الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقيقة حرب غزة: سيناريو صفقة القرن الخشن

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2024 / 3 / 5
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


ثمة فئة قليلة هي التي قدمت تصورا بأن صفقة القرن التي خرج بها دونالد ترامب للمرة الأولى؛ لم تمت برحيله عن البيت الأبيض وقدمت الشواهد والأدلة على استمراها في عهد جو بايدن، في حين كانت هناك "موجة رائجة" تستسهل مقاربة السيناريوهات الراهنة وفق المعارف السياسية القديمة إرث القرن الماضي، مرتكنة إلى مراكزها المستقرة وعلاقاتها والمسارات السياسية التي استقرت فيما بعد تفاهمات اتفاقية عام 1979م، وتفاهمات ما بعد أوسلو والشرق الأوسط الكبير، وكذلك ارتباك المشهد النخبوي والمعرفي العربي فيما بعد الثورات العربية في القرن الحادي والعشرين، لتوجه هذه الموجة المؤسسات العربية الرسمية وشبه الرسمية وجهة تعتمد على رطانات منتهية الصلاحية، وتهدر الموارد التي كان من الممكن توجيهها في الطريق الصحيح لمواجهة مخططات صفقة القرن، ومشروع "الصدام الحضاري" وتمثلاته في المنطقة العربية (برنارد لويس وتلامذته)، في ملف فلسطين وفي كافة ملفات التناقضات الإقليمية الأخرى.

رمضان 2024م: الشهر السادس للحرب
فمن وجهة نظر معينة؛ وبينما تُتِمٌّ حرب جيش الاحتلال الدموية شهرها الخامس وتدخل شهرها السادس مع مقدم شهر رمضان المعظم؛ تشي النظرة من بعيد لما يحدث داخل الأرض الفلسطينية وما يدور في الفضاء الإقليمي والمشهد الدولي، أنه لا جديد على أرض الواقع.. المخططات الصهيونية والأمريكية وسيناريو صفقة القرن يتم تطبيقه فعليا، ولكن بشكل خشن وليس بشكل ناعم كما كان يظنون أنه سيجري لو لم تحدث عملية طوفان الأقصى.
فالمخططات تجرى للتهجير والتفريغ والهيمنة الكاملة؛ وتحويل الفلسطينيين الذي قد يبقون داخل فلسطين التاريخية إلى حضور جيوثقافي هامشي و"منزوع الدسم"، أي مجرد أيادي عاملة ومشاريع اقتصادية يتم دمجها في شبكة اقتصادية كبرى تسيطر عليها "إسرائيل" والدول العربية المتعاونة معها (دول "الاتفاقيات الإبراهيمية" بشكل أساسي)، وهذه هي الصور الأوضح التي قد لا يراها البعض أو يتجاهل البعض النظر إليها.


خياران: إما الموت جوعا وقصفا أو التهجير طوعا
فما يحدث على الأرض هو حصار وتجويع وقتل وإرهاب دولة وعملية إبادة جماعية بالفعل؛ حيث أن الحرب تستمر بلا أفق سوى القتل بالقصف الجوي والحصار والتجويع، لكي يصل للفلسطينيين اليقين أنه لا سبيل للحياة سوى عبر التهجير "الطوعي" خارج فلسطين..
وهذا هو لب صفقة القرن، ومن وجهة نظر متشائمة يعتقد البعض أن هناك خلخلة مستمرة وتفكيك مستمر للإرادة العربية لكي تقبل مصر والأردن تهجير أهل غزة والضفة، ومن وجهة نظر أقل تشاؤما يرى البعض أن الضغوط الداخلية والخارجية قد تؤدي لقبول أشكال من التهجير أو الهجرة الطوعية أقل فجاجة، لكنها تحمل المضمون نفسه.


طائرة للمساعدة وطائرة للقتل والإرهاب!
المساعدات الجوية التي تقدمها مصر والأردن والإمارات وقطر وفرنسا وأمريكا؛ لا يمكن أن تكون بديلا عن المساعدات البرية والشاحنات التي تحمل تجهيزات الإعاشة والمواد الطبية والإمدادات الغذائية وخلافه، أمريكا تقيم جسرين جويين إلى فلسطين المحتلة جسر بيمنيها وشبه جسر بشمالها، جسر للأسلحة التي تقتل الفلسطينيين يتوجه إلى سلطة الاحتلال "إسرائيل" مباشرة، وبعض طائرات المساعدات الهزيلة الأخرى إلى قطاع غزة المحاصر لا ترقى أبدا لكلمة جسر جوي، إنما هي تسمية على سبيل السخرية، حيث ترسل أمريكا بيمينها السلاح الذي يقتل المدنيين والعزل، وبشمالها ترسل فتات المساعدات لتدعي أنها بريئة من حصار الفلسطينيين وقتلهم جوعا وقصفا، وعريا وبردا.

المعضلة: غياب سيناريوهات إنهاء الحرب
المشكلة الرئيسية أنه رغم المساعدات الجوية وتراجع دولة الاحتلال مؤقتا عن اجتياح مدينة رفح على الحدود المصرية الفلسطينية؛ وتهديد مصر باستمرار الجسر الجوي حتى ولو رفضت دولة الاحتلال التنسيق، تبقى المشكلة غياب أفق إنهاء الحرب، وغياب الضغوط على الاحتلال لوقف استهداف المدنيين في مراكز المساعدة ولعربات المساعدات وعربات الإسعاف! ووقف القصف الجوي نفسه للمدنيين.
أمريكا و"إسرائيل" تضغطان بهدف قبول حماس لاتفاقية تجردها من أوراق التفاوض المستقبلية، وتتركها بالفعل مكشوفة ومعها الشعب الفلسطيني أمام جيش الاحتلال ليستمر سيناريو الضغوط وصولا إلى الاختيار الحتمي: الموت إما جوعا أو قصفا، أو قبول التهجير الطوعي بأي شكل كان.

عجز المؤسسات الأممية
الأمم المتحدة عاجزة، مجلس الأمن يكبله الفيتو الأمريكي، المحكمة الجنائية الدولية تتعرض لضغوط لا حصر لها، محكمة العدل الدولية اختصاصها وفق التكييف القانوني الراهن يسعى لتكوين رأي استشاري فقط إذا سمحت لها أمريكا وحلفاؤها بذلك، من هنا تبدو آلة الحرب مستمرة وأنه لا أفق واضح للضغط على الاحتلال لوقف القصف والحصار والإرهاب.
وإذا استمر الأمر كذلك؛ فإن ما يحدث حقيقة ليس إلا مشروع صفقة القرن بكامل هيئتها وزخرفها وطحينها وضجيجها، ولكن في شكل خشن وليس ناعم، شكل سلط الأضواء فجأة على عمليات التضييق وحصار الفلسطينيين، وكشف عن سيناريو التهجير العلني إلى سيناء في مصر وإلى الأردن.

ردا على دعاة الاستلاب للصهيونية
ويبدو أن عملية طوفان الأقصى فقط سلطت الضوء على المخططات ووضعت الشعوب العربية أمام المأزق الوجودي، كان البعض يتخيل أن الصفقة انتهت والبعض الآخر خُدع في نعومية خطاب المشترك الديني و"الاتفاقيات الإبراهيمية" أو قُل "الصهيونية الإبراهيمية" في حقيقة الأمر، وهذا أبلغ رد على المزايدين المترفعين والعقلانيين أهل السلام والاستقرار، الذين يسألون لماذا قامت المقاومة الفلسطينية بالمواجهة وعملية طوفان الأقصى في ظل تفوق الاحتلال عدة وعتادا! فالأفضل لهم وفق وجهة نظر البعض الاستسلام للهزيمة الحضارية، وتسليم أنفسهم مستلبين لها دون حراك أو مقاومةّ.

المواجهة الخشنة: استعداد تأخر كثيرا
في فترة دونالد ترامب حاول البعض التصدي لخطاب الاستلاب الناعم للصهيونية والترويج للاتفاقيات الإبراهيمية، عبر خطاب وحجاج جيوثقافي ناعم قوي يؤكد على الذات العربية وآليات تماسكها واستعادة حضورها. ولكن هذا الشكل الخشن من خلخلة الجغرافيا الثقافية العربية، يحتاج إلى سياسات كلية وإجراءات دبلوماسية على مستوى الدول دفاعا عن الحد الأدنى الباقي من ثوابت "مستودع الهوية" العربي، وقبل أن ينفرط العقد تماما وندخل في مرحلة الاضمحلال الحضاري والهزيمة الكبرى، ذلك رغم أن الاستعداد الخشن لمواجهة الصفقة تأخر كثيرا لكن ربما مازال في الإمكان إنقاذ الموقف، ومحاصرة السيناريوهات ووقف النزيف.

موقف عربي يعتمد الحد الأدنى
نحن في حاجة إلى موقف سياسي عربي واضح وحاسم وموحد قدر الإمكان رغم التناقضات الماثلة للقاصي والداني، موقف سياسي يقوم على حد أدنى من المشترك بين الداخل الفلسطيني، وحد أدنى من التوافق العربي، ثم تصعيد العمل الدبلوماسي ضد "إسرائيل" وأمريكا في كافة المحافل الدولية، بالتنسيق مع كافة القوى الدولية الأخرى.
إذا لم نكسر الجمود السياسي في الأفق الدبلوماسي الدولي لوقف الحرب والعدوان؛ فإن صفقة القرن قادمة بخشونتها ونعومتها، لا فرق بين دونالد ترامب و"صفقة القرن" الأولى، أو جو بايدن و"صفقة القرن" المعدلة، كلاهما أمريكا وكلاهما يمثل خرافة التفوق والحضارة المطلقة وتصورات الصدام الحضاري، والمسألة الأوربية القديمة.

طوفان الأقصى: ما قبل الغرق بلحظات
دون أفق أو استراتيجية عربية واضحة لوقف الحرب فما هي البدائل الحقيقية التي ستبقى أمام الفلسطينيين؟! سوى الموت جوعا وعطشا أو قصفا، أو الهجرة والنجاة طواعية!
ليتم تنفيذ صفقة القرن ولكن بطريقة خشنة زاعقة، وليس بطريقة صامتة قاتلة كما كان يحدث قبل عملية طوفان الأقصى، وقبل أن تضع العملية الجغرافيا الثقافية العربية في مأزق وتهز سباتها الطويل، وتكشف دعاة الاستلاب العربي للصهيونية والمروجين لصفقة القرن وورثة طبقة التطبيع القديمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟


.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش




.. مفاجأة.. الحرب العالمية الثالثة بدأت من دون أن ندري | #خط_وا


.. بعد موافقة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار.. كيف سيكون الرد ا




.. مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري| #عاج