الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحمد فؤاد نجم الشَّاعر المشاغب و-كلب السِّت-

سيمون عيلوطي

2024 / 3 / 7
الادب والفن


توطئة لا بدَّ منها:
لا شكَّ أنَّ الدخول إلى عالم شاعر العاميَّة الكبير، أحمد فؤاد نجم،1929-2013، يحتاج إلى ناقد مغامر في مجال الشِّعر العاميّ، يستطيع معالجة شعره، والوقوف عند تجاربه الحياتيَّة الثريَّة، علَّه يفي هذا الشَّاعر المتألِّق حقّه الذي يستحق، لا سيَّما أنَّ بعض الكتب التي صدرت حول ابداعه الشِّعريَّ، والأفلام التي تناولت سيرته الذاتيَّة أيضًا، جاءت منقوصة، وأحيانًا غابت عنها الدقَّة المطلوبة في النَّقد الأدبيِّ، وفي سرد السِّير الذاتيَّة على حد سواء. في هذا السِّياق، قال الكاتب المصري بلال فضل الذي رافقه منذ منتصف التسعينيَّات من القرن الماضي، قال: "إن بعض الكتب كانت تفاصيلها مزوَّرة، أما البعض الآخر فلم يحترم أبسط نواميس الكتابة" في حياة وشعر هذا المبدع الذي تميَّز بالاحتجاج، ورفض الواقع المُر المفروض عن الشَّعب المصريَّ والعربيَّ، منتقدًا النِّظام الظالم، وساخرًا أيضًا من أجهزته القمعيَّة، ما عرضه للملاحقة والسَّجن لفترات طويلة.
بالنسبة لسيره: فقد وُلد الشاعر أحمد فؤاد نجم في قرية "كفر أبو نجم"-محافظة الشرقية، في العام 1929. ثمَّ التحق بكتَّاب قريته لتعلُّم القراءة والكتابة، إلا أنه ترك دار الكتَّاب مجبرًا، لينتقل إلى أحد ملاجئ الأيتام في القاهرة، وذلك بعد وفاة والده "محمد عزت" الذي كان يعمل ضابط شرطة.
بعد خروجه من الملجأ عمل في معسكر تابع للجيش البريطاني، وقد بدأ آنذاك يمارس النَّشاط السِّياسي، حيث شارك في العديد من المظاهرات التي انطلقت في القاهرة سنة1951، لتطالب بإلغاء معاهدة 1936، فلاحقته السُّلطات، وأودعته السِّجن الذي تعرَّف فيه على الكثير من المعتقلين السَّياسيِّين الذين ساهموا في بلورة الوعي السِّياسي لدى الشَّعب المصري خاصَّة، والعربي عمومًا.
خلال فترة سجنه، في أواخر الخمسينيَّات، أبدع شاعرنا، أحمد فؤاد نجم ديوانه الشِّعري الأوَّل، بعنوان: "صور من الحياة والسِّجن". وعلى هذا المنوال المتداخل بين كتابة الشِّعر، والمغامرة في السِّياسة، واصل نجم مشواره الشَّاق الرافض للواقع السِّياسي المقيت، معبِّرًا عنه في المشاركة في المظاهرات تارة، وفي ترجمة هذا الواقع إلى شعر نابض بالحركة والصور تارة أخرى.
لا أريد في هذه المقالة أن أتوقَّف طويلًا عند سرد تجربة أحمد فواد نجم الحياتيَّة والشعريَّة بكامل تفاصيلها، باستطاعة المهتم أن يتابع ذلك في مصار أخرى. ولكنني أرى أنَّ ما تقدَّم يأشِّر بوضوح إلى أهم المحطات التي شكَّلت وعيه السَّياسي، وعمَّقت تجربته الشِّعريَّة.
من القصائد التي كتبها شاعرنا وعرَّضته للملاحة والسِّجن، أذكر قصيدته: "بيان هام" التي ينتقد فيها الرَّئيس الرَّاحل محمد أنور السَّادات، وقصيدة "البتاع" التي يسخر فيها من الانفتاح الاقتصادي في مصر الذي شهده عهد السَّادات أيضًا، وكان أحمد فؤاد نجم من أشد المعارضين لهذا الانفتاح بسبب ميوله الاشتراكيَّة، حيث نتج عن "هكذا انفتاح"، ارتفاع معدَّلات الفقر لدي الشَّعب المصريّ بصورة مأساويَّة. وهناك العديد من القصائد التي ملأ فيها الدُّنيا وشغل النَّاس، ولم تزل متداولة حتى اليوم، خاصَّة بعد أن لحَّن بعضها الشِّيخ إمام وغنَّاها بصوته العذب.
قصة قصيدة أغنية "كلب السَّت" لأحمد فؤاد نجم:
في هذه الإطلالة، سألقي الضَّوء على قصَّة قصيدة أغنية "كلب السِّت"، التي كتبها الشَّاعر نجم وقلبه يعتصر ألمًا تضامنًا مع الطَّالب "اسماعيل" الذي ضاع مستقبله بسب تعرّضه لمهاجمة كلب السِّت أم كلثوم له، ونهشه في احدى رجليه، ما أفقده ركبته، فأصبح عاجزًا.
أثارت هذه الواقعة مشاعر شاعرنا أحمد فؤاد نجم، فكتب قصيدة تحت عنوان: "كلب السَّت". وعندما سُئِلَ في المقابلات الصحفيَّة التي أجريت معه عن كيف تجرَّأ على مهاجمة أم كلثوم، وهي صاحبة النُّفوذ والجاه والشعبيٍّة الواسعة؟ قال: "ربنا حرمني من شعورين، الخوف والكره".
الصُّحف المصريَّة تناقلت خبر الواقعة عن رواية البعض التي تُفيد أنَّ هذه القصيدة كُتِبَت في هجاء أم كلثوم، وذلك بسبب كلبها "فوكس" الذي عَضَّ أحد المواطنين ويُدعى إسماعيل، فتمَّ القبض على إسماعيل والإفراج عن الكلب، وفقًا لقصيدة نجم. أما حول تفاصيل الواقعة، فقد جاءت في موقع "اليوم السَّابع" المصريِّ على النَّحو التَّالي:
(هيس يا كلب السِّت هيس، لك مقامك في البوليس)
"عندما قرَّر طلبة معهد الترَّبية بالهرم إقامة يوم رياضيّ مع طلبة كليَّة الفنون الجَّميلة بالزَّمالك، أي في المنطقة التي تقع خلف فيلا أم كلثوم، وعند مشي بعض الطّلاب من أمام الفيلا خرج كلب ام كلثوم وقام بعضه، وقرَّر الطّالب الذَّهاب لنقطة الشُّرطة وتحرير محضر رسميّ، وبالفعل تمَّ تحويل الطَّالب "للقومسيون" الطِّبيّ، وهي "لجنة مكوَّنة من أعضاء في مجال ما مُخوَّلة بالقيام ببعض المُهمَّات والواجبات، قومسيون طبيّ"، حيث أثبتت إصابته". ولكن الموقف الذي استفزَّ الشَّاعر الكبير أحمد فؤاد نجم هو تصريح الطَّالب إسماعيل في إحدى الصُّحف وتفاخر بـ"عض" كلب أم كلثوم له، فأطلق القصيدة الشَّهيرة." كلب السَّت."
أثارت القصيدة الرأي العام، كما أثارت غضب أم كلثوم أكثر، فقالت للصَّحفيَّ جليل البنداري عندما أحضر لها القصيدة: (اللي كتبها أنا هاخرب بيته) فقال لها: (معندهوش بيت)، فقالت له: (أنا هاشرَّده)، ورد عليها: (هو مشرَّد أصلًا).
(كيف أفلت أحمد فؤاد نجم من عقاب أم كلثوم بسبب "كلب الست"؟)
تحت هذا العنوان كتب الصَّحفيّ مصطفى حمزة، في "مصراوي"، يقول: "مع ما حققته القصيدة من انتشار واسع، تباين رد فعل أم كلثوم تجاه الشَّاعر، كاشفًا عن حوار لنجم مع الإعلامية ليلى الأطرش عام 1995، حيث قال: "أنا لم أشتم أم كلثوم، بل القانون الذي تعامل به وكيل النِّيابة مع الواقعة، وخاصَّة بعد ما نُشر على لسان الواد الغلبان، أنه سعيد جدًا أن كلب السِّت أم كلثوم عضَّه، وهو ما استفزَّني وكتبت القصيدة التي تسبَّبت في بلاوي كثيرة لي، بعد انتشارها بشكل سريع".
في لقاء تلفزيوني آخر، عندما تم سُؤال نجم عن الواقعة، قال: "إنه يعشق أم كلثوم ولا يوجد رجل في مصر لا يحبها، وأنه كان يتمنى أن يكتب لها أغنية"، مشيرًا إلى أن ثقافته الموسيقيَّة تلقاها من أم كلثوم نفسها، وأحب وكرّه على أغانيها، ككل المصريين، وأن ما أغضبه في قصَّة "كلب السِّت"، هو قرار الإفراج عن الكلب، مشيرًا إلى أنه كان يعرف المحقِّق بشكلٍ شخصيٍّ حيث حقَّق معه سابقًا في قضايا سياسيَّة. فكتب نجم قصيدته "كلب السِّت" بعد أن جلس مع إسماعيل الذي وصفه بـ"أغلب خلق الله"، عقب أن زاره في بيته". وأشار إلى أنَّ والد الشَّاب كان يقتصد في طعام بناته ليوفَّر لإسماعيل نفقات تعليمه في معهد الرِّياضة، ولكن تلك الواقعة أفسدت المشروع، ولم يعد بوسع ابنه أن يصبح معلِّمًا للرِّياضة. غير أن السِّت أم كلثوم لم تكترث لمصيبة هذا الشَّاب، ضحيِّة كلبها.
نص القصيدة:
في الزَّمالك من سنين/ وفي حمى النِّيل القديم/ قصر من عصر اليمين/ ملك واحدة من الحريم / صيتها أكتر من الأذان/ يسمعوه المسلمين/ والتَّتر/ والتركمان/ والهنود/ والمنبوذين/ ست فاقت عَ الرِّجال/ في المقام والاحترام/ صيت وشهرة/ وتلِّ مال/ يعني في غاية التمام/ قُصْرُه يعني هي كلمة/ ليها كلمة ف الحكومة/ بس ربَّك لاجل حكمة/ قام حرمها من الأمومة/ والأمومة طبع ثابت/ جوَّه حوَّا من زمان/ تعمل ايه السِّت؟ جابت/ فوكس رومي وله ودان/ فوكس دا عقبى لأملتك/ عنده دستة خدامين/ يعني مش موجود في عيلتك/ شخص زيه يا اسماعين/ واسماعين دا يبقى واحد/ من الجماعة التعبانين/ اللي داخوا في المعاهد/ والمدارس من سنين/ حب يعمل واد فكاكه/ ويمشي حبه في الزمالك/ والقَيامة و الفتاكة/ يرموا طبعا ع المهالك/ عم سمعه من قيامته/ حب يعمل فيها فله/ بعد ما قلوظ بيجامته/ اشترى حتة مجله/ قول مشي بيقرا ف حكاية/ من حكايات الغرام/ واندماجه في القرايه/ خلا مشيه مش تمام/ ع اليمين يحدف بعيد/ خطوتين ويروح شمال/ لمحه فوكس من الحديد/ قال دا صيد سهل وحلال/ هوب نط في كرشه دوغري/ جاب بيجامته لحد ديلها/ اسماعين بدال ما يجري/ قال يا رجلي رجلي مالها/ بص شاف الدم سايح/ من عاليها و من واطيها/ وياللي جاي و ياللي رايح/ المجلة مش لاقيها/ حبه و اتلموا الظنايا/ اللي هما البوابين/ و الحكايه و الروايه/ قال لهم دا كلب مين ؟/ كلب مين ما كلب مينشي/ سمعه زود حبتين/ قال له واحد فيهم امشي/ اللي جابك عنده مين/ قال دا شارع يا مواشي/ والجميع بيمروا منه/ الى راكب واللي ماشي/ مستحيل نستغنى عنه/ كلمة من دا .. و كلمة من دا/ ظاطو و اترسمت فضيحة/ قول نهايته و القصد من دا/ اسماعين أكل الطريحة/ راحوا قسم الشرطة طبعاً/ و النيابة كفيلة بيهم/ واترموا ف الحجز جمعاً/ لما ييجي الدور عليهم/ حبة والشاويش أمين/ قال: "سعيد النقشبندي"/ قام غريم عم إسماعيل/ قال له: "محسوبك يا افندي"/ قام سي سمعة يروح معاه/ الشاويش قال: "غور بدمك/ راح تعوصني" .. وفوق قفاه كف طرقع : "داهية في أمك"/ تفتكر يفضل سي سمعة/ قد إيه في القسم نايم/ استضافه الحجز جمعة/ يا بلاش .. آدي العزايم/ شاف بلاوي ما تتحكيش/ من الجماعة المسجونين/ قال يا عالم يا شاويش/ يا نيابة .. يا مسئولين/ خلصوه بعد المناهدة/ جثه من جحر الديابه/ هي حسبة ساعة واحدة/ كان في مكتب النيابة/ قال له ـ مالك يا اسماعين/ قال له ـ زي البمب مالي/ قال له ـ عضك فوكس فين/ قال له ـ سيبني أروح لحالي/ انت شوف سي فوكس يمكن/ خد تسمم غصب عني/ الوكيل قال برضه ممكن/ و الشاويش قعد يغني/ هييص يا كلب الست هيص/ لك مقامك في البوليس/ بكرة تتولف وزارة/ للكلاب/ ياخدوك رئيس/ انت تسوى ف النيابة/ تسعمية م الغلابة/ طب يا ريت يا فوكس كنا/ ولا تربطنا القرابة/ انت فين و الكلب فين/ انت قده يا اسماعين/ طب دا كلب الست يا ابني/ وانت تطلع ابن مين/ بشرى لصاحب الديول/ وللي له أربع رجول/ بشرى لاسيادنا البهايم/ من جمايس أو عجول/ اللي صاحبه يا جماعة/ له أغاني ف الاذاعة/ راح يدوس فوق الغلابة/ والنيابة/ بالبتاعة.
"وأشار أحمد فؤاد نجم إلى أن الجمهور تداول القصيدة بشكل سريع أشبه بالنار في الهشيم وقال مازحًا: "ما أنقذني من الدمار هو خفة دم القصيدة"، كما قال لي الشاعر كامل الشِّناوي.
------------------------------
(اعتمدتُ في هذا المقال على موقع "اليوم السابع" المصري ذات المصداقيَّة العالية، ولكن بتصرف فرضه اطِّلاعي على شعر أحمد فؤاد نجم بشكل عام، وعلى واقعة قصيدة "كلب السِّت" بشكل خاص) وهذا رابطها على اليوتيوب.
https://www.youtube.com/watch?v=KrsXDQncL2U








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟