الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الضفة ودورها تجاه الحرب على غزة

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2024 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


نهاد ابو غوش-
تقديم: إزاء الأهوال غير المسبوقة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من جرائم إبادة وتجويع وتهجير، تتردد لدى بعض المثقفين والمواطنين ولا سيما الغزيين، اصوات عتاب تقول ما مفاده أن "غزة تركت وحدها" لتواجه مصيرها على يد الوحش الصهيوني المتفلت من كل القوانين والمعايير. وأن العالم يقف عاجزا مراقبا ومتفرجا، وربما يظهر البعض متواطئا وشامتا بما يجري ولسان حاله يقول أن هذا ما جلبته حماس لشعبها. ينصرف اللوم عموما إلى المواقف الرسمية والشعبية العربية، ولما يسمى "محور الممانعة" بزعامة إيران، وكذلك للمواقف الرسمية والفصائلية والشعبية لدى تجمعات الشعب الفلسطيني وبخاصة في ساحتها الأهم الضفة الغربية، التي هي محل تركيز هذه الورقة.
تحليل: ثمة عوامل جوهرية تجعل الحياة في غزة مختلفة عن الضفة في جميع الميادين جغرافيا وسكانيا وسياسيا وحتى في التكوين الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين، وفي التاريخ السياسي وطبيعة الحكم والسلطة في كل منهما، وانعكاس ذلك على اشكال النضال السياسي، كما على طبيعة الاستهداف الإسرائيلي.
ولا شك أن ثمة كثيرا من الملاحظات والمآخذ، على دور الضفة، سلطة وفصائل ومجتمعا، تجاه الحرب على غزة، وملخصها أن دور الضفة أدنى بكثير مما هو مطلوب، وأقل من الإمكانيات الواقعية التي تملكها الحركة الوطنية على اختلاف تشكيلاتها. ولكن من الظلم إطلاق حكم عام شامل على "سلبية" دور الضفة من دون ملاحظة الاتجاهات الايجابية، ومساواة المتواطئين والمتقاعسين بداعمي غزة ومناصريها ولو بأضعف الإيمان، كما يخشى من تغذية النزعات الجهوية سواء في الضفة أو غزة، وتجدر الإشارة إلى مجموعة من الحقائق التي يلعب بعضها دورا في تكريس الحالة السلبية والانتظارية، التي تتعامل مع ما يجري في غزة وكأنه يجري في مكان آخر من العالم، ومن هذه الحقائق:
- جاءت الحرب على غزة بعد عامين طويلين كانت الضفة فيهما مركز المواجهات المتواصلة مع حكومة الاحتلال (حكومة بينيت- لابيد، ثم حكومة نتنياهو) ، وشهد العامان ولادة أنماط جديدة من تشكيلات المقاومة على غرار كتيبة جنين وعرين الأسود، ووقعت سلسلة من العمليات الفدائية التي كبدت اسرائيل العدد الأكبر من القتلى منذ نهاية الانتفاضة الثانية في العام 2004.
- خلال العامين 2022 و2023 نفذت اسرائيل عشرات عمليات الاغتيال والاجتياحات لمراكز وبؤر المقاومة، فمدينة جنين وحدها ودعت 137 شهيدا وشهدت 1511 اقتحاما، عدا عن اصابة واعتقال مئات الناشطين وتهجير معظم سكان مخيم جنين.
- في الضفة الغربية، استشهد منذ بداية الحرب على غزة وحتى أواخر شباط/ فبراير نحو 420 شخصا، واصيب الآلاف كما جرى اعتقال أكثر من 7300 شخصا من الناشطين.
- منذ بداية الحرب تعيش الضفة الغربية ظروفا في غاية الصعوبة نتيجة فرض أحكام وأنظمة حربية تعني استسهال إطلاق النار على كل من يشتبه به، وتقسيم الضفة إلى مناطق منعزلة ومفصولة عن بعضها، وفرض مزيد من الحواجز على مداخل المدن والبلدات، واغلاقها ببوابات حديدية او اسمنتية. وانفلات المستوطنين وقطع الطرق، والتنكيل بالفلسطينيين وبخاصة سكان القرى والتجمعات البدوية.
- منعت إسرائيل حوالي 200 ألف عامل فلسطيني من العمل في مشاريعها، كما عمدت إلى احتجاز أموال المقاصة بحجة عدم السماح بتمويل غزة وحماس، ما خلق ضائقة اقتصادية شديدة، أعجزت السلطة عن دفع رواتب موظفيها بانتظام للشهر الخامس على التوالي (السلطة مدينة للموظفين بخمسة اضعاف ونصف الراتب الشهري).
تكلس وجمود وعجز: إلى جانب الظروف الموضوعية السالفة، تلعب العوامل الذاتية دورا رئيسيا في الحد من دور الشعب في الضفة وقواه السياسية والاجتماعية في إسناد غزة، صحيح أن ثمة اصواتا مهمة تدعو للتعقل وعدم الانجراف إلى حرب غير متكافئة يستدعيها اليمين الإسرائيلي المتطرف لتنفيذ أجنداته، لكن ذلك يمكن يؤثر على أشكال النضال، على النضال ذاته وأهمية الدور وحضوره أو غيابه.
في طليعة العوامل الذاتية يبرز موقف القيادة الرسمية الذي يمثل مزيجا من العجز والانتظار، دون الحد الأدنى المقبول من القيام بما تمليه واجبات السلطة والقيادة ومسؤولياتها السياسية والقانونية تجاه شعبها الذي يذبح في غزة، علما بأن المخطط التصفوي لا يستثني الضفة ولا السلطة ذاتها. ما يزيد الطين بلة هو انفراد بعض المسؤولين بتصريحات تنضح بالشماتة والدعوة إلى محاسبة حماس، وإعادة تكرار الشروط المعروفة لقبول حماس في منظمة التحرير. علاوة على ضخ الأنباء السلبية والمثبطة عن مؤامرة مزعومة بين حماس وإيران وإسرائيل ضد "المشروع الوطني الفلسطيني". يمكن تفسير هذا الموقف بأنه محاولة للتكيف مع الشروط الأميركية لتجديد السلطة، ولكن حتى هذا الأمر لا يجدي نفعا مع حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف التي تحارب اي صيغة من شأنها توحيد الفلسطينيين في كيانية موحدة سواء كانت "حماسستان" أو "فتحستان".
لا يقتصر العجز على بنى السلطة والمنظمة والمؤسسات الرسمية، بل يطال أيضا البنى الشعبية بما فيها الفصائل والاتحادات والنقابات التي تعرضت لعمليات تهميش وتجريف منهجية، واصابها الجمود والتكلس فتحولت إلى هياكل عاجزة عن الفعل والتاثير، ويقتصر دورها على وظيفة "الحاشية" للدلالة على ائتلاف وطني مزعوم يحيط بالقيادة.
مقابل كل ذلك لا تخلو الساحة من مبادرات وطنية جماعية وفردية، ولكنها يغلب عليها الطابع العفوي والموسمي، ومن هذه البيئة تحديدا تخشى الدوائر الإسرائيلية من انفجار قادم، ولكنه على الأغلب سيكون موجة من العمليات العفوية التي تصعب مراكمتها وتوظيفها في إسناد غزة أو في مجرى النضال لانتزاع الحقوق الوطينة.
الخلاصة: حالة الضعف والهشاشة التي تعاني منها المنظمة والفصائل والاتحادات لا تعفي أيا منها من مسؤولياتها تجاه بلورة برنامج وطني موحد، فالفصول القادمة لما بعد الحرب على غزة ليست أقل خطرا من الحرب ذاتها، إسرائيل والولايات المتحدة ودول الإقليم تعد خططها لهذه المرحلة. وفي هذا الإطار لم يكن أشد المتفائلين ليتوقع من اجتماع موسكو أكثر من البيان الذي صدر، ولعل أهم ما في الاجتماع أنه كسر الحظر الذي حاولت إسرائيل وقوى دولية وإقليمية فرضه على حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وفتح اللقاء ابوابا ونوافذ لمزيد من التواصل واللقاءات بشأن مستقبل غزة ضمن وحدة الأراضي الفلسطينية، وضرورة التوافق على اي خيارات مقبلة بما فيها حكومة التكنوقراط، أو الخطوات المطلوبة إنقاذ غزة وإغاثة شعبها وقطع الطريق على مخططات تصفية القضية الوطنية واختزال الحقوق الفلسطينية إلى مجرد حقوق معيشية، مثل هذا التوافق ليس مطلوبا تجاه الحكومة فقط بل تجاه أشكال النضال والعمل السياسي اليومية، لعل ذلك يؤسس عمليا لإعادة تجديد البرنامج الوطني الفلسطيني وادواته.
* مركز تقدم للسياسات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل