الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغرب.. المرض العضال للشرق الإسلامي

حميد زناز

2024 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


“الأوكسيدونتوفوبيا” أو رهاب الغرب، لقد استخدمنا هذا المصطلح في الكثير من الأحيان للإشارة إلى هذا الخوف غير العقلاني من الغرب الذي يعاني منه العالم العربي الإسلامي منذ عقود من الزمن.

في الحقيقة، ما يعاني منه جزء ممّا يسمى بالعالم العربي والإسلامي ليس مجرد خوف عابر من الغرب، وإنما يتعلق الأمر بظاهرة مرضية أكثر خطورة؛ جو سياسي ثقافي تعتمل فيه عقدة مزمنة تجاه الغرب. لقد قامت النخب المريضة بهذا الداء بتلويث شعوب بأكملها بخطابات عدائية وانتقامية حتى أصبح الغرب مرضاً عربياً إسلامياً مزمنا. وأصبحت كلمة الغرب مستشفى ترقد فيه علل مجتمعات تعاني من انسداد متعدد الأبعاد.

تجد الثقافة العربية الإسلامية عسرا كبيرا في هضم عقدتها القاتلة في مواجهة التفوق العلمي والتكنولوجي للغرب الملحد والمستعمر السابق. فالعرب المسلمون، أينما كانوا، يظلون مقاتلين افتراضيين يطمحون إلى القضاء على الشر الذي أنتجه هذا الغرب والذي لا يزال غصة في حلوقهم.

يفعل العرب والمسلمون كل شيء لقمع كل ما يتعارض مع روح دينهم، في داخل بلدانهم أولاً، ثم في الخارج بالنسبة إلى المهاجرين. لكن في الحياة الواقعية العينية، يأملون ويعملون على التوفيق بين معتقداتهم والحداثة الغربية. محاولة التوفيق بين العقلاني واللاعقلاني: تربيع الدائرة.
يلوّث الخطاب الإعلامي والسياسي والثقافي الإسلامي المناهض للغرب ذهن المواطن العربي، فيجد نفسه بوعي أو عن غير وعي في حرب دائمة ضد العالم غير الإسلامي، والغرب في المقام الأول. بالنسبة إليه، الغرب هو الذي يقف أمام الإسلام ويمنعه من الانتشار وفرض الشريعة في كل مكان. ووفقاً لأغلبية المسلمين، سواء أكانوا أصوليين أم لا، فإن هذا الغرب هو الذي يمنع إسلامهم، الدين الإلهي الحقيقي الوحيد في نظرهم، من حكم البشرية جمعاء.

وفي نظر كل مسلم، من السنة كان أو من الشيعة، يعيش في أرض الإسلام أو في أيّ مكان آخر، فإن التشريعات الغربية هي كفر يهدف إلى استبدال شرع الله. كل هذا نتيجة منطقية للتكييف النفسي في الأسرة، منذ الصغر، ثم في المدرسة، وفي المسجد، وفي الإعلام..

هي تنشئة اجتماعية دينية أنتجت كائنات تعاني من صعوبات نفسية، وعلى استعداد للإيمان بالخوارق والطاعة العمياء للمشعوذين الدينيين والسياسيين الذين يروّجون لهم باستمرار أن الغرب هو مصدر سوء حظهم، والعقبة الرئيسية أمام تطورهم. وهكذا خلقوا مريضا وهميا يجد صعوبة في تعقل واقعه والتحول من مؤمن إلى مواطن.

فمثلا مهما كانت الفظائع الوحشية التي يرتكبها الجهاديون فإنهم يظلون أبطالاً في الشارع العربي الإسلامي. وتبقى الجماهير العريضة في أوطاننا مبهورة بهم وتعتبرهم الوحيدين المؤهلين لتحرير فلسطين ورمي اليهود في البحر والوقوف أمام هيمنة الغرب وإسقاطه. ضحية قراءة غير عقلانية للواقع، تتخيل الجماهير المُجهّلة أنها محاطة بيهود وملحدين يتربصون بالمسلمين والإسلام باستمرار. نجح فخ الاحتيال الذي نصبه الإخوان المسلمون في زعزعة الأنا العربية الإسلامية وزرع في أعماقها سخطا كبيرا ضد قيم العصر.

كل الشرور مصدرها الغرب حسب إنسان الحشود: مصيبة الفلسطينيين، الأفغان، العراقيين، السوريين، الإرهاب الإسلامي، ارتفاع تكاليف المعيشة، الفشل في المدارس، نقص الطماطم في الأسواق، وكوفيد..

الغرب في نظرهم هو خالق الشر بامتياز. وهو عندهم المسؤول عن الأزمة المتفاقمة التي تقسم شخصية المسلم إلى شطرين، نصف ملتصق بالماضي يؤمن ويصلّي ويكثر الدعاء. ونصف يحاول أن يعيش الحاضر بتبنيه كل عناصر الحداثة ولكنه يرفض رفضا قاطعا جوانبها الفلسفية والقانونية والمدنية. العربي المسلم ليس مسؤولا. الغرب هو الجاني الجاهز، أوروبا وأميركا.
تعتبر الصين الإسلام مرضًا يجب علاجه، وتضع الآلاف من مسلمي الإيغور في معسكرات اعتقال في شينغيانغ، واعترف الصينيون بوجودها عام 2018 “تحت اسم “معسكرات التحول عن طريق التعليم”.

وهي في الواقع مراكز لنزع الإسلام من قلوب هؤلاء المضطهدين. ورغم كل هذا فإن الرسميين المسلمين لا يتفوهون بكلمة واحدة ولا تعير الشعوب للأمر كبير اهمام، وتعتبر الصين صديقا وحليفا! لكن بمناسبة حادث بسيط يتعلق بالإسلام في فرنسا مثلا، يتباكون متهمين الفرنسيين بالإسلاموفوبيا والعنصرية.

وليس هذا فحسب، بل يقع هذا “الغرب الملعون تحت سيطرة جماعات الضغط اليهودية”. وهذا يتردد مع الأغلبية كأنه حقيقة مطلقة. يكفي قراءة أغلبية صحافة هذه البلدان ومشاهدة القنوات العربية الإسلامية ككل لإدراك ذلك. خطاب نجح في أن يزرع في لاوعي الجماهير الشعبية غرباً بلا شفقة ولا رحمة. وهكذا طردت هذه السردية الانتقامية التي صيغت على مدى عقود من أذهانهم فكرة التعاون والشراكة مع هذا الوحش الغربي. وأيّ شخص سياسي أو مثقف يتعاون معه يعتبر خائنا للأمة والإسلام.

تتغذى التيارات الإسلامية بشراهة من هذا الفايروس الذي ينخر الكائن الإسلامي من أجل الوصول إلى السلطة متهمة سلطات البلدان العربية والإسلامية بأنها دركي الغرب الخادمة لمصالحه في المنطقة.

وحتى تلك الأنظمة القائمة عملت في الماضي بتعاون مع الإخوان المسلمين على تكوين الفرد الذي تحتاجه لإعفاء نفسها من المسؤولية عن الفوضى التي تسببها في بلدانها؛ كائن دينه هو الضمان الوحيد لوجوده في الدنيا والآخرة، يمقت الغرب ويتهمه بأنه المصدر الرئيسي لكل مشاكله إلى درجة أصبحت كراهية الغرب جزءا لا يتجزأ من هويته.

فهل يبقى الغرب هو المذنب الأبدي، المرض العضال للشرق الإسلامي ؟ هل الصدام العسكري بين الثقافتين أمر لا مفر منه مستقبلا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماتقوله استاذ زنارهو الحقيقه المفجعه ولكن كيف الخل
المتابع- ( 2024 / 3 / 3 - 17:35 )
ولكن كيف الخلاص-كيف الخروج من هذا المستنقع المسموم -الحاله وصلت حتى للعلاقات الشخصيه بل وبين افراد العائلة الواحده-لاموضوع الا والشتائم والاتهامات لهذا الغرب صاحب الفضل الاعظم على البشرية ليس فقط في العلم والثقافة بل احيانا حتى لقمة الخبز لولا استيرادها او الحصول عليها مجانا من الغرب لمات -مثلا-الشرق الاوسط جوعا -رجاء استاذ حميد وانت رجل فكر تقدمي انساني هلا كتبت لنا عن تجارب انسانيه ناجحه في انتقال مجتمع اسلامي الى نور الوعي وكيف-عندنا ماليزيا تحسب في بعض العقود الاخيره على البلدان المتحضره التي تسير للامام -وتقول الاخبار ان اندنوسيا اخذت تنمو وتتطور الخ هل في تلك البلدان تخلو عن مرض الكراهية للغرب واخذوا يتعاونون لخير شعوبهم -ثم لماذا هذه الكراهية -ونحن في القرن ال21 لليهود ودولتهم رمز التطور والدمقراطية في شرقنا البائس-ثم لماذا تشتم اسرائيل ليل نهار ولا واحد يذكر ان فيها يعيش ويتنعم مليونين فلسطيني مواطن دولة التقدم والدمقراطية اسرائيل-لماذا لا احد يقارن بين النكد الذي تعيشه مئات ملايين العرب المسلمين والعيش الرغيد للمليونين اسرائيلي من اصولنا التعبانه-لماا لانعيش مثلهم في سلاموامن


2 - ما يثير الاستغراب
رعد موسيس ( 2024 / 3 / 3 - 23:07 )
لو قرأتُ هذه المقالة قبل حرب اوكرانيا وقبل الابادة الجماعية في غزة لصدّقتها .
ما يثير الاستغراب بان بعض الكتاب لا زالوا مُخدرين بملائكية الغرب
وكاّن ما يحدث الان ليس له ايُّ قيمة في اعادة التفكير في ما كنْا نعتقده قبل هذه الاحداث هو الصح.


3 - السبب الاصلي هو الدين
منير كريم ( 2024 / 3 / 3 - 23:52 )
شكرا للاستاذ حميد زناز
فعلا كما اشرت بمقالك الموقف من الغرب ( الثقافة الغربية ) مرض عضال
السبب برايي هو الدين والطريقة الدينية الاسلامية في التفكير
كلما مر حدث تجد الشيوعي والقومي والاسلامي والرجعي التقليدي كلهم يتكلمون بلسان واحد
انا لا ابرر السياسات الخاطئة للدول الغربية ولكن العداء ليس للسياسات وانما للثقافة الغربية والحضارة الغربية ولهذا السبب نحن متخلفون ثقافيا لاتنوير ولاحرية ولاعلمانية رغم ان هذه القيم اصبحت عالمية ولم تعد غربية فقط


4 - الشعوب تتحمل مسوؤلية سياسة حكامهم
Raad Mosses ( 2024 / 3 / 4 - 03:47 )
أيُّ قيمة وأيُّ معنى للثقافة وللحضارة عندما يلتزمان الصمت المطبق تجاه الإبادات الجماعية التي تحدث أمام أعينهم؟هل هما حالة جمالية فقط أم إلتزام انساني تجاه الاخر.
الشعوب تتحمل مسوؤلية سياسة حكامهم لانهم هم من انتخبهم


5 - ت4 واذا كانت شعوبنا غير واعيه وتتبع الدواعش وتريد
المتابع- ( 2024 / 3 / 4 - 16:27 )
ازالة الحضارة الانسانية التقدميه لان دينها المتوحش طلب منها قتل اليهود اينما كانوا-الا ترى ماذا فعلت الوحشية الاسلاميه لدواعش غزه في 7اكتوبر فلولا الرد الحازم والحاسم لقوى شعب اسرائيل لتم ابادة شعب اسرائيل خلال ايام ولاعتبر المسلون ان ابادة اليهود معجزه اسلاميه ربانيه ولربما تحمست عشرات ملايين المسلمين الغارقين بالجهل والعدوانية ولتوجهت الى الشمال والغرب-لتفتح-بلاد الكفلا ول-تبيد-الكافرين كما حصل ذالك في -صدر-الاسلام هلا يعي الشرفاء الخطر الداهم من جانب الاسلام العدواني الهمجي ليس فقط في غزه- الاسلام البربري لم يعر اهتماما لقتل الملايين في السودان وقبلها في العراق والحبشه وليبيا وقبله في الجزائر في التسعينات الخ لان الامر لايعنيهم اما قتل 1200يهودي برمشة عين فهذه بطوله دينيه وقوميه-علينا ان نعي خطر البربرية الاسلامية علينا وعلى البشريه بل علينا باعلى صوت ان نعي ان الارهاب الاسلامي يبتدئ باليهود واسرائيل ولا يبنتهي بقتل جميع-الكفار-وانما اثناء ذالك وبعده سيقتل وحوش الاسلام كل واحد منا لايسلك نفس سلوكهم الهمجي العدواني- واجبنا الاهم التنوير وتوضيح خطر الداعشية الاسلامية على وجود العالم


6 - انظر الى مثالي اليابان والهند
منير كريم ( 2024 / 3 / 4 - 21:18 )
السيد رعد موسيس المحترم
بلداننا ومجتمعاتنا متخلفة وجائعة ولابد لنا من التطور الحضاري والا واجهنا الفناء والانقراض
طريقنا للتطو الحضاري يبدا بالتنوير والحرية والعلمانية والتنمية
لقد تبنت هذه القيم اليابان وتالقت رغم انها قصفت ذريا فلم تقم المناحات والسكن في الماضي
وانظر الى الهند كيف تبنت هذه القيم وتطورت رغم انها مرت بتجربة استعمارية طويلة ومريرة احيانا لكنها تجاوزت ذلك بالعقلانية
وبالمقابل فان الدول الاسلامية تتاخر وتتقهقر وليس عندها الا المناحات والبكاء على الماضي
تبني قيم التطور ليس فيه تبعية لدول اخرى بل هي حاجات داخلية لمجتمعاتنا نحن
شكر


7 - التعميم
جلال عبد الحق سعيد ( 2024 / 4 / 4 - 00:58 )
مهما كانت الفظائع الوحشية التي يرتكبها الجهاديون فإنهم يظلون أبطالاً في الشارع العربي الإسلامي. وتبقى الجماهير العريضة في أوطاننا مبهورة بهم وتعتبرهم الوحيدين المؤهلين لتحرير فلسطين ورمي اليهود في البحر

معك مشكلة في مقالتك اعلاه وكذلك مقالاتك السابقة هي التعميم
من الذي قال لك ان الجهاديين هم ابطال الشارع العربي وان الجماهير العريضة مبهورة بهم
انصحك ان تتخلص من اللغة التعميمية في مقالاتك القادمة
تبدو مذهولا ومنبهرا بالعالم الراسمالي الامبريالي الى درجة العمى
شدة الانبهار يسبب العمى ومادمت تقارن بين الغرب المتقدم والشرق المتخلف حدثنا قليلا عن فائض القيمة التاريخي او هذا ايضا في نظرك مجرد اكذوبة

اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة