الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعددية الثقافية في الهند

ندى أسامة ملكاني

2024 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يعد مصطلح التعددية الثقافية مصطلحا معاصرا في العلوم السياسية. ويرتبط ارتباطا وثيقا بالثقافة التي نعني بها الطرق المشتركة للحياة، المعتقدات المشتركة، وطرق لفهم العالم المحيط بنا. بالنسبة لتايلور الثقافة هي بنية معقدة تتضمن المعرفة، الفن، والمواهب المشابهة، بالإضافة إلى المهارات والعادات التي يتعلمها الناس كأفراد في مجتمع ما. وبذلك تكون الثقافة واحدة من الخصائص المميزة للمجتمعات البشرية. لكل مجتمع ثقافته ولكن يحدث أن توجد مجتمعات تتكون من أفراد ينتمون إلى ثقافات مختلفة. إن هذه النقطة الأخيرة أدت إلى ظهور ما يعرف باسم التعددية الثقافية. إنه يدل على المجتمع الذي توجد فيه ثقافات كثيرة تستطيع العيش مع بعضها. لا يشير مصطلح التعددية الثقافية إلى الاختلافات الفردية بل إلى الاختلافات والهويات التي تتكامل وتتغذى من عناصر ثقافية كاللغة والدين والعرق. بمعنى آخر، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار المعتقدات الجمعية وأنماط الحياة، والممارسات الاجتماعية كأساس للحديث عن التعددية الثقافية.
حيث إن مضمون المصطلح يعبر عن أن الثقافات المختلفة يمكن أن تعيش مع بعضها بسلام في دولة ما بحيث تعطي التعددية الثقافية درجة الاحترام ذاتها لكل ثقافة من الثقافات المختلفة الموجودة في إطار الدولة الواحدة. وانطلاقا من ذلك، وكي لا يكون هناك ديكتاتورية الأغلبية كما أشار لذلك جون استيوارت ميل تعنى التعددية الثقافية بمراعاة حقوق الأقليات.
طرحت التعددية الثقافية بشكل رسمي لأول مرة في كندا في منتصف القرن التاسع عشر ثم بعد ذلك في أستراليا والأرجنتين والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا والعديد من الدول. دفعت تجربة دول ذات حضارات قديمة كالهند العديد من الفلاسفة إلى الاعتقاد أن التنوع الثقافي شيء جوهري لبناء مجتمع عادل.
ويعد النموذج الهندي نموذجا متقدما للتعددية الثقافية. الهند التي يوجد فيها أكثر من 1800 لغة، 1.410 مليار إنسان، ويشكل الهندوس حوالي 80% والمسلمون حوالي 13 % والمسيحيون حوالي 2 % والسيخ حوالي 19 %، يشير ذلك إلى التنوع الديني الملحوظ في الهند.
ضمن مفهوم التعددية الثقافية تعتبر كل ثقافة ذات قيمة لذلك تكون المقارنة بين الثقافات ليست صحيحة. لأن كل ثقافة يجب أن تثمن ضمن إطارها ومفهومها الخاص للحقائق. لذلك جرى التأكيد على مفهوم التعددية الثقافية من قبل مفكري ما بعد الحداثة الذين رفضوا أن يتم احتكار الحقيقة من قبل أحد أو تأليهها أو ادعاء أن الحقيقة التي تمثلها ثقافة ما تصدق وتنطبق على الثقافات كافة. وبذلك يكون لكل ثقافة شروطها الخاصة.
إذن يشير مصطلح التعددية الثقافية إلى التنوعات الثقافية الناجمة عن وجود مجموعتين أو أكثر في المجتمع حيث تولد آراء وممارسات الناس شعورا مميزا للهوية الجمعية. ويستخدم المصطلح حاليا فقط لتعريف الجماعات المهمشة والمحرومة كالقبائل والأقليات الدينية والثقافية واللغوية. بالإضافة إلى المهاجرين .
ترتكز نظريات التعددية الثقافية بشكل أساسي على تجربة الديمقراطيات الغربية ولكن هناك دول فيها تنوع أثني وديني ملفت للنظر والهند مثال على هذه الدول. ففي الهند تعود السياسات الخاصة بحقوق الجماعات المتنوعة إلى مرحلة بناء الدولة. يمثل دستور الهند لعام 1950 نموذجا واضحا للتعددية الثقافية. حيث وضع إطار ممأسسا لحقوق الأقليات والأخذ بحقوق الجماعات المهمشة
من المقطع السابق يتضح أن مصطلح التعددية الثقافية لا يشير فقط إلى المجتمع المتنوع ثقافيا بل أيضا إلى نوع من السياسة التي تهدف إلى حماية التنوع الثقافي ولاسيما قي بلد كالهند. فإذن يصف مصطلح التعددية الثقافية وجود عدة ثقافات في المجتمع بالإضافة إلى سياسة تتبعها الدولة حيال الأقليات الثقافية التي تقطن ضمن حدود سيادة تلك الدولة.
بالنسبة روتشانا باجباي تمثل الهند موطن سياسات التنوع التشريعي المتجسد مثلا في الحصص الممنوحة بموجب القانون للأقليات في المؤسسات التعليمية والوظائف الحكومية. وتوضح النقاشات السائدة في الهند عدم فاعلية الليبرالية كإطار لتقييم وإدراك التعددية الثقافية. تبدو قضايا الوحدة الوطنية والتنمية والقيم الديمقراطية مهمة وأساسية في تلك النقاشات الفكرية.
فإذا كانت الدولة في العلمانية محايدة بمعنى أنها تعامل الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية فإن الدولة في إطار التعددية الثقافية تعامل الناس بأخذ هذه الانتماءات بعين الاعتبار، ففي الهند للأقلية المسلمة كأكبر أقلية في الهند حصص في الجامعات والمؤسسات الحكومية. ما يعني أنه يمكن وصف التعددية الثقافية كنسخة معدلة عن العلمانية الجامدة التي لا تلحظ الفروق التي قد تهدد المجتمع إذا لم تؤخذ بعين الاعتبار.
لقد نظر إلى التنوع والتعدد في الهند كنقطة قوة لها، ولكن يبدو أن هناك مشاكل تمثل تهديدا للتعددية الثقافية، كالفقر وسوء عدالة توزيع الموارد، ونظام الطبقات في الهند حيث يصنف الناس ضمن الدين الهندوسي إلى طبقات. ويجب أن تضمن مقولة " التنوع ضمن الوحدة"
عدد الفقراء في الهند مرتفع بشكل مريع. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الطبيعة الديموغرافية والاجتماعية للفقراء ثابتة ولا يبدو عليها أنها في طريقها للتغير.
ديمغرافيا، يعتبر العمال (القرويون منهم والعمال المؤقتون في المدن) وافراد طبقة الداليت (أدنى طبقة في السلم الاجتماعي الهندوسي) والمسلمين أفقر طبقات المجتمع الهندي.
ويعيش 60 في المئة من فقراء الهند في ولايات بيهار وجهارخند واوريسا وماديا براديش وتشاتيسجار واوتار براديش واوتاراخند، ومن الملاحظ ان 85 في المئة من القبليين الهنود والداليت يعيشون أيضا في هذه الولايات.
ما يطرح سؤالا كبيرا عما إذا كانت تحديات التعددية الثقافية في الهند مرتبطة بسوء توزيع الموارد الاقتصادية أم أنها مرتبطة بضرورة أن تعبر كل ثقافة عن ذاتها بإطار الدولة عن هويتها؟ أي ديمقراطية الثقافات وليس فقط ثقافة الديمقراطية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو