الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوندوليزا رايس والقيم البيضاء

صالح سليمان عبدالعظيم

2006 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


لعالم الاجتماع الأمريكي الأسود إدوارد فرانكلين فريزر كتاب هام بعنوان "البورجوازية السوداء: نشأة الطبقة الوسطى الجديدة" صادر عام 1957، يتحدث فيه عن الكيفية التي ظهرت من خلالها البورجوازية السوداء الجديدة في أمريكا. يكشف فريزر في كتابه الهام المفارقة بين تدهور أوضاع السود في أمريكا وبين نشأة البورجوازية السوداء المتوحدة مع أهداف وقيم البيض على حساب المجتمع الأسود الأكثر فقرا. ورغم أن فريزر ينتمي لنفس الطبقة البورجوازية التي يتحدث عنها، إلا أنه قد امتلك ذلك القدر من الوعى الذي سمح له بأن يرى وضعيته الجديدة ضمن إطار هيمنة المجتمع الأبيض. وعلى ما يبدو أن فريزر قد تنبه في أخريات أيامه أنه ورغم الإمتيازات الهائلة التي يتمتع بها والتي سمحت له بها الأغلبية البيضاء، فإنه لن يستكمل كيانه وهويته طالما بقيت الجماعة السوداء التي ينتمي إليها تعاني من التمييز العنصري الموجه ضدها من قبل البيض.

يطالعني كتاب فريزر دائما كلما سمعت تصريحات وبيانات السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية. يذكرني الكتاب بكون رايس جزء من هذه الطبقة صنيعة الهيمنة البيضاء الأمريكية. تتسم السيدة رايس بقدرة كبيرة على إطلاق التصريحات وصك البيانات بشكل متواصل ومستمر. كما أنها تتسم بجرأة وقدرة على الهجوم على الآخرين بطريقة لا تتناسب مع كونها تنتمي إلى الأقلية السوداء الأكثر تعرضاً للقهر والتمييز العنصريين حتى الآن. كما أنها تتميز بذلك القدر من الصلف الذي يتيح لها قلب الحقائق، واتهام الآخرين، وتأليب العالم عليهم. إضافة إلى ذلك، فإن خطابها ينطوي على قدر ضخم من التهديد والوعيد بشكل لا يتناسب مع كونها وزيرة خارجية من المفروض أن يتحلى خطابها بالعقلانية والرصانة والهدوء.

تمثل رايس الطبقة البورجوازية السوداء التي تحدث عنها فريزر بامتياز. حصلت السيدة رايس على تعليم متميز، كما أنها تتقن عدة لغات أجنبية، إضافة إلى مناصبها الأكاديمية والحكومية الرسمية المتلاحقة التي انتهت بها إلى سدة كرسي وزارة الخارجية الأمريكية.

لا يعني ذلك أن الأقلية السوداء في أمريكا تعايش نفس الوضعية الخاصة بالسيدة رايس من حيث الحصول على مستويات تعليمية متميزة، وشغل الوظائف الجيدة، إضافة إلى ظروف العيش الإنساني الكريم. العكس هو الصحيح تماماً، فأعلى معدلات للفقر والجريمة وتدني المستويات التعليمية هي تلك المنتشرة بين الأقلية السوداء في أمريكا.

ورغم الثورات المدنية التي قام بها السود في أمريكا منذ ستينيات القرن الماضي وحتى الآن، ورغم البرامج الاجتماعية المتلاحقة التي انتهجتها الحكومات الأمريكية المتعاقبة، بنسب متفاوتة، لتعويض السود عن فترات الحرمان التي واجهتهم، فإنهم مازالوا يعانون من تدني المستويات المعيشية بشكل بالغ ومزمن. وما الصور التي نشاهدها للمغنيات الأمريكيات وللرياضيين وللسياسيين السود المعاصرين، إلا الجانب المشرق من الصورة الذي يخفي قبح الممارسات الأمريكية الداخلية ضد المواطنين الأمريكيين السود.

لا تستطيع السيدة رايس أن توجه سهام نقدها وحدة لسانها إلى نقد النظام الاجتماعي الداخلي الأكثر تمييزاً ضد السود وغيرهم من الأقليات الأخرى غير البيضاء، لكنها تترك كل هذا التمييز والظلم الواقع على السود لتهاجم إيران وسوريا، وتحاصر حماس، وتنتقد شافيز. وهو نفس الخطاب الذي تتبناه النخبة البيضاء الأمريكية. لا تستطيع رايس أن تهاجم القيم البيضاء التي أوصلتها إلى كرسي وزارة الخارجية لأكثر الدول قوة وهيمنة على الآخرين، كما أنها لا تستطيع أن تتحدث عما يحدث لأبناء جلدتها من امتهانات يومية، لكنها تستطيع أن تهاجم إيران وتتهمها بجرأة لا تحسد عليها بأنها البنك المركزي للإرهاب العالمي.

لا تستطيع رايس أن تشير إلى انتشار الجرائم بين السود في أمريكا، لكنها تستطيع أن تتهم كلا من إيران وسوريا بأنهما يحرضان العرب والمسلمين على التظاهر ضد الرسومات المسيئة للرسول الكريم. ولا تستطيع رايس أن تتناول عنف البوليس الأمريكي ضد الشباب الأسود، لكنها تهدد وتتوعد الحكومات العربية التي يمكن أن تمد يد العون للفلسطينيين بعد النصر الكاسح لحركة حماس.

نحن لا نطالب رايس بنقد ما يحدث في معتقل جوانتنامو، أو بتناول صور التعذيب الجديدة في سجن أبو غريب، أو التعقيب على استخدام الأسلحة المحرمة في العراق وأفغانستان، أو الإشارة إلى الممارسات الإسرائيلية النازية ضد الفلسطينيين. نحن فقط نذكرها بحقوق الأقلية السوداء في أمريكا. نذكرها بأنها لا يجب أن تتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتلقي الإتهامات يميناً وشمالاً، بينما أبناء جلدتها يعانون الأمرين في أمريكا. نذكرها بأنها يجب ألا تثرثر بخطاب الإصلاح بينما الأقلية السوداء في أمريكا تحتاج لإعادة إصلاح اقتصادي واجتماعي وسياسي وإنساني.

وإذا كانت السيدة رايس قد تجردت من انتماءاتها للأقلية السوداء، واستطاعت من خلال الإمتيازات التي أغدقتها عليها النخبة البيضاء أن تنسلخ كلية عن الجماعة السوداء التي تنتمي إليها، فإننا في العالم العربي يجب ألا نصغي لها ولوعيدها، ويجب ألا ننصاع لأوامرها ونواهيها. علينا أن نتذكر أن الفلسطينيين إخواننا في اللون واللغة والدين والثقافة، وأن تجويعهم مثلما تهدف رايس وأربابها في البيت الأبيض مسألة تتعارض مع قيمنا وتوجهاتنا العربية. علينا أن نتذكر أن السوريين أشقاء لنا، وأن الإيرانيين أقرب إلينا من أمريكا ومن إسرائيل. وعلينا أخيرا أن نترك رايس لمشاكلها النفسية والعرقية، ربما تفيق يوما ما، مثلما سبقها مواطنها الأسود إدوارد فرانكلين فريزر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التبوريدة: فن من الفروسية يعود إلى القرن السادس عشر


.. كريم بنزيمة يزور مسقط رأس والده في الجزائر لأول مرة




.. بعد إدانة ترامب.. هل تتأثر فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية ا


.. لابيد يحث نتنياهو على الاستجابة لمقترح بايدن بخصوص اتفاق غزة




.. الوسطاء يحثون إسرائيل وحماس على التوصل لاتفاق هدنة في غزة