الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجب القصاص... ولكن

عبداللطيف هسوف

2006 / 12 / 1
الادب والفن


مشيا على الأقدام تحت أشعة الشمس إلى أن بلغا إحدى المقاهي وسط المدينة. ليس أفضل من مشروب بارد ‏يروي عطشهما ويذهب الغم عنهما. كان النور خافتا جدا. تلمسا طريقهما عبر هذه الظلمة المقصودة، ظلمة تخفي ‏وسخ المكان وسفور بنات المقاهي. يغلب على الجو عطر الدرجة الثالثة الذي يفوح من أجساد فتيات كن في عري ‏فاضح. داخل المقهى يطغى الصخب على موسيقى (الراي) التي لم يسلم منها أي مكان. طلبا أغنية لمحمد عبد ‏الوهاب. جاءتهما إحدى الفتيات بقنينتين من مشروب بارد وطلبت أن تصاحبهما إن دعواها إلى الجلوس. أشار ‏إليها عمر بالقبول، فالظاهر أنهن هنا لمؤانسة الزبون. جلست بجانبه، أحس بحرارة جسدها المكتنز ورأى في ‏عينيها دعوة إلى ما يتجاوز الصحبة والمؤانسة. لم يتجاوب معها، ذلك أنه دخل في حديث مع أحمد يعود بهما إلى ‏ذكريات متفرقة عاشاها معا. قامت الأنثى بعد أن تمتمت كلاما غير مفهوم، ثم تركتهما حين تأكدت أنهما لا ‏يرغبان في أكثر من الاستراحة من عناء الطريق وتجاذب أطراف الحديث. وهما يرشفان من مشروبيهما، أخذا ‏يطربان لموسيقى عبد الوهاب ويرددان معه: (مسافر زاده الخيال والسحر والعطر والظلال...).‏
بعد فترة من الصمت، استأنفا الحديث. قال عمر مخاطبا أحمد:‏
‏- ألا تظن أن لمثل هذه التنظيمات الإسلاموية القدرة على تعبئة الجماهير الشعبية وحشد الهمم، مما قد يساعد ‏فعلا على التمرد وزعزعة بعض الأنظمة المتسلطة والفاسدة في العالم العربي؟
رد أحمد:‏
‏- ربما، لكنها ستكون ثورة دامية والنتيجة بعد ذلك لا يعلمها إلا ربك. إن البلدان العربية في حاجة إلى من ‏يسير بها نحو الأمام، لا من يعيدها إلى الخلف. يجب أن نبني على مكتسباتنا ولو ضؤلت. لهذا، فنحن في حاجة ‏لانتقال سلمي من أنظمة فاسدة إلى أنظمة وطنية وديمقراطية حداثية. ‏
قاطعه عمر:‏
‏- لكن، أصحاب هذه التوجهات يقولون إنهم ينشدون العدل وتقسيم الثروات بالقسطاس.‏
صاح أحمد محتدا:‏
‏- ومتى رأيت من يتطلع إلى الحكم يقول غير هذا الكلام؟ إنهم دائما يقابلون الخير للشر، العدل للظلم والغنى ‏للفقر، وما أن يتقلدوا مسؤولية الحكم حتى يتقمصوا شخصيات أخرى غير تلك التي ظهروا بها في البداية. ‏
حين دقت الساعة السادسة مساءا، غادر عمر وأحمد المقهى. لم يكن الجو يجنح نحو الاعتدال، لكنهما لم يسأما ‏من استرجاع ذكريات الصبا المثيرة، فقررا المشي على مقربة من الشاطئ. كانت رائحة ملح البحر تغزو أنفيهما ‏لتعود بهما إلى ذكريات الأمس البعيدة. في أحد أيام ثاني عيد الأضحى حين خرج المنظمون في الشبيبة الإسلامية، ‏بمن فيهم الأشبال، إلى ضواحي الدارالبيضاء في الخلاء الممتد بين منطقة الذروة ومديونة. كان العدد يفوق ‏الخمسين. مر اليوم في الحلقات التعليمية والمبارزات الرياضية. وفي لحظة من لحظات الاستراحة، تنبأ (الأمير) ‏إلى سيارة رونو كانت تنحرف عن الطريق لتدخل الغابة وتحتمي بين الأشجار من العيون المتلصصة. تم الاتفاق ‏على إرسال عمر للتقصي. عندما عاد، أخبر أمير الجماعة أن هناك رجل يختلي بامرأة داخل السيارة، يحدب ‏عليها ويقبلها وربما... انتصبت فرائص الجميع وتوجهوا بعصيهم وسلاسلهم الحديدية إلى السيارة الرونو. تبعهم ‏الأشبال حدو النعل للنعل. ولولا أن انتبه السائق ومن تصاحبه إلى الجماعة قبل أن يتمكن أفرادها منهما لحدث ما ‏لم يكن في الحسبان، ولربما أقاموا عليهما الحد بالجلد أو بالرجم... انطلقت السيارة في سرعة جنونية نحو الطريق ‏وبقي الإسلاميون في مكانهم بضعة دقائق يتوعدون متجهمين حتى استوثقوا من اختفاء السيارة الرونو عن ‏الأنظار. ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل