الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضوء /رواية /الفصل الخامس

ذياب فهد الطائي

2024 / 3 / 10
الادب والفن


1963
08 فبراير



في 07-فبراير 1963 كان هناك حدث مهم فقد نقلت انتصار الموظفة في البنك المركزي الى مستشفى الولادة في الكرخ ،كنا نستعد أنا وشقيقتي لزيارتها يوم الجمعة 08 فبراير ، ونحن نحزم الهدية التي اشترتها شقيقتي من شارع النهر سمعنا هدير الدبابات وهي تخترق الشارع باتجاه باب المعظم ، ثم جموع من الشباب مسلحة برشاشات صغيرة تحتل الشارع وهم يرتدون ملابس موحدة من الكاكي
كان مسلحو حزب البعث قد انتشروا في بغداد وهم مسلحون بالبيان رقم ( 13)
الذي خولهم تصفية أعداء الثورة، بعد ان استمعت الى البيان فكرت بعبد الستار ، لقد وجدت ان براكين الحقد الشخصي والفوضى العارمة ستسمح لمجموعات مسلحة بعمليات قتل واسعة
قلت لشقيقتي لا بد من الذهاب الى المستشفى ، وضعت شدادا على رأسها ووسادة في المقاعد الخلفية وقلت لها مثلي انك حامل وانك تعانين من الام حادة ، مسحت عن وجهها المكياج ونظفت عينيها من الكحل
كانت مجاميع الحرس القومي توقفنا وبعد مراجعة الهويات يسمحون بالمرور، في غرفة النزيلة انتصار محمود، كان عبد الستار نصف غاف على كرسي حديدي وكانت انتصار نائمة يبدو عليها الإرهاق والطفل يناغي نفسه وهو مغمض العينين، في الخارج يتم اغتيال الحياة وهنا تبدأ حياة جديدة مفعمة بالحيوية والامل،
فتح عبد الستار عينيه وتمطى ليكتسب النشاط ، بدى عليه الاندهاش وهو يرانا أمامه ، شرحت له ما يقع وان عليه ان لا يذهب الى منزلهم حتى تتوضح الأمور لأني اعتقد إن عمار لن يتركك ،
-سأرتب لكم النقل الى بيتنا بسيارة اسعاف المستشفى
لم يعلق وفتحت انتصار عينيها
-ماذا يحدث ؟
- لا شيء ورياض سينقلنا الى بيتهم بسيارة الإسعاف
لم تستوعب انتصار الموقف وحين شاهدت بعض الشباب يمرقون امام الباب بملابس الحرس القومي وهم يحملون أسلحتهم الصغيرة كررت :ماذا يجري؟
-انقلاب عسكري صباح اليوم
-ماذا ؟ قالتها بعصبية
-البعثيون استولوا على السلطة وهم يبحثون عن عبد الكريم قاسم
لم يكن تدبير امر سيارة الإسعاف صعبا بعد ان تفاهمت مع السائق أولا ومع موظف الاستعلامات ثانيا
كنت أقود سيارتي أمامهم وكانت نقاط التفتيش تكتفي بفتح باب السيارة والتأكد من المريض وحالما يرون المرأة والطفل يسمحون للسيارة بالمرور
في البيت افرغنا غرفة لهم وقد استقبلهم والدي بترحاب ، شرحت لهما المخاطر التي قد يتعرضون لها إن ذهبا الى البيت
قالت انتصار -أنا والطفل بحاجة الى بعض الملابس
قلت - سأقوم باستطلاع ما يحيط بداركم أولا
على الرصيف المقابل للباب الرئيس لبيت عبد الستار كان يجلس شاب بلباس الحرس القومي وبين ساقية رشاش بور سعيد الأسود الصغير ، كان الشارع خاليا يسكنه ظلام كئيب وسكون شامل ، وبدت الدار المظلمة موحشة
-مرحبا
-مرحبا
قالها بضجر فقد بدا متعبا فيما موجات برد تدفعه الى وضع ذراعيه حول صدرة وشدهما بقوة
-لماذا لا تدخل الى الدار ؟
-أنا بانتظار صاحبها لأنه مطلوب من الحزب
-واضح إنه لن يأتي فالوقت متأخر الان ، هل ترغب أن اوصلك الى مكان ما ؟
بدا مترددا
-ولكن قد لا أكون على طريقك ؟
-لابأس ، قد تمرض اذا بقيت
نهض بتثاقل
حين سألته هل يعرف صاحب الدار أجاب بالنفي ثم تابع
-في الساعة الرابعة عصرا حين بدأت حراستي كان يقف بالقرب من الدار احد طلبة ثانوية المنصور ومن شعبتي ، ومن باب الفضول سألته إن كان يعرف شيئا عنه ، أخبرني انه يسكن مع زوجته وهو لا يختلط بأحد كما إنه يذهب صباحا الى عمله في وزارة التخطيط وزوجته تعمل في البنك المركزي وحينما يعودا قليلا ما يخرجا عدا أيام الخميس ،حيث يذهبان سوية ربما لزيارة اهليهما أو الأقارب
بعد ان اوصلته عدت مسرعا الى دار عبد الستار ، لم افتح الضوء وصعدت الى غرفة النوم ، على وجه السرعة جمعت بعض الملابس وشنطة صغيرة قالت انتصار انها تحتفظ فيها بما لديهم من نقود إضافة الى بعض الحلي ، تذكرت حقيبة ملابس حكمت،
في الصباح وكان يوم الجمعة سألت عبد الستار كيف سنتدبر أمر غيابك عن العمل ، قال بأنه فكر بذلك ويعتقد إن ابن عمه لؤي الذي يعمل رئيسا لقسم الجراحة في مستشفى المحمودية قد يساعده
لم استحسن الفكرة فمثل هذه المهام يجب ان تنجز خارج الأطر الرسمية، قلت له، سأتدبر الموضوع اليوم
حين ذهبت الى دار جبر قالت ابنته انه في المقهى على رأس الشارع، كان يجلس مع شلة من أصحابه ، جلست غير بعيد ، طلبت شاي حامض وحين التفت سلمت عليه
قام من عند المجموعة وحضر ،
-السلام عليكم ، اعتقد انك تهت في منطقتنا !!!
-لا فأنا هنا من أجلك
اعتدل في جلسته ، خمّن إن الامر فيه رائحة النقود
حين شرحت له الامر قال لنذهب الى البيت
-لا شك ان الامر فيه مخاطرة وأنت تعرف الظروف اليوم
-صحيح ولكني أجزم ان صاحبي لا علاقة له بالسياسة ولكن أولاد الحرام كثر
-انت تريد أن أدخله لمدة خمس عشر يوما ثم امنحه إجازة لمدة شهر
كان جبر كاتب الطابعة في المستشفى وكان قد أدى لي بعض الخدمات ولهذا كنت اثق به
-حسنا وكم يدفع صاحبك
-خمس وثلاثون دينارا
-لا هذا لا يتناسب والمخاطرة....خصم الحديث مئة دينار.
اتفقنا على خمس وسبعين دينارا وسلمته ثلاثين مقدما
قلت لعبد الستار ،أنت موأمنا الان حتي نهاية ابريل حيث ستكون الأمور قد هدأت وعمليات التصفية قد وصلت نهاية مدياتها ،كانت صحة حكمت جيدة ولكنه كان مشاكسا وقليلا ما يهدأ في فراشه
الأيام تمر بسرعة والتعاون بين المجاميع القومية وحزب البعث قد بدأ يتراخى ثم انتقل الى مرحلة من العداء الصامت ولكن الفاعل فقد بدأت الأجهزة الأمنية بملاحقة بعض القيادات القومية سيما حركة القوميين العرب
في 25-مايس 1963 ومنذ ساعات الفجر الأولى قامت أجهزة الأمن بمداهمة مساكن قيادات الحركة، وفي المساء تم عرض مقابلات مع بعض المعتقلين ،
كانت الحجة ان تلك المجموعات كانت تخطط لمحاولة انقلابية ،وفي مراكز الاعتقال تم تعرضهم لأعمال تعذيب وحشية
قلت لعبد الستار -بيتي غير امن الان فقد أتعرض للاعتقال
- اعتقد انه لا بد من تغيير السكن وأفكر بابن عمتي في ناحية الهويدر في بعقوبة،
ولكن لابد أولا من معرفة الوضع هناك
لم نسرع بما فيه الكفاية ...في يوم الأربعاء 08 مايس وفي تمام الساعة العاشرة دخل غرفتي اربعة من الحرس القومي
-المهندس رياض ؟
-نعم
-تفضل معنا، ولكن بهدوء تام
لم أناقش أو أحتج فأنا أعرف أن لا جدوى ، قالوا سنذهب أولا الى بيتكم لإجراء التفتيش ، كل شيء أصولي فسيكون المختار معنا
لم اعلق ولكني كنت افكر بعبد الستار، وفي البيت كنت قد أخليت المكتبة من الصحف والمجلات والكتب التي لها علاقة بالفكر القومي عموما
حين لم يجدوا ما يمكن ان يساعدهم في اتهامي قرروا الصعود الى الطابق الأعلى، وهكذا اقتيد عبد الستار معي
في الطريق عصبوا أعيننا ولم يتبادلوا أي حديث ، كان صمتا مقصودا لإضفاء جوا من الرعب والخوف ، توقفت السيارة وسمعت صوت صرير باب كبير يفتح ببطء ، قال احد الأشخاص ، جابوهم قال شخص في داخل السيارة ، الصقر لازم يصيد الزرزور...ثم كان ضحك متبادل ، طلب منا النزول بمساعدة من كان معنا من الحرس القومي
- انتبها وعليكما السير ببطء لأنا سنصعد ست مدرجات
بدأت اشم رائحة زهور الجوري المختلطة بروائح مختلفة لزهور الربيع ،فكرت اننا في مزرعة خارج بغداد
-انتبه .....
صرخ شخص ما ومعها تلقيت صفعة حادة وقوية فترنحت فيما سمعت عبد الستار يتأوه بعدها توالت ضربات مختلفة بالكف المضموم وبالكف المفتوح ورفسات بالأقدام
توقف كل شيء ونهضنا من الأرض ، وبدأنا بصعود الدرجات ،شعرت بخيط من الدم ينزل من أنفي الى فمي ولم يكن في مقدوري مسحه فقد كانت يداي مقيدتان الى الخلف
اوقفونا الى جدار بارد وقالوا ، ستنتظرون دوركم بالتحقيق
كنت أشعر بإعياء شديد وبدأ صداع يعصف برأسي ، كان الوقت بطيئا ومرهقا وبدأت ساقي بالارتجاف فجلست الى الأرض و بدأ تيار هواء بارد يتحرك في فضاء المكان
قال عبد الستار-نحن في ممر
لم اسمعه جيدا فطلبت أن يعيد ما قاله ،من الواضح ان لا أحد يقف قربنا وكنا نسمع خطى الذين يمرون وههم يقولون ، جابوهم،
جلس عبد الستار على الأرض فقد احتك كتفه بكتفي وقال ، لقد حل المساء
قلت -هذا يعني مرور حوالي الثمان ساعات
قال شخص بصوت خشن وبلهجة آمرة : فكوا العصابة عن عيونهما وليصعدا لغرفة الحقيق
الغرفة الي صعدنا اليها كانت واسعة اقرب الى أن تكون صالة ،في الواجهة منضدة مكدس العديد من الملفات ووراءها يجلس عسكري برتبة رائد ، بشرته سمراء يرسل شعره الأسود الى الخلف ، كان يتطلع بعينين جاحظتين ، خلفه على الحائط لوحة من ورق الخرائط الأزرق مكتوب في اعلاها (تنظيمات الحزب الشيوعي ) كان الهرم التنظيمي بالأسماء والمراكز ، ومعظمها مؤشر أمام الاسم علامة أكس بالأحمر وخمنت أن العلامة تعني اعتقال الشخص المعني، الى يمين العسكري كان يجلس مسترخيا شخص ممتلئ بوجه متعب ينظر بلا مبالات ، مر بخاطري إني أعرفه، كنت مشوشا ،وكان هناك ثلاثة اخرين في نظراتهم كمية من اللؤم والحقد مخيفة ،فجأة تفتح ذهني ،ذاك الممتلئ مدحت ، كان صديقي ونحن في المتوسطة وكما نتبادل قصص روبن هود ،
قال العسكري-من منكما المهندس رياض ؟
قلت -انا
قال- حسنا ماذا كان دورك في مخطط عملية الخيانة القومية ؟
-لا دور لي لأني غير منتم لأية حركة سياسية
انتبه مدحت ،ترك كرسيه وتقدم نحوي -رياض اية ريح حملتك إلينا شيوعية ام قومية؟
-لا الأولى ولا الثانية ، حملتني سيارة الحرس القومي
- دائما سريع الرد
-أستاذ مدحت انت خير من يعرفني ويعلم اني لا أطيق العمل التنظيمي ،
- ولكنك كنت دائما عروبي النزعة
-وحزب البعث أيضا عروبي النزعة
-صحيح
التفت الى الرائد ووشوشه شيئا ما
-يقول العقيد مدحت إنك مشمول بالتحقق من موقفك من العملية الانقلابية ،واسمك لم يرد في التحقيق ولكنك أحد رفاقنا يشتبه بكونك مع حركة القوميين العرب
-بشكل عام صحيح ولكن فكريا
-بماذا تصف الحركة الانقلابية وقادتها؟
-قطعا غير مقبول التحرك ضد سلطة الثورة
-حسنا وهذا الذي معك ؟
-صديق تعرض لحادث وزوجته لديها طفل عمره أيام ونحن نعتني بهم
توجه بالحديث نحو عبد الستار
-تقدم ...هذا الهدوء العميق واحد من صفات الشيوعيين
-اسمك الكامل
بعد أن استمع الى اسمه قام ينظر في الهيكل التنظيمي على الحائط ...
-أين تسكن؟
-في الإسكان
أشار الرائد الى شخص طويل القامة ونحيلها سمرته كأنها قطعة صفيح صدأة
-جعفر عل تساعدني...الدليل فوق الرفّ خلفك ...دقق الأسماء في حرف العين
تناول جعفر سجلا ضخما ، وضعه على المنضدة ثو بدأ يقلب الصفحات ،عند حرف العين كان هناك عشرة أسماء...
-ما هو اسم الاب والجد واللقب
-رائد سعدون لا ذكر له في تنظيمات الشيوعيين
قال مدحت – انتظرا في الممر
كانت عيناه خاليتين من أي تعبير
حين هبطنا الى الممر الطويل كان في نهايته غرفة واسعة أطل منها وجهان متعبان قال عبد الستار الأصغر أعرفه قلت تجاهله تماما ،الى اليسار باب خشبي خلفه كانت المرافق الصحية ،في المقابل كان رجلا ممدا على الرخام الرصاصي ينساب من فمه خيط من الدم يحوم حوله سرب من الذباب ،بدا الرجل عاجزا عن تحريك يديه، كان ممددا بملابسه ...بنطلون وسترة لونها بيج فاتح ملطخة بالدم ، أحد رجال الحرس القومي يحاول أن يساعده في شرب الحليب ، كان يسكب في فمه المفتوح بضع قطرات ولكن الرجل لم يكن قادرا على البلع ،
كانت الساعة العاشرة حين طلب منا أن نذهب الى المرافق الصحية للتخلص من بقع الدم وغسل وجوهنا لتبدو نظرة حين نذهب الى البيت
في السيارة التي تقلنا كان أحد رجال الحرس القومي ، رجل في الخمسين ضئيل الجسم لا يكف عن الثرثرة
قال له عبد الستار -ما قصة الرجل في الممر ؟
-هذا عنصر خطر رغم تركه الحزب الشيوعي منذ خمس سنوات، وهناك شكوك بأنه يسعى الى إعادة تنظيم الحزب ، ولكنه مصر على الانكار،...يحاول الدكتور صباح أن يبقيه حيا
قال عبد الستار ولكن لا يبدو على صباح إنه طبيب
-نعم فهو في الخامس في الكلية لكنه شاطر وتعتمد عليه لجنة التحقيق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع


.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي




.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????


.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ




.. الذكرى الأولى لرحيل الفنان مصطفى درويش