولوكوست"، ودورُ الصهيونيةِ فيها، يومياتُ "ايغون ريدليخ" في معسكرِ تيريزين يعملُ مع النازيةِ من اجلِ حلِ المسألةِ اليهودية"، من خلالِ دفعِ مواطنيه اليهود لمغادرةِ ألمانيا "طواعيةً"! وبشكلٍ مرعبٍ عندنا يذكرُ إيغون ريدليخ في يومياتِه كيفَ كانت الحركةٌ الصهيونيةٌ في تشيكوسلوفاكيا ترسلُ الألوفَ من اليهودِ إلى معسكراتِ الإبادةِ الجماعيةِ النازيةِ، مقابلَ وعودٍ نازيّةٍ بإرسالِ بضعِ عشراتٍ ومئاتٍ من القياداتِ الصهيونيةِ وأصحابِ رؤوسِ الأموالِ إلى فلسطين. كأنما العالم يسير الى الخلف، والسؤال هل استطاع العالم ان يتعايش مع النازية الهتلرية؟ وماذا عن الصهيونية النازية الجديدة؟ هذا سؤال الى الإنسانية جمعاء وليس شعبنا لوحده!



٨

وهنا تتضح اهميةُ الصراعِ الثقافيِ في نقضِ الروايةِ الإسرائيليةِ ، خاضها عبد الحسين شعبان بالعقل والإرادة، كأنما إسمه الحركي "الثقافة المقاومة". لأنه انتصر للثقافة العربية بفلسطينها، وعلى أهم محورِ فيها هي السردية الفلسطينية، تماماً كما فعل ابطال أكتوبرُ الفلسطينيُ حينَ أعادَوا طرحَ سؤالِ البدايةِ، واجبُ الثقافةِ العربيةِ ان تنتصرَ للبديهيات التي تدرك أصل الصراع الدائر حول حياة كالحياة، حياة الحرية والكرامة والعدل والحق والحقيقة، وبذلك تنتصر لذاتها وللأمة ولفلسطين، وهنا يكمنُ قلقُ العدوِ الوجوديُ، من انبعاث الروح الفلسطينيِة الجديدة. الانبعاث هو نصر معنوي، ونصر ثقافي، فالمقاومةُ بروحِها وثقافتِها وارادتِها هي التعبيرُ الاسمى عن روحِ الامة. الثقافة تصنع معركة الوعي ، لذلك امةٌ بلا ثقافةٍ هي أمةٌ تائهة ومفككةٌ ومن السهلِ تضليلُها وأمة بلا مقاومة هي أمة خاضعة، مستلبة بلا كرامة .

فيا أيها الصديق والرفيق واليساري العربيُ الاصيلُ د. عبد الحسين شعبان، نردد في تكريمك المستحق: الويلُ أمه لا تكرمُ مثقفيها!
دمت ذخراً للثقافة، بأمثالكم نبني جيلاً لا يضل الطريقَ !!

وبدرويش نختتم الكلام : (أتذكّرُ السيَّاب... إنَّ الشعرَ تجربَةٌ ومنفى .. توأمان ونحن لم نحلُمْ بأكثر من حياةٍ كالحياةِ، وأن نموتَ على طريقتِنا: عراقُ عراقُ ... ليس سوى العراقْ...)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا