الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضوء / رواية ...الفصل الرابع

ذياب فهد الطائي

2024 / 3 / 7
الادب والفن


ما قبل ذلك
21 آذار 1961










لم يكن مخططا له أن تكون مجموعات طلابية من اربع من كليات جامعة بغداد في منطقة الصدور شمال بعقوبة في 21 اذار 1961
عشرة باصات ومجموعة من السيارات الخاصة تزدحم في امتداد المجرى الحصوي، ربما خمس مئة من الطلبة بنات وشباب يتوزعون بمجاميع مشتركاتهم فكرية او اثنية ، الطلبة الكرد يدبكون على أنغام كردية وهم بملابس فولكلورية بالوان تضفي ،على منظر المجرى العريض الرقراق وصوت الماء وهو يعبر الحصى الذي يعترضه ، بهجة ملفتة
الشيوعيون يتوزعون حلقات تغني للحزب وللأممية ، ومجموعات صغيرة تناقش الوضع السياسي فيما مجموعات متفرقة ترقص (الجوبي) يتوسطها ضارب طبل كبير وعازف ناي شجي
الماء المتدفق فوق القاع الحصوي يصدر صوتا ناعما وهو يتكسر في المجرى ويتناغم مع ضحكات الفتيات وهن يتدافعن فوق الحصى بمرح يعكس شعورهن بالتحرر من قيود المجتمع
حين قرأت الاعلان عن السفرة في مدخل كلية الهندسة ذهبت مسرعا لأخبر عبد الستار لموافقته على المشاركة ،
قال-نحن أيضا سنذهب
قلت- حسنا سنذهب بسيارتي
كانت لادا روسية اشتريتها قبل شهرين ،
قالت أمي -سأشوي لكم دجاجة بالتنور وعشرة أرغفة أفغانية فقد يشارككم اخرون
قال عبد الستار -الخس والفواكه مسؤوليتي فنحن اهل كرادة مريم اعرف بنوعية الخس
ونحن نتبع باصي كلية الهندسة كانت الطالبات تعاكسنا وهن يخرجن رؤوسهن من الشبابيك ويرمين بقشور البرتقال ،في داخل الباصين تسود أغاني عبد الحليم حافظ تتخللها أغان ليوسف عمر ..(منك يالسمر)
وفي الطريق كانت بعض الباصات لكليات اخرى تتوقف لشراء الخس المعروض على عربات خشبية على امتداد الشارع بعد بضعة كيلومترات من شمال بعقوبة
ونحن ننعطف الى منطقة الصدور كانت مجموعة من الباصات قد وصلت قبلنا، البعض افترش الأرض الحصوية القريبة من الماء وأخرون مدوا أفرشة خفيفة وتحلقوا يصفقون مع أغنية لأم كلثوم تصدح بها طالبة بأقراط طويلة تتأرج حول رقبتها وهي تنسجم من كلمات الاغنية
أنزلت السلة التي هيأتها أمي ، نزعنا أحذيتنا ودخلنا المجرى المائي البارد الذي اشعرنا بقشعريرة خفيفة ...كان عبد الستار يتطلع نحو طالبة كانت تقف وسط المجرى تاركة أطراف تنورتها القطيفة لعبث الماء
كانت طويلة القامة تنتصب وسط المجرى وهي تستمتع بالماء الذي يتدفق مغطيا أعلى الكاحلين ،كانت تشد شعرها الى الخلف بضفيرة تتلى على ظهرها وتتأرج كلما تحركت ،
-فعلا هي مميزة
قلت ذلك ولكزت عبد الستار الذي لم يعلق ولكنه عاد الى السلة المركونة على اليابسة ،أخرج قنينة كولا صغيرة وفتحها ثم ذهب يخوض في المجرى نحو الطالبة
كان في يدها قطعة خبز تقضمها ببطء ،رفعت بعض الماء بكفها لتشربه ولكنها بدت مترددة ، رمت الماء وتحركت خارجة ، اعترضها عبد الستار
-العفو ..هل تسمحين ان أقدم لك هذه القنينة فقد لحظت أنك غير قادرة على مضغ الخبز ولم تطمئني لماء المجرى
نظرت نحوه باستغراب
-فعلا شعرت بالغصة
-حسنا ستساعدك الكولا
كان في عينيها مشاعر امتنان ممزوجة بشيء من الاستغراب
قال عبد الستار-انا في كلية الآداب-قسم الاقتصاد
قالت -وأنا في كلية التجارة والاقتصاد -قسم المحاسبة
قال عبد الستار – أسمي عبد الستار ثجيل
ملأت وجهها الطفولي ابتسامة عريضة ، استغربها عبد الستار
-هل تعرفيني ؟
-لا ولكن اسمك لا يعرّفك على نحو متناغم
-كيف ؟
-أنت رشيق وتصرفك خفيف فلماذا تقبل ان تكون (ثجيل )
-معك الحق وشكرا على مجاملتي ونحن نحمل أسماء لم نستشر بها
-ليس في الموضوع مجاملة تصرفك المهذب يتقدمك ، أما أسمي فهو انتصار الكرخي
من هنا بدأت الحكاية
واستبدلت كافيتريا كلية الهندسة او الآداب بكافيتريا كلية التجارة والاقتصاد لقضاء وقت مشترك في الشواغر الدراسية
تقع كافيتريا التجارة في صالة كبيرة في الحديقة الخلفية للكلية وأصبحت الطاولة في أخر الصالة الموضوعة قرب الشباك الذي يشرف على الحديقة مكانا مفضلا للقاء الذي بدأ أسبوعيا وانتهى كل يوم تقريبا ،كان عبد الستار يقول :ما أثقل يوم الجمعة،
فقد رفضت انتصار اللقاء خارج الكلية
كان عبد الستار الابن الذكر الوحيد لعائلة لديها ثلاث بنات اكبر منه ،توفيت امه وهو في الرابعة ولكن أباه لم يأت بامرأة أب قد تسيء معاملتهم وفضل ان تعتني به اخواته
كان يقول عشت مدللا فقد كنّ الثلاثة يتبارين للاعتناء بي لإرضاء أبي ،ربما هذا ما جعلة رقيقا في تعامله ولكن دون ان يسمح للأخرين دخول فضاءاته الخاصة وأضفى على تعامله شيئا من الدقة والتدقيق
حين يكون الجميع امام التلفاز يتابعون مسلسلة مصرية كان هو يدلف الى غرفة في الطابق الأعلى حوّلها ابوه الى مكتبة برفوف صنف عليها أكثر من الف كتاب حسب المواضيع ،كان قد بدأ ادمان القراءة وهو في الصف الرابع الابتدائي ،كان يستعير كتب ارسين لوبين وروبن هود بأربع فلوس للكتاب من مكتبة على الطريق للمدرسة، ثم انتقل الى اسكندر ديماس الكبير وعبد الحليم عبد الله ، وفي الدراسة المتوسطة انتقل الى مكتبة ابيه وتعلق بالروائيين الروس حيث خصص لها أبوه رفيّن على امتداد ستة امتار
قلت له -كيف تعلقت الى هذا الحد بانتصار ؟
-لا اعرف ولكني اسميه الحب المتكامل
-في المنطق يمكن أن نسميه الحب المطلق
-مهندس مثقف
-هل تعلم اني في مراهقتي كنت شاعرا وقد قلت شعرا في عدد من الفتيات والغريب انهن لم يصدقن كل ما كتبته، ربما كنت أفتقد الى حرارة الصدق!!!
حين تعرضت انتصار لنوبة انفلونزا حادة الزمتها البيت كان عبد الستار يذهب الى كلية التجارة ليجلس الى ذات الطاولة وبعد ان يتناول كأسي شاي يغادر الى كليته في الاعظمية
قلت له -هكذا عمل أرغون في باريس ،الفرق إنه نظم ديوانا لعيون إلزا ولكنك تفكر بالغاز شوم بيتر الاقتصادية ويشغلك البحث عن حلولها عند ماركس ،
كانت السنة الدراسية تقترب من نهايتها ،وكان عبد الستار وانتصار يسابقان الزمن في توطيد علاقتهما، الجو الجامعي في بغداد محتقن وعلى صعيد الكليات كان الفرز للمجاميع الطلابية قد تركز في مجموعتين رئيسيتين المجموعة الأكبر كانت تضم انصار اليسار بحكم تسيد الحزب الشيوعي للشارع العراقي وعلى الجانب الاخر كانت مجاميع التيار القومي والإسلامي حيث يصطف حزب البعث وحركة القوميين العرب وحزب التحرير أما الطلبة الكرد فكانوا يشكلون كتلة تراقب الوضع باهتمام، كان التيار القومي الإسلامي اكثر فاعلية على الساحة الطلابية بحكم اعتماده على العنف ووضع أساليب مبرمجة للترهيب
وكان لا بد لهذا الحراك المتشنج أن ينعكس على مجمل العلاقات الطلابية ،
في كلية التجارة والاقتصاد كان رأس الحربة في الصدامات للتيار القومي ثلاثة عناصر ممن يمتهنون الشجار ويفتعلونه
كانت انصار تنتظر عبد الستار حينما تقدم احد أولئك الثلاثة ،كان طويل القامة بعضلات نافرة تحت قميص ابيض بنصف كم ،
قال- ارجو أن تسمحي بحديث قصير زميلتي
قبل أن ترد عليه سحب كرسيا وجلس
وضع كوعيه على المنضدة بحركة مستفزة – لن أضيع وقتك فأنت حتى الان زميلة محترمة
فكرت انتصار، المقدمات تشي بالنتائج
تابع عمار -أنت في الجانب الاخر ،الجانب المعادي
-معاد لمن ؟
-لنا نحن
-ولكن من هو الجانب الذي أقف معه في رأيك
-الطالب الذي يقابلك والذي يأتي من كلية الآداب الى التجارة
-فهمت ...ولكنه ليس مع أي جانب ،ولم يحصل ان تحدثنا في السياسة
-ربما اتفق معك في انكما لم تتحدثا في السياسة لأن مرحلة الغرام في بداياتها
-أرجو أن تنتبه زميلي عمار
-باختصار عليك قطع علاقتك به وإلا سنقطع رجليه
حين اتصلت انتصار به لتعلمه بما حصل قال
-سأحضر غدا بعد الحادية عشر
شعرت بخوف يعصر قلبها ولكنها لم تعارضه
عند اجتياز عبد الستار الباب الامامي لكلية التجارة وتوجهه نحو المدخل الرئيس لحظ هرولة طالبة الى داخل الكلية وحين اجتاز الدرجات العريضة الأربع كان عند نهاية الممر الثلاثة يتقدمهم عمار ، فكر انهم سيمنعونه من الدخول ، أبطأ في سيره واستعد للمواجهة ،
قال عمار – كم الساعة لديك ؟
-اسف فأنا لا احمل ساعة
-لماذا لا تكون مؤدبا ....حسنا يمكن أن نعلمك الادب
تحلق الطلبة بمستطيل أخذ شكل الموقع ، وتنبه عبد الستار الى إنه يجب ألا يلتحم بهم وكان يعرف طريقتهم في المواجهة من مراقبة بعض الصدامات التي كانت تقع بينهم وبين الشيوعيين ، يعرف كرياضي انه الاخف والاسرع في الحركة ،حين تقدم عمار تاركا زميليه كجناحي هجوم لاحق لم يتردد عبد الستار بتوجيه لكمة سريعة لوجهه فاندفع سيل من الدم من انفه وفمه ، صرخت الطالبات واندفع العديد من الطلبة لحجز المتقاتلين وتراكض رجال الامن
في الأسبوع التالي كانت حفلة خطوبة ضيقة في بيت انتصار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع


.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي




.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????


.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ




.. الذكرى الأولى لرحيل الفنان مصطفى درويش