الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرْ تْضِيمْ ، وسير حتّى ..

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2024 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


إذا كانت الحرب هي السياسة بوسائل أخرى في كل اللغات، فان السياسة بدورها هي الحرب بوسائل أخرى.
من شأن هذا التعريف ان ينزع عن السياسة اقنعتها واوهامها ومساحيقها المختلفة . انها فن إدارة الصراع بأساليب وأدوات تمتد من العنف الفزيائي الى العنف الرمزي . والصراع السياسي هو صراع حول المصالح العاجلة والآجلة للأفراد والفئات : مصالح احتياز السلطة ، واحتياز المال ، واحتياز الحظوة والجاه والنفود .
كل سلطة تعرف ان لها حظوة وحظ ، تحكم في مسار المجتمع كله ، وحظوة وحظ تحكم في ثروته المادية والرمزي ، وانها موضع تطلع الجميع ، ورغم انه يفترض انها تمثل المجتمع كله ، والمصلحة العامة ، فان لديها حسا اوليا في التمييز بين مصلحتها ( مصلحة السلطة ) و مصلحة الدولة مما يدفعها الى المزاوجة الرفيعة بين مصلحتها في البقاء والاستمرار ومصالح الدولة .
اذا ما استلهمنا كتابات ماكيافيلي الذي كان اول من استوعب المفهوم الحديث للسياسة وممارسة السلطة ، نستطيع ان نميز بين ثلاث استراتيجيات كبرى للسلطة . ذاتها وتحقق لنفسها الاستمرار ، انطلاقا من تصور ليبرالي للسياسة ، قوامه انها صراع حول الخيرات والسلطات والرموز ، انطلاقا من تصور ليبرالي قوامه انها صراع حول الخيرات والسلطات والرموز ، او بكلمة واحدة صراع مصالح . وهذه الاستراتيجيات الكبرى هي : استراتيجية الشراسة ، استراتيجية الكذب واستراتيجية الوهم .
استراتيجية الشراسة ، هي استراتيجية القوة السافرة ، والصرامة المطلقة ، وهي على النقيض من خطط الضعف ، لأنها تقوم على ان أي تهاون او تنازل او تسامح ، معناه انفتاح ثغرة ضعف في كيان السلطة . فمشاعر العطف والحشمة والحنو ، لا مجال لها في عالم السياسة ، لأنها مؤشر ضعف وحاجة . فكل شبهة تردد او حبة تساهل ، ستقرأ على انها مؤشر ضعف ، يمكن ان يسيل لعاب الطامحين والطامعين . وكل تنازل سيجر وراءه سلسلة من التنازلات ، وهو ما سيفتح باب التداعي والانهيار .
الاستراتيجية الثانية ، هي استراتيجية الكذب والخداع .
تعلم السلطة ، كامل العلم ، ان الكذب ، الذي هو رذيلة أخلاقية ، هو هنا فضيلة سياسية من الدرجة الأولى ، وذلك لأنه كذب وظيفي هدفه تيسير اشتغال وادائية نظام السلطة ، وتمكينه من الاستمرار . والكذب هنا يعني اظهار بعض الأشياء على غير حقيقتها . وبما ان حبل الكذب قصير كما يقولون ، فان ذاكرة الشعب بدورها قصيرة . وفي هذا المجال يستحسن تجنب الكذابات الكبرى ، وتقسيط الكذب الى وحدات صغرى ( كُذيبات او كْذيبات ) .
الكذب السياسي في مظهريه السلبي ( الانكار والاخفاء ) ، و الإيجابي ( الادعاء والاظهار ) ، من حيث هو رواية غير مطابقة للواقع ، يستهدف تجميل وجه السلطة وتحسين صورتها ، بإخفاء ما هو شاذ وقبيح او غير مقبول . فالأكاذيب قد اعتبرت في زمننا هذا بمثابة أدوات ضرورية ومشروعة ، ليس فقط بالنسبة لمهنة رجل السياسة او الديماغوجي ، بل أيضا لرجل الدولة . فالسياسة والسلطة ليستا مملكة الحقيقة ، وربما لم تكن كذلك في يوم من الأيام .
اما الاستراتيجية الثالثة ، فهي استراتيجية الوهم والايهام . فالمعطى الأساسي في عصرنا هذا ، هو الطفح الديمغرافي الهائل . وهو علة عدم التوازن بين الخيرات والبشر . فالتفاوت بين الناس في الأنظمة الليبرالية المعاصرة ، ليس فقط حتمية طبيعية او اقتصادية ، بل ربما كان ضرورة وحاجة أيضا . وبما انه من المستحيل في ظل هذا النظام إرضاء الجميع ، وعلى الأخص الطبقات الدنيا ، وتحقيق الاشباع للجميع ، وتوفير السكن والاستشفاء والتعليم لكل الناس ، فان دغدغة الاحلام ، والوعد بالجنة الأرضية ، يفرض نفسه كإحدى الاليات الأساسية لشد الناس الى النظام السياسي ،باعتبار انه سيحقق يوما هذا الامل .
والنظام السياسي الناجح ، هو الذي لا يكتفي بتقديم الوعود ، بتنفيذ المطالب الشعبية ، والنقابية ، والاجتماعية ، والسياسية المطروحة . بل يعد بتحقيق الآمال والاحلام الكبرى في التقدم والعدالة والحرية وغيرها . فهو يعلم ان اليأس هو الموقد للثورة ، وان الأمل هو الترياق الذي يمكن من استمراء الحياة حتى ولو كانت قاسية .
والاداة الأساسية في هذا الباب ، هي الخطابات والبلاغات واللغة المعسولة عموما . ودور وسائل الاعلام الحديثة ، هو تبليغ هذه الوعود ، واشاعتها على نطاق واسع ، وحفز الآمال وقمع اليأس القاتل .
ومن بين اشهر تقنيات الوهم والإيهام ، الالتفاف على المشاكل عن طريق تشكيل لجان ومجالس ( عليا او جهوية ، دائمة او مؤقتة ) ، ترصد لها ميزانيات وبنايات واجور وموظفون رمزيون ، حتى تكون السلطة قد تملصت من كل مسؤولية عدم الإنجاز .
الشراسة ، الكذب ، الإيهام ذاك هو الثالوث الاستراتيجي في عمل اية سلطة تريد لنفسها الاستمرار . وبما ان كل سلطة هي بطبعها وطبيعتها ميالة الى الخلود والاستمرار ، فان تلك هي – في منظور ماكيافيلي – أقاسيمها الثلاثة .......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة