الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألكسندر دوغين - البشرية متعددة الأقطاب

زياد الزبيدي

2024 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع



ألكسندر دوغين
فيلسوف روسي معاصر

29 فبراير 2024

*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

إن العالم المتعدد الأقطاب هو في المقام الأول فلسفة. إنه يقوم على نقد الشمولية الغربية.

لقد ساوى الغرب نفسه بالإنسانية بطريقة عنصرية وإمبريالية. ذات مرة، أعلنت بريطانيا أن جميع البحار والمحيطات ملك لها. لقد أعلنت الحضارة الغربية أن الإنسانية جمعاء ملك لها، وقبل كل شيء، وعيها وفكرها. وهكذا تطور العالم الأحادي القطب.

في هذا العالم قيم واحدة فقط – القيم الغربية. لا يوجد سوى نظام سياسي واحد – الديمقراطية الليبرالية. لا يوجد سوى نموذج اقتصادي واحد: الرأسمالية النيوليبرالية. هناك ثقافة واحدة فقط – ما بعد الحداثة. هناك فكرة واحدة فقط عن الجنس والأسرة – LGBT (المثليات والمثليين ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسيا). لا يوجد سوى نسخة واحدة من التطور - بلوغ حد الكمال التكنولوجي حتى ما بعد الإنسانية واحلال الذكاء الاصطناعي والسايبورغ مكان البشرية بشكل كامل.

إن العالم الأحادي القطب، في نظر أنصاره، هو "انتصار لتاريخ العالم"، وهو انتصار كامل للعصر الغربي الحديث، وللليبرالية، التي أصبحت الأيديولوجية الوحيدة التي لا تقبل الجدل للبشرية جمعاء.

التعددية القطبية هي فلسفة بديلة. وهي ترتكز على اعتراض أساسي: الغرب ليس البشرية جمعاء، بل جزء منها فقط، منطقة، إقليم. وهذه ليست الحضارة الوحيدة، بل هي إحدى الحضارات. واليوم هناك ما لا يقل عن سبع حضارات من هذا القبيل – ومن هنا جاء المفهوم الأكثر أهمية للنظرية متعددة الأقطاب – السلطة السباعية.

لقد تم بالفعل توحيد بعض الحضارات في دول قارية ضخمة أو دول عالمية أو دول حضارية . والبعض الآخر لم يفعلوا ذلك بعد. إن الغرب الجماعي ودول الناتو وأتباع الولايات المتحدة هم مجرد أحد الأقطاب.

ثلاثة آخرون هم:

· روسيا – أوراسيا،
· الصين العظمى
· الهند الكبرى.

كلها دول حضارة، أي أكثر من مجرد دول عادية.

وثلاث مساحات كبيرة أخرى مدمجة بدرجات متفاوتة:

· العالم الإسلامي، الموحد دينياً بقوة، ولكنه لا يزال منقسماً سياسياً،
· أفريقيا السوداء عبر الصحراء الكبرى،
· أمريكا اللاتينية.

تتمتع جميع الحضارات السبع بملامح دينية مختلفة تمامًا، وأنظمة مختلفة للقيم التقليدية، وتوجهات مختلفة للتنمية، وهويات ثقافية مختلفة.

والحضارة الغربية، رغم ادعاءاتها، ليست سوى واحدة منها. متعجرفة، وقحة، عدوانية، مخادعة، مفترسة وخطيرة. ومع ذلك، فإن ادعاءاتها بالشمولية لا أساس لها من الصحة، وهيمنتها مبنية على معايير مزدوجة.

إن التعددية القطبية لا تتعارض مع الغرب، بل إنها تتعارض على وجه التحديد مع ادعاءات الغرب بالتفرد والشمولية. نحن نعرف هذه الادعاءات بشكل مباشر وليس سماعيا . إنها تتغلغل في جميع أنظمة ثقافتنا وعلومنا وتعليمنا. لقد اخترق الغرب مجتمعاتنا بأيديولوجيته السامة، وأغوى وأفسد النخب، وأخضع مجتمعنا لسيطرته المعلوماتية، وحاول قيادة شبابنا إلى أبعد ما يمكن عن الإيمان والتقاليد.

ولكن عصر الهيمنة الغربية المنفردة قد انتهى. لقد تم وضع حد لها بموقف روسيا وشخصيا رئيسنا فلاديمير بوتين، عندما رفضنا التضحية بسيادتنا ودخلنا في معركة مميتة مع الغرب في أوكرانيا. إننا لا نقاتل في أوكرانيا مع الأوكرانيين، بل مع عالم أحادي القطب. ولن يكون انتصارنا الحتمي انتصارنا فحسب، بل انتصار البشرية جمعاء، التي سترى بنفسها أن قوة الغرب ليست مطلقة، وأنه يمكن أن نقول له ولسياسته القائمة على الاستعمار الجديد ونزع السيادة "لا" حاسمة وبإصرار.

روسيا هي أحد أقطاب عالم متعدد الأقطاب. وهذه ليست عودة إلى النموذج القديم ثنائي القطب. هذه هي بداية بنية عالمية جديدة تمامًا.

إن النمو السريع للاقتصاد الصيني وتعزيز السيادة الصينية، خاصة تحت قيادة القائد العظيم شي جيانغ بينغ، قد حول الصين إلى قطب آخر مستقل تماما. وعند رؤية ذلك، أعلن الغرب، ممثلاً بالنخبة العالمية في الولايات المتحدة، على الفور حرباً تجارية عليها.

لقد تحدى العالم الإسلامي الغرب في المقام الأول في المجالات الدينية والثقافية. إن القيم الغربية التي تدعو صراحة إلى تدمير التقاليد والأسرة والجنس Gender والثقافة والدين تتعارض مع أسس الإسلام. كل واحد من ما يقرب من 2 مليار مسلم يفهم هذا اليوم. واليوم يخوض العالم الإسلامي حربه الخاصة مع الغرب العالمي – في فلسطين، في الشرق الأوسط، حيث تجري الإبادة الجماعية المشينة للشعب الفلسطيني على قدم وساق بموافقة كاملة من الغرب - ذبح الأطفال الفلسطينيين والنساء، وكبار السن.

والهند قطب آخر. اليوم - خاصة في ظل حكم ناريندرا مودي - هذه حضارة بأكملها تعود إلى جذورها الفيدية، إلى تقاليدها القديمة، إلى أسسها. فهي لم تعد مستعمرة ثقافية واقتصادية للغرب، بل أصبحت عملاقاً عالمياً صاعداً.

إن أفريقيا وأميركا اللاتينية تتبعان نفس المسار بشكل ثابت ومنهجي، وإن لم يكن خالياً من المشاكل.

إن حركة الوحدة الأفريقية تمهد الطريق لتكامل أفريقي موحد وشامل متحرر من السيطرة الاستعمارية الجديدة. هذه نظرية جديدة، وممارسة جديدة، استوعبت أفضل جوانب المراحل السابقة من النضال التحرري، ولكنها ترتكز على فلسفة مختلفة، حيث يلعب الدين والروح والقيم التقليدية الدور الأكثر أهمية.

وتواصل أمريكا اللاتينية أيضًا طريقها في النضال ضد الاستعمار. وهنا تبحث الشعوب عن طرق جديدة للتوحيد والوحدة – والتغلب جزئيًا على النماذج القديمة التي قسمت الجميع إلى يمين ويسار. في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية، يتحد أنصار القيم التقليدية والدين والأسرة مع أولئك الذين يدافعون عن العدالة الاجتماعية تحت راية النضال المشترك – ضد الاستعمار الجديد للغرب الجماعي وثقافته المنحرفة المناهضة للإنسانية.

إن العالم متعدد الأقطاب اليوم ليس يوتوبيا وليس مجرد مشروع نظري. ست حضارات من أصل سبع (من النظام الكوكبي السباعي) اتحدت في كتلة جديدة في البريكس. وهناك ممثلين عن كل منها. إننا نتعامل مع إضفاء الطابع المؤسسي على التعددية القطبية. تتحد الإنسانية العظيمة، وتفهم نفسها، وتبدأ في مواءمة تقاليدها وتوجهاتها، وأنظمة قيمها التقليدية ومصالحها.

فقط الغرب الجماعي، الذي يحاول الحفاظ على هيمنته بأي ثمن، يرفض بشكل قاطع المشاركة في هذه العملية المتعددة الأقطاب التي لا مفر منها. يتصدى لها. إنه يدبر المؤامرات ويثير الصراعات. ينفذ التدخلات. وهو يحاول خنق كل جيوب الاستقلال بالعقوبات والضغوط المباشرة. وإذا لم ينجح الأمر، فإنه يدخل في مواجهة عسكرية مباشرة – كما هو الحال في أوكرانيا، في غزة، وليس اليوم بل غدا في المحيط الهادئ.

ومع ذلك، فإن الغرب ليس متجانسا. هناك نوعان من الغرب. غرب النخب الليبرالية المعولم والغرب التقليدي – غرب الشعوب والمجتمعات. إن الغرب التقليدي نفسه يعاني من استبداد العولمة المنحرفة ويحاول، حيثما يستطيع، إثارة العصيان. إن شعوب الغرب ليست أعداء للعالم متعدد الأقطاب. إنهم ضحايا أولا وأخيرا. وكما تظهر المقابلة التي أجراها رئيسنا مع السياسي والصحفي المحافظ تاكر كارلسون، فإن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين روسيا والمناهضين للعولمة في الولايات المتحدة أكثر مما يبدو.

لذلك، فإن النصر الحقيقي للتعددية القطبية لن يكون هزيمة الغرب الجماعي، بل خلاصه، وعودته إلى قيمه – الغربية – التقليدية (وغير المنحرفة) -، إلى ثقافته (وليس إلى ثقافة الالغاء)، إلى جذوره اليونانية الرومانية والمسيحية الكلاسيكية. أعتقد أن شعوب الغرب الحالي، المتحررة من نير العولمة، سوف تنضم أيضًا في وقت ما في المستقبل إلى الإنسانية الكبرى، وتصبح قطبًا محترمًا لعالم متعدد الأقطاب. إن التوقف عن الهيمنة ليس في مصلحة كل الحضارات غير الغربية فحسب، بل إنه يصب أيضاً في مصلحة الغرب ذاته.

أرحب بجميع المشاركين في منتدانا. لقد اجتمعنا هنا لنصنع المستقبل، ولنفهم الحاضر، ولننقذ ماضينا المجيد بضمان استمرارية الثقافة.

مختلفون جدًا، مميزون، فريدون، أصليون، ذوو سيادة --- الإنسانية هي نحن!

خطاب في منتدى التعددية القطبية. موسكو. مجموعة "لومونوسوف" 26 فبراير 2024.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب يقلد المشاهير ويصف بعضهم بكلمة ????


.. إيرانيون يعلقون على موت رئيسي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. آفة التنمر تنتشر في المدارس.. ما الوسائل والطرق للحماية منها


.. مصرع وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في تحطم مروحية




.. مصرع الرئيس الإيراني.. بيانات تضامن وتعازي ومواساة ومجالس عز