الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا نساء العالم اجتهدوا لا تحتدوا ولا تنتحبوا !!

احمد الحاج

2024 / 3 / 9
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي 2024 - أوضاع المرأة في الحروب والصراعات وكيفية حمايتها، والتحديات التي تواجهها


سكون رهيب،وصمت مريب ذاك الذي كان يلف المكان البارد الذي جلست فيه على الأرض القرفصاء سبع نساء تجمعن من لبنان واليمن وليبيا وسورية والسودان والعراق ومصر أمام جهاز الكومبيوتر لإجراء حوار مفتوح عبر تقنية الـ" فيديو كونفرنس" مع صديقة فلسطينية من قطاع غزة المحاصر كن قد تعرفنَّ عليها من خلال كروب"دردشة نساء عربيات معذبات" أطلقنه بمناسبة عيد المرأة أيام حظر التجوال الذي أعقب انتشار وباء كوفيد -19 في الثامن من آذار من عام 2020.
الصديقة الفلسطينية ولغرض المشاركة في هذا اللقاء السنوي المفتوح وعدم تفويت الفرصة المهمة والتي قد لاتشارك فيها مستقبلا من جراء الحرب الصهيونية الطاحنة اضطرت لترك خيمتها الغارقة بالأوحال بعد أن لجأت اليها مع نصف أفراد عائلتها الكبيرة فور نزوحها من شمال غزة بعد استشهاد وفقدان واعتقال نصف أفراد عائلتها الثاني، كانت في عجلة من أمرها قبل أن يحين موعد اللقاء المرتقب مع صديقاتها العربيات العزيزات بمجرد أن تشير عقارب الساعة الى تمام الثانية عشرة والنصف ليلا بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي بدأت بذوره الاولى عام 1908 حين طالبت الاف النسوة في نيويورك بخفض ساعات العمل ،وزيادة الاجور ،مع منحهنَّ الحق في التصويت الانتخابي ،قبل أن تقره الأمم المتحدة يوما دوليا في الثامن من آذار عام 1977.
"دلال"الفلسطينية وبينما كانت بانتظار المساعدات الانسانية قرب معبر رفح، كان أزيز الرصاص،ودوي القنابل ،وهدير الطائرات، وغبار الصواريخ مشفوعا بالصراخ والعويل تزلزل المكان وتكدر الأجواء والكل يلعن بلساني الحال والمقال المنظمات الأممية،والاتفاقات الدولية،والشعارات الجوفاء للجامعة العربية،زيادة على اجتماعات النقابات،وبيانات الاتحادات ، وعدم وضوح الدور الحقيقي الذي تلعبه حركة عدم الانحياز والتي دأبت ولاسيما في العقود الاخيرة على مد يد مبسوطة للرأسمالية المتغولة لتخطب ودها وتصافحها،مقابل مد يد أخرى للاشتراكية المتقوقعة لتغازلها وتنافقها والنتيجة هي وعلى قول المثل الدارج " لاحظت برجيلها ولاخذت سيد علي " ، لتندد دلال الفلسطينية بشخير منظمة"التهاون الإسلامي"، وتشجب سياسة الكيل بمكيالين لدول الاتحاد الاوربي، وتستنكر دعم ومساعدات أمريكا اللامحدود للكيان المسخ وأخذه كعشيقة مهما فعلت ومهما صنعت بأكاليل الورد وأغصان الزيتون والأحضان ..لتلعن الهتافات والشعارات فضلا على اللقاءات والخطابات والبيانات للاحزاب والانظمة الديمقراطية والارستقراطية والبيروقراطية والتيوقراطية والاتوقراطية والراديكالية والديماغوجية والليبرالية والبراغماتية والشوفينية والدوغماتية والبلوتوقراطية والكلبتوقراطية والتكنوقراطية برمتها ولم تستثن منهم أحدا قط حيث الكل يتحدث عن ضرورة اقامة أنظمة حكم عادلة ومجتمعات فاضلة عبر "يوتوبيا" طوباوية وخيالية حالمة لا تغادر نطاق الـ توصيات الورقية التي تختتم مؤتمراتها وندواتها ما قبل الانكباب الشره لأصحاب الكروش التقدمية، والخلفيات الرجعية في ختامها على ولائم المحاشي والمشاوي والفواكه والحلويات بأنواعها ، والتي عادة ما يطرد عنها الفقراء والكادحون والعاطلون وأصحاب الدخل المحدود،ليدعى إليها ويتحلق من حولها كذباب المزابل الاثرياء والمتخمون فقط لاغير ، فيما الكل يمارس على أرض الواقع "ديستوبيا" قاتمة يفتنن بتسوقيها وارساء دعائمها اضافة الى الاشقياء ، بعض من يتحدث عن فضائل الاخوة والمحبة والانسانية والعطاء واشاعة مفاهيم الخير والعدالة الاجتماعية ، يحيط بالفريقين إحاطة السوار بالمعصم من بين أيديهم ومن خلفهم عشرات المدججين بالاسلحة والكلاب البوليسية وبما ينسف كل ما يقال عن العدالة الاجتماعية ونبذ التمايز الطبقي، ومناهضة التمييز العنصري ولو بالحد الادنى ...
جلست دلال الفلسطينية على بقايا منزل مدمر وهي تستهجن المؤتمرات السياسية، والبيانات الصحفية، لتستهل حديثها بقراءة آخر احصائية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة الصادرة بتاريخ 1/ 3/ 2024 والتي أفادت بأن " 9 آلاف سيدة قُتلن في غزة منذ 7 تشرين الأول 2023 بمعدل 63 قتيلة يوميا ، بينهن 37 أما،تركن أسرهن مدمرة وأطفالهن بلا حماية " مضيفة، بأن "الحرب على غزة تقتل وتصيب النساء بطرق غير مسبوقة، وأن أكثر من 4 من كل 5 نساء مع أسرهن تأكل نصف أو أقل من الطعام الذي اعتادت عليه قبل بدء الحرب فيما تلجأ بعضهن إلى آليات تكيف مؤلمة كالبحث عن الطعام تحت الأنقاض أو في حاويات القمامة".
- الصديقة السورية رشا والتي تسكن بدورها داخل خيمة تابعة للامم المتحدة في أعقاب تدمير شقتها أسوة بالعمارة المتواضعة التي كانت تقطنها مع أفراد أسرتها في حلب نتيجة الحرب السورية الأهلية التي دخلت عامها الـ 13،لتصرخ تعقيبا على ما تناهى الى سمعها من دلال الفلسطينية :"يالطيف ، لك شو عم بيصير،صحيح يا كترة الصحاب لما كان كرمي دبس، ويا قلة الصحاب لما صار كرمي يبس" .
- الصديقة العراقية سحر التي ذاقت مرارة اليتم منذ الخامسة من عمرها بسبب الحروب المتتالية التي ينكح بعضها بعضا في بلاد " ما بين النارين "،والتي لم تتزوج حتى الآن بسبب"النهوة العشائرية" ولاسيما بعد تزويج أختها الصغرى رغما عن أنفها بزواج الشغار أو"الكصة بكصة"،وبعد أخذ أختها الكبرى عنوة ضمن "النساء الفصلية" ،وتزويج خالتها عنوة الى ابن عمها تحت يافطة " بت العم لإبن العم" ،فعقبت على ما قالته دلال الفلسطينية وبأعلى صوتها تجيش في صدرها الحسرة ،وتخنقها العبرة:"الله اكبرعلى كل من عصا وتجبر " .
- الصديقة المصرية سهير التي هجرها زوجها وسافر الى اوربا تاركا اياها بمعية أطفالها الخمسة من دون أن يسأل عنهم ولا حتى في المناسبات والأعياد لم تجد في تلكم اللحظة تعقيبا على ما قالته دلال سوى :"يا لهوتي ..دستور ياسيادي دستور !"
- الصديقة اليمنية نوال التي مات ابنها البكر قبل خمسة أعوام بسبب مرض الثلاسيميا بوجود نقص حاد في الادوية والمستشفيات، ليلحق به إبنها الأوسط قبل ثلاثة أعوام بمرض الكوليرا الذي تفشى نتيجة التلوث، ليتبعهما زوجها الذي قتل برصاص طائش نتيجة الحرب الأهلية المدمرة في اليمن التعيس - السعيد ماضيا - وقد دخلت عامها الـعاشر مرددة المثل الشعبي اليمني تعقيبا على ما سمعته من دلال " يا معزية بعد شهرين يا مجددة كل الأحزان".
- الصديقة السودانية إيمان،التي فقدت ساقها بلغم ارضي، واضطرت للنزوح الى اللامكان من مدينتها مع كل افراد عائلتها في أعقاب الحرب الاهلية المدمرة بين طرفي النزاع حميدتي والبرهان ، وكلاهما يمثل اجندات ويقاتل بالوكالة عن قوى اقليمية ودولية طامعة بخيرات السودان التي لاتحصى ،هذه الحرب التي قتلت وشردت وعذبت وأجاعت ورملت ويتمت وأعاقت وتسببت باغتصاب الاف النساء، ردت على دلال الفلسطينية بمثل سوداني شعبي شهير"إن جادت -أي الدنيا - بخيط العنكبوت تنقاد، وكان عاقت -أي تعرقلت - تقطع سلسل الحداد" .
- الصديقة الليبية خديجة، التي فقدت جميع افراد أسرتها بسبب الحرب الاهلية الليبية المندلعة منذ 13 عاما بين الفرقاء وكل منهم يقاتل بالنيابة عن دولة أو عدة دول قريبة أو بعيدة للسيطرة على مقدرات ليبيا ونهب خيراتها،ردت على دلال الفلسطينية بمثل شعبي ليبي قائلة "حالنا يا أختي حال العمشة في دار العميان يسموها كحيلة الأعيان" .
- الصديقة اللبنانية دانيا التي طلقها زوجها الاول بعد أن سرق شقتها التي ورثتها عن أمها بعد وفاتها بمرض عضال لا تملك ثمن علاجه ..وبعد أن طلقها زوجها الثاني الذي تزوج بأخرى أجمل وأصغر سنا منها، وبعد أن طلقت من زوجها الثالث والأخير الذي طلقها لأنها تصر على ممارسة طقوسها وشعائرها على فقه الطائفة التي تنتسب اليها، خلافا للطائفة التي يعتقد بها ويتنسب اليها، قائلة لدلال "حالنا حال الابرة اللي بتكسي الناس وهي عريانة" .
عادت دلال الفلسطينية لتكمل حديثها بعدما أنصتت الى رفيقاتها العربيات وقد أدلت كل واحدة منهن بدلوها وأفصحت عن معاناتها في بلدها وداخل مجتمعها :
تصوروا ايتها الاخوات الفاضلات لقد قتلوا أو اعتقلوا حتى الصحفيات اللائي ندبن أنفسن للدفاع عنا بدءا بالصحفية آيات خضور، التي استشهدت بقصف صهيوني على منزلها في بيت لاهيا ،مرورا بالصحفية حنين القطشان ،التي استشهدت بقصف صهيوني لمنزل عائلتها بمخيم النصيرات ، والصحفية علا عطا الله ، التي استشهدت مع أخيها وزوجته، وأطفالهما الثلاثة، بعد قصف منزلها في حي الدرج بمدينة غزة ، والصحفية دعاء شرف، التي استشهدت مع طفلها في منطقة الزوايدة وسط القطاع، كذلك الحال مع الصحفية شيماء الجزار، التي استشهدت مع افراد عائلتها في غزة، والصحفية سلمى مخيمر، التي استشهدت مع طفلها الرضيع ووالدها ووالدتها وشقيقها واثنتين من شقيقاتها وعدد من الضيوف بمدينة رفح ،والصحفية سلام ميمة،التي استشهدت مع زوجها واطفالها الثلاثة بعد قصف منزلهم في مخيم جباليا ،وذلك في أكبر مجزرة للصحفيين في العالم طالت أكثر من 124 صحفيا من كلا الجنسين لحجب الحقيقة عن شعوب العالم وتضليل الرأي العام العالمي ، فيما اعتقلت القوات الصهيونية ولنفس الأسباب الصحفية بشرى الطويل،من منزل صديقتها في مدينة رام الله بعد الاعتداء عليها بالضرب المبرح،علما بأن الطويل هي أسيرة سابقة كانت قد تحررت من سجون الاحتلال الغاصب قبل مدة وبعد أن أمضت نحو أربع سنوات داخلها ، تماما كما صنع الاحتلال بزميلتها الصحفية الفلسطينية لمى غوشة، من سكنة حي الشيخ جراح بالقدس، لتضيف دلال الفلسطينية وبصوت مبحوح :
كنت أظن واهمة وبعد أن سمعت تعليقاتكنَّ ، وشاهدت بأم عيني دموعكنَّ، والى وقت قريب شأني في ذلك شأن مئات الملايين في أرجاء الوطن العربي، بأن "أدب المخيمات والمنافي والشتات" شأن خاص بالفلسطينيين من دون سواهم أبدع في وصف مأساته شعراء كبار أمثال ،عبد الكريم الكرمي ، ومعين بسيسو، ومريد البرغوثي، ومحمود درويش، وفدوى طوقان، وغيرهم، ولعل من أجمل ما قيل فيه برغم الحزن القاتم الذي يعتريه والجرح الغائر الكامن فيه :
في الخيام السود في الأغلال ..سجنوا شعبي وأوصوه بألا يتكلم
هددوه بالموت المحتم ..أو بقطع اللقمة النتنة، إن يومًا تألم
ومضوا عنه وقالوا عش سعيدًا في ..جهنم !!
ولعل هذا بمجمله هو الذي دفع الشاعر الفلسطيني عادل الخطيب،الى إطلاق مبادرة فكرية بعنوان"أدب المخيم"في حزيران 2019 في العاصمة الاردنية عمان ،وقال في قصيدته "تغريبة المخيم" :
في مَخيمي تَجدُ الطفولةَ
مُسجّاةً على الطُرقاتِ
تُلونُها الأمنيات
لأكتشف بأن تجربة الشتات "الدياسبورا" والمخيمات والتشرد والنزوح قد عممت وأشيعت عربيا فأتت على أخضر الدول ويابسها بتحريض ودعم خارجي واقليمي لهذا الطرف أو ذاك ،عسكريا وماليا ولوجستيا ليحقق كل منهم أجنداته ومصالحه الخاصة واللئيمة على حساب عذابات الشعوب تلك ،مع ما يكتنفها من انتشار ظواهر اليتم والترمل والتشوهات والاعاقات بأنواعها النفسية منها والحسية والبدنية ، كذلك الاتجار بالبشر والانتحار والمخدرات والطلاق والفقر المدقع والبطالة الخانقة والتفكك الاسري والابتزاز الالكتروني وعصابات الجريمة المنظمة والتسوّل وعمالة الاطفال والسلاح المنفلت وارغام الفتيات على العمل في المجالات اللا اخلاقية بينما يتحول بعض الضحايا ممن يتمتعون بصحة جيدة الى قطع غيار من خلال المتاجرة بأعضائهم البشرية .
وفي الختام لا تبتئسن أيتها الاخوات الفضليات فإن بقيت على قيد الحياة الى الثامن من آذار المقبل عام 2025 فسألتقي بكن مجددا في حوار تلفزيوني نبث من خلاله همومنا ، ونفصح عن بعض ما يعتمل ويجيش في صدورنا لنخفف عنا بعض معاناتنا ونلقي عن كواهلنا بعض أعبائنا ، أما إذا استشهدت كأقراني من الاف الفلسطينيين فارثوني بما أنا أهله من غير زيادة ولا نقصان ،ولايسعني إلا أن اقول لكن بملء فمي ،وببركان يغلي في دمي " يانساء العالم اجتهدوا ..لاتحتدوا ولا تنتحبوا ".
بوووووووم ...توقف البث...قطع الاتصال ..غادرت دنيانا والى الأبد كأقرانها .."دلال"! اودعناكم اغاتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟