الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطيران في سماء غزة

شوقية عروق منصور

2024 / 3 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


عندما زرت مدينة غزة في التسعينات وتجولت في شوارعها العريضة ودكاكينها ومحلاتها، وذهبت إلى شاطئها و جلست على رملها أتأمل جمال بحرها، كانت الأحلام تمارس لحظات حب مع الأمل لانجاب دولة فلسطينية، دولة لها مذاق الاسترخاء بعد التعب، أما مطارها فقد كان مهرجان تواصل مع العالم واحتضان انتصار قد يرعب أجندات رجال السياسة، ولكن لا بد للحق أن يستفيق من غفوته مهما طال نومه.
تجولت في المطار وشاطرت الرجل الذي كان يشرح لي عن المستقبل وعدد الطائرات التي سيستقبلها المطار رغيف خبز الفرح ، وهمست في سري لقد تعب وطن الأحلام والبارود واللجوء وآن له أن يستريح .
تأملت سماء غزة الزرقاء الصافية، وتمنيت أن أرى غزة من فوق، ولا أعرف لماذا تذكرت في تلك اللحظة، فيلم " الصعود إلى الهاوية " المأخوذ عن قصة حياة الجاسوسة " هبة سليم " التي اعادتها المخابرات إلى مصر وتم محاكمتها واعدامها ، وقد قام الفنان محمود ياسين بدور رجل المخابرات والفنانة " مديحة كامل " التي مثلت دور الجاسوسة أذكر حين حلقت الطائرة في سماء القاهرة قال محمود ياسين " شايفة قديش حلوة مصر من فوق!!
أتذكر تلك اللحظات وأنا أرى سماء غزة الآن يغتالها اللون الرمادي المائل إلى السواد وتنمو على غيومها أصوات الصراخ والنواح وطقوس الرجاء وترتدي طيورها خوذات وسترات واقية للرصاص .
قد تتحمل سماء غزة ثمن المقاومة ومواجهة القنابل والصواريخ والدمار والأشلاء والقبور الجماعية ، ولكن أن تتحمل ثمن الذل فهذه مسألة فيها غسيل للمشاعر والأحاسيس التي أصرت أن تموت واقفة، وفيها اكتشاف لوجوه صارعت الموت وتحدت وتحاول أن تمد جذورها خارج المقابر الجماعية .
هذه المناطيد الرمادية والسوداء التي حملت كراتين المساعدات وكان رميها من الطائرات بعشوائية مقصودة قد اضحكت البعض وقهقه البعض على خطوات الشباب الراكضة والشيوخ والأطفال وهم يهرعون ويلاحقون ويتدافعون محاولين التقاط بعض هذه الكراتين لسد جوعهم، والتشفي بعزيمة الشعب التي تنهار، رأينا جميعنا كيف كانت هذه العشوائية في رميها من الطائرات، صورة مدروسة بدقة وتصميم، كأن كل منطاد يرقص فرحاً من هذه المناظر التي رسموها لإذلال هذه المرحلة ، واعجب لماذا لا تأتي السفن وتنزل هذه الكراتين على الساحل الغزي أو عن طريق المعبر المصري ... هناك عشرات الأسئلة و الطرق والوسائل لكن جميعها تؤكد أن صُناع التوجيهات يعرفون أن الصورة تتغلب على مليون طلقة - لكن أبت أن تذل النفوس الكرام - .
هذه المناطيد قد يتسع لها الفضاء الإعلامي العربي والغربي الذي ينقل الصور ويشعر بعض قادة الدول براحة الضمير والاستسلام أن الواجب الذي يقع عليهم قد قاموا به، وقد تتنفس بعض الحركات الاجتماعية والحقوقية في العالم العربي والغربي بعد أن سقطت أقنعتها المزيفة وجعل مطاردة الكراتين من قِبل الغزيين صورة كسرت قالب الاعتزاز، ولكن يعرفون أكثر أن هناك في داخل الاحتضار من شدة الجوع والخوف والدمار والرصاص خطوات ما زالت تفتش عن أدوات لخلع أنياب غطرسة الطائرات والذين كانوا يرمون الكراتين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح