الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا)

مرتضى العبيدي

2024 / 3 / 11
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في هذا الشهر، وبالتحديد في الحادي والعشرين منه، نُحيي الذكرى المئوية لوفاة فلاديمير إيليتش أوليانوف لينين، الذي يرتبط اسمه بأحداث ذات أهمية تاريخية عالمية هائلة، ولا سيما انتصار الثورة البروليتارية الأولى في العالم (1917) وتأسيس أول دولة بقيادة الطبقة العاملة. وهذان الحدثان، بدورهما، فتحا لحظة تاريخية جديدة للإنسانية: الأزمة العامة للرأسمالية، والتي اتسمت بتقسيم العالم إلى نظامين، رأسمالي واشتراكي، والصراع بينهما؛ وتفاقم التناقضات بين البرجوازية والبروليتاريا في البلدان الرأسمالية؛ وأزمة النظام الإمبريالي الاستعماري.
ففي نص قصير كتبته الزعيمة الشيوعية الألمانية كلارا زيتكين (ذكريات مع لينين)، تصف لينين بأنه "الزعيم بلا منازع للحزب الذي سار على رأس البروليتاريين والفلاحين، موضحًا لهم الطريقت في صراعهم من أجل السلطة، والذي، اليوم، بدعم من ثقة هذه الجماهير، يدير البلاد ويمارس دكتاتورية البروليتاريا. لقد كان لينين هو المرشد والقائد لهذه الإمبراطورية العظيمة التي حولتها الثورة إلى أول دولة للعمال والفلاحين في العالم."
جاءت وفاة لينين بعد خمس سنوات من انتصار الثورة البلشفية، وبعد أن تمكنت السلطة العمالية من إنهاء وهزم الحرب المضادة للثورة التي فرضتها عدة جيوش أجنبية والرجعية الداخلية التي أعقبت مباشرة الإطاحة بسلطة البرجوازية وملاك الأراضي، وهو النصر الذي أعاد عملية البناء السلمي لاقتصاد البلاد إلى المسار الصحيح. توفي لينين بعد انعقاد مؤتمر السوفييتات الأول في ديسمبر عام 1922، بناءً على اقتراح لينين وستالين، بشأن تأسيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية.
كان لينين مهندس حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي (الحزب الشيوعي البلشفي فيما بعد)، وكان المخطط الاستراتيجي لجلب الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء إلى السلطة ولتحديد المهام التي كان على السلطة البروليتارية الناشئة إنجازها في بناء الدولة الاشتراكية. كان مؤسس الأممية الثالثة (الأممية الشيوعية)، والمنظّر الذي طور الماركسية في الظروف الجديدة التي كانت تعيشها البشرية آنذاك: عصر الإمبريالية. وفيما يتعلق بهذا العنصر الأخير، يؤكد ستالين على أن "اللينينية تطورت وكانت تشكلت في ظل الإمبريالية، عندما كانت تناقضات الرأسمالية قد وصلت بالفعل إلى درجتها القصوى، عندما أصبحت الثورة البروليتارية بالفعل حقيقة واقعة، عندما وصلت الفترة القديمة لإعداد الطبقة العاملة للثورة إلى نهايتها. مما يفسح المجال أمام فترة جديدة، فترة الهجوم المباشر على الرأسمالية".
إن عمل لينين النظري متعدد الأطراف ويغطي جميع جوانب الماركسية: الفلسفة والاقتصاد السياسي والاشتراكية العلمية والشيوعية. وتوصل إلى الخصائص التي وصلت إليها الرأسمالية في ذلك الوقت، وحدد -بيقين مطلق-العناصر التي كانت موجودة في الرأسمالية في نهاية القرن التاسع عشر، مما أتاح له أن يستنتج أنها وصلت إلى أعلى مراحل تطورها، وفي الوقت نفسه مرحلتها الأخيرة: الإمبريالية.
لقد طور نظرية الحزب الثوري للطبقة العاملة، ودوره في عملية الإعداد للثورة وقيادتها، ثم كمفرزة طلائعية في فترة بناء الاشتراكية في ظل دكتاتورية البروليتاريا. لقد طور نظرية بناء الاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا وإمكانية انتصارها في بلد واحد، وأوضح كيف يمكن للطبقة العاملة وينبغي لها أن تجتذب الطبقات الكادحة والشرائح الأخرى إلى النضال الثوري، ولا سيما الفلاحين الفقراء. لقد قدم مساهمة كبيرة في فهم وحل المسألة الوطنية. وأثرى العلوم الاجتماعية بأعماله العلمية حول المسألة الزراعية وتطور الرأسمالية في روسيا، وفي مجال الاقتصاد، والدفاع عن الفكر المادي الجدلي وتطويره، في الفلسفة. ومن الواضح أن ما يقال هنا غير كاف مقارنة بالعمل النظري العملاق للقائد الرئيسي للثورة الروسية عام 1917.
دافع لينين بلا كلل عن مبادئ الماركسية، وحارب التزييف التحريفي للنظرية الثورية. تظهر التجربة التاريخية أن أي انحراف عن المبادئ الماركسية اللينينية، وأي محاولة لاستبدال النظرية العلمية للثورة البروليتارية بتشوهات أو متغيرات برجوازية، تهدد وتضر وتعرض للخطر الأهداف الاستراتيجية للطبقة العاملة العالمية وانتصار الاشتراكية الشيوعية على الرأسمالية. إن الدفاع عن الماركسية وتطويرها لعب وسيلعب دائما دورا أساسيا في انتصار الثورة وفي بناء الاشتراكية المنتصرة، لأن البرجوازية والإمبريالية والانتهازية تعمل في مجال الأفكار على إخراج النضال الثوري عن مساره وتوجيهه نحو مسارات تخدم استقرار الرأسمالية.

خطواته الأولى في الحركة الثورية وبناء الحزب
أول اتصال لفلاديمير إيليتش بالأدب الماركسي كان من خلال شقيقه ألكسندر، الذي سُجن وهو في الحادية والعشرين من عمره ثم أُعدم مع أربعة شبان آخرين لمشاركتهم في هجوم على القيصر ألكسندر الثالث، الذي نجا سالمًا. كان فلاديمير إيليتش آنذاك يبلغ من العمر 17 عامًا ويعتبر بالفعل إعدام ممثلي الاستبداد القيصري كآلية لتحرير الشعب خطأً.
في نفس العام الذي وقع فيه هذا الحدث (1887)، دخل فلاديمير إيليتش -الذي اتخذ فيما بعد اسم لينين- لدراسة القانون في جامعة كازان، ولكن بعد أشهر قليلة طُرد من الجامعة بسبب مشاركته في حركة طلابية، كانت تعارض بعض اللوائح الداخلية للجامعة. وتضمنت العقوبة أيضًا منعه من الاستمرار في العيش في هذه المدينة، لذلك تم إرساله إلى كوكوشينو، وهي القرية التي كانت تعيش فيها أخته آنا. وأمرت الشرطة القيصرية "بمراقبة شديدة للمبعد". وهكذا بدأوا عملية مراقبة بوليسية وثيقة سترافقهم حتى انتصار الثورة، وعلاوة على ذلك، حتى في المنفى والهجرة القسرية. وفيما يتعلق بهذه التجربة الأولى، تذكر بعد سنوات ما يلي: "يبدو لي أنني لم أقرأ قط في حياتي بعد ذلك، لا في سجن بطرسبورغ ولا في سيبيريا، بقدر ما قرأت خلال سنوات ترحيلي إلى قرية كازان. "إذ كانت القراءة مسترسلة، من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل".
ولم يتمكن من إكمال دراسته للقانون إلا في عام 1891، في جامعة سانت بطرسبورغ، التي وافقت على قبوله "كطالب خارجي"، أي غير قادر على الحضور في الفصل ومضطر للدراسة بمفرده. حصل لينين على أعلى الدرجات في جميع المواد في فصله.
في عام 1893، انتقل إلى سانت بطرسبورغ، مقر الحكومة القيصرية وأحد مراكز التطور الرأسمالي الأعظم في البلاد، وبالتالي مع وجود الطبقة العاملة. كانت هناك عدة حلقات ثورية، تتألف بشكل رئيسي من مثقفين من البرجوازية الصغيرة وتحت تأثير "الشعبويين"، أنصار السياسة الإصلاحية الليبرالية، الذين قللوا من استغلال الفلاحين الفقراء، ومن الصراع الطبقي في الريف، وفي في الواقع، لقد عارضوا النضال الثوري ضد الاستبداد القيصري.
وهناك انضم إلى جماعة ماركسية كانت تقوم بالدعاية الاشتراكية بين العمال. إن استيعابه للماركسية جعله زعيمًا ماركسيًا معروفًا في العاصمة. قبل ذلك بعام، في سمارة، كان فلاديمير إيليتش، البالغ من العمر 22 عامًا، يُعتبر بالفعل منظمًا للدوائر الماركسية الأولى في تلك المدينة.
لقد فهم لينين بوضوح تام أن محاربة أفكار "الشعبويين" وكشف النقاب عنها كانت حاجة ثورية، وكتب كتابًا بعنوان "من هم أصدقاء الشعب وكيف يحاربون الاشتراكيين الديمقراطيين"، والذي كشف فيه عن "منظري" الشعبوية كممثلين للطريقة الذاتية والمثالية والمعادية للعلم، " إذ هم ينكرون الطابع الموضوعي لقوانين التنمية الاجتماعية والدور الحاسم للجماهير في التاريخ"؛ كما تحدث، لأول مرة أمام الاشتراكيين الديمقراطيين الروس، عن ضرورة إنشاء حزب العمال الماركسي وفكرة التحالف الثوري بين العمال والفلاحين، كأداة أساسية لوضع حد للنظام القيصري، نظام ملاك الأراضي والبرجوازية، وبناء المجتمع الشيوعي.
أقام اتصالات مع مختلف المجموعات الماركسية في الداخل والخارج. لقد عمل أولاً على توحيد الحلقات الماركسية في بطرسبرغ في منظمة اتخذت اسم "اتحاد النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة" (1895) والذي سيكون، على حد تعبير لينين نفسه، "جنين" عمل حزب الطبقة. وفي ديسمبر من نفس العام، اعتقلت الشرطة العديد من أعضاء "اتحاد النضال"، ومن بينهم لينين، الذي بقي في السجن لمدة أربعة عشر شهرًا. في يناير 1897، تم ترحيله لمدة ثلاث سنوات إلى بلدة صغيرة في سيبيريا، كتب خلالها أكثر من ثلاثين عملاً، منها: "تطور الرأسمالية في روسيا"، "مهام الديمقراطيين الاشتراكيين الروس"، "الرأسمالية في روسيا"، "الرأسمالية في الزراعة"، "مسودة برنامج حزبنا".
وبمجرد انتهاء منفاه في يناير 1900، كرس لينين نفسه بالكامل لمهمتين كانا قد فكر فيهما وخطط لهما بعناية خلال هذه الفترة: بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة وإنشاء صحيفة ماركسية لعموم روسيا، الإيسكرا، التي صدر العدد الأول منها في ديسمبر من نفس العام. وكانت الصحيفة - التي كانت تصدر في الخارج - "مهدت للتماسك الأيديولوجي والتنظيمي للحزب في جميع أنحاء روسيا".
وكانت عيون الأوكرانا (الشرطة السياسية القيصرية) تلاحق لينين عن كثب، مما أجبره على مغادرة البلاد في يوليو 1900، وبالكاد تمكن من العودة بعد خمس سنوات، عندما اندلعت الثورة الروسية عام 1905.
أثناء وجوده في المنفى في سيبيريا، انعقد أول مؤتمر للحزب في عام 1898، والذي قرر إنشاء حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي في روسيا، POSDR. وعلى الرغم من أن الحزب قد تم إنشاؤه رسميًا، إلا أنه في الواقع لم يكن موجودًا بعد: كان يفتقر إلى برنامج وقوانين، واعتقلت الشرطة اللجنة المركزية التي تم انتخابها له ولم يتم إعادة تشكيلها، واستمر التشتت الأيديولوجي والتنظيمي بين المجموعات.
أدى الوضع السياسي الذي اتسم باحتدام الصراع الطبقي الاجتماعي وقرب حدوث انفجار ثوري إلى إنشاء الحزب. بالنسبة للينين، لم يكن الأمر مجرد مسألة الدعوة إلى مؤتمر جديد؛ وقال إنه قبل تحقيق ذلك كان لا بد من توضيح وتوحيد أهداف وغايات الحزب وأشكال تنظيمه ووسائله النضالية، وتطهير التنظيمات من وجهات النظر المخالفة للمفاهيم الماركسية. ولتحقيق هذه الأهداف، اقترح إنشاء الإيسكرا (الشرارة). وفي المقال "بمَ نبدأ؟"، حدد خطة تنظيم الحزب، والتي طورها فيما بعد في كتاب "ما العمل؟ "
بدأ المؤتمر الثاني لحزب POSDR بعد ظهر يوم 17 يوليو 1903 في ضواحي بروكسل ببلجيكا، ولكن بسبب المضايقة البوليسية اضطر إلى إنهاء عمله في لندن. حضر المؤتمر 43 مندوبًا يمثلون 26 منظمة حزبية سرية.
كان على المؤتمر أن يتغلب على العديد من المشاكل، لأن جميع المشاركين فيه كانوا متعاطفين مع السياسات التي تروج لها الإيسكرا. ووافق على برنامج الحزب الذي يتميز بمضمونه الثوري، والذي تم الحفاظ عليه حتى المؤتمر الثامن للحزب البلشفي، الذي عقد بعد انتصار الثورة البروليتارية عام 1917.
لقد وضع البرنامج الأساس للتوحيد الأيديولوجي للحزب. ومع ذلك، عندما تعلق الأمر بالموافقة على النظام الأساسي، تعطل النقاش، وكانت الخلافات عميقة. اقترح لينين أنه لكي تكون عضوًا في الحزب، يجب على الشخص قبول البرنامج، ومساعدة الحزب ماديًا، والانتساب إلى إحدى منظماته. لم يعتبر معارضو لينين، بقيادة مارتوف، أنه من الضروري أن تكون جزءًا من منظمة حزبية. احتوت صيغة لينين على معيار الحزب باعتباره "فصيلا منظما لا ينضم أعضاؤها إلى الحزب، ولكن يتم قبولهم من قبل إحدى منظماته، وبالتالي يخضعون لانضباط الحزب". أيد الإيسكراويون المترددون اقتراح مارتوف، الذي تم تبنيه بأغلبية 28 صوتًا مقابل 22، مع امتناع عضو واحد عن التصويت.
انتخب المؤتمر لجنة مركزية مكونة من لينينيين ووافق أيضًا على تكوين هيئة تحرير الإيسكرا التي اقترحها لينين. أعطت قرارات المؤتمر بشأن تكوين الأجهزة المركزية للحزب النصر لمؤيدي لينين، الذين أطلق عليهم اسم البلاشفة (الأغلبية) وخصومهم المناشفة (الأقلية). ومع مرور الوقت، أصبحت للبلاشفة اليد العليا كطليعة ثورية للطبقة العاملة، المنظمة وفقا لمبادئ الماركسية اللينينية.

ثورة 1905
في يناير 1904، دون إعلان الحرب، هاجمت اليابان قلعة بورت آرثر الروسية، مما ألحق خسائر فادحة بالأسطول الروسي الذي كان يحرس الميناء. وهكذا بدأت الحرب الروسية اليابانية التي انتهت في سبتمبر 1905 بانتصار اليابان. وتقع بورت آرثر في شبه جزيرة لياو تونغ، قبل سنوات من إجبار الحكومة القيصرية الصين على التنازل عنها لروسيا. اتبعت القيصرية سياسة الضم في الشرق الأقصى، والتي اصطدمت مع الإمبريالية اليابانية، التي سعت أيضًا إلى الحصول على مواقع في القارة الآسيوية.
أدّت الحرب، بالإضافة إلى التكلفة الهائلة في الأرواح البشرية (120 ألف قتيل وجريح وأسير في الجيش القيصري)، إلى نفقات هائلة وتأثير كبير على اقتصاد البلاد، مما أثار استياء الجماهير التي عارضتها. أصبحت حياة العمال لا تطاق وتزايدت كراهيتهم للنظام القيصري. إن ظروف الاستغلال والقمع التي عاش فيها العمال والفلاحون والقوميات هي التي احتضنت ظروف النهوض الثوري، والتي تعمقت مع نتيجة الحرب.
تابع لينين الأحداث عن كثب من سويسرا. اتخذ البلاشفة والمناشفة مواقف مختلفة فيما يتعلق بالحرب. «لقد اتخذ المناشفة، بما في ذلك تروتسكي، مواقف دفاعية، أي أنهم اعتمدوا الدفاع عن «وطن» القيصر، وملاك الأراضي، والرأسماليين. ومن ناحية أخرى، فهم البلاشفة، بقيادة لينين، أن هزيمة الحكومة القيصرية في هذه الحرب الجشعة ستكون مفيدة، لأنها ستؤدي إلى تفكك القيصرية وتعزيز الثورة.
في ديسمبر 1904، اندلع إضراب عمالي كبير بقيادة البلاشفة في باكو، وانتهى بانتصار تاريخي: توقيع أول عقد بين العمال وأصحاب العمل في روسيا. كانت هذه المعركة بمثابة بداية الانتفاضة الثورية في منطقة القوقاز وعدد من مناطق روسيا. وفي ديسمبر 1904، بدأت أيضًا صحيفة Vperiod (إلى الأمام) في الانتشار، وقد حافظت على التوجه السياسي للإيسكرا القديمة، التي كانت قد تخلت عن طابعها الثوري لتصبح المتحدث الرسمي باسم المواقف التصالحية، بعد أن ترك البلاشفة هيئة تحريرها.
ووسط موجة الاحتجاجات التي اندلعت في عدة مدن، حيث نمت الحركة بسرعة، نظم الكاهن جورجي جابون - الذي كان يعمل مع الشرطة القيصرية - تعبئة أمام قصر الشتاء في سانت بطرسبرغ، يوم 9 نوفمبر 1905، من أجل تقديم التماس إلى القيصر نيكولاس الثاني يوضح احتياجات الشعب. لقد كان عملا استفزازيا بالتنسيق مع الأوكرانا. تعرض الآلاف من الرجال والنساء والأطفال وكبار السن الذين كانوا يسيرون بسلام إلى كمين وأطلقوا النار عليهم؛ وقُتل أكثر من ألفي شخص وجُرح ما يقرب من خمسة آلاف. وكتب لينين في مقال بعنوان "خطة معركة سانت بطرسبرغ": "لقد كانت أسوأ أعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبت بدم بارد ضد جماهير الشعب المسالمين والعزل".
ولم تثر المجزرة، التي وُصفت بالأحد الدامي، الخوف أو الاستسلام الذي توقعه النظام. في نفس اليوم الذي بدأ فيه القتال، أقام العمال الحواجز والمتاريس في شوارع العاصمة، وفي الأيام التالية انتشرت موجة من الإضرابات في جميع أنحاء روسيا.
في جنيف (سويسرا)، كتب لينين مقاله "الثورة في روسيا"، والذي وصف فيه النضال البطولي للبروليتاريا الروسية بعبارات مثل هذه: "أنهار من الدماء تتدفق، وتؤجج الحرب الأهلية من أجل الحرية... وأصبح شعار العمال: الموت أو الحرية! تحيا الثورة! "عاشت البروليتاريا المتمردة!" يذكر إليو بولسانيلو، في كتابه موجز تاريخ لينين المصور، أن لينين كتب أكثر من ستين مقالاً في فبريود، قام فيها بتحليل وإثبات تكتيكات البلاشفة وحاجة قيادة الحزب لقيادة الانتفاضة المسلحة.
إن الاختلافات في وجهات النظر داخل حزب POSDR حول التكتيكات التي يجب اعتمادها في مواجهة الأحداث جعلت من الملحّ عقد المؤتمر الثالث للحزب من أجل تحديد تكتيك سياسي واحد، ملزم لجميع أعضاء الحزب. عارض المناشفة انعقاده ولم يحضروا المؤتمر الذي انعقد في أبريل 1905 في لندن. وقد أدان المؤتمر المناشفة باعتبارهم "كتلة انفصلت عن الحزب". وفي الوقت نفسه، عقد المناشفة مؤتمرا في جنيف: "مؤتمران وحزبان" هكذا وصف لينين ما كان يحدث.
لقد قرر المؤتمر الثالث أنه "على الرغم من الطابع الديمقراطي البرجوازي للثورة التي كانت في طور التطور، وعلى الرغم من أنها لم تكن قادرة في ذلك الوقت على ترك إطار التدابير المتوافقة مع الرأسمالية، إلا أن انتصارها الكامل كان في مصلحة البروليتاريا في المقام الأول. لأن انتصار هذه الثورة سيعطي للبروليتاريا إمكانية تنظيم نفسها وتثقيف نفسها سياسيا واكتساب خبرة وعادات القيادة السياسية للجماهير العاملة والانتقال من الثورة البرجوازية إلى الثورة الاشتراكية."
وبعد شهرين من هذا المؤتمر ظهر كتاب "خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية"، الذي انتقد فيه لينين التكتيكات السياسية للمناشفة وأسس التكتيكات الثورية للبلاشفة. إن الأطروحة التكتيكية الأساسية التي طورها لينين تنص على أن البروليتاريا يمكنها ويجب عليها أن تكون قائدة الثورة الديمقراطية البرجوازية في روسيا. كتب لينين: "إن الماركسية لا تعلم البروليتاريا البقاء خارج الثورة البرجوازية، وعدم المشاركة فيها، والتنازل عن قيادتها للبرجوازية، بل على العكس من ذلك تعلمها أنه يجب عليها المشاركة في الثورة البرجوازية "مع المزيد من الطاقة والتصميم في النضال من أجل ديمقراطية بروليتارية متماسكة، في النضال من أجل الوصول بالثورة إلى نهايتها."

في المنفى مرة أخرى
بعد هزيمة ثورة 1905، ازداد هجوم القيصرية على الحركة العمالية والمنظمات الثورية، وساد جو من الرعب. وتعرض البلاشفة خاصة للاضطهاد، وحُكم على الكثير منهم بالإعدام أو السجن. وشدّدت شرطة القيصر البحث عن لينين الذي كان عليه، في مواجهة الخطر الذي يهدد حياته، أن يسلك طريق المنفى. عبر خليج فنلندا المتجمد سيرًا على الأقدام، غادر روسيا وتوجه إلى ستوكهولم، حيث انتظر كروبسكايا، التي بقيت في بطرسبورغ، ثم سافر إلى جنيف، سويسرا. نحن في عام 1908 ولن يتمكن لينين من العودة إلى روسيا حتى عام 1917.
ومع تغير الظروف السياسية في روسيا، أدرك لينين أن الظروف الجديدة جعلت من الضروري اللجوء إلى جميع أشكال النضال للحفاظ على العلاقات مع الجماهير واستعادة القوة. كان أحد أشكال النضال هذه هو المشاركة في مجلس الدوما (الجمعية التشريعية)، حيث قام البلاشفة بعمل مكثف لكشف النظام. وبتحليل ما يعنيه هذا العصر، يؤكد ستالين أن "هذه هي الفترة التي انتقل فيها حزبنا من النضال الثوري المفتوح ضد القيصرية إلى النضال من خلال المنعطفات، إلى استخدام جميع الإمكانيات القانونية". .
"لقد كانت فترة الانسحاب، بعد الهزيمة في ثورة 1905".
كان عمل لينين في المنفى مكثفًا ومثمرًا. وغني عن القول إنه كتب عددًا لا يحصى من المقالات والتقارير والتحليلات وغيرها. ومن أبرز الأعمال المكتوبة خلال هذه السنوات: "الماركسية والتحريفية"، "المادية والمذهب التجريبي النقدي"، "المصادر الثلاثة والأجزاء الثلاثة المكوّنة للماركسية"، "الإمبريالية، أعلى مراحل الرأسمالية"، "الدولة والثورة"، "حول المشكلة الوطنية"، "الاشتراكية والحرب"، أطروحات أبريل/نيسان"، من بين عدة كتابات أخرى.
لقد عمل بلا كلل لتوحيد القوى البلشفية، ومن خلال الاتصالات قاد نشاط الحزب في روسيا، وألقى محاضرات، وشارك في اجتماعات POSDR التي عقدت في الخارج، وأدار العديد من الصحف، وقام بتنظيم مدرسة حزبية في باريس مخصصة للعمال الذين كرسوا أنفسهم للعمل السري، فنظم أكثر من خمسين دورة تكوينية حول نظرية الاشتراكية وممارستها، وشارك في عدة اجتماعات لمكتب الأممية الاشتراكية.
لقد مرت سنوات وتغيرت الظروف السياسية في روسيا. ومرة أخرى عادت الحماسة الثورية لتنتشر في روسيا، وشعر لينين بالحاجة إلى وجود صحيفة تخاطب جميع فئات الشعب. وبالتنسيق مع ستالين، صدر العدد الأول من برافدا (الحقيقة) في 22 أفريل 1912 (5 ماي/أيار حسب التقويم الجديد). كان لينين يكتب يوميا تقريبا، مستخدما أسماء مستعارة مختلفة. كان آنذاك يعيش في باريس، ولكن لكي يكون أقرب إلى بلاده ويدير الصحيفة، انتقل مع والدته وكروبسكايا، إلى كراكوف، التي كانت آنذاك جزءًا من الإمبراطورية النمساوية المجرية.
هزت موجة جديدة من الإضرابات العمالية روسيا في الأشهر الأولى من عام 1914؛ كان السخط يتزايد في الريف، مهددًا باتخاذ شكل انتفاضات واسعة النطاق. وفي النصف الثاني من ذلك العام، اندلعت الحرب العالمية الأولى، التي أثارتها الإمبريالية الألمانية. في البداية، كانت ألمانيا والنمسا - المجر من جهة، ضد روسيا وإنجلترا وفرنسا من جهة أخرى. ثم انتشر الصراع في جميع أنحاء أوروبا وآسيا. فاجأ اندلاع الحرب لينين في بورونين Poronine، في الأراضي النمساوية المجرية، فاعتقلته الشرطة النمساوية بتهمة التجسس لصالح الحكومة القيصرية. في الواقع، كان الاعتقال بسبب حقيقة أن لينين أعلن عن موقفه ضد الحرب منذ البداية. وبعد أحد عشر يوماً من الاعتقال، أطلق سراحه وتوجه إلى برن Berne، عاصمة سويسرا، الدولة التي أعلنت حيادها قبل الحرب.
عبّر النواب البلاشفة في الدوما الرابعة عن موقفهم ضد الحرب فتم ترحيلهم إلى سيبيريا، وأمر القيصر بالسجن الجماعي لأعضاء الحزب البلشفي والمتعاطفين معه. لم يكن لينين ضد الحرب فحسب، بل اقترح أيضًا تحويل الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية، مع استخدام الأسلحة، ليس ضد العمال الأشقاء في بلد آخر، ولكن ضد الحكومات البرجوازية. ودعا لينين إلى إعلان "الحرب على الحرب". وعلى النقيض من الموقف الثوري للحزب البلشفي، دعمت الأحزاب السياسية الديمقراطية الاشتراكية الأوروبية التابعة للأممية الثانية حكوماتها علنًا خلال الحرب. إن التصويت في البرلمانات لصالح ميزانيات الحرب خيانة لمبادئ الأممية البروليتارية، وكان هذا السلوك بمثابة ذروة عملية الانحطاط التي أدت إلى تصفيتها. بالنسبة للينين، كانت الأممية الاشتراكية الديمقراطية أداة في خدمة البرجوازية، وكانت البروليتاريا بحاجة إلى منظمة جديدة واقترح إنشاء الأممية الثالثة.
كانت الحرب كارثة على العمال والشعب في روسيا، فقد خلفت أعدادا مهولة من القتلى والجرحى والجياع؛ وكان الجيش يراكم الهزائم وتم تدمير اقتصاد البلاد. واستمرت البرجوازية الكبيرة وملاك الأراضي في الاستمتاع بثرواتهم. نما السخط وكراهية العمال والفلاحين والجنود والمثقفين ضد النظام القيصري وتم التعبير عنه في أعمال احتجاجية ضخمة ضد الحرب وضد القيصرية. حتى أن السخط أصاب قطاعات من البرجوازية، التي تعاطفت مع حكومتي إنجلترا وفرنسا وحصلت على دعمهما.
بدأ عام 1917 باضطرابات عمالية شديدة، واندلعت الإضرابات في عدة مدن. كانت فكرة شن إضراب عام تكتسب شعبية. وفي بتروغراد، انضم الجنود إلى المتظاهرين. مرة أخرى، يبرز موقفان مختلفان بين المنظمات الثورية: لقد بذل المناشفة والحزب الاشتراكي الثوري كل ما في وسعهم لجلب الحركة إلى الإطار المؤسسي الذي يناسب البرجوازية الليبرالية؛ من ناحية أخرى، فهم البلاشفة أن الظروف الملائمة لثورة جديدة قد أصبحت مهيّأة وأنه يجب تنفيذها.

انتصار ثورة 1917
لقد فهم العمال والشعب أن الإمكانية الوحيدة لتجنب الانهيار التام للبلاد تقتضي انتصار الثورة. وقد وصل تصاعد الإضرابات والمظاهرات السياسية ضد الحرب والجوع والاستبداد إلى مستوى الانتفاضة في 26 فيفري. وترحيبًا بدعوة البلاشفة، انضم الجنود إلى الشعب وتقرر مصير القيصرية. ففي 27 فيفري، سقط النظام القيصري، وبعد بضعة أيام عيّنت الدوما حكومة مؤقتة جديدة شارك فيها ممثلون عن "البورجوازية وعن ملاك الأراضي البرجوازيين".
وفي ما بين فيفري وأكتوبر 1917، شهدت روسيا فترة ثورية غير مسبوقة، وظل النضال السياسي مريرًا ورفعت الحركة العمالية لافتات ومطالب سياسية جديدة.
لقد بذلت البرجوازية الليبرالية والمناشفة والاشتراكيون الثوريون كل ما في وسعهم لوقف الزخم الثوري للعمال والفلاحين الذين طالبوا بمزيد من الإجراءات الجذرية، لأنهم رأوا أن ما تم القيام به حتى ذلك الوقت "لم يكن كافيا، ولم يبلغ مستوى ما كان منتظرا من الثورة". كتب لينين، في أولى رسائله من بعيد، أن “كلمة السر، يجب أن تكون في هذه اللحظة: " يا أيها العمال! لقد أنجزتم نماذج من البطولات البروليتارية والشعبية في الحرب الأهلية ضد القيصرية، وسيتعين عليكم الآن القيام بالمعجزات في تنظيم البروليتاريا والشعب بأكمله للاستعداد لانتصاركم في المرحلة الثانية من الثورة."
وعادت السوفييتات إلى الظهور، وكانت ظهرت لأول مرة خلال ثورة 1905 بمبادرة من العمال، وكشفت عن نفسها كأجهزة للانتفاضة المسلحة وبذرة للسلطة الجديدة. كانت هذه السوفييتات مكونة من العمال والجنود. وكان هؤلاء الأخيرين، في الأساس، فلاحين أجبروا على الحرب. وبهذه الطريقة، خُلق وضع فريد: وجود سلطتين، دكتاتورية البرجوازية المتمثلة في الحكومة المؤقتة، وديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين، ممثلة في السوفييتات.
لكن لا يمكن الحفاظ على ازدواجية السلطة هذه لفترة طويلة؛ وستؤول الغلبة في النهاية الى من سينتصر. وفي رسالة أخرى من بعيد، يحلل لينين الوضع والمهام السياسية كما يلي: "في الرسائل السابقة، تمت صياغة المهام الحالية للبروليتاريا الثورية في روسيا على النحو التالي: (1) معرفة كيفية الوصول إلى أقصى السبل فعالية في المرحلة التالية من الثورة، أو الثورة الثانية، والتي (2) يجب أن تنتقل سلطة الدولة فيها من أيدي حكومة الملاكين العقاريين والرأسماليين (...) إلى أيدي حكومة العمال والفلاحين الفقراء. (3) ويجب تنظيم هذه الحكومة الأخيرة وفقا لنموذج مجالس نواب العمال والفلاحين، أي بتعبير أدق، (4) يجب عليها تحطيم وتصفية آلة الدولة القديمة كما توجد في جميع البلدان البرجوازية – الجيش والشرطة والبيروقراطية – واستبدالها (5) بتنظيم الشعب المسلح الذي لا يقتصر فقط على جماهير واسعة، بل يجب أن يشمل كل الشعب. (6) إن حكومة "مثل هذه" فقط، بسبب تكوينها الطبقي ("ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطية الثورية") وبسبب أجهزتها الإدارية ("الميليشيات البروليتارية") ستكون قادرة على حل المشكلة الأساسية بشكل فعال. أما في هذه اللحظة، فهناك مشكلة صعبة للغاية وذات إلحاح مطلق، وهي: تحقيق السلام، سلام ليس امبرياليًا، وليس اتفاقًا بين القوى الإمبريالية لتقاسم الغنائم التي حصل عليها الرأسماليون وحكوماتهم عن طريق النهب، ولكنه سلام حقيقي. السلام الدائم والديمقراطي، الذي لا يمكن تحقيقه بدون الثورة البروليتارية في العديد من البلدان. (7) في روسيا، لن يكون انتصار البروليتاريا ممكنا إلا في المستقبل القريب بشرط أن تتجلى الخطوة الأولى للثورة في دعم العمال للأغلبية الساحقة من الفلاحين في النضال من أجل مصادرة جميع الملكيات العقارية وتأميم جميع الأراضي."
في 3 (16) أفريل 1917، عاد لينين من الهجرة وكان لعودته الأثر الكبير على الحزب والثورة. ففي بتروغراد، تجمع آلاف العمال في ساحة محطة فنلندا لاستقبال زعيم البلاشفة، حيث ألقى كلمة دعا فيها الشعب إلى القيام بالثورة الاشتراكية. وفي اليوم التالي، في اجتماع الحزب البلشفي، قدّم الخطوط العريضة للخطة التفصيلية لتحويل الثورة الديمقراطية البرجوازية إلى ثورة اشتراكية: أطروحات أفريل الشهيرة.
وفي المجال الاقتصادي، اقترح تدابير مثل تأميم جميع الأراضي في البلاد ومصادرة أراضي ملاك الأراضي، وإيجاد بنك وطني واحد، يخضع لرقابة سوفييت نواب العمال، ومراقبة العمال على إنتاج وتوزيع المنتجات.
وفيما يتعلق بالمجال السياسي، تشير الأطروحات إلى ما يلي: "تكمن خصوصية العصر الحالي في روسيا في المرور من المرحلة الأولى من الثورة، التي أعطت السلطة للبرجوازية لأن البروليتاريا "لم تكن تملك الدرجة اللازمة من الوعي والتنظيم"، الى مرحلتها الثانية، والذي يجب أن تضع السلطة في أيدي البروليتاريا والشرائح الفقيرة من الفلاحين".
ويؤكد لينين أن الشكل السياسي لهذه المرحلة لم يعد من الممكن أن يكون الجمهورية البرلمانية، بل جمهورية السوفييتات: "ليست جمهورية برلمانية - فالعودة إليها من سوفييتات نواب العمال ستكون خطوة إلى الوراء - بل جمهورية سوفييتات نواب العمال وعمال الزراعة والفلاحين في كل أنحاء البلاد من الأسفل إلى الأعلى. "
وفي نهاية أفريل 1917، انعقد المؤتمر السابع للحزب البلشفي (لأول مرة مؤتمر مفتوح)، وشرح خلاله لينين النقاط الواردة في أطروحات أفريل. ولخص محتوى العمل السياسي للحزب في ذلك الوقت في جملة واحدة: "كل السلطة للسوفييتات!"

انتصار الثورة البلشفية
أدى انتصار الثورة الديمقراطية البرجوازية في فيفري/فبراير 1917 إلى تفاقم المواجهة السياسية في روسيا: فقد ضغطت الطبقة العاملة من أجل التقدم أكثر، في حين بذلت البرجوازية الليبرالية والانتهازية الإصلاحية كل ما في وسعها لتهدئة نضال الجماهير. انتشر الشعار الذي أطلقه البلاشفة: "كل السلطة للسوفييتات" بين العمال والفلاحين والجنود الذين احتشدوا بكثافة في الشوارع.
حدثت إحدى هذه التعبئات الكبيرة في 3 جويلية/يوليو 1917 في بتروغراد، وتم قمعها بوحشية من قبل الحكومة المؤقتة. “كانت شوارع العاصمة مغطاة بالدماء، وكانت السجون مليئة بالبلاشفة. تم تدمير مكتب تحرير برافدا، حيث كان لينين قبل لحظات قليلة. " لجأ لفترة من الوقت إلى كوخ صغير على ضفاف بحيرة رازليف، بالقرب من الحدود الفنلندية، لكن مضايقات عملاء الحكومة أجبرته على التوجّه إلى فنلندا.
مكّن ردّ فعل الحكومة المؤقتة من تغيير الظروف مؤقتًا لصالح البرجوازية، التي حصلت على مقاعد في السوفييتات بفضل دعم المناشفة والاشتراكيين الثوريين. وفرض السحب المؤقت لشعار "كل السلطة للسوفييتات!" وقد تمت الموافقة على هذا القرار من قبل مؤتمر الحزب السادس، الذي اجتمع سرا في نهاية جويلية/يوليو وبداية أوت/ أغسطس في بتروغراد، بسبب اضطهاد البلاشفة. وكان لينين غير قادر على الحضور، لكنه كان يوجه عمله من السرية.
من شهر جويلية/يوليو إلى أكتوبر 1917، بينما كان لينين مختبئًا، انتهز الفرصة لكتابة النص الذي يحوصل النظرية الماركسية حول الدولة، المعروف تحت عنوان "الدولة والثورة". وفي مقدمة الطبعة الأولى من هذا العمل، يشير لينين إلى أنه كان لديه مخطط لمحتويات الفصل السابع من العمل، الذي كان قد كتبه، يقول "لكن لم يكن لدي الوقت لكتابة سطر واحد من هذا الفصل: وقد حالت دون ذلك الأزمة السياسية وعشية ثورة أكتوبر. لكن لا يسعني إلا أن أقول إن تجربة الثورة أكثر متعة وفائدة من الكتابة عنها".
إن العمل الدؤوب الذي قام به البلاشفة، والذي كشف الطبيعة الانتهازية والرجعية للحكومة المؤقتة، والعمل التوضيحي لضرورة التقدّم نحو الاشتراكية، والمواجهة الشجاعة التي قام بها البلاشفة مع محاولة الجنرال كورنيلوف سحق الثورة بالبنادق، سمح لهذا الحزب POSDR باكتساب مساحة ونفوذ بين جماهير العمال والفلاحين وداخل السوفييتات.
فتحت هزيمة قوات كورنيلوف لحظة سياسية جديدة في تطور الثورة؛ أثبت الحزب البلشفي أنه القوة الحاسمة في العملية الجارية، وأثبت السوفييتات، التي استعادت نشاطها السياسي الطبقي، مرة أخرى أنها قوة سياسية كبيرة للمقاومة والعمل الثوري.
ويصف تاريخ الحزب الشيوعي (البلشفي) لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية هذه اللحظة بأنها نقطة صعود الثورة:
"بدأت مرحلة تنشيط وتجديد السوفييتات، مرحلة بلشفة السوفييتات، في التطور." لقد فهم لينين أن التغيير في ميزان القوى يشهد على وجود الأسس الأساسية اللازمة للمضي قدماً في الانتفاضة. ومرة أخرى كانت الأجندة هي إعطاء كل السلطة للسوفييتات! ولكن الآن أصبحت هذه السوفييتات يديرها البلاشفة.
في 7 أكتوبر 1917، غادر لينين فنلندا سرًا ووصل إلى بتروغراد، عاصمة روسيا. وفي الثامن من الشهر نفسه، كتب الرسالة الشهيرة المعروفة باسم "نصيحة من غائب"، والتي أصرّ فيها على ضرورة العمل على نقل السلطة إلى السوفييتات، محذرا من أن "انتقال السلطة إلى السوفييتات يعني اليوم عمليا عصيان مسلح". . […] لكن التمرد المسلح هو نوع خاص من النضال السياسي، ويخضع لقوانين خاصة، والتي يجب تحليلها بعناية. وقد عبر كارل ماركس عن هذه الحقيقة عندما كتب أن "الانتفاضة" "هي فن، تماما مثل الحرب".
ومن أهم قواعد هذا الفن أبرز ماركس ما يلي:
1ـ حذار من اللعب بالانتفاضة، وبمجرد أن تبدأ، اعلم أنه يجب عليك الاستمرار حتى النهاية.
2ـ يجب تركيز القوات الأكثر جاهزية في المكان الحاسم وفي اللحظة الحاسمة، وإلا فإن العدو، الأفضل استعدادا وتنظيما، سيقضي على المتمردين.
3ـ بمجرد أن تبدأ الانتفاضة، يجب علينا أن نتصرف بأكبر قدر من الطاقة وأن ننتقل بالضرورة ودون قيد أو شرط إلى الهجوم. "فالدفاع هو موت أي انتفاضة مسلحة. "
4ـ يجب أن نسعى جاهدين لمفاجأة العدو، للاستفادة من اللحظة التي لا تزال فيها قواته مشتتة.
5ـ يجب تحقيق النجاحات كل يوم (ويمكن القول كل ساعة، إذا كانت مدينة واحدة) حتى لو كانت صغيرة، مع الحفاظ على "التفوق الأخلاقي" بأي ثمن.
في 24 أكتوبر (6 نوفمبر)، دعت صحيفة سيندا أوبريرا (اللسان المركزي للحزب البلشفي في ذلك الوقت) إلى الإطاحة بالحكومة المؤقتة؛ مفارز من الجنود الثوريين والحرس الأحمر تتمركز في سمولني (مقر الثورة) وفي نقاط استراتيجية مختلفة. لقد بدأت الانتفاضة. وفي ليلة 25 أكتوبر (7 نوفمبر)، ذهب لينين إلى سمولني ليتولى بنفسه مسؤولية الحركة. وفي نفس اليوم، 25 أكتوبر، ذكر بيان صادر عن الحزب البلشفي أنه تمت الإطاحة بالحكومة المؤقتة وأن السلطة أصبحت في أيدي السوفييتات. أدت خطة لينين إلى انتصار الثورة الاشتراكية الأولى على هذا الكوكب.

السنوات الأولى للجمهورية السوفيتية
بمجرد الفوز بالسلطة، ركزت جهود لينين والحزب البلشفي على مهمة بناء الاشتراكية، ولكن لتحقيق هذا الهدف كان من الضروري حل مشكلة مركزية: إنهاء الحرب. وكان أول مرسوم للدولة الاشتراكية الوليدة هو مرسوم السلام، الذي بدوره أرسى سياسة الصداقة مع جميع الشعوب. لم تلق الجهود التي بذلتها الحكومة السوفيتية باتجاه حكومات فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة لبدء مفاوضات مشتركة مع ألمانيا أي رد، ممّا أجبر روسيا على فتح مفاوضات مباشرة مع ألمانيا.
في مدينة بريست ليتوفسك الواقعة على الحدود الروسية البولندية، انتظم مؤتمر السلام في ديسمبر/كانون الأول عام 1917. وتم تكليف ليون تروتسكي (مفوض الشعب للشؤون الخارجية) بالتوقيع على السلام، حتى لو كان في ظروف صعبة بالنسبة لروسيا، لأنه كان من الضروري المرور الى تنفيذ البرنامج الاشتراكي. علاوة على ذلك، أدرك لينين أن حركة تحرير ألمانيا ستلغي في المستقبل القريب معاهدة بريست ليتوفسك. ومع ذلك، فإن سياسة تروتسكي الانتحارية "لا سلام، لا حرب" دفعته إلى رفض التوقيع على معاهدة السلام بل وأبلغ الألمان أن السوفييت لن يشنوا حربًا وأن تسريح جيشهم سيستمر. وهو ما شجع ألمانيا للهجوم مجددا على روسيا. خلال المناقشات حول هذا الموضوع داخل قيادة الحزب، أكد لينين على أن تروتسكي وبوخارين "ساعدا بالفعل الإمبرياليين الألمان وأعاقوا تقدم وتطور الثورة في ألمانيا".1 كلفت خيانة تروتسكي وبوخارين الجمهورية السوفيتية الناشئة غاليًا. إذ انفصلت لاتفيا وإستونيا وبولندا وأوكرانيا عن الجمهورية السوفييتية وأصبحت دولا تابعة لألمانيا2.
في مارس 1918، قرر المؤتمر السابع للحزب تغيير اسمه إلى الحزب الشيوعي (البلشفي) الروسي، كما اقترح لينين بالفعل في أطروحات أفريل (1917). في أفريل 1918، نشر لينين كتيب "المهام المباشرة للسلطة السوفيتية"، والذي وضع فيه المبادئ التوجيهية العامة لبناء الاشتراكية، حيث يقول إنه “يجب أن نأخذ في الاعتبار أنه لكي نحكم بنجاح، علينا، بالإضافة إلى معرفة كيفية الإقناع، بالإضافة إلى معرفة كيفية الانتصار في الحرب الأهلية، معرفة كيفية التنظيم بطريقة عملية. هذه هي المهمة الأكثر صعوبة، لأنها تنطوي على تنظيم بطريقة جديدة للأسس العميقة لحياة عشرات وعشرات الملايين من الناس، أي الأسس الاقتصادية. وهذه هي المهمة الأكثر متعة على الإطلاق، لأنه فقط بعد إنجازها (في جوانبها الرئيسية والأساسية) يمكننا القول إن روسيا لم تصبح جمهورية سوفيتية فحسب، بل أصبحت أيضًا جمهورية اشتراكية.
ويؤكد لينين في نفس النص أن “لدينا في جدول أعمالنا مهام استعادة القوى المنتجة التي دمرتها الحرب وحكومة البرجوازية؛ شفاء الجراح التي سببتها الحرب والهزيمة العسكرية والمضاربات ومحاولات البرجوازية استعادة سلطة المستغلين التي تم الإطاحة بها ؛ رفع المستوى الاقتصادي للبلاد؛ الحفاظ بقوة على النظام الأساسي. قد يبدو هذا متناقضا، ولكن في الواقع، وبموجب الشروط الموضوعية المشار إليها، ليس هناك شك على الإطلاق في أن السلطة السوفياتية في الوقت الحاضر لا تستطيع أن تضمن انتقال روسيا إلى الاشتراكية إلا إذا أنجزت عمليا هذه المهام الأساسية المتمثلة في الحفاظ على الحياة الاجتماعية وحل المشاكل. على الرغم من وجود البرجوازية والمناشفة والاشتراكيين الثوريين اليمينيين».
وقد تبلور رد فعل رأس المال ضد الجمهورية السوفييتية الناشئة مع التدخل العسكري الأجنبي لعدة بلدان - من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا واليابان - مما أجبرها على مواجهة حرب جديدة كلفت حياة الآلاف من الرجال والنساء وتدمير اقتصاد البلاد. في أكتوبر 1922، تم الاحتفال بانتصار الجمهورية السوفيتية بهزيمة الجيش الياباني في فلاديفوستوك، مما أدى إلى جعل المنطقة خالية من الغزاة.
كانت المؤامرة طويلة الأمد ومنهجية، وكانت هناك محاولات لتشكيل حكومات مناهضة للسوفييت والعديد من الهجمات الإرهابية. وكان لينين ضحيتهم. وقعت الأولى في أوائل يناير 1918، عندما كان لينين يغادر تجمعًا حاشدًا، برفقة أخته ماريا وأمين سر الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويسري فريتز بلاتن Fritz Platten، إذ تعرض لهجوم بشظايا. ولم يصب لينين بأذى، لكن بلاتن أصيب في ذراعه. في 30 أوت/أغسطس من نفس العام، تعرض لهجوم ثان، نفذه الحزب الاشتراكي الثوري (SR) فاني كابلان Fanny Kaplan التي أطلقت النار على لينين ثلاث مرات، مما أدى إلى إصابته بقذيفتين في كتفه الأيسر والرئة. وقد سمحت له صحته الجيدة بالتعافي بسرعة: بعد شهر، كان بالفعل في الكرملين، على رأس البلاد.
وبفضل مبادرته، تأسست رابطة الشبيبة الشيوعية، التي انعقد مؤتمرها التأسيسي في أكتوبر 1918؛ وفي العام نفسه، كتب كتابه ذي الرمزية الخاصة "الثورة البروليتارية والمتمرد كاوستكي"، والذي ندد فيه بخيانة كاوستكي والديمقراطية الاجتماعية لمسلمات الماركسية. حيث اعتبر لينين أن كاوستكي يتحدث عن الديمقراطية بشكل عام بدلا من الديمقراطية البرجوازية في الرأسمالية، التي لها مضمون طبقي واضح. «لقد تخلى كاوتسكي عن الماركسية، ناسيًا أن كل دولة هي آلة لاضطهاد طبقة من قبل طبقة أخرى، وأن الجمهورية البرجوازية الأكثر ديمقراطية هي آلة لاضطهاد البروليتاريا من قبل البرجوازية. إن دكتاتورية البروليتاريا، الدولة البروليتارية، آلة استعباد البرجوازية من قبل البروليتاريا، ليست "شكلا من أشكال الحكم"، بل دولة من نوع آخر. إن الخضوع ضروري لأن البرجوازية ستبدي دائما مقاومة شرسة لمصادرة ملكيتها. »4
وفي مارس 1919، نرى لينين في حدثين استثنائيين: مؤتمر الحزب الثامن الذي وافق على برنامجه الجديد والمؤتمر الأول للأحزاب الشيوعية في العديد من البلدان، والذي أسس، بمبادرة من لينين والحزب الشيوعي البلشفي الأممية الشيوعية. وجرى المؤتمر برئاسة لينين.
ففي الأطروحات حول الديمقراطية البرجوازية وديكتاتورية البروليتاريا التي قدمها إلى المؤتمر، قال رئيس الجمهورية السوفيتية: “إن التنظيم السوفييتي للدولة يتكيف مع الدور القيادي للبروليتاريا، الأكثر تركزًا وتعليمًا من قبل الرأسمالية. إن تجربة جميع ثورات وحركات الطبقات المضطهدة، وتجربة الحركة الاشتراكية العالمية، تعلمنا أن البروليتاريا وحدها هي القادرة على توحيد وقيادة الطبقات المتناثرة والمتخلفة من العمال والمستغلين وراءها.
إن التنظيم السوفييتي للدولة وحده هو القادر على تدمير الجهاز القضائي البيروقراطي القديم وجعله يختفي إلى الأبد، أي الجهاز البرجوازي الذي كان ويجب الحفاظ عليه حتماً في ظل الرأسمالية، حتى في أكثر الجمهوريات ديمقراطية. وهو ما يشكل عمليا أكبر عائق أمام تطبيق الديمقراطية لفائدة العمال والكادحين بشكل عام. لقد اتخذت كومونة باريس الخطوة الأولى ذات الأهمية التاريخية العالمية على هذا الطريق؛ وها هي السلطة السوفيتية تنجز الخطوة الثانية.
إن تدمير سلطة الدولة هو الهدف الذي وضعه جميع الاشتراكيين لأنفسهم، وفي مقدمتهم ماركس. وإذا لم يتحقق هذا الهدف، فلا يمكن تحقيق الديمقراطية الحقيقية، أي المساواة والحرية. إن الديمقراطية السوفييتية أو البروليتارية وحدها هي التي تؤدي عمليا إلى هذا الهدف، لأنها من خلال جذب المشاركة الدائمة التي لا غنى عنها في قيادة الدولة إلى المنظمات الجماهيرية للعمال، فإنها تبدأ على الفور في الإعداد للانقراض الكامل لكل دولة.

سنواته الأخيرة

على الرغم من أن أكتوبر 1922 كان التاريخ الذي تم فيه تحرير أراضي الجمهورية السوفيتية الناشئة من وجود الجيوش الغازية، إلا أنه في أوائل عام 1920 أظهر توزيع القوات في المجال العسكري أن الدولة السوفيتية قد فازت بالنصر. وفي 8 فيفري من نفس العام، كتب لينين في صحيفة "برافدا" السطور التالية: "لقد أنهينا بنجاح الحرب الدموية التي فرضها علينا المستغلون. في عامين تعلمنا الفوز وفزنا. الآن سنبدأ حربًا أخرى، ليست حربًا دموية، بل حربا ضد الجوع، ضد البرد، والمرض، والبؤس، والفوضى، والظلامية... لقد عرف العمال والفلاحون كيف يخلقون، بدون رأسماليين، الجيش الأحمر وهزم المستغلين. وسيعرفون أيضًا كيفية إنشاء جيش أحمر للعمل وتحقيق السعادة مرة أخرى من خلال استعادة الزراعة والصناعة. »(1)
لقد تأثر اقتصاد البلاد بشكل رهيب خلال الحرب وتزايد السخط خاصة بين الفلاحين الذين رأوا أن كل ما انتظروه من الثورة لم يتحقق. فخلال سنوات التدخل العسكري الأجنبي، كان على الدولة أن تضع سياسات صارمة لضمان التزوّد بالمنتجات، ونظام الحصص الذي تضمن الاستيلاء على كل فائض الإنتاج من الفلاحين لتلبية الاحتياجات الدفاعية للبلاد، وهو ما قبلوه. لكن بمجرد انتهاء الحرب، لم يعد هناك سبب لمواصلة هذه السياسة (المعروفة بشيوعية الحرب) التي، كما قال لينين، كانت تمسّ بمصالح الفلاحين.
فالوضع الجديد يتطلب توجّها جديدًا، لذلك قرر مؤتمر الحزب العاشر (مارس 1921) الانتقال إلى السياسة الاقتصادية الجديدة (NEP). «كانت شيوعية الحرب عبارة عن محاولة للهجوم المباشر على قوة العناصر الرأسمالية في المدينة والريف. وفي هذا الهجوم، كان الحزب قد تقدم بعيداً جداً، معرضاً نفسه لخطر فقدان الاتصال بقاعدته الشعبية. ثم اقترح لينين إجراء تراجع طفيف، والانسحاب مؤقتًا للاقتراب من المؤخرة، والتحول من القتال عبر الهجوم المستمر إلى طريقة تطويق القلعة، لتجميع القوات ثم تجديد الهجوم. (2). في نوفمبر 1922، تم تقييم. السنوات الخمس من وجود السلطة السوفييتية، فأعرب لينين عن قناعته بأن «روسيا الاشتراكية ستخرج من روسيا التي تنفذ السياسة الاقتصادية الجديدة».
أدى العمل المكثف وعواقب الهجوم المسلح في عام 1918 إلى تدهور صحة رئيس دولة العمال والفلاحين الناشئة. ففي ديسمبر 1920، في اجتماع للكتلة البلشفية للمؤتمر الثامن للسوفييتات، اعترف لينين علنًا لأول مرة بأنه مريض. بعد شهر من الراحة القسرية في غوركي، عاد إلى موسكو. شارك في المؤتمر العاشر للحزب والمؤتمر الثالث للأممية الشيوعية (جويلية /يوليو 1921). وفي الأيام الأولى من شهر ديسمبر من نفس العام، اضطر إلى أخذ استراحة جديدة، حيث شعر "بالتعب الشديد"، لكنه عاد إلى موسكو لحضور اجتماع اللجنة المركزية للحزب وتقديم تقريره إلى المؤتمر التاسع للسوفييتات.
وبعد إجراء عملية جراحية لإزالة الرصاصة التي استقرت في كتفه في مايو 1922، أمره الأطباء بالتوقف عن العمل والراحة، فانتقل مجددا الى غوركي. وبعد يومين من وصوله، أصيب بنوبة شلل دماغي أثرت على ساقه اليمنى وذراعه اليمنى. وبحلول شهر أكتوبر، شعر بأنه في حالة جيدة بما يكفي للعودة إلى العمل، وعاد مرة أخرى إلى موسكو. هناك، تجاهل لينين أوامر الأطباء بعدم العمل أكثر من خمس ساعات في اليوم. وفي 31 أكتوبر 1922، ظهر علنًا لأول مرة وألقى خطابًا في جلسة اللجنة التنفيذية للسوفييت. وفي 13 نوفمبر، خلال المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية، قام بتقييم السنوات الخمس للثورة الروسية ووصف آفاق الثورة العالمية القادمة. وكان آخر ظهور علني له في 19 نوفمبر، في الجلسة العامة لمجلس سوفييت موسكو.
في مارس 1923، تعرض لينين لهجوم ثانٍ أثر عليه بشكل خطير. فتم نقله مرة أخرى إلى غوركي، حيث عاش لمدة ثمانية أشهر أخرى، حتى وفاته، ضحية هجوم ثالث عند الغسق في 21 جانفي/ يناير 1924. وقد وصف جيرار والتر في كتابه حول سيرة لينين مراسم توديع القائد العظيم للثورة البروليتارية العالمية كما يلي:
"تم عرض جثته، التي تم نقلها إلى موسكو في الثالث والعشرين، في القاعة الكبيرة بمجلس النقابات. وقد أقيمت منصة في المنتصف، وكانت الجدران مغطاة بأعلام حمراء، وحجاب طويل أحمر وأسود يغطي الأعمدة البيضاء الجميلة ". تم لف المصابيح المضاءة بشعارات، ووضع التابوت، المكشوف، على المنصة يحيط به حرس الشرف. بدأ موكب الناس، الذين يأتون بشكل جماعي في صفوف من أربعة، يدخل الرجال والنساء والأطفال إلى القاعة، يدورون حول التابوت ويغادرون، رؤوسهم منحنيه في صمت. يمر الرجال المسنين والموكب لا ينتهي أبدا، ومن كل مكان يأتي الفقراء والبسطاء الذين ينتظرون ساعات في الخارج، أقدامهم في الثلج دورهم للدخول.
واستمر الموكب ثلاثة أيام. وفي يوم 26، حوالي الساعة 11 مساءً، صدر الأمر باحتواء النهر البشري الذي كان من المستحيل التنبؤ بنهايته. وعند منتصف الليل، تفتح أبواب القاعة الكبرى مرة أخرى، ويدخل مؤتمر السوفييتات، المنعقد منذ 18 جانفي/يناير والذي أقام للتو مراسم الجنازة، برئاسة اللجنة المركزية للحزب. كان هناك 2000 شخص، أتوا من جميع أنحاء روسيا، ممثلون لجميع مقاطعاتها، وجميع مدنها الكبيرة والصغيرة. إن الجمهورية السوفييتية بأكملها هي التي تنحني أمام رفات مؤسسها.
في اليوم التالي، في الساعة التاسعة صباحا، تم نقل التابوت إلى الساحة الحمراء. في الساعة الرابعة بعد الظهر سمعنا عواء صفارات الإنذار البطيء في جميع مصانع موسكو. على أصوات المدافع والمسيرة الجنائزية، هكذا دخل لينين مثواه الأخير، حيث سيراقب، برأسه المتجه إلى الأبد نحو السماء، العالم الجديد الذي خلقته إرادته".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية