الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس في الثقافة مقتطفات 82

آرام كربيت

2024 / 3 / 4
الادب والفن


ضاجعتها في أغلب الليالي
هذه الليلة وتلك الليلة والليالي السابقة كنت برفقتها، جسدي فوق جسدها.
ضاجعتها في الهواء الطلق، بالرغم من أنني كنت غريبًا عنها وهي غريبة عني.
لم أعرفها كما أنها لم تعرفني. أظن أننا عشقنا بعضنا وطرنا دون أن نطير.
وبقينا غرباء لا نعرف بعضنا،. ثم ضيعنا الطريق وغرقنا في البحث عن بقية الاتجاهات والرؤى.
وفي لحظة خاطفة، رأيت جسد رجل غريب يعصر جسدها، وفمه يعصر فمها وهي في أوج نشوتها وفي أفق فرحها تتأوه.
تذكرت يدي عندما لأمس يدها، وكيف هربنا كأرجوحة الأطفال، حلقنا وتهنا وعدنا أدراجنا إلى اللامكان.
لا أعرف من غرز تلك البذرة الحنونة، تلك الرغبة المجنونة في أعماقنا وانتهينا أشقياء.
ولا كيف نما وترعرع وتحول إلى جنون، عشق وقدر عتيق ومحتوم.
وكيف غمرني كهالة نور لا يمكن العيش دونه.
وتساءلت:
هل جسدها الجميل جسدها؟
وهل الأشجار وينابيع الماء والتلال المخضبة بالأحمرار هو لونها.
من هي؟
هل جسدها رغبة، مذاق عسل، شهوة تبقيني عالقًا بها، خاضعًا لسطوتها أتناغم بها منها لها أم نحس؟
أم أن الدوافع الكامنة تحت خاصرتي الموجوع بها تدفع ما تبقى مني أن أتوه وأضيع في هذه البراري البعيدة.
وأموت ككلب أجرب لا يعرف من هو، وأين هو؟
ذاك الجسد خلاصة الحرية، به نسمو ونطير ونعود ادراجنا إلى اللانهاية.

القمع بأشكال مختلفة
عندما تكون جزءًا من مجموعة كبيرة، تسمى عائلة، تُحشر فيها بالرغم عنك في كل مشاكلها، بل مطلوب منك أن يكون لك رأيًا في كل شيء، وعليك أن تتدخل.
عليك أن تكون قائد الطوارئ أو الإسعاف
تفقد القدرة أن تكون أنت، تفقد حريتك أو أن تفكر بشكل حيادي، بل أنت تفكر بالنيابة عن الأخرين، يموت استقلالك الذاتي، تعدل تفكيرك، ليصبح على مقاس الأخرين.
تتنازل هنا أو هناك لإرضاء هذا أو ذاك من أجل الوصول إلى تسوية، مساومة، لتجاوز أزمة ما أو مشكلة ما.
وعندما تكبر، تصبح جزءًا من مشاكل الآخرين، بنيتك النفسية أصبحت مستقلة عنك، تابعة لمن وقفت إلى جانبه، ماتت أنانيتك بحكم التربية، تصبح مشكلتهم مشكلتك، تتألم لمشاكلهم، وترى نفسك دون وعي منك، أنك تحشر أنفك في شؤون الذين يرغبون أو الذين لا يرغبون في حل مشاكلهم.
اللالوعي هو الأرضية المستقرة التي عليها أنت، تتحول إلى شوربة، مشكلة خضار أو طحالب أو طبخة جربانة، لا لون لها، ولكنها من كل الأنواع، ومتداخلة في بعضها.
وتصبح أنت لا أنت، تصبح شخص تابع تحت الطلب، لحل مشاكل غيرك.
ويموت صوت الحرية فيك، الصوت الحر في داخلك بالكامل، فأنت ملك غيرك في كامل لاشعورك أو عقلك الباطن.
العائلة هو قمع، سجن أو فخ أو مصيدة نقع فيها جميعنا، ولا استقلال لنا في العائلة الشرقية المتماسكة والمتفارقة، ويضيع فيها الصوت العاقل.

إنه التاريخ لا يقرأ
لماذا يهتم التاريخ بالفلاسفة الكئيبين، الذين لديهم اضطرابات عصبيَّة وعاطفيّة التي تتصف بفقدان الاهتمام بأي شيء، كشوبنهاور ونيتشه وغيرهما.
صحيح أنهم اثروا المكتبة العالمية ثراءًا عظيمًا بأفكارهم وفلسفتهم وعطاءهم، بيد أننا نستطيع القول أنها فلسفة تشاومية، حالات شاذة عاشوها في عائلاتهم ومنازلهم، حياة غير سوية، ترمي إلى الكآبة والحزن وعدم الإنسجام مع الناس والحياة.
ولديهم رؤية سوداوية حزينة جدًا لكل شيء.
إنهم نتاج علاقة سيئة بين أب وأم، أو أن تكون لدى الأم مشاكل أو الأب، وهذا ينسحب على ديوستفسكي والشاعر بودليير ورامبو وغيرهم.
وربما لأنها تمس حياة الإنسان الكئيبة، انفصاله عن عالمه وحياته، ويعاني من غربة دائمة.
السعادة عالم بعيد عن الإنسان، موجودة في الزمن الآخر الذي لم يخلق.

الرغبة والشهوة هما الحرية
عليك أن لا تشبع الرغبة في داخلك ابدًا، دعها عطشانة دائمًا، متطلبة، محتاجة، تترجى أن تلبي طلبها أو تسايرها، ستتعبك وستجعلك تعاني من الضجر والقلق والتوتر، من الحرمان.
إنها لعبة الذات الكبيرة، بين حريتك أو عبوديتك
ستتوجع وتتألم، رواغها، اسكتها، أقمعها، خذها إلى اليمين أو إلى الشمال إلى أن تهدأ قليلًا.
بمجرد أن تلبي طلبها، ستعود إلى نقطة الصفر، ستعاني من الفراغ، والملل إلى أن تتشكل رغبة أخرى، رغبة جديدة تحل محل الأولى، نيابة عنها.
في كل رغبة جديد أنت إنسان آخر، متجدد دائمًا.
في نهاية الرغبة، بعد تلبيتها، أنت متعفن، تنتظر من ذاتك أن تترحم عليك لتعيد إنتاج ذاتك المهزومة. والسؤال يقول: ذاك الذي كان يمتعك وتتمتع به، أين يذهب في وقت الفراغ؟

الذين يعرفون المال مستقلين عن الحياة
هؤلاء الذين يرون الحياة لا نهائية، ولا يتبادر الموت إلى أذهانهم، لأنهم في حالة غياب عن الحياة، اجهادهم منصب على المال والنفوذ والسلطة، أنهم في حالة لهو وركض وراء ذواتهم بعيدًا عن حركة الناس والمجتمع، هؤلاء الأشد خطرًا على الحياة.
إن الذين يستمتعون بالحياة، دائمًا، يضعون الموت نصب أعينهم.
يقول سقراط:
لكي يتعلم المرء أن يعيش بهناء، عليه أن يتعلم أولًا أن يموت بشكل جيد.
اي أن يضع هذا الأمر نصب عينيه، وأن لا يكبر حجره.
إن التوازن الطبيعي في المآل والمشرب ومتع الحياة هو السعادة.

سجن عدرا بالقرب من دمشق
كان لدينا في سجن عدرا محرس خاص لرجال الأمن السياسي، يخدموا السجناء، كفتح أبواب المهاجع صباحًا وأغلاقهم مساءًا، وفتح باب الباحة من أجل الخروج للتنفس.
جاء الشرطي، أحد عناصر الأمن السياسي صباحًا، مشرق الوجه، والابتسامة الواسعة على مرسومة على محياه ووجهه.
ـ لماذا هذه السعادة التي هلت عليك يا ابو محمود، ماذا وراء هذه الطلة الحلوة، وهذا الفرح؟
ـ البارحة رحت للفرع المركزي للتحقيق في سوريا كلها، راني العميد أمين العلي، قال لي:
ـ كيف يا حمار وهو في طريقه إلى المرحاض!
ـ وأنت سعيد لأنه قال لك يا حمار؟
ـ وهل سلامه قليل برأيك، أنه العميد، رئيس الفرع؟
عدنا إلى الوراء بعيدًا عنه، ورحنا في الضحك، قلنا:
كان يدلعك يا حمار، كان لأزم تلعب بخصيتيه من الفرح، شيء بيخري منك ومن عميدك ورئيسك، ورئيس دولتك كلها.

الأزهار والورود هدمة الحياة للحياة.
الأزهار والورود والنباتات البرية هم من كانوا يشدوا انتباهي وفرحي، ويرسم الجمال والسعادة في عقلي وقلبي.
منذ طفولتي المبكرة كنت أحب الأزهار والورود والأعشاب والنباتات المزهرة المزدانة في البراري، لم يلفت نظري الورد الجوري أو غيره في حديقة بيتنا في رأس العين أو في شوارع المدن.
وكانت الأنهار والسواقي والجداول يسحروني جدًا خاصة عندما كانت الأعشاب والحشائش تنام على الضفاف، وتغني للأنهار الراحلة إلى مواضع آخرى.

الرشا مجرور التاريخ أو خراءه لتصريف القذارة
هذا المحن يجب أن يعرى مرة ومرتين وثلاثة أكثر بكثير.
عندما تقدم له الرشوة أو الرشا أو البقشيش، تذكر أنك تغتصبه، تعريه أمام نفسه وأمام التاريخ من ثيابه الداخليه، ترفع عجزيه وتبعدهما قليلًا أو كثيرًا، ثم تدك عضوك المنتصب بقوة في شرجه.
إنه شرج التاريخ المثقوب، أنه الاغتصاب اللذيذ الذي يرغبه الكثير.
أليست ثقافة الاغتصاب محل احترام وتقدير من التاريخ، من الدولة والمجتمع؟
في البدء تشعر بالعار والحياء والخجل، ترفض على استحياء، تشعر أنك معفول به، وأن قضيبًا سيدس في مؤخرتك، لكن مع القليل من الحوار الذاتي، وبالقليل من التشجيع من زوجتك أو أمك أو جيرانك ستشلح ثياب بكل ثقة.
ستتألم في البدايات، وستعاني من عقدة الدونية والذنب والذاتيوية البريئة، لكن مع الأيام ومع الممارسة، والتجارب التي ستخوضها ستقبل، سيتحول الأمر لديك إلى متعة ذاتية عالية، أو شبق لا تتحمل البعد عنه.
عندما لا يقترب منك الغاصب لذاتك المهزومة، ستذهب إليه بإرادتك وتحت ثقل الهزيمة والانكسار الذاتي ستلجأ إلى ذلك الذي سرق منك براءتك وعفتك وعنفوانك.
ستذهب إليه، تطلب منه أن يخرج عضوه ويدسه فيك، لأنك أصبحت ممحونًا لا تستطيع النوم إلا بأنفاس الغاصب يحوم حولك.
لا تقلل من شأن نفسك المكسورة، فأنت مهم للغاية، مفعول به على مر الزمن والتاريخ والتراث، تؤدي خدمات جليلة للأخر، وهذا الأخر يفهم عليك تمامًا ويقدر عملك الجليل، لأنه يشبهك في الشكل والمضمون، فهو لا يقل خسة وقذارة عنك.
نحن مغموسون في ثقافة الانحطاط والخضوع، ثقافة الجارية الذي عينه على البقشيش أو الرشوة أو الرشا.
كل من يلوث شرفه بالمال الحرام هو ممحون.
أعرف أن الحياة تكسرنا، وتخضعنا، لكن أن نذهب إلى الانكسار بأنفسنا فهذا محن.
والتاريخ البشري تاريخ اغتصاب ومحن، وسيستمر إلى أن نغلق هذا الشرج المنظم.

بالرغم من إدراكنا أن الحياة مجرد لعبة خطرة، والوقت فيها عابر، وأننا مجرد ظل لظل غريب ومجهول، إلا أننا ننخرط فيها بكل ما نملك من قدرات.
إنها سر الأسرار التي لا يمكن الوصول إلى عمق سرها.

العتمة تغيب الضوء
كنت أبكي وأنشج من الحرقة والغربة والحرمان. ولأول مرة ابتعد عن الطبيعة والبادية والأهل. ومع كل خطوة أمدها إلى الأمام يزداد الشوق لأهلي. فانطوي على كبدي مخافة أن لا أراهم ابدًا.
مشينا. كنا شبانًا صغار. أعمارنا بلون الضوء والنهار، وقلوبنا غضة، طرية. ووجوهنا الذابلة تشي بالحرمان والغياب. ونتمايل على بعضنا كأزهار الأقحوان والسرخس خشية من التصدع.
اقترب منا. قال:
ـ انزع ثيابك
نفذت، دون أن انطق بكلمة واحدة
أزال الجندي ورق التوت بيديه، وبصق علي، ثم بال. وقبل أن يكمل طريقه، قال:
ـ يمكنك أن تتابع طريقك، أصبحت مثلنا، عاجزًا.
تراجعت إلى الوراء مذعورًا. رأيت أخاديد الأرض تفتح ذراعيها، وتجهش بالبكاء. كان الخابور يستحم تحت ضربات الريح.
سرت كالسكران خاضعًا، منبهرًا. قلت محدثًا نفسي:
ـ من الأن وصاعدًا، سأصبح محاربًا، عاجز، مقاتل. اقاتل من أجل أن يبقى العبث مستمرًا.
وكل ما رأيناه، ونراه، وسنراه، ونمارسه، هو تعبير صارخ عن ذلك العجز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8


.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و




.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح


.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة




.. هشام حداد يستفز وسام صباغ.. وهل يسبق السوري اللبناني في التم