الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيما يشبه الاحتفاء بأجمل الكائنات

قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)

2024 / 3 / 8
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي 2024 - أوضاع المرأة في الحروب والصراعات وكيفية حمايتها، والتحديات التي تواجهها


المرأة وطن الأوطان كلها. أول منازل الكينونة المشمول بالأمن والأمان والرعاية والرضاعة والحب والحنان والحبيبة والحضن الدافئ والسكن الحميم وثاني منازل الحب والإشباع والاستقرار والإنجاب هذا فضلًا عن مكانتها المحورية في تشكيل العائلة والبيت والمنزل وما لكل ذلك من دلالات اجتماعية وسيكولوجية. أن التفكير بالمرأة هو التفكير بالكائن الإنساني الحقيقي جدا، الأم والزوجة والأخت والبنت والعائلة والمجتمع والمؤسسة والوطن والدولة والرعاية والتربية والحب والحنان والسعادة والتسامح والأمل والحاضر والمستقبل. إذ كلنا ولدنا من أرحامهن ورضعنا حليبهن وتربينا في احضانهن وتعلمنا برعايتهن وعرفنا لذة الحياة بهن ومعظم احلامنا بهن ونعيش من أجلهن ونفرح بنظرة واحدة منهن ونسعد بابتسامة واحدة من اعينهن ونكتب أجمل قصائدنا من وحيهن وفيهن ومن أجلهن ونكتب أروع الرويات فيهن وفي مداراتهن وتستمد ثقتنا بذواتنا منهن ونشعر بالسكينة والأمن والأمان معهن ونتمنى ارضاءهن ورضاءهن والجنة تحت أقدامهن والبعض منا يعبد الله من أجل الفوز باكبر عدد منهن في الآخرة ومع ذلك مازلنا بيننا من يحتقرهن ويفتكر حاله أفضل منهن. وحينما نحتفي بعيد المرأة العالمي . أي ثقافة تلك التي شكلت مجتمعاتنا العربية والإسلامية تجاه النساء؟ بأي منطق يفكر ذكور العرب والأفغان في النساء؟ وبالمناسبة أكدت الدراسات الميدانية أن 90٪ من التفكير الذكوري العربي هو في المرأة ومدراتها الدنيوية والأخروية . هنا تأتي خطورة الصورة النمطية التي نمطت أداور النساء والرجال عبر التاريخ البطريركي العام إذ مضى زمن طويل منذ أن بدأت حياة الكائن الإنساني على كوكب الأرض, لم تكن فيه المرأة "حواء" شيئاً مذكوراً أو جدير بالاعتبار بذاته ولذاته ومن أجل ذاته, بل كان الرجل الذكر هو سيد الموقف, وصانع التاريخ وخليفة الله سبحانه وتعالى في الأرض, ومبدع الثقافة وباني الحضارة وحامل الأمانة المقدسة, وحافظ الأسرار والمعارف والعلوم والفنون ومروض الوحوش, وصاحب الحكمة والعقل والخلق والدين والملاحم والبطولات إذ كانت كل الصفات الايجابية التي تدل على الفعالية والقوة والنشاط والإنتاجية والانجاز والانتصار والعنف والحرب تلصق بالرجل الذي ظل يتربع على مسرح التاريخ الإنساني حتى وقت قريبا وظل مفهوم الإنسان يطلق على الرجل فقط, وكانت كل الكائنات والأشياء والطيبات بما في ذلك الكائن الإنساني الأخر الشبيه به تماماً- أي المرأة الأنثى- تدور حول فلكه الذكوري وتسخر لخدمته وتخضع لمشيئته البطريركية, وعلى مدى آلاف السنين من تجربة العلاقة الاجتماعية والممارسة التاريخية لحياة الرجل والمرأة ترسخت الهيمنة الذكورية والقيم البطريركية عند مختلف الشعوب والمجتمعات حتى اكتسبت صورة الضرورة الطبيعية البيولوجية والمسلمة البديهية التي لم تعد تثير الشك والتساؤل عن حقيقة مشروعيتها. رغم أننا نعلم أن قصة استبعاد المرأة وتهميشها وقمعها وإقصائها وتحقيرها وسحقها وقهرها وإخفائها من عالم الإنسان "الرجل" يعود إلى جملة من الأسباب والشروط التاريخية والاجتماعية في الأزمنة البدائية جداً, إلا أن استمرار هذه الحالة المؤسفة حتى العصر الحديث يثير الحيرة والعجب. وهذا يعود في نظرنا إلى خطورة الاعتقادات والتصورات والآراء والأوهام والعادات التي تترسخ في حياة الناس ويتوارثوها جيل بعد جيل كأنماط ونماذج للسلوك, أو " الهابيتوسات" حسب عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو, يقول عالم النفس التربوي الأمريكي " آرثر كوفر" في كتابه " خرافات في التربية" "يسلك الناس وفقاً لما يعتقدون. فإذا اعتقدت أن شخصاً أمينا فسوف أثق به, وإذا اعتقدت أنه غير أمينا فلن أثق به. إننا نسلك وفقاً لما نعتقد .وحينما تكون معتقداتنا صحيحة وصادقة, نستطيع أن نحدث قدراً كبيراً من التقدم. أما إذا كانت معتقداتنا خاطئة فإنها تعوق هذا التقدم وتحبط آمالنا, وتعرض الحياة الإنسانية ذاتها إلى الخطر"(ارثركومز, خرافات في التربية, ترجمة عبد المجيد شيحة عالم الكتب ـ القاهرة ـ ط1 1990م ص1) ولقد ذهب كل جيل ضحية لمعتقداته ولخرافاته وأوهامه وأساطيره, فحينما اعتقد الصينيون أن الكون ينقسم إلى الين واليانج, أي الأنوثة والذكورة الـyang يرمز إلى مبدأ الذكورة والعنصر الايجابي الفعال المنتج السماوي وعنصر الضوء والحرارة والحياة, والـ yin ويرمز إلى الأنوثة العنصر السلبي المنفعل, الأرضي عنصر الظلمة والبرودة والموت. والحقائق كلها يمكن ردها إلى تعارض واتحاد العاملين الأساسيين في الكون, الذكورة الأنوثة أي اليانج والين(وال ديورانت قصة الحضارة: الشرق الأقصى, الصين ج4.م1 ص17) كان من شأن هذا الاعتقاد الأسطوري, أن يعمق الهوة بين الرجل والمرأة ويمنح الرجل الذكر مكانة أرفع من مكانة المرأة الأنثى. وحينما اعتقد أهل اليونان أن العقل يحكم الكون, وأن الرجل هو الكائن العاقل الوحيد, وان المرأة كائن حسي غير عاقل, برروا النظرة الدونية للمرأة. وحينما اعتقد العرب قبل الإسلام بان الأنثى كائن يجلب العار ويضعف الرجال, شرعوا عادة وأد البنات... وحينما يعتقد بان جسد المرأة وصوتها ووجهها من العورات فلابد أن نختفي عن الأنظار وتحتجب عن الغرباء من الرجال. هذا معناه أن سلوك الناس وتفاعلاتهم وعاداتهم وتفضيلاتهم وأفعالهم وردود أفعالهم ومؤسساتهم ونظمهم وتقاليدهم لا يمكن تفسيرها وفهمها من خلال تمظهراتها المباشرة, بل لابد من الذهاب إلى ما ورائها, من المنطلقات والأسس العقيدية واللاهوتية أو الفلسفية, كما أن اعتقادات الناس في أي زمان ومكان ليس مجرد أفكار أو تصورات معنوية وكلمات ومفاهيم معرفية مجردة, بل هي نتاج قوى اجتماعية وسياسية وثقافية نشأة وترسخت عبر مسار طويل من الخبرات والتجارب والممارسات في أنماط سلوك وعادات وخبرات أو هابتوس ((Habitus)) عادة أو طبع أو نسق الاستعدادات والتصورات اللاشعورية. وفي سبيل التعرف وفهم أسباب التمييز والعنف ضد المرأة يلزمنا البحث في الشروط السوسيوثقافية كما أكدت فاديا كيوان رئيس منظمة المرأة العربية في مداخلتها الرصينة إذ قالت: "الثقافة هي في آن واحد نتاج المجتمع والإطار الذي تنساب سلوكيات أفراده فيه، والثقافة تنتقل إلينا من بيئتنا المباشرة عبر العلاقات مع الأهل والجيران ....إلخ والذي ينتج منها العادات والتقاليد والمعتقدات المتوارثة وهي تشكل منظومة ثقافية" وهذا ما نود مقاربته هنا. إذ يرتبط العنف ضد المرأة في مجتمعاتنا العربية التقليدية بالتمييز الجندري، الذي يضع هوة سحيقة بين ذكور وإناث النوع الإنساني ضدا على الفطرة الطبيعية التي وهبها الله للكائن البشري بالتساوي؛ إذ يبدأ التمييز العنيف ضد المرأة منذ لحظة الإخصاب الأولى في رحم الأم، حيث ترفع الأيدي بالدعاء لله بان يكون الجنين ذكراً لا أنثى، وتظل الأم الحامل في حالة قلق وتوتر طوال مدة حملها بشأن هذا الكائن الذي بدأ يتحرك في رحمها! خشية من غضب الزوج وذويه، ولا يزول القلق إلا في لحظة الولادة، حيث يبلغ التمييز أوجه، بانشراح الأسارير وإطلاق الزغاريد بالقادم الجديد إذا كان ذكرا، بينما تعبس الوجوه وتذرف الدموع ويعم الحزن والغضب والتجهم إذا كان المولد الجديد أنثى، وبهذا تواجه الأنثى منذ لحظة ميلادها أول صدمة عنيفة في حياتها، صدمة تتمثل برفض المجتمع لوجودها بوصفها كائنا غير مرحبا به ولابد من وأدها بالمهد، كما كان يفعل العرب قبل الإسلام، غير أن العقلية الذكورية المهيمنة ابتكرت طرق شتى لممارسة وأد البنات بعد الإسلام الذي حرمه؛ الوأد الرمزي، إذ يتم وأد الجنين الأنثى بعدم الترحيب بميلادها وبإخفاء خبر مجيئها، بعكس المولد الذكر الذي يعد ميلاده في العائلة العربية موسم احتفال مستمر منذ الصرخة الأول والختان والتهاني والهدايا والزيارات التي تستمر مدة أربعين يوما وأكثر! منذ ذلك الحين يتم وأد أنثى الإنسان بالمزيد من الإخفاء عبر التمييز الجنوسي باختيار الملابس والألعاب والإهمال، والقسوة في التربية والتحقير والتخجيل من جميع أفراد العائلة، ومن ثم الحرمان من اللعب الحر في الشارع والفضاء العام كما هو حاصل في بعض الدول العربية الأشد تخلفا التي تحرم على البنات الخروج للعب في الشارع والكلام مع الغرباء، والحرمان من التعليم وإجبار الفتيات على البقاء في البيت حتى يأتي العريس الذي يتم تدبير أمره برغبة أهلها دون علمها وبغير إرادتها، قبل بلوغها سن النضج، وقد شهدت اليمن ودول الخليج حالات لا تحصى من زواج الصغيرات وبعضهن يتم ربطهن منذ الولادة فيما يعرف بزواج المبادلة. هذا التمييز يصاحبه دائما حالة من العنف والقسوة في التعامل مع الإناث بالضرب والتوبيخ والتحقير والاستعباد من قبل الأمهات والإباء والإخوان الذكور، ومن قبل الأزواج والمجتمع كله.وتتعدد أنماط العنف والتمييز ضد المرأة في مجتمعاتنا العربية، في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحقوقية والأخلاقية .. الخ بحرمانهن من حرية اختيار ابسط خصوصيات حياتهن، الكلام والزى واللعب والألعاب والدراسة والزواج والعمل والمشاركة في الشأن العام والسفر والسياحة، وما يصاحب ذلك من أنماط العنف المادي والرمزي، عنف جنسي الخطف والاتجار والاغتصاب والقتل خارج القانون، والعنف الاقتصادي بحرمانهن من العمل وجعلهن جواري يخضعن لشهوات الذكور وخدمتهم في المنزل وخارجه، والعنف السياسي، بحرمانهن من حقوق المواطنة والانتخاب وتقلد المسؤوليات القيادية، والعنف القانوني والأخلاقي، بوجود تشريعات تنقص من حقوقهن وكرامتهن.والعنف الأخلاقي والجمالي، في النظرة إلى المرأة بوصفها موضوعا للرغبة والمتعة فقط في البيت أو الشارع أو المدرسة أو الجامعة ، أو العمل، أو السوبر ماركة، إذ يتم التحرش بهن ومطاراتهن بالعيون والأيدي والأرقام والسيارات وعبر وسائط التواصل الاجتماعية..الخ دون أن يجدن من يحميهن. وهذا ما يستدعي تظافر الجهود الرسمية والمدنية في تمكين المرأة العربية من حقوقها الطبيعية والمدنية( حق الحياة والتعليم والعمل والسياسة والادارة والقيادة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية) فنقد الصور النمطية والتنوير بأهمية دور المرأة في التنمية المستدامة لا يكفي لوحده بل لابد من أتخاذ خطوات عملية ملموسة في واقع الممارسة الحياتية خطوات تشريعية وسياسية ومؤسسية واضحة في منح المرأة المكانة المستحقة. وبمناسبة العيد العالمي للمرأة في 8 مارس 2024م اليهن هذه الخاطرة:
نحتفي بالحياة
والألونها الزاهية
نحتفي بالفرح
نحتفي بالحنان
نحتفي بالجمال
نحتفي بالسلام
بالحبيبة وبالحانية
نحتفي بالخصوبة
نحتفي بالولادة
بكينونة البذر والحامية
بأول وأمن مكان
نحتفي بالمطر
والشجر والثمر
كما يحتفي الغيم بالغيث
كما تحتفي الأرض بالماء
كما يحتفي البحر بالموج
كما يحتفي الحب بالحب
نحتفي نحن في عيدهن
بحواء هنا نحتفي
تحتفي حوريات البحار
تحتفي شهرزاد
بمن روضت
وحش إنساننا
ونصف الكيان
نحتفي بالسند والجسد
بأجمل واحلى كلام
بنبض المعاني
وهدل الحمام
بجداتنا نحتفي
وأخواتنا والمدام
بولداتنا نحتفي
بفلذات أكبادنا
شفيعاتنا بالمقام
بهن كلهن نحتفي
لمن تحت أقدامهن
كل جناتنا نغرد
بأزكى تحياتنا
وأطيب سلام
معاهن بهن النساء
ننسي الحرب وأحزانها
ففي وحشة الليل
هن ملاذاتنا
فهن كل أعيادنا
وفيهن تتجد أحلامنا
باقات ورد وأطيب سلام
لهن امهات النساء والرجال
سلام عليهن سلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -