الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة - هذيان محموم-

ايناس البدران

2006 / 12 / 1
الادب والفن


اية معركة خاسرة سأختار لأبرر اندحاراتي امام نفسي ؟ اي عذر انتحل كي لا اقع فريسة خيبة تورث اشد الناس تفاؤلا الاكتئاب ؟
اعترف ان السعادة لاتأتي من الخارج انما تنبع من الاعماق – الا اذا ربطها ضعفنا بالاخرين او بما هو خارج عن ارادتنا - انها مختزنة داخل عقولنا كالمياه الجوفية بانتظار ارادة تفجرها ، ولعلها نائمة في تلافيف عقولنا كعروق الذهب او مغيبة بأديم ايامنا كأحجار كريمة يصعب فرزها الا بغربال يمتلكه امثالك !
تسألني هل عرفت السعادة يوما ؟ بصراحة في تلك الايام اجل اعترف اني شعرت ببهاء الكون من حولي وعجبت كيف لم الحظ من قبل كل هذا الجمال .. بل كدت اعتذر للدمامة لأن جمالها لم يظهر لللعيان كما يجب . كان لدي شعور بوجود من يشاطرني حياتي افكاري دهشة ايامي التي صارت تتدفق دافئة كالحليب احتفاء بحياة جديدة .
لا انكر جنون ذلك الاحساس حين رغبت في الانطلاق كسهم بأتجاه الشمس قاطعا كل تمددات التردد التي لم تسمح لي قبلا بالاقتراب من الخطوط الحمراء .
اجل هذه المرة كان الامر مختلفا ، لقد قمنا انا وانت بتدريب طويل في الصبر على فوضى العدم وكان لنا وهم ان نعيش في عالم يدعي الحياة .
انجذبنا لخدعتها انجذاب الفراش للهب ، واندلقنا بسذاجة جدول غرير انحدر سراعا ليفرغ ماء قلبه في جوف نهر لعوب ، دون ان يتوقف برهة لسؤال نفسه هل رآه النهر هل شعر به ؟ لكأن قدرنا فرحة الظمآن في البيداء لمرآى سراب ؟ فهل بمقدورك تتخيل شعور رجل في الاربعين يعاقر الحزن والتدخين ، راهن بحياته كلها على امل خادع ؟
قبل لحظات كدت تتسرب مني كماء في مغربال .. اية قسوة جامحة تحملين في اعطافك ايتها الحياة ؟ الان تتململ تئن وانت تحت رحمة هذه الاجهزة المعقدة ما بين انبوب اوكسجين وزجاجة مغذ .. وتريدني ان اجاريك في اندفاعك المجنون ، لاتحاول اطلاق افاعيك الناعمة تجاهي بقصد الالتفاف حولي وتكبيلي من جديد .
ان ماحدث كان رهيبا زلزل الارض وكاد ان يلقي بكلينا في اتون التهلكة ، لذا قدرت ان انزوائي انما هو انعطافة عاقلة لقصة لم يقدر لها ان تنتهي نهاية سعيدة ، فالنوايا الطيبة لوحدها لا تكفي كما تعلم ، وقد تجرح .
ها انت تهمس ثانية بجمل مثل ( ان تكون او لا تكون ) اجل قد تواجه لحظة تكون الفصل بين ان تبقى مسمرا مكانك كالأبله على حافة النهر ، او تقفز نزقا بثيابك عندئذ ، ستكون اما م خيارين لاثالث لهما فأما ان تمضي سابحا مقاوما شدها لك بأتجاه القاع ، او ان تتخلص من اغلبها وعندها سيكون الامر مضحكا ومثيرا للشفقة معا .
كان بودي لو اشعل سيجارة لكنني مضطر لمراعاة وضعك الصحي .. أتدري .. أتساءل احيانا اذا ما كان لزما علينا معاناة الموت ليولد فينا انسان جديد ، انسان بمقدوره النظر بعيني خبير لما حوله ، يمتلك ارادة الرفض او الاختيار والتغيير لقوالب باتت تهدد بسحق عظامه واعتصار آدميته دون ان يخشى ( الاخرين) ممن يطلقون على هكذا مغامر مسميات مجحفة مثل ( الخروف الاسود او المغرد خارج السرب ) اما انا فأعني به نفسا جديدا للحياة ونبضا باهرا يستحق الاحتفاء والتبجيل . سأسرك امرا في سورة غضبي فكرت ان احرق الدغل اخضر واظل قربه حتى يخنقني بدخانه .. آه غدوت اتنفس بصوت مسموع .. حتى التنهد صار عبئا ... المهم في لحظات بعينها ينتاب المرء شعور بأنه مقطوع عن كل ما يربطه بالعالم .. سائب في فراغ زئبقي ، مكشوفة جذوره للريح .
أتعلم ان الاشجار تظل سامقة بكبرياء حتى وهي تعلم انها تموت ؟ لذا اخترت ميتتها ، كأنها لاتعبأ بالموت ولا تخشاه بل تراه نتيجة حتمية لتداعيها بفعل الزمن ونحن اولا واخيرا ساعات بيولوجية اقتت على موعد بعينه ، ولكن قل لي بربك لماذا نحتاج الحب اكثر كلما اقتربنا من الموت ، ولماذا لانجده حين نحتاجه ؟
لا اكتمك اكثر من مرة فكرت بصب جام غضبي عليك بأعتبارك صديقي القديم اللدود لكنني قدرت انك مضخة في النهاية ولعلك ضحية مثلي ضحية سراب آسر خادع .
أكاد اسمعك تنشج وتنتفض وانت تنبري لتكديس الاعذار كعادتك .. لن تكسب تعاطفي هذه المرة لا تحاول ، لذا كف عن التباكي .
حقيقة لم يعد بمقدوري المضي في تبجحي حتى النهاية .. انه لقاس ان تسمو بمشاعرك حد الذرى لتجد نفسك ملقى في قاع بحر مالح بلا ماء ، مجردا الا من الحقيقة المرة ، عاجزا عن اتمام ما بدأت والأدهى من كل هذا .. ان تموت وحيدا ..
اوه .. لا ... لا احب كلمات المواساة .. مريح ان نتقبل النهاية برحابة صدر دون ان نغرق انفسنا وسوانا بسيل من الاسئلة الساذجة او الدموع البلهاء ، اذ من حقنا ان نستريح .. كل شيء اماميا بات واضحا شفيفا كدمعة ، الآن سأتركك لترقد بسلام ، اما انا فمعذرة لانني لن ابكيك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي