الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الدول . وثقافة الشعوب

عبد الخالق الفلاح

2024 / 3 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


من اهم الطرق لايجاد العلاج عبر وسائل صحيحة عند الإصابة بعلّة من العلل، ومن افضل الطرق هو نحدّد مصدر هذه العلّة ومكامنها. ولعلّ من البديهي أن نعترف أن عالمنا اليوم يعاني أزمة حادة في ثقافته وخاصة الامة الاسلامية التي تنتمي لها الامة العربية، تسبّبت في تعطيل نهضتها، وفقدان مناعتها وتعرّضها الدائم لتيارات داخلية وخارجية، حوّلتها إلى بؤرة صالحة لكل أوبئة النكوص والتخلّف. حيث لم تتهيّأ لها أسوار إرادية حامية وراعية لمنجزاتها، أي لم تستكمل تكوين البنية الأساسية لترفع عليها بناءها النهضوي الصحيح.
إن الصدمات المتلاحقة التي تعرّض لها عالمنا منذ الغزوات الاستعمارية، وما أعقبها من نكبات وهزائم وثورات مجهضة وحروب أهلية ضروس، لم تفلح في إطلاق أبسط شرارات الانبعاث لتوليد واقع متغيّر، ولم تتمكن من إحداث الهزّة المطلوبة في حدودها الدنيا لإنتاج نهوض طبيعي، إنما قادت إلى أزمة زلزال كارثي وليس إلى انتكاسة مرحلية، كما يحلو لبعض المنظّرين القوميين تجميله.
إن الشعوب التي تغيب عنها ابواب الوعي تغيب عنها الحياة والصحة، ومن هنا اصبحت الشعوب عارية من أي سقف يحميها ويوفّر لها سبل التنمية والتقدّم وكان انهيار العواصم الثقافية عبر مرحلتين وسميت السقوط الأول والسقوط الثاني، فالعوامل التي أدت إلى السقوط الأول لم تكن قوية كما أنها لم تكن مدعومة خارجيا بينما السقوط الثاني كان قويا تحت قيادة عسكرية وانخراط االسياسيين القدامى ودعم مالي وسياسي خارجي. وهذا يوضح طبيعة السقوط وقوته ويسهل رصد النتائج وتحليل الظاهرة.
أن البذور الأولى الفتيّة لليقضة التي نشطتت في بداية القرن الماضي سرعان ما بدأت تتساقط براعمها تباعًا، ولم تتبلورأيًّا من مسمياتها لتشكّل تيارًا ثقافيًا نورانيًا بنيويًا يشعّ على زوايا المجتمع وطبقاته جميعها، لأن هذه المبادرات بقيت في حيّز تنظيري ضيّق، دون أن تنعكس داخل كينونة المجتمع والإنسان وظلت متلبسة لأنها لم تأتي عن وعي وبقي في إطار نهوض النائم، أو نهوض المذهول المستيقظ هلعًا على وقع الصدمات، وبقي تحت تأثير هول الرعب المغيِّب للوعي، ولم يُحدث يقظة وصحوة حقيقيتين، يمكنهما أن تكملا مراحل النهوض الواعي المؤسّس للتغيير ولعبت السلطات دورا مهما وكبيرة في انهيار الثقافة في الكثير من البلدان، بسبب كون ان السلطة اقرب إلى ان تكون تجسيداً عملياً لرؤية مصلحية محدّدة، تسعى إلى تثبيت الواقع واعادة انتاجه وتسييد مشروعيتها فيه، بالممارسة الجزئية والآنية. وكانت ولاتزال لكل سلطة ثقافتها المعبرة عن رؤيتها ومصلحتها تسهم في اعادة انتاجها وتسطيرها وفق مفاهيمها ومقايسها، "يكرس الطاغية والنظام من حوله جهدهما لإقناع الناس بأن ما يمارسانه هو استبداد ضروري للمجتمع من أجل الاستقرار. البلد يتعرّض للكثير من المؤمرات الخارجية التي تُخترع بالمئات وتُستعرض أخبارها الكاذبة، ما ظهر منها وما سوف يظهر، من أجل خلق حالة من البارانويا والهستيريا لدى الناس. يعلّق الدستور. تُفرض أحكام عرفية. ربما تستمر الحالة عشرات السنين." عن طريق اجهزتها الايديولوجية على حد التعبير المشهور للفيلسوف الفرنسي ألتوسير. وفي هذا الصدد يعتقد العالم ان لكل ثقافة سلطتها وفاعليتها
،لكون ان الحاكم لا يثق بشعبه. هو يعرف أن الكذب متبادل. هو يكذب لأنه يضمر غير ما يعلن. والشعب يكذب لأنه يظهر غير ما يضمر. القمع يجبر الناس على التخلي عن الأخلاق، وإغلاق الضمير، وفرملة العقل. ينتهي المجتمع الى الإغلاق. يغلق نفسه، يدور حول ذاته، تتعطّل آليات المشاركة، فتحدث الكثير من التشنجات بين النظام وزبائنه وبين المجتمع. فتموت فكرة الدولة، وتنهار بوصلتها وتسميتها.
عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح


.. طفل فلسطيني ولد في الحرب بغزة واستشهد فيها




.. متظاهرون يقطعون طريق -أيالون- في تل أبيب للمطالبة الحكومة بإ


.. الطيران الإسرائيلي يقصف محيط معبر رفح الحدودي




.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية