الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القدس في كتابات الأسيرات والأسرى8

محمود شقير

2024 / 3 / 4
الادب والفن


ويكتب الأسير المقدسي حسام زهدي شاهين رواية "زغرودة الفنجان" بوصفها نتاجًا أكيدًا لمعاينة النضال الوطني عن قرب ضد الاحتلال وللانخراط الفعلي في هذا النضال، محددًا الأمكنة التي كان يتحرك فيها بطل الرواية، عمر، وهي المخيم وبيت لحم ويبوس؛ حيث نلتقي في بعض مشاهد الرواية مع السيرة الشخصية للكاتب. ذلك أن الجد الذي زاره عمر غير مرة في قرية يبوس المتاخمة للقدس، وهو مختف من وجه الأعداء، هو نفسه جد الكاتب: داود علي شاهين، الذي كان شيخ عشيرته، وواحدًا من رجال الإصلاح في القرية، وهو الذي ألهم عمر بحكمته وبعد نظره كيف يتصدى لمشكلة الإسقاط التي دأب عليها المحتلون لكي يعرقلوا تصاعد النضال الوطني في صفوف الشابات والشباب.
وفي كتابه "رسائل إلى قمر" الذي وصفه بأنه شظايا سيرة يكتب حسام نصًّا سرديًّا يتداخل فيه أكثر من جنس أدبي، حيث الظروف القاسية التي يحيا في ظلها الأسرى الفلسطينيون والأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ومنذ البدء؛ من العنوان والإهداء نجد أننا أمام نص يعلي من شأن المرأة ويقدرها حق قدرها، ويرفض في الوقت نفسه النزعة الذكورية السائدة في مجتمعنا، المتسلطة على المرأة المنكرة لحقوقها. يتبدى ذلك في العنوان: رسائل إلى قمر؛ وفي الإهداء الموجه إلى ثلاث نساء: الأم المقدسية الحبيبة آمنة، والطفلة الحبيبة قمر، والشقيقة المقدسية الحبيبة نسيم.
ولذلك؛ لم يغب عن بال حسام أن يذكر شقيقته المقدسية المناضلة في كتابه مع مناضلات مقدسيات أخريات: جهاد أبو زنيد، نجوى عودة، لوسي نسيبه وابنتها نزهة، سلوى هديب،وأمه آمنة.
لنتابعه وهو يتحدث عن جهاد:
(تجدها في المسيرة والمظاهرة والاعتصام، وفي مواجهة المستوطنين والاستيطان، وفي التصدي لسياسة الحواجز وهدم البيوت أو مصادرتها، وفي الندوة السياسية والتثقيفية وجلسات التوعية، تجدها تحشد الجماهير، تنظمها وتؤطرها في مختلف النشاطات، فهي تمتلك ملكة القيادة والتوجيه، لأنها كالصخرة الصلبة في مواجهة أعدائها، وكالشمعة المحترقة في خدمة شعبها.
إن حساب "العطاء والتضحية" الذي افتتحته "جهاد" في مدينة القدس يمتلك رصيداً كبيراً من المحبة والاحترام في قلوب عشرات آلاف المقدسيين خاصة والفلسطينيين عامة، وأنا واحدُ منهم، فهنيئاً لها بهذا النجاح الذي تستحقه، وهنيئاً لنا وللقدس ولفلسطين بأننا حظينا بإمرأة نموذجية في تفانيها وعطائها اسمها "جهاد").ص85
***
وبلغة حافلة بالمجازات والاستعارات يكتب المواطن أيمن الشرباتي أجزاء من سيرته وسيرة رفاقه في السجون الإسرائيلية. يكتب أيمن المحكوم بالسجن المؤبد عن معاناته في السجن وعن معاناة رفاقه، ولا تخلو كتابته من فكاهة عذبه ردًا على تجهم الزنازين وجدران السجون.
في هذا الكتاب وصف مسهب لحياة الأسرى في السجن، ولعلاقات التكاتف التي تجمعهم وتوحدهم ولبعض الخلافات في ما بينهم، وفيه تأملات عن السجن والسجان، وبرغم احتفائه بالخليل مدينة أجداده، فإنه لا ينسى مدينة سكناه التي اعتقل فيها وحوكم من أجلها:
"أمّا أرواحنا وأفراحنا وأتراحنا فتبقى على حلّها وترحالها، غزلانا كنعانيّة تتعطّش لموسم الهجرة إلى القدس الذي طال وطال، وتحلم بندى زيتونها، وتتأمّل جمال عيونها، وعلى رنين أجراس الكنائس تنام، وعلى حنين المآذن للصّلاة والفلاح تنهض" ص41
وتظل هي الغاية والهدف والطموح والمآل:
"محمود يجيد الاصطياد في مياه الطّابور العكرة بصنّارة التّناقض حين قال (...) يا إخوة، أيّها المجاهدون، يا رفاق الطّابور الصّاعد إلى القدس بعزيمة وإصرار، إنّ الطّابور الّذي اتّخذ من الشّمس بوصلة لن يحيد عن درب العطاء والفداء، وإنّ واجبنا الوطنيّ يحتّم علينا أن نحسن استثمار اللّحظة التّاريخيّة الّتي أتاحها لنا القدر كي نوظّفها على خير ما يرام" ص187 .
***
وفي رواية "العاصي" للأسير المقدسي سائد سلامة الذي سينهي بعد ثلاث سنوات حكمه بالسجن البالغ أربعًا وعشرين سنة، تبرز علاقة الرواية بمدينة القدس من خلال سلوك نادر الذي يقيم في إحدى قرى المدينة، ويسعى إلى التمثُّل بما فعله العاصي رفضًا منه للاحتلال ولممارساته ضد الناس، لذلك نراه يعتلي جدار الفصل العنصري التوسعي متجهًا إلى القدس وفي ذهنه قرار لن يحيد عنه مهما كانت النتائج، وتنتهي الرواية كما يلي: " كانت حَلْقُه وكأنما بئر عطشى ...ولم يأبه،
كانت جراحه حُبلى بآلامٍ لا تستكين ... ولم يأبه،
كانت الوجوه تراه وتُشيحُ عنه... ولم يأبه،
كان سارياً في الليل يبحث عن الدفء والأمان ...ولم يأبه،
كان له اسمٌ أوسع من الهامش وأضيق من المتن.
ثم صار له اسمٌ يشبه الحكاية".ص358
***
تفصح رواية عمار الزبن "الطريق إلى شارع يافا" عن توجهها بشكل صريح، وهي منحازة إلى موضوعها المرتبط بالمقاومة المسلحة على غرار روايات المقاومة السوفياتية أثناء الحرب العالمية الثانية، لكنها وهي تحتفي بالأمكنة الفلسطينية تفرد للقدس موقعًا خاصًا في قلوب أبطال الرواية، مثلًا:
"محمود لم يقاوم البعد عن القدس أكثر من ذلك، تغيّب عنها قسرًا بالنفي إلى مرج الزهور جنوب لبنان، ثم الاعتقال المتكرر وأخيرًا المطاردة التي افترض جهاز الشاباك أن أبرز إيجابياتها حرمانه من الوصول إلى القدس والمسجد الأقصى" ص56.
لكنه يتحدى المحتلين ويصل القدس:
"تمهلت قليلًا في باب العامود، وما زال المكان يبهرني جمالًا منذ كنت طفلًا، أزور القدس، أحجها، أيمم إليها وجهي، طفلًا، صبيًّا، فشابًّا"ص77 .

خلاصة:
نخلص من هذه القراءة لأكثر من عشرين كتابًا كتبها فلسطينيون وفلسطينيات من داخل السجون ومن خارجها أن القدس هي المدينة الفلسطينية العريقة التي تحتضن أبناءها المناضلين وبناتها المناضلات، وهي المدينة التي يشتاقها أبناؤها وبناتها سواء أكانوا قريبين منها أم محتجزين في الزنازين والسجون، وهي المدينة المتطلّبة التي لا تكفّ عن طلب التضحيات تلو التضحيات من أبنائها الذين لا يبخلون عليها، ومن وبناتها اللواتي لا يبخلن عليها بتقديم المهج والأرواح وأحلى سنوات العمر في السجون من أجل ألا تنجح خطط المحتلين الرامية إلى تهويدها وأسرلتها، ومن أجل أن تظل مدينة عربية فلسطينية لأهلها المسلمين والمسيحيين ولكل العرب والمسلمين أينما كانوا، ولكل محبي الحرية والعدالة والسلام في العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع


.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي




.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????


.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ




.. الذكرى الأولى لرحيل الفنان مصطفى درويش