الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النسوية وعي نسوي بالواقع و حركة للتغيير

إلزا ساسين

2024 / 3 / 6
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي 2024 - أوضاع المرأة في الحروب والصراعات وكيفية حمايتها، والتحديات التي تواجهها


لان تحرر النساء من كل أشكال الاستلاب والعبودية ، و في مقدمتها الاستلاب العقائدي و العبودية الجنسية ؛ يبدأ من الوعي بأسباب دونية أوضاعهن الاجتماعية ، فلابد للمرأة من الوعي بأن تحررها كإنسان أنثى ، مرهون بتحررها من اشتراطات بنية مجتمع الاستبداد الذكوري الاستغلالي ، المتأسس على قواعد التمييز الجندري .
فلا حرية حقيقية للمرأة إلا بوعي حقوقها الإنسانية أولا ، وبالتالي استقلال إرادتها وحريتها في الاختيار ، ثم باستقلالها اقتصاديا ، لتنفق من دخلها الخاص ، و لا تحتاج إلى الرجل و لا تعتمد عليه في تلبية حاجاتها المادية . و لا حرية حقيقية للمرأة إلا باستقلالية عقلها و تفكيرها ، بالقطيعة التامة مع كل موروث الفكر الديني الذي يزدري النساء و يشيطن الأنثى و يختزل كيانها في جسدها ، و يختزل جسدها في بعده الجنسي ، كأداة متعة للرجل ، الذي هو - في التراث الفكري الديني - سيد مصيرها والقوّام عليها !
إن الوعي هو شرط التحرر ، و تلك هي مهمة النسوية كحركة تحرر و تحرير ، فإن توعية النساء بأسس و أسباب دونية أوضاعهن في مجتمع الاستبداد الأبوي ، هي مسؤولية كل امرأة حرة وعت ذاتها كإنسان أنثى كامل الأهلية ، فاستقلت بتفكيرها عن عقلية القطيع ، و امتلكت إرادتها و قرارها ؛ وذلك انتقالا بالنساء من واقع الخضوع و التبعية ، إلى ثورة اجتماعية للتغيير ، تكون النساء المتحررات - من إرث الماضي و من قيود التابو - في طليعة قواها التغييرية ، وصولا إلى مجتمع المساواة التامة الناجزة على الأرض ، بين المرأة و الرجل . و مع الوعي و الإرادة لا شيء مستحيل .
و إنّ الحركة النسوية بمنظورها العام فكريا واجتماعيا و حقوقيا وثقافيا ، هي حركة نضال لتحرير الإنسان و المجتمع ، من خلال تحرير الإنسان الأنثى ، فلن تكتمل حرية أي مجتمع إلا بتحرر المرأة . و النسوية في خطابها الفكري ، ليست على الاطلاق صراعا تخوضه الأنثى ضد الذكر ، بل ضد الهيمنة الذكورية ؛ في مجتمع اللامساواة ، وفي ثقافة التمييز ضد المرأة ، التي لا زالت بعض مظاهرها سارية حتى في أكثر المجتمعات تقدما .

النسوية في نضالها التحرري ، من أجل غد أفضل للنساء ، تتجاوز بفلسفتها و حراكها العام ، على مسرح الواقع ، سواء في المجتمعات المحلية أم على مستوى المجتمع الدولي ، مجرد السعي لتحصيل حقوق المرأة ، معزولة عن محيطها الاجتماعي ، إلى تحرر المرأة ضمن تحرر المجتمع كله من هيمنة قوى التسلط و الاستبداد السياسي و الاقتصادي و الثقافي ، المتجسدة سياسيا في الطبقة الحاكمة من البلوتوقراط ، و المتمثلة اقتصاديا في نظام السوق الاستغلالي المعولم ، و المعبرة عن مصالحها الطبقية ثقافيا - في مجتمعاتنا المتخلفة - من خلال المؤسسة الدينية الكهنوتية و الفكر السلفي التكفيري .

إن نضال الحركة النسوية التحررية ، مرتبط أوثق الارتباط بنضال الطبقات الشعبية و الحركات العمالية ، من أجل العدالة و المساواة و الحرية ، في مواجهة هيمنة و عسف نظم الاستبداد و الاستغلال الطبقي ، التي تسيطر فيها أقلية ضئيلة - من قوى الاستغلال الاجتماعي - على السلطة و تستأثر بالثروة ، بينما تعيش الاغلبية حياة البؤس و الحرمان ، و خاصة النساء و الأطفال و الأجراء .

و بهذا المفهوم اليساري النضالي التحرري للنسوية ، فإنه لا لقاء للنساء من الطبقات الوسطى و ما دونها ، مع نساء الطبقة الاستغلالية المستبدة بالسلطة و الثروة . و لا مجال للحديث عن قاعدة نضال نسوي مشترك مع نساء الطبقة المترفة اللواتي يعشن حياة استهلاكية خيالية في القصور المحصنة و في المعتزلات السياحية الخاصة ، فهن لا يكابدن ولا يعين معاناة و شقاء أغلبية النساء من الطبقات الوسطى و ما دونها .
و إن المرأة من الطبقة المترفة ، التي تتمتع بحريات كثيرة لا تتوفر لنساء الطبقات المحرومة من حقها في الثروة العامة ، و التي ترتدي فستانا يتجاوز ثمنه مجموع مداخيل عشرات الاسر - المتوسطة - لعام كامل ، لا يمكن لها أن تشعر بثقل الواقع الظالم الذي ترزح تحته نساء الاغلبية الشعبية ، المحرومات من كل الحقوق .
لا لقاء مصالح وحقوق بين نساء أحياء الهاي كلاس و المنتجعات السياحية و نساء الريف و الاحياء الشعبية . و لا ارضية مشتركة للنضال النسوي ، بين نساء الطبقة العليا المترفة و نساء الطبقات الوسطى و المعدمة .

والنسوية بمفهومها اليساري التحرري كحركة نضالية ، تسعى إلى التغيير الجذري للعلاقات الاجتماعية القائمة على أساس ميراث الثقافة البطريركية ، التي بدورها تقوم ، تاريخيا ، على أساس أفضلية الذكر على الأنثى ، بتأثير الغيبيات التي صاغها العقل الذكوري الأسطوري منذ آلاف السنين . و هي بذلك حركة نضال ثوري تقدمي في مواجهة قوى التخلف و الشد الى الوراء ، تنطلق من وعي معطيات واقع دونية وضع المرأة في المجتمع الذكوري ، و هي – من ثّم – دليل على الوعي و نضج الفكر و استيعاب حركة التاريخ و الانفتاح على مستقبل افضل للنوع البشري . و ليست كما يتوهم مَن في قلوبهم مرض ، أو يحاولون الإيهام ، بأنها دليل على " الشعور بالنقص " . بل إن محاولاتهم تلك ما هي إلا شكل من أشكال التعبير عن الشعور بالنقص .

ارفعوا أيدكم عن النساء ، أيها الموتورون المأزومون نفسيا و المشوشون فكريا مناهضو حركة التحرر الإنساني النسوية . فلقد أفاقت المرأة من غيبوبة قرون الهيمنة الأبوية لمجتمع الذكور الاستبدادي ، و لم يعد بمقدوركم إعادتها إلى الصندوق ، فعصر الحريم ذاهب إلى غير عودة ، و لن تستطيعوا إيقاف عجلة التاريخ بضجيج فتاوى القوامة والتحريم أو بمزايدات الأهلية العقلية للذكور مقارنة بالإناث أو بمبرر الفروق البيولوجية بين الجنسين ، فالتجربة تثبت كل يوم وفي كل مكان ومجال ، أن القدرات العقلية للنساء لا تقل بل قد تتفوق عن نظيرتها لدى الرجال ، وأن الفروق الفردية لا البيولوجية هي محك قدرات الأداء واتخاذ القرار على المستويات كافة . والمسألة أصلا هي مسألة تمييز أو مساواة ، و مسألة ثقافة إقصاء تستهدف النساء أو ثقافة مشاركة وتمكين للنساء . وإن المرأة قد وعت قواعد اللعبة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معبر رفح محور توتر بين مصر واسرائيل وضغوط لإعادة تشغيله


.. رفح: القاهرة تتمسك بانسحاب إسرائيل...هل يمكن العودة لاتفاق ا




.. شاشة الجزيرة تستحضر آلاف المفقودين تحت الأنقاض في قطاع غزة


.. غزة.. ماذا بعد؟| في ملعب من باتت كرة الاتفاق المقترح في خطاب




.. القسام: مخلفات كمين سابق استهدف قوة خاصة إسرائيلية