الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طلال حيدر في: لبسوا الكفافي ومشوا

سيمون عيلوطي

2024 / 3 / 5
الادب والفن


(قِصَّة قصيدة مغنَّاة)
سيمون عيوطي
شاعر المحكيَّة المُمَيَّز، طلال حيدر، مواليد بعلبك-لبنان،1937، يُعتبر شاعرًا استثنائيًا في الشّعر المحكيّ، ليس في لبنان فحسب، بل في العالم العربيّ أيضًا. يمتاز شعره ومفرداته بخصوصيَّة أصيلة، فيها من عبق التَّراث، بقدر ما فيها من الحداثة الشعريَّة المحكيَّة، يكتبها بشفافيَّة النَّدى، ونكهة المسك، فتبدو كأنَّها دُوِّنَت بحروف شهد على ورق الورد. تراكيبه الشعريَّة مبتكرة، تجمع بين عراقة الماضي الجميل، وعتمة الحاضر المُشَوَّه، وبزوغ الفجر الآتي بأمل الفرح، يضمِّنها بصور شعريَّة مُجنَّحة، تحتوي على اللامعقول...والممكن في آن معًا. ولعلَّ ذلك هو ما جعل الصَّحافي الرَّاحل غسان تويني: يقول: "طلال حيدر عاقل، يريد أن يتمثَّل بالمجنون، فسأله: من أين تأتي بهذه الصُّور في شعرك؟ أجابه: لو أعرف من أين تأتي ما كنتُ كتبتُها." وكم جانبت الصَّواب الكاتبة كريستين حبيب حين كتبت في صحيفة "الشرق الأوسط" في سبتمبر 2023 م، مقالة بعنوان: "طلال حيدر يحيك من خيطان العمر قصائد جديدة"، جاء فيها: "فوق ثمانية عقود من الشعر يجلس طلال حيدر. يفرد الأبيات أمامه كلعبة نرد. مع أن العمر سار به إلى السادسة بعد الثمانين، ما زال يتسلّى بالقصيدة، يغازلها ويلوّن بشمسها الحيطان الباردة." وتُتابع: "الشاعر اللبناني الذي تفيّأ هياكل بعلبك عُمراً، وراقص سنابل سهل البقاع، وألبسَ الأغنية عباءةً من خيوط القصب، لا يقلقه ثقل الزمن العابر. يروّضه ببيتَين من شعره المَحكيّ: «يمرق العمر ع كتافي أنا شو خصني»، «هيدا الزمان الوهم بيحمل تحت باطه الأرض وبس يروح ما بيرجع". (انتهى الاقتباس.)
من أجوائه نختار ما يلي:
فخّار
نيّال فخارا لهالجرّه
فرحان عندو عيدْ
بيشرب ع طول نبيد
ومِدري خدودو ليس محمرّا
تِخمين بَوّس شي مرا سمرا
تِمّا غِفي ع تمّ هالجرّه
في قصيدة أخرى يقول:
قومي اطلعي عالبال
بغيبتك نزل الشتي
قومي اطلعي عالبال
في فوق سجادة صلا
وال عم يصلّوا قلال
صوتن متل مصر المرا
وبعلبك الرجّال
ع كِتر ما طلع العشب بيناتنا
صار يرعى الغزال
ودّيت مع راعي حماه
يشوف لي الطريق شمال
قاللي الِسنه طالع هوا
بيوقع الخيّال
يا ريت
ما سرّجت الفرس
ولا بَعَتِت هالمرسال.
قصيدة "عالبال" لحنَّها وغنَّاها مارسيل خليفة سنة 2009، سأعود إليها لاحقًا.
الصورة الشعريَّة عنده موحية، مكتملة الأبعاد الفنيَّة، يرسمها بحروف ناصعة لتُؤلِّف مفردات جميلة، يسكبها في جملة شعريَّة مبتكرة لا نجدها في شعرنا العاميّ إلا عند ميشال طراد، وموريس عوَّاد، ولكنَّها عند حيدر تجمع بين مناخات التُّراث والحداثة الشعريَّة، فتأتي بقوالب بعيدة عن التقليدية الزجليَّة المجترة التي لا تحاكي المرحلة الراهنة مضمونًا وشكلًا. هذه المسألة تحتاج إلى وقفة خاصة، قد أعود إليها ذات يوم.
صدرت لطلال حيدر عدَّة دواوين شعريَّة، منها: "سر الزَّمان" و "بيَّاع الزَّمان" و "آن الأوان"، وغيرها.
فاز شاعرنا بجائزة شعر العاميَّة من اتحاد كتَّاب مصر في دورتها الأولى مناصفة مع الشَّاعر المصري مجدي نجيب. الجائزة تحمل اسم الشَّاعر الرَّاحل فؤاد حدّاد. قيمتها 50 ألف جنيه (نحو 3000 دولار) آنذاك.
وكثيرًا ما لُحّنت قصائده وغنيّت، أجملها في رأيي من حيث الكلمات، واللحن، والأداء، كانت: "لبسوا الكفافي ومشوا/ ما عرفت مينون هن
ما عاد رح يرجعوا/ يا قلب حاجي تعن/ لا مهر جايب حدا/ ولا سرج عم بيرن/ ضحاك سنك ذهب/ خليه يبان السن/ خلِّيك مثل القصب/ كل ما عتق بيحن/ يا حب اسمك حلو/ حنّيتلك تا تحن…."إلخ...إلخ....
استمعنا إلى هذه الكلمات مغناة بثلاثة أصوات: ماجدة الرُّومي، أميمة الخليل، ووديع الصَّافي. باعتقادي أنَّ هذه القصيدة "لبسوا الكفافي ومشوا" لما تحتويه من كلمات ذات علاقة خاصَّة بالتُّراث، أو بعبارة أخرى، ما جسَّدته من مناخ تراثيّ حافل بحركة ريفيَّة محضة، فإنَّ وديع الصَّافي غنَّاها بلحن تراثيّ جاء منسجمًا تمامًا مع المناخ العام للقصيدة، ناهيك عن قدراته الصوتيَّة التي لا يجاريها أي صوت من الأصوات الغنائيَّة على اخلاف ألوانها.
في السّياق نفسه: فهل نجح مارسيل خليفة عند تلحينه لهذه الكلمات، أن يجسّد مناخها التُّراثيّ، مثلما نجح في تلحينه لقصائد محمود درويش مثلًا...؟ ثمّ هل نجحت أميمة الخليل في نقل أجواء هذه القصيدة كما نجحت في أغنية "عصفور طلّ من الشبَّاك" على سبيل المثال لا الحصر؟
للإجابة عن هذا السُّؤال، فقد وضعتُ فيما يلي رابط الأغنية بصوت ماجدة الرُّومي، وأخر بصوت ووديع الصَّافي، ورابط ثالث يحمل صوت أميمة الخليل.
1) ماجدة الرُّومي -لبسوا الكفافي
https://www.youtube.com/watch?v=DzdnLh4oORc
2) لبسوا الكفافي ومشوا: ووديع الصَّافي
https://www.youtube.com/watch?v=ISyMiqZdYLE
3) لبسوا الكفافي ومشوا: أميمة الخليل.
https://www.youtube.com/watch?v=MFdw1OrzZOY
بغض النَّظر عن الذَّوق الفنِّي الذي يجعل صاحبه يُعجب بهذا اللحن أو ذاك مِمَّا تقدَّم، إلَّا أنَّ هذه القطعة الشعريَّة التي أبدعها طلال حيدر، "لبسوا الكفافي" تُصوِّر القلق الإنساني من المجهول خاصة أنَّ الذين "لبسوا الكفافي ومشوا" لم نعرف من هم، وإلى أين يتَّجهون، وما يزيد من قلقنا أكثر، هو ذلك الصَّمت المريب، وذلك الجُّمود،"لا مهر جايب حدا/ ولا جرس عم بيرن"، ولعلَّ هذا السُّكون الغريب عن الأجواء القروية في جبل لبنان التي وصفها مارون عبود في كتابة القيم، (الشعر العامي) حين قال: (ص: 27، نسخة إلكترونيَّة)، "في هذا الجبل موسيقى داخليَّة لا تنقطع أبدا، موسيقى بعيدة القرار، فمن غابة تُوَشْوِش وّتُهَمْهِم، إلى واد يترنَّم، ومن نهر يثرثر، إلى كهوف ناطقة كالببغاء، أنغام أجراس كبيرة وصغيرة، ومنها ما يتأرجح في القباب، ومنها ما ينوس في الرقاب، رقاب الدواجن على اختلاف أنواعها، رنَّات تحيا وتموت رويداً رويداً، موسيقى آبدة لها طعمها ولونها، لا تطفر على الذرى حتى تهبط إلى الأودية، فتتغلغل في ثناياها قاطعة طريقها إلى اللانهاية." . (انتهى الإقبتاس).
أرى أنَّ حالة الصمت الخارجة عن المألوف في ذلك المناخ الحافل بأصوات موسيقيَّة متعددة المصادر، هي ما دعت شاعرنا أن يبوح بمثل هذا البوح الجميل الذي سحر الأصوات الغنائيَّة، فتسابقت على تلحينها وغنائها، مثلما سحرت أيضًا ألباب الجمهور، وفي اعتقادي أن هذه الكلمات تحتاج إلى لحن ملحمي يعكس أجواء القرية التي انطلقت منها هذه القصيدة، ومن ثم الأغنية، وذلك بالإضافة إلى ما أبدعه الصَّافي حين صدح بها فسحرنا، وشنَّف آذاننا بالطَّرب الأصيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة