الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إقليم كوردستان، إفلاس السلطة وعجز الحركات الاحتجاجية

نادر عبدالحميد
(Nadir Abdulhameed)

2024 / 3 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


إن مزيجا من إفلاس السلطة وعجز الحركات الاحتجاجية لفرض التراجع على هذه السلطة إن لم نقل إزاحتها، يرسم في الوقت الحاضر ملامح الأوضاع العامة؛ السياسية - الاقتصادية والاجتماعية - الثقافية لإقليم كوردستان العراق بكل تعقيداتها.

يتجلى إفلاس السلطة، ليس فقط في عشرات المشاكل العالقة بين (حكومة الإقليم) والحكومة المركزية والتي لم تستطيع ان تجد حلا لها، وليس فقط في جعل الإقليم ساحة عرضات عسكرية لدول المنطقة المجاورة عن طريق القصف الصاروخي والغارات الجوية شبه اليومية، وليس فقط في عدم تمكنهم من تشكيل حكومة موحدة والحفاظ علی الوحدة الإستراتيجية بين حزبي السلطة (الطالباني والبارزاني) وخراب ما يسمی ب"البيت الكوردي"، بل والأهم من كل ذلك يتجلى في رمي هذا المجتمع في اتون ازمة إقتصادية إجتماعية خانقة؛ حيث أفلست أكثر من ثلاثة آلاف من الشركات والمشاريع الإقتصادية، وعجزت (حكومة الإقليم) عن دفع أجور ورواتب عمال وموظفي القطاع الحكومي، وبذلك توسعت دائرة البطالة والفقر بشكل رهيب، وإنتعشت الأفكار والتقاليد الرجعية وانكمش مناخ التمدن وضيقت حقوق المرأة ومكانتها كإنسان في المجتمع وأغلقت الأفق لدى الشابات والشباب في حياة كريمة، وبالنتيجة لجوئهم إلى الهجرة إلى الخارج أفواجا، من أجل التخلص من ظروف الحياة البائسة التي خلقتها وفرضتها عليهم سلطة البرجوازية القومية الكوردية.

هذه الأوضاع، إذ نظرنا إليها نظرة سطحية، فإننا نراها كصورة فوتوغرافية ساكنة، لكنها في الواقع هي لحظة تاريخية عابرة وحصيلة عملية تأريخية وديناميكية حيوية لصراع اجتماعي طبقي بين مسارين تاريخيـين في هذا الإقليم، صراع خلق ظرفا موضوعيا ثوريا، ولكن لم يتحول إلى أزمة ثورية متمكنة من إزاحة السلطة وقلب الموازين.

المسار الأول:

1- إعادة انتاج الإقتصاد والسلطة في إقليم كوردستان

احد هذين المسارين اللذين أوجدا هذا الوضع هو تطور الرأسمالية، وإندماج رأس المال والرأسماليين وبرجوازية إقليم كوردستان عموما وسلطتها وحكومتها مع مثيلاتها من الدول الرأسمالية والسلطات البرجوازية في شرق الأوسط (تركيا و ايران ودول الخليج) واندماجها كذلك مع السوق الرأسمالي العالمي ومع إستراتيجيات البرجوازية الامبريالية العالمية.

أصبح هذا الإقليم اليوم جزءًا لا يتجزأ من العالم الرأسمالي المعاصر ومندمجا معه وبالضرورة خاضعا لقوانين هذا النظام الرأسمالي العصري كتشكيلة اقتصادية واجتماعية-سياسية. إن تحليل أوضاع كوردستان العراق واستنتاجاته سوف لن يكون واقعياً وصحيحاً ما لم نضع هذه الحقيقة بنظر الاعتبار.

الحركة القومية الكوردية، كحركة اجتماعية سياسية؛ بأحزابها في السلطة والمعارضة، وبجناحيها اليمين واليسار وبالتحالف مع الإسلام السياسي وتعاونه دفعت بهذا المسار، أي مسار عملية تطور الرأسمالية وإندماجها مع رأسمالية دول المنطقة والعالم وإستراتيجياتها السياسية والأمنية وذلك رغم وجود خلافات في الرؤية والإنتماء للكتل والأقطاب المتضادة العالمية والإقليمية.

في منتدى الطاقة العالمي يومي (٢٧ و٢٨ آذار ٢٠٢٢) في دبي، وفي القمة العالمية للحكومات بعد المنتدى في (٢٩ و٣٠ آذار)، أعلن رئيس حكومة الإقليم (مسرور بارزاني) عن استعداده للمشاركة في سد نواقص سوق النفط والغاز والطاقة في العالم، خاصة بعد إندلاع الحرب في أوكرانيا. هذا في حين تقوم جماهير كوردستان، ومنذ بداية خريف من كل عام، بتنظيم اعتراضات ومظاهرات ضد عدم توفر النفط والغاز والوقود في الإقليم لسد حاجاتهم اليومية، حتى بسعر أعلى من سعر السوق العالمي، وهذا خير دليل بأن النظام الإقتصادي للإقليم هو جزء عضوي من السوق العالمي ويتجه نحو تأمين حاجات الرأسمال والرأسمالية العالمية، وليس وموجها لتلبية حاجات المواطنين في هذا الإقليم.

ليس فقط، إقتصاد الإقليم، الذي يتم إعادة إنتاجه عبر تكامله مع النظام الرأسمال العالمي، بل بقاء وأمن حكومة الإقليم ومصير الأحزاب الحاكمة وكيان هذا الإقليم "الفيدرالي" كليا، مربوط بقوة بمصالح القوى الإقليمية والإمبريالية الغربية، وتحديداً بالمصالح الاستراتيجية للإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط. إن الأحزاب الحاكمة في كوردستان العراق يضمنون بقاءهم وإدامة سلطتهم في الفجوات الحاصلة بين الصراعات الجيو-سياسية الإقليمية والعالمية المتمحورة في منطقة الشرق الأوسط.

هذا واليوم، وبغض النظر عن موجة المظاهرات والاحتجاجات الحاشدة المطالبة بالتحرر من قبضة الأحزاب الحاكمة، فإن هذه السلطة حتى وفقا لمعايير البرجوازية، لا تتمتع بأية شرعية داخلية؛ ولا يظهر ذلك فقط في مقاطعة غالبية الجماهير للانتخابات، بل أيضاً في تعامل الأحزاب الحاكمة وحكومة إقليم كوردستان مع البرلمان كمؤسسة شكلية، فارغة وفاسدة.

هكذا يعاد انتاج اقتصاد الإقليم وسلطته السياسية كما يلائم المصالح الاقتصادية والاستراتيجيات السياسية والعسكرية والأمنية للقوى الإمبريالية العالمية والإقليمية في شرق الأوسط.

2- التخطيط المدروس لفرض النيو ليبرالية الاقتصادية علی الجماهير

إن سلطة أحزاب الحركة القومية الكردية منذ (١٩٩١) وحتى سقوط النظام البعثي في (٢٠٠٣)، رغم أنها لم تتردد في اتباع أجندة السوق الحرة وتعزيز القطاع الخاص والشركات الأهلية لنهب ثروة المجتمع، لكنها وبسبب الحرب الأهلية والصراعات الداخلية والأوضاع المعلقة في وقتها في تسعينيات قرن العشرين في كوردستان العراق، لم تتمكن من أتباع السياسات الاقتصادية للنيو ليبرالية (أي الخصخصة) بشكل مخطط ومدروس، لذلك قامت بها بعد (٢٠٠٣).

كان إقرار قانون النفط والغاز عام (٢٠٠٦) خطوة مهمة باتجاه تنفيذ هذا المخطط. ثم نتيجة للصراع بين حكومتي الإقليم والمركز، تم اقتطاع حصة الإقليم من الميزانية العمومية العراقية في عام (٢٠١٤)، فطلب (نيجيرفان بارزاني)، الذي كان رئيس وزراء للكابينة الثامنة في ذلك الوقت، المساعدة من (البنك الدولي) و(صندوق النقد الدولي)، حيث عقدوا مؤتمرا في اربيل وبمشاركة الأمم المتحدة في (٢٠١٦) من أجل رسم خارطة وخطة لإقتصاد الإقليم.

يتلخص محتوى هذه الخريطة في نقطتين: الأول هو خفض الإنفاق الحكومي، وذلك من خلال تسليم القطاع العام للقطاع الخاص والشركات الأهلية في أسرع وقت ممكن، وتقليص الخدمات المقدمة للمواطنين، ووقف التعيينات المركزية، وتقليل عدد المستخدمين في القطاع الحكومي، أما النقطة الثانية فهي زيادة الإيرادات الحكومية من خلال فرض شتی أنواع الضرائب والرسوم على المواطنين.

إن الأوضاع الحالية في بداية هذا العام (٢٠٢٤) والتي تظهر كصورة ساكنة، من عدم دفع الرواتب والأجور من قبل حكومة الإقليم والشركات الأهلية للعمال والموظفين، وتوسع رقعة البطالة والفقر المدقع، ونقص الخدمات وتدمير قطاع الصحة والتعليم والكهرباء ... والخ، جميعها نتيجة تبني نظام السوق الحرة والخصخصة، وفرض نهج إقتصادي طبقي واعي ومستهدف للنيوليبرالية الإقتصادية التي جمعت كل ثروات المجتمع في أيدي الشركات الكبرى والمتوسطة بمليارات الدولارات.

هكذا فإن السبب الحقيقي وراء عدم دفع الأجور والرواتب، وإنتشار البطالة والفقر والجوع والمرض وانعدام الخدمات العامة ... ليس عدم وجود الثروة في الإقليم وحاجة حكومة الإقليم لإنتظار وصول حصتها من ميزانية الحكومة المركزية، بل تحديداً نتيجة الاستيلاء على الثروات العامة واحتكارها في هذا الإقليم. وهذه سياسة تتمسك بها وتحميها السلطة السياسية بحكومتها واحزابها القومية والإسلامية وبرلمانها وميليشياتها (البيشمركة) وأجهزتها الأمنية (الآسايش) ومحاكمها وماكنة أعلامها الضخمة. هذه نتيجة طبيعية لتطور الرأسمالية في كوردستان، والذي قسم المجتمع بين قلة تحتكر ثروات المجتمع وتتمتع بالسلطة والحصانة الدولية والإقليمية وبين أغلبية معدومة فرضت عليها حياة بائسة، إنه واقع سياسي طبقي مؤلم.

ومن الأمثلة البارزة على هذه الحقيقة، بعد كل هذه السنوات من استخراج وبيع النفط والغاز في السوق العالمية، تقدر ديون حكومة إقليم كوردستان بأكثر من (٣٢) مليار دولار، يبدو أن إيرادات استخراج وبيع هذه الموارد الطبيعية كان للشركات الأجنبية والمحلية، ولم تكن حصة حكومة الإقليم سوى تمويل هذه العملية وتحمل النفقات!!! لذلك تلجأ إلى قطع رواتب الموظفين والمعلمين وفرض شتى أنواع الضرائب على المواطنين وقطع الخدمات عنهم، كي تدفع ديونها. حقا حكومة مخلصة للشركات العالمية والمحلية!

المسار الثاني:

1. الحركة الإحتجاجية، مراحلها وخصائصها

المسار الثاني الذي يمكن عن طريقه إدراك اللحظة الراهنة للوضع السياسي القائم في كوردستان العراق هو إن الحركات الإحتجاجية لمختلف الشرائح والفئات الاجتماعية، رغم إنها تتصاعد بوتيرة سريعة وتتكرر في فواصل زمنية قصيرة، لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة حيث بإمكانها أن تفرض تراجعا على السلطة في الإقليم وتضع حدا لبطشها وتطاولها على حياتهم. هنا من خلال البحث عن بعض خصائص وسمات الحركة الإعتراضية ومراحلها المختلفة نحاول أن نفهم لماذا غير قادرة على المضي قدما وما العمل؟

جدير بالذكر إن الجماهير الكادحة والمطالبة بالحرية لم تقف مكتوفة الأيدي تجاه الآثار المدمرة والمجحفة بحقها للسياسات المفروضة من قبل سلطات الإقليم، بل عبرت عن استيائها عن طريق تنظيم الاعتصامات والمظاهرات. كما واتسمت حركاتها الإعتراضية بخصائص معينة في مراحلها الثلاثة التي مرت بها؛ مرحلة (١٩٩١٢٠٠٣) ومرحلة (٢٠٠٤٢٠١٤)، ومرحلة ما بعد (٢٠١٤لحد الآن ٢٠٢٤).

هنا لا ندخل في هذا الموضوع، بل ما يهم بحثنا ونود ذكره هو الدور النشط لشريحة المثقفين الليبراليين القوميين في المرحلة الثانية (٢٠٠٤٢٠١٤) والتي رافقت ليس فقط الإزدهار الاقتصادي والإجتماعي والثقافي، بل وكذلك رافقت إزدهار فساد لا مثيل له، وذلك نتيجة حصول الأحزاب الحاكمة (حزبي البرزاني والطالباني) على إيرادات هائلة من الميزانية المركزية للعراق (علاوة على الإيرادات الداخلية والمساعدات الدولية)، والتي بدورهما قاما بتوزيعها على كبار التجار والمقاولين وأصحاب الشركات والمشاريع الاقتصادية، كما وقاما بشراء الشخصيات ورؤساء العشائر وتوزيع الملايين من الدولارات ومساحات هائلة من الأراضي العقارية في ضواحي المدن على حفنة من المقربين لهما ... وبنا قصورا وأحياء سكنية فاخرة لمسؤوليهما، والمعروفة في كوردستان ب(أحياء الفراعنة) .. بالمقابل تفاقمت معاناة الجماهير الكادحة خاصة في الأحياء الشعبية الفقيرة تحت وطأة الفقر والبطالة وغياب الخدمات الأولية والضرورية للحياة، كما وازدادت شكوى شريحة المثقفين والمدافعين عن الحرية بسبب ازدياد وتيرة القمع وتقييد حرية التعبير ومنعهم من فضح فساد أحزاب السلطة.

بدأت موجة من المظاهرات ضد غياب الخدمات الضرورية في (أيلول/ سبتمبر ٢٠٠٦) أعقبتها موجة اخرى بعد اغتيال الصحفي الشاب (سردشت عثمان) في (آيار/مايو ٢٠١٠)، وذلك ضد أعمال القمع المتكررة لكتم أفواه الكتاب والإعلاميين والصحفيين، أما إنتفاضة (١٧ شباط ٢٠١١)، المتزامنة مع ثورات "الربيع العربي" والتي دامت شهرين، كانت ذروة الحركة الاحتجاجية في هذه المرحلة، ولم تثمر وتم قمعها، هكذا انتهت هذه المرحلة الثانية.

إن شريحة المثقفين الليبراليين القوميين، التي طالما جاهدت لتضمن إدغام الحركة الكوردية (كوردايەتي) مع القيم الليبرالية العالمية مثل دولة القانون ونقل السلطة عن طريق البرلمان، كانت فعالة في إحتجاجات تلك المرحلة لإن الظروف الموضوعية من الإزدهار الاقتصادي والثقافي كانت مناسبة كما كانت الظروف الذاتية ملائمة بظهور (حركة التغيير) في (٢٠٠٧) كمعارضة قومية لسلطة الحزبين.

لكن حلم المثقفين الليبراليين لم يدم طويلا، أولا نتيجة تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية بعد عام (٢٠١٤)، إثر قطع حصة الإقليم من قبل الحكومة المركزية، والذي ازداد ثقلا على كاهل العمال والكادحين، فأصبح الطابع الطبقي لهذه الاحتجاجات أكثر وضوحا وتجسيدا، بحيث وضع استياء شريحة المثقفين ضد تضييق الحريات والحقوق تحت ضلاله. وثانيا فشل جهود المعارضة القومية الإسلامية، المتمثلة في تحالف (حركة التغيير) مع الأحزاب الإسلامية لإزاحة الحزبين الحاكمين ودخولهم حكومة الإقليم مع الحزبين، أدى إلى سكب ماء بارد على رؤوس القوميين الليبراليين وخابت آمالهم في إحداث تغيير من الفوق من اجل إيجاد دولة القانون والبرلمان لتداول السلطة. ليس هذا فقط، بل الخوف من تصاعد المزاج الثوري لدى الجماهير، جعلهم مترددين تجاه الحركة الاعتراضية، لذلك اختاروا البقاء في هامشها تحت ذريعة (تجنب العنف).

هذا وفي عملية تاريخية ونتيجة كسب تجربة ذاتية، حصلت تغيرات جوهرية داخل الحركات الاعتراضية في مرحلة ما بعد (٢٠١٤)، حيث لم تعد تعلق آمالا على وعود الإصلاحات من قبل حكومة الإقليم والأحزاب الحاكمة، هذا أولا، وثانيا اكتسبت استقلالها عن أحزاب المعارضة القومية والإسلامية، ولم يعد بإمكان أي من أحزاب هذين التيارين أن يشغل أي موقع قيادي لتوجيه هذه الحركات وفق أجنداتهم. هذا لا ينفي وجود نفوذ لهم داخل هذه الحركات، لكن هذه الحركات قد تحررت من سيطرة هذه الأحزاب القومية والإسلامية ونفوذ الليبراليين القوميين في كوردستان في القيادة والتوجيه.

ومع ذلك، فإن هذا التطور الإيجابي للاستقلالية السياسية لم يصل إلى مرحلة الانفصال عن آفاق وآمال وأهداف تيارات برجوازية؛ قومية ليبرالية وإسلامية، وهذا هو بالضبط العقدة القاتلة للحركة الإحتجاجية طوال مرحلتها الثالثة (٢٠١٤لحد الآن ٢٠٢٤).

باختصار، هناك أزمة اقتصادية وإفلاس حكومة الإقليم والأحزاب الحاكمة، وهناك اعتراضات من قبل شرائح وفئات إجتماعية مختلفة، واعتصامات جماهيرية عامة داخل المدن، مثل ما حدث في (دربنديخان وبنجوين وحلبجة وكفري) ضد الفقر والبؤس ونقص الخدمات وغياب فرص العمل للشباب، بالإضافة إلى اعتصامات عمال النظافة واعتراضات سكان الأحياء الفقيرة وسائقي الحافلات وسيارات الأجرة... كل هذه الاعتراضات تحدث باستمرار من وقت لآخر خارج الأجندة السياسية وسيطرة أحزاب المعارضة القومية والإسلامية، ومع ذلك لم تتمكن من فرض تراجع ملموس وذي مغزى على الحكومة والأحزاب الحاكمة. إنها تنطلق بقوة لفترة من الوقت، ثم دون الحصول على مطالبها تخمد وفي الأغلب نتيجة مواجهتها بالقمع والعنف، ثم تندلع من جديد.. وهكذا تتحرك داخل دائرة مغلقة.

2. المسألة الأصلية هي، ما العمل؟

هناك حركات اعتراضية لفئات وشرائح اجتماعية مختلفة، منفصلة بعضها عن البعض في المنطقة (الخضراء) الخاضعة لسيطرة (الإتحاد الوطني الكوردستاني)، هذا وإن القمع الشديد في المنطقة (الصفراء) الخاضعة لسيطرة (الديمقراطي الكوردستاني) لن يسمح ببلورة الإعتراضات المكبوتة وبروزها على شكل حركات إحتجاجية منظمة كي تواجه الحزب الحاكم من اجل نيل مطالبها، مثلما تجري في المنطقة (الخضراء). إذن نحن أمام نقاط ضعف أساسية للحركة الإحتجاجية في الإقليم.

إن العمل على تنظيم الإعتراضات الاجتماعية المكبوتة في المنطقة (الصفراء) كي تتبلور وتتجسد في حركات ومنظمات جماهيرية وبذل الجهود لتوحيد الحركات الاعتراضية ومنظماتها على صعيد الإقليم وتشكيل اتحاد شامل يضم هذه الحركات ومنظماتها مجتمعة، يكون خطوة مهمة وجادة إلى الأمام. لكننا نواجه هنا السؤال التالي: كيف ومن اين يجب أن نبدأ العمل لتحقيق هذه الخطوة.
إن نقطة البداية لإعطاء إجابة عملية على هذا السؤال هي أن كل هذه الاعتراضات والحركات تنبع من المجتمع الرأسمالي الطبقي في كوردستان، وتحت سلطة أحزاب البرجوازية القومية، وتحديداً نتاج فرض سياستها الاقتصادية النيوليبرالية بالقوة على الجماهير عبر حكومتها في الإقليم، هذا من جهة ومن جهة أخرى من تقوم بهذه الحركات الاعتراضية هم شرائح وفئات مفقرة ومعدومة من العمال والكادحين واللذين يواجهون سلطة تملك بعض عوائلها وأفرادها من المسؤولين الحزبيين والحكوميين بشكل مباشر أو عن طريق الحلقة المقربة منها حصص أغلبية الشركات والمشاريع الاقتصادية في كوردستان.

لذلك نقطة الانطلاق هي العمل على تسليح هذه الحركات الاعتراضية بهذه الرؤيا وهذا الأفق الطبقي لتوجيه بوصلة النضال نحو المصدر الحقيقي والمنتج الاصلي للبؤس المفروض عليها، اي السياسة الطبقية الاقتصادية التي تتبعها حكومة الإقليم والأحزاب الحاكمة بوعي وبشكل مخطط له سلفاً، وهي سياسة النيو ليبرالية التي تدعمها المؤسسات الدولية من (صندوق النقد الدولي) و(البنك الدولي) و(الأمم المتحدة) و(الاتحاد الأوروبي).

كما ذكرنا سابقاً، بالرغم من خروج الحركات الاعتراضية من سيطرة وتأثير الأجندات السياسية لليبراليين القوميين والتيارات والأحزاب الإسلامية بشكل مباشر ولم تعد تنخدع بوعود الإصلاحات من قبل الحكومة، لكن آفاق وآمال هذه التيارات البرجوازية لا زالت سائدة داخل الحركات الاعتراضية، وهذا يشكل الغبار الذي يحجب الرؤية عن توجيه رماحهم نحو الهدف الأساسي ويعرقل عملية تحقيق الانتصار.

بمعنى، يجب العمل على توحيد الحركات الاعتراضية المختلفة، كحركة المعلمين المعترضين، حركة تحرر المرأة، الحركة الثورية للشبيبة والطلبة، حركة العاطلين عن العمل، والحركات الاعتراضية للشرائح المختلفة من العمال ... التوحيد من أجل مواجهة سياسة النيو ليبرالية المطبقة من قبل حكومة الإقليم والمدعمة من قبل الدول الغربية والمؤسسات الدولية. لذلك، ليس فقط حكومة الإقليم والأحزاب الحاكمة في كوردستان، بل المؤسسات الدولية كافة وامريكا واوروبا الموحدة يجب أن تفضح عداءهم المشترك لجماهير كوردستان، وبهذا الوضوح في الرؤيا يجب أن نلم صفوفنا ونوحد قوانا لمواجهة حكومة الإقليم وحلفائها الدوليين.

بالتأكيد إنجاز هذا العمل لا يتحقق فقط عن طريق الدعاية الفكرية والسياسية، رغم أنها جزء مهم منه، بل يجب العمل من داخل هذه الحركات وإقامة علاقات وثيقة مع قادتها ونشطائها وتنظيم جمعيات وحلقات نضالية وعن طريقهم ربط حركات الفئات والشرائح المختلفة ببعضها. ثم العمل على تنظيم حركة شاملة بإمكانها أن تضغط لوقف عمليات خصخصة القطاع العام واحتكار الشركات لثروات الإقليم وفي تطورها أن تصادر هذه الثروات وترجعها إلى الخزينة العامة لتوفير الرفاه للجماهير.

وهذا العمل لا يمكن أن تنجز بصورة مستقلة عن عملية ترسيخ حركة عمالية اشتراكية وأممية وتوحد الشيوعيين والماركسيين في قلبها. فبالدرجة التي تتمكن حركة اشتراكية حزبية قوية وواسعة من الحضور، بنفس الدرجة تكون لعملية توحيد الحركات الاعتراضية المختلفة للشرائح والفئات المختلفة أساس مادي وقوي وتضمن تحررها من الدوران داخل حلقة مفرغة وتلتحم بالحركات الاعتراضية للطبقة العاملة في عموم العراق لخوض حرب حاسمة ضد السلطة الطبقية البرجوازية في العراق.
آواخر كانون الثاني ٢٠٢٤








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال