الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعويم الجنيه لتغرق مصر

إلهامي الميرغني

2024 / 3 / 7
الادارة و الاقتصاد


منذ ديسمبر الماضي ساد الأسواق المصرية ترقب مشوب بالحذر وتوقعات بتعويم قادم لا يعرف التجار والمستوردين نسبته وقيمته بما دفع لتفجر موجة غلاء عنيفة رغم تقرير الجهاز المركزي الذي بشر بانخفاض التضخم في يناير2024 مقارنة بديسمبر 2023. وقد وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلي 70 جنيه واصبح التجار يتعاملون علي اساس هذا السعر باعتبار انهم لا يعرفون متي يتم التعويم وقيمته ولذلك يتحوطون برفع اضافي في الاسعار في ظل غياب كامل لرقابة الحكومة علي الأسواق وانفلات الغلاء وتعليق الأزمة علي شماعة جشع التجار، وأهمال الفساد الذي ينخر في جسد الوزارات والأجهزة، وتحسباً لدورة شراء جديد بأسعار ما بعد التعويم.
مع توقيع صفقة رأس الحكمة والحديث عن ضخ 35 مليار دولار علي دفعتين بدأ التحرك لتقليل الفرق بين سعر البنك المركزي وسعر السوق السوداء وبالفعل حدث إنخفاض في اسعار الصرف نتيجة تدخل الحكومة وضخ دولارات في السوق للسيطرة علي انفلات الاسعار في السوق السوداء.
وأخيراً وبعد طول انتظار وارتباك أعلنت الحكومة اليوم عن تعويم الجنيه المصري وتخفيض قيمته ب 35% ليصل إجمالي التخفيض في قيمة الجنيه امام الدولار من مارس 2022 وحتي مارس 2024 ما نسبته 115% . بل ويصل التخفيض منذ توقيع قرض الصندوق في نوفمبر 2016 الي 193 % .
عقد مجلس الوزراء صباح اليوم مؤتمر صحفي بحضور ممثل الدائنين وهو صندوق النقد الدولي أعقبه مؤتمر صحفي مساء اليوم لمحافظ البنك المركزي. وبناء علي ذلك أعلن الصندوق صرف الدفعات المتأخرة من القرض الأخير وزيادة قيمة القرض الجديد الذي طلبته مصر من 3 مليار دولار إلي 8 مليار دولار (400 مليار جنيه ) مع قرض إضافي خاص بمواجهة التغيرات المناخية بقيمة 1.2 مليار دولار لتصل اجمالي قيمة قرض الصندوق الي 9.2 مليار دولار ، وهو يسمح للحكومة بالحصول علي قروض إضافية من بنك التنمية الأوروبي وبنك التنمية الأسيوي وبنك التنمية الإفريقي وبنك التنمية الإسلامي ومجموعة البنوك المشاركة للبنك الدولي في توجهاته الاقتصادية نحو الدول المختلفة .
وعلي مدي ساعات اليوم شهدت الفضائيات والمواقع الإخبارية عشرات الأراء حول أهمية القرض ودوره وأنه بجانب بيع رأس الحكمة يمثل نقلة اقتصادية لمصر . وهو ما يحتاج منا للمزيد من التدقيق .
ديون مصر
أغسطس 2023 نشر الاستاذ عماد الدين حسين رئيس تحرير الشروق وعضو مجلس النواب أن الديون المحلية 6.8 تريليون جنيه والديون الخارجية 165.3 مليار دولار وفوائد الديون 14% من الناتج المحلي و أعباء الديون إلي الإيرادات المتاحة 113%. أي أكثر من الإيرادات
كانت موازنة مصر 2023/2024 قد أعلنت ان مصر خلال العام مطالبة بسداد 1120 مليار جنيه فوائد للديون و 1316 مليار جنيه أقساط بإجمالي بلغ 2436 مليار جنيه تمثل 20.6% من الناتج المحلي و 56% من إجمالي استخدامات الموازنة.
وقد أعلن صندوق النقد الدولي تعديل حجم توقعاته لديون مصر في 2022 إلي 172.1 مليار دولار وفقاً لموقع وزارة المالية.
https://arraf.app/news/ozyr-almaly-ankhfad-algnyh-yzyd-ahtyaty-aldolar-oyrfaa-aldyon
كان البنك المركزي جمع الأسبوع الجاري، ما يزيد على 185 مليار جنيه في طرح لأذون خزانة بآجال متعددة، نيابة عن وزارة المالية، استمرت الفائدة عليها في الارتفاع، لتتجاوز 30% في الأذون لأجل عامٍ، كأعلى عائد على الإطلاق، بحسب بيانات البنك المركزي. وهو مستمر في التمويل بالديون .
لذلك توجد عدة حقائق مرتبطة بالديون يجب مناقشتها ومنها:
- أن الديون في 2022 بلغت 172.1 مليار دولار ولا نعرف حتي الان قيمتها في نهاية عام 2023.
- بفرض نظري ان مصر لم تقترض في 2023 ( لسهولة الحساب) فإنها اضافت اليوم 9.2 مليار دولار لتصبح ديونها 181.3 مليار دولار.
- القروض التي اقترضتها مصر بسعر 18 جنيه او 23 جنيه او 30 جنيه مطالبة بسدادها بسعر 50 جنيه او 45 جنيه لا نعرف حتي الآن.
- ولو فرضنا ان القروض الخارجية 181.3 مليار دولار وسعر الصرف الآن 50 جنيه فذلك يعني اننا مطالبين بسداد 9065 مليار جنيه ( 9 تريليون جنيه ) بدون إضافة قروض 2023. بجانب 6.8 مليار جنيه ديون محلية يعني نسدد قروض تزيد علي 15.8 تريليون جنيه فهل هذا مكسب اقتصادي مع ربطه بسلسلة الأطروحات والاستحوذات علي الأصول والأراضي المصرية؟! وفقدان الإجيال القادمة لحقها في هذه الموارد.
- أغسطس 2022 صرح وزير المالية لموقع صدي البلد أن كل زيادة جنيه في سعر الصرف يؤدي الي زيادة الديون 83 مليار جنيه . واليوم أرتفع سعر الصرف من 31 جنيه الي 50 جنيه اي زاد 19 جنيه وبذلك ووفقاً لتصريح معيط لصدي البلد أرتفعت الديون 1577 مليار جنيه ( 1.5 تريليون جنيه) هل يعد ذلك مكسب اقتصادي وخروج من الأزمة ام مزيد من الإغراق في فخ المديونية والخضوع لشروط الدائنين.
https://www.elbalad.news/5418495
التعويم ومصادر النقد الأجنبي
منذ اتفاق 2016 مع الصندوق قامت مصر عدة مرات بعمل تحريك لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار . وهو ما نسميه التعويم المدار . لكن اليوم حدث تعويم كامل استجابة لطلبات الصندوق فهل تكفي مصادر مصر من الدخل الأجنبي للحفاظ علي استقرار سعر الصرف وهل تستمر البنوك في توفير النقد الأجنبي لكل من يطلبه سواء للاستيراد او للسفر. أم سنشهد أزمات أخري مثل أزمات الأعلاف التي ادت لارتفاع اسعار اللحوم والدواجن والعديد من السلع الغذائية والأدوية المستوردة ومستلزمات الإنتاج التي عجزت البنوك عن تدبير النقد اللازم لها. إضافة الي ان السعر الجديد سيمثل ضغط علي المصانع المصرية حتماً سيتم نقله للمستهلك النهائي رغم الأحاديث عن كبح التضخم .
لدينا عجز في الميزان التجاري 31.1 مليار دولار و كثير من المشروعات الزراعية والصناعية تعتمد علي مكونات مستوردة وبما يعكس المزيد من الطلب علي العملات الأجنبية. إضافة الي انخفاض عائدات قناة السويس بحوالي 47% نتيجة الإضطرابات في البحر الأحمر وتراجع تحويلات المصريين في الخارج بأكثر من الثلث. ونأمل ان تعود التحويلات بعد التعويم الي قيمتها السابقة والتي تجاوزت 31 مليار دولار ( الصادرات غير البترولية 13.8 مليار دولار ، الصادرات البترولية 14 مليار دولار ) .
لذلك مالم يحدث نمو حقيقي في مصادر الاقتصاد السلعي الزراعي والصناعي سنظل ندور في نفس الدائرة المغلقة وفجوة النقد الأجنبي لأن قطاع العقار والخدمات لم يوفر الموارد اللازمة من النقد الأجنبي لتغطية كافة احتياجات السوق المحلي رغم كل صفقات البيع والاستحواذ.
رفع سعر الفائدة واوضاع المنتجين
معروف ان رفع اسعار الفائدة في كل دول العالم ربما يكون ربع او ثلث في المية ولكن اليوم تم رفع سعر الفائدة بنسبة 6% وهي طفرة مقصود بها امتصاص فائض السيولة من السوق لتخفيض معدلات التضخم . لذلك أعلن البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة 6% دفعة واحدة على الإيداع والإقراض. وارتفع سعر الفائدة لدى المركزي بعد الزيادة إلى 27.25% للإيداع و28.25% للإقراض، إذ قرر السماح لسعر صرف الجنيه أن يتحدد وفق آليات السوق. كما طرح البنك الأهلي وبنك مصر شهادات بسعر فائدة 30% وفائدة متناقصة.
لم نعرف في اي دولة في العالم ان التغيرات في السياسات النقدية وحدها كافي للإصلاح الاقتصادي. فالمطلوب أحداث تغيرات حقيقية في السياسات الاقتصادية والتوجهات والانحيازات بالاعتماد علي السياسات المالية والنقدية معاً.
وإذا تأملنا أوضاع المنتجين نجد أنه مجبر علي الاقتراض بسعر فائدة قد يصل الي 35% فهل يوجد نشاط اقتصادي يحقق أرباح تزيد علي هذه النسبة وتكفي لتغطية المصروفات وتجديد رأس المال؟ هل يمكن أن يسمي ذلك دعم للقطاع الخاص وزيادة الاعتماد عليه؟
عام 2022 أطلق البنك المركزي مبادرة لدعم القطاعات الإنتاجية بسعر فائدة 8%، في مارس عام 2023 اعتمد البنك المركزي مبادرة لدعم القطاعات الإنتاجية بشريحة تمويلية قيمتها 150 مليار جنيه وبسعر فائدة 11% لتمويل رأس المال العامل وشراء الآلات والمعدات للشركات. ومنذ يومين بناء علي طلب صندوق النقد الدولي واستجابت الحكومة المصرية تم إلغاء مبادرة ال 11% ومعاملة القطاعات الانتاجية بنفس معاملة القطاعات الاستثمارية الأخري كالقطاع التجاري والعقاري.
( اقتصاد الشرق من بلومبرج -عفاف عمار - بنوك مصر توقف دعم الصناعة بالفائدة المخفضة بطلب من "المركزي" – 4 مارس 2024)
مصر لديها اكثر من 6000 مصنع متوقف ومتعثر بخلاف المشروعات المتوسطة والصغيرة التي تكافح لتستمر وفجأة تجد نفسها مطالبة بالإقتراض بنفس سعر الفائدة للقطاعات الأخري تنفيذاً لتوصيات الصندوق. هل هذا الإجراء لصالح الاقتصادي المصري ؟! أو لصالح المنتج المصري؟!
التعويم وعجز الموازنة العامة
أعلن وزير المالية في ديسمبر 2022 أن كل رفع 1% في سعر الفائدة يؤدي الي زيادة عجز الموازنة العامة 32 مليار جنيه .( مصراوي – منال المصري - وزير المالية: كل 1% زيادة في الفائدة تكبد الموازنة 32 مليار جنيه - 7 ديسمبر 2022) واذا فرضنا ان هذه النسبة لم تتغير خلال العامين الماضيين فذلك يعني ان قرارات اليوم رفعت عجز الموازنة العامة للدولة بقيمة 192 مليار جنيه فهل هذا مكسب اقتصادي لمصر والمصريين أم خراب اقتصادي؟!
كما ينعكس ذلك علي مخصصات الدعم في الموازنة والتي كانت 530 مليار جنيه في موازنة العام الماضي. وبما يزيد الاعباء علي الموازنة العامة للدولة خاصة إذا أضفنا إليها أعباء الديون والفوائد بعد التعويم وانعكاسها علي عجز الموازنة.
التعويم والتضخم والغلاء
ونحن علي اعتاب شهر رمضان المعظم جاء قرار التعويم اليوم بدعوي كبح جماح التضخم والتخلص من الضغوط علي الأسعار بينما أعلنت عدة مصادر ان قرار التعويم ، وتخفيض قيمة العملة قد يزيد من الضغوط التضخمية ويضر بالمصريين على المدى القصير.بينما تصريحات رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي ووزير المالية تبشر بعكس ذلك.
مؤكد أن مستوي الاسعار وحركة الأسواق خلال الأيام والاسابيع القادمة ستقدم دليل عملي علي صدق أو كذب إدعاءات المسئولين الذين بشرونا بتخفيض الأسعار وكبح التضخم. ومؤكد أننا نتمني ذلك خاصة ولدينا 33% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر ويعجزون عن تدبير احتياجاتهم الاساسية من الطعام والشراب.
إن قرار التعويم ورفع سعر الفائدة وقرض الصندوق هم جزء من بيع الفنادق التاريخية ورأس الحكمة وأي رؤوس أخري في مصر فهي سياسة واحدة يخطط لها ويشرف عليها صندوق الدين وممثليه الذين شاهدناهم اليوم وهم يمنحون الوزارة شهادة ثقة تزيد الديون والأعباء التي لن يدفعها مصطفي مدبولي ووزارته بل سيدفعها المواطن المصري الذي يكتوي بالفقر والغلاء ، والذي لم تحميه حزمة الحماية الاجتماعية الأخيرة من الدهس والسقوط في بئر الفقر إضافة إلي تحمله هو وأبنائه وأحفاده مسئولية سداد هذه الديون واعبائها. حقاً لقد عام الجنيه المصري لتغرق مصر وشعبها.
إلهامي الميرغني 6/3/2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حسبة برما
هانى شاكر ( 2024 / 3 / 7 - 23:01 )

حسبة برما
____

شكرا استاذنا علي المعلومات و التحليل

لكن بالنسبة للإنسان البسيط الذي يجري علي قوته اليومي و قوت عياله ، ممكن نلخص له ما حدث إبان حكم الرئيس السيسي ببساطة أن:

كل سنة من سنوات حكم السيسي ، مصر بترجع ورا سنتين

صح؟

ي مصيبة سودة يا جدعان!




2 - حقيقه البلد
على سالم ( 2024 / 3 / 8 - 02:35 )
مصر المسكينه بيتحكم فيها عصابه من لواءات الجيش العره الفاسدين الانذال الحمير , هذه عصابه من اللصوص والمجرمين والبلطجيه والقتله والاونطجيه ؟ هم اكيد لايفهموا شئ بسبب انهم جهله وتنابله وراسبين فى الدراسه واغبياء وبهايم واوباش وعربجيه ونصابين ؟ دول كان قدمهم اسود


3 - لإتمام الفائدة من المقال
طلال بغدادي ( 2024 / 3 / 8 - 12:47 )
ياحبذا لو أشار السيد الكاتب إلى نسبة الفائدة على قروض صندوق النقد الدولي وكذالك نسبة الفائدة على أدوات الديون الاخرى مثل أذون الخزانة المصرية،،،إلخ

اخر الافلام

.. كيف هي العلاقة بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية؟


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة


.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24




.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و