الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في قصته (دعابل) رياض داخل يهتك أسرار الطفولة

داود السلمان

2024 / 3 / 7
الادب والفن


قصة "دعابل" للقاص رياض داخل، وهي من ضمن مجموعته القصصية التي صدرت عام 2024 عن "دار السرد" وبنفس العنوان، وهي القصة الثانية بحسب تسلسل المجموعة، حيث سبقتها قصة "نعل". وتحتوي المجموعة على عشرين قصة قصيرة، وهذه القصص تحاكي واقعنا الراهن، بهمومه وارهاصاته، وموضوعات القصص لا تخلو من الرمزية والتهكم، وفضاءات الأخرى نجدها بين سرديات بعض من تلك العنوانات. إذ حاول القاص أن يُبيّن بإيجاز– وعبر شخوص أبطال قصصه – واقع مؤلم لشعب عاش محن، وهزات نفسية واقتصادية ومعاشية، خصوصًا في قصص: "الساعة الواحدة" "حذاء جديد" "دموع" و "مقهى العتبة الخمسينية" وغيرها.
وما لفت نظري من بين القصص العشرين هذه، هي قصة "دعابل" على وجه التحديد، حتى أنني حين قرأتها شطح بيّ الخيال؛ فعدت أدراجي إلى سنيّ الطفولة العابقة باللهو، تلك السنين الغافية بأحضان البراءة والصدق، السنين التي لن تعود ثانية، حتى لو عاد الزمن إلى الوراء، ومنى علينا بجوده، لأنّ الحياة تلك لا تشبه سوى نفسها.
ونحن أمام سردية تفنن بإيقاعها الكاتب رياض داخل، فأعطاها نكهة خاصة من نكهة إبداعه، ولوّنها بألوان لمسته المصاحبة للبنية الفنية، فالسردية التي تميّز بها القاص، وخصوصًا في هذه القصة، تدل على أن كاتبها يمتاز بقابلية متينة في الطرح، وفي الاسلوب القصصي، الذي يُمثل طريقته كقاص يجيد هذا الفن أو اللون الأدبي، وأنه يتمتع بخزين من المفردات، التي تنصاع بين يديه، وهو يرسم حروفها على الورق. القابلية هذه، جعلته أن يسير على خطى واثقة في طريقة كتابته، حيث أستطاع أن يحبُكها حبكا، ويصب قوالبها بكثافة عالية، ومن زج الكلمات بعناية ودقة متناسقتين؛ لذا وأنت تقرأها لأول مرة، لن تستطيع أن تتجاوزها، كونها تفيض بمصداقية عالية، وتنقلك إلى عوالم طالما كنت قد عشتها، وانبثقت من ازقتها وشوارعها، واماكنها التي تفيض بعبق الطفولة.
إنّ لعبة الدعابل، تلك اللعبة التي كانت الأحب إلى قلوبنا، نحن الذين عشنا تلك الطفولة بشغف وسرور غير منقطعين، برغم الاحباطات التي كانت تكوينا بنارها المحرقة، والمفارقات التي تهنا بين ضجيجها، إذ مرّت مرور الكرام وانتهت كمسافر عابر، تقطعت به السبُل؛ لكن طلاوتها ماتزال تقرع ذاكرتنا، وتأجج فينا الحنين الى الماضي الجميل، بكلّ تجلياته ودروبه الساذجة.
وعلى أية حال، القصة تُعد ادانة لهذا الزمن التعس الذي نعيش فيه الآن، حيث تترصدنا الإحباطات وتقفو اثرنا. الزمن هذا الذي كل شيء فيه بات يدعو للقلق، وينذر بجحيم أبدي وسط خراب عوالم لا نفقه كنهها، فالغموض يسود العالم المترامي الأطراف، وبزوغ هياكل فضائية تلاحقها خرافات تعج بضيق ساحة العقل؛ والبشر بين هذا وذاك تتهافت تحت صراعات من أجل لا شيء، فقط التعالي بلا مبرر، بهدف الاستحواذ على كل شيء، وهذا هو أشبه بالانفصام الخلقي الذي قد يفضي إلى تيه لا ندرك نهايته.
وإذا أردنا أن نفكك رمزية هذه القصة، لاسيما ونحن ذكرنا بأن القصص تعج بالرمزية، إذ نرى أن "دعابل" يرمز القاص بها إلى الشعب، حيث لعبت به السياسات الخاطئة، ما لعبت ففككت الشعب الواحد، وجعلته شذر مذكر. فأبدع القاص بهذه الرمزية العالية.
نص القصة:
دعابل
وأنا في وسط الخطة، هكذا يسميها شياطين قطاع الحب، فهم يوجهون أخي ويدفعون به بقوة من أجل الارتطام بي، اضطر إلى أن أدفع إخوتي البقية خارج خطة الدائرة ليبقى أخونا الكبير، فيفرح الشياطين، ويلتقطنا رامينا ويعيدنا إلى علبة صفراء ويغلق الباب لننام، ويأتي الصباح فنعود إلى حالتنا الأولى، حاول إخوتي كسر جزءٍ منهم لعل مالكنا يرمينا في كيس النفايات، رغم أن أغلبنا إذا كُسر يُرمى في المياه الآسنة، الحياة عبارة عن قهر اعتدناه، سيدنا يرمي بنا يميناً ويساراً بأصابعه القذرة، لدينا نصف موسم نرتاح فيه وننام نوما عميقاً في ظلام دامس وسط وطننا العلبة وفي علبة أكبر، جميعنا نحب هذا الوطن، لكنه لا ينفعنا في شيء، فعند أول محاولة من السيد لفتح باب الوطن، يسلمنا إليه، ونحن ما نزال نهتف بحبه. يوماً ما طلب أخونا الصغير أن يُكسر وتُقسّم ألوانه لعل لوناً منه يذهب إلى حديقة تحترمه، ويختبئ بين جذوعها ويستمتع بالماء والخضار والنمل الأسود والأبيض، سألناه حينها: ربما الغربة والاشتياق للعلبة سيقتلك، كان رده منطقياً بعض الشيء واقتنع من اقتنع منهم بفضل العلبة وقام بإلقاء محاضرة…
فقال لهم:
- نحن في وسط الظلمة، وعندما يأتي الصباح يُرمى بنا يميناً وشمالاً إلى أن نصل إلى العلبة المظلمة منهكين، نرتاح أياماً قلائل حين يتمتعون بطعامهم وهوسهم… لم تفلح كل نصائحنا له، وظل يصرخ: اضربوني، فضربناه بقلوبنا ضربة واحدة، وكنا حينها عشرة فانقسم إلى خمس قطع... فرح رغم الألم، وبقي ينتظر عودة الشيطان الذي أتى وبدأ يعدنا ويرمينا من يد إلى أخرى على رؤوسنا، فوجد أصغرنا مكسوراً، فأخذ القطع الخمسة ورمى قطعة في النفايات، وأخرى على سطح الجيران، لكنه أرجعنا وثلاث قطع من أخينا إلى العلبة، ثم بدأ يركض ويركض إلى حديقة الحرية، هناك حيث يلعب بنا دائماً، أخرجنا بعنجهيته المعتادة ورمى قطع أخينا، قطعة إلى الشارع العام فسحقته سيارة وانتهى، وقطعة فوق المبنى سمعنا أنها ماتت من حرارة الشمس، وقطعة في الحديقة وبين جذوع الشجرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل