الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 90 ـ

آرام كربيت

2024 / 3 / 11
الادب والفن


المبدع
على المبدع أن يكون وقحًا، عاريًا من الثياب، زنديقًا لا يهمه شيء سوى نصه مثل كتابات الكاتب المركيز دي ساد، أن يكون فحلًا يضاجع كل النساء اللواتي يمررن في طريقه. وأكثر من هكذا. وهذا غير متوفر فينا لأن بيئتنا المكبوتة الخنوعة الخاضعة مفككة قذرة، تعيش أكثر من لون في اليوم الواحد بسبب الدجل والكذب والميوعة وعدم الصدق. الكتابات الجميلة لا قيمة لها في الابداع، بل التي تنبش في الزبالة وقذارات الحياة وقسوتها

من كتابي الرحيل إلى المجهول
في اليوم الأول من خروجي من سجن تدمر, كانت مشاعري مشحونة بكل الآلام التي تخطر على البال. وأثناء مرور الحافلة التي كانت تقلنا عبر مدينة دير الزور, نهض وجع من غفوته ونقر ذاكرتي, ورقص في تلافيف عقلي وروحي, أن أنزل في هذه المدينة العريقة, أن أذهب إلى دور الأحبة هناك, أصدقائي الذين عشت فترات جميلة معهم, الشاعر فواز القادري وغرز الجازي وبشير العاني وبدر عمار والجسر المعلق.
ماذا بقي منهم الأن؟
بشير قتل. وقتلوا الجسر المعلق, ورحل بدر وفواز إلى المانيا منذ سنوات طويلة خوفاً من المافيا التي تحكم سوريا, أما غرز فلا علم لي به.
هكذا هي سوريا, حقل مفتوح على الوجع, أما مقتولة بيد المقربين أو البعيدين.

قال لي:
الفراغ لعبة الوجع الدائم المسكون في البعيد، في اللانهاية.
قلت له:
وهل هناك شيء يحل محل الفراغ؟
قال:
لا، إنه سيد نفس، سيد الانتقالات في الوجود
قلت:
ـ كيف؟ وماذا تعني؟
قال:
ـ إنه يسكن في الوجود الموجود القابل للوجود.
قلت:
ـ واوو. وماذا أيضًا؟
قال:
ـ إن النقيض يحمل نقيضه.
حاولت مرات كثيرة أن أساكن الفراغ، أجلس معه، ألويه أو أروضه أو أقمعه، بيد أنه يبقى حرًا طليقًا يقبض على الروح والقلب.
ربما هو أيضًا مقيد بالحرية يساكن الحقيقة أو الأبدية.
الفراغ وجع الحرية الدائم، سيد الانتقالات، يغني في وحدته حبه للعزلة، يناشد الوجود أن يبقى ملتصقًا به.
إنه أجمل الأشياء في الحياة لأنه لا يتعلم لغة الأتزان.
إن يبقى طليقًا لا يلوي على البقاء في مكانه.
ويرحل إلى الضفاف البعيدة القريبة المتنقلة


النزاهة
كن نزيهًا في علاقتك بنفسك، لا تضعها في موقع القداسة، لا تحولها إلى ايقونة ساحرة أو ساخرة.
اهرب من جنون العظمة، أنها فخ قاتل.
تعامل معها ككائن طبيعي يغلط ويصيب، أدعمها بالثقافة، بالحب والحنان والكثير من الانفتاح والتسامح والحرية.
تعامل مع نفسك كصديق، الصداقة أثمن علاقة وجدت في الحياة.
صحيح أن كل إنسان في صراع ذاتي مع نفسه، لكنه يستطيع أن ينظمه سلميًا، عبر التوازن، عبر الوعي، والتخفيف من الحمولات الثقيلة عليه، عبر فتح علاقات تغني الذات.

الجمال في الغيب
الإنسان الجميل هو الذي لم، ولن يولد.

الولايات المتحدة الامريكية دولة حرب
في الحرب العسكرية الأمريكية الظالمة على العراق في العام 1990، كان هناك حربًا أخرى إلى جانب العسكر، أكبر وأقسى عليه، هو الاعلام الامريكي المسيس، التابع للسياسية الامريكية:
لا صوت يعلو على صوت معركة امريكا على من تراهم أعداءها.
اعلام مشوه، عبودي.
شعرت أن كل ما كنت مقتنع به مات أمام عيني، الديمقراطية المزيفة، الحريات الكاذبة، الإنسان المغترب المنفصل عن عالمه يردد كما يسمع من اعلامه:
يجب القضاء على جيش صدام حسين، أقوى رابع جيش في العالم، سيبتلع امريكا. وفيه أسلحة كيميائية ذرية مدمرة.
طبعا لا أحد يذكر قوة الجيش الأمريكي وأسلحته الذرية ولا هيروشيما ونغازاكي.
تذكرت الفيلسوف برتراند راسل عندما منعوا نشر بحثه في الصحف الأمريكية.
الاعلام الامريكي حر في تحقير الرئيس، نائبه، في اذلاله، لكنه ليس حرًا عندما يقترب من مراكز القرار او شخصيات لها موقعها في القرار، كروكفلر.
القرار السياسي الأمريكي يتحرك وتتحرك جيوشه معه من اعلاميين وصحفيين وكتاب، وتصبح امريكا صوت واحد، كلمة واحدة، بوق واحد.
الولايات المتحدة دولة مخيفة جدًا، لأنها ولدت من الخوف والترقب، خوفها مستوطن في أعماق شرايينها، ليس لها تاريخ تعتد به، ولا جذور ولا تراث ولا ماضي، لا ثقافة ولا قيم.
جاءها مجموعة صغيرة من المستكشفين في بدايات العام 1626 ميلادي، حوالي مئة شخص، نزلوا إلى أرض مجهولة ومكان مجهول محاط بالمحيط والماء وأرض شبه مستنقع.
لم يكن يعرفون تضاريس المكان ولا الناس المحيطين بهم. وكان هناك هجمات السكان الأصليين عليهم، ولا طعام ولا بيت للسكن ولا مستقبل.
هذا الخوف شلهم شل.
الولايات المتحدة ولدت في هذا المكان المملؤء بالأعداء، الوحوش الكاسرة، غارات دائمة من قبل الهنود، لذلك لا استغرب أن يكون لديهم أكبر ترسانة أسلحة في العالم، وأكبر جهاز مخابرات في العالم، تتجسس على أصغر إنسان إلى أعلى المناصب في العالم.

كن متواضعًا
كل من يضع نفسه في موقع القيم على الأخرين، ويوزع شهادات حسن سلوك بحق هذا أو ذاك، تافه ورخيص وانتقائي وظالم.
أنه متوحش.
هذه الشهادات الزنخة لا تأتي إلا من الناس الذين يعيشون في المجتمعات الفاسدة، أصحاب الضمائر المتفسخة، في البلدان الاستبدادية، الدينية.
صاحب الضمير الميت لا يعتد برأيه، ولا يمكن ان يؤخذ كلامه على محمل الجد، لأنه ليس هو المتكلم، أنما الأمراض الراسخة في عقله الباطن.

الباطنية مرض العالم الاستبدادي
الباطنية دمرت منطقتنا. ويبدو أننا لن نشفى منها الا بتغيير الثقافة السائدة كلها، جملة وتفصيلا، ولن يكون لنا خلاص بحضورها.
الباطنية تفعل فعلها بنا دون إرادة منا، كونها جزء عميق من اللاشعور الجمعي لنا. إنها المحرك الحقيقي لنا، لسيكولوجيتنا وأفكارنا وتصرفاتنا.
الباطنية، ضاربة جذورها في منطقتنا قبل آلاف السنين التي خلت، وستبقى طالما هناك ناس موجودون وأوطان.
سندمر أوطاننا بأيدينا، ونحن لا ندرك أن وعينا لا يدرك الماساة الحقيقة التي نحن فيها، وما نحن فاعلون.
الواقع الحالي، بوجود التواصل الاجتماعي، كاشف حقيقي لهذه الباطنية التي أخذت الجميع إلى جهنم مع ابتسامة مرضية على أفواهنا.
والعقائديون هم الأكثر وضوحًا، وانتهازية من أي مكون فكري على مر التاريخ. لنظر إلى البعث، الشيوعي أو الناصري أو الأخوان المسلمون، كيف خذلوا أنصارهم وذهبوا نحو تحقيق مصالحهم الذاتوية الضيقة.

الهمج يخافون من الفن
الهمج يخافون من الآثار, من الأحياء المدفونين تحت التراب, من الكلمات المنحوتة على الصخر, من الملاحم, المسارح, الموسيقا, الرسوم والصور, من الألوان, الضحك وبهجة الحياة في وجوه التماثيل المنتصبة أمامنا.
هذه الصورة الغافية على الصخور, تحرض تلك الذاكرة المريضة, الخائفة على ذاتها من الانقراض.
دائمًا, الهمج ينتقمون من الحياة بقتل الحياة.
تستطيع أن تعرف تطور شعب ما ورقيه من خلال القبور. فكلما كانت القبور مزينة وجميلة, ومسترخية تحت ظلال الأشجار والزهور والروائح العطرة, وعلى أمتداد النظر تسرح الأعشاب السندسية الخضراء بهدوء واسترخاء, كلما كان هذا الشعب يتمتع بحس الحياة وجمالها واستمرارها.
وكلما كانت القبور جافة, يابسة, فأن هذا يدل على انعدام الحياة في الأحياء الأموات.

كانوا ابرياء
كان لديهم حلم وردي بتغيير العالم كله, وساروا خلف ذلك الحلم بلهفة الأطفال الصغار وفرحهم. وعندما فشلوا تحولوا إلى حراس للمؤاخير. وحاملي مناديل ليل أسود.

السلطة السورية منذ نشأتها
العلاقة التي كانت تنسجها السلطة مع المجتمع هي شكل من أشكال الدعارة الرخيصة, قائمة على تحويل الجميع إلى خنثى, مواء رخيص. انحطاط على كل المستويات. أقلها إلغاء ذات الإنسان, المواطن. تحويله إلى مجرد مخبر رخيص القيمة أو مختلس أو مرتشي أو راشي. أبعد شيء كان يسود في الوطن فكرة العلاقة القائمة على المواطنة. فقد الغت فكرة الدولة, القانون لصالح علاقات شخصية بين سيد وعبد, رجل سلطة قوي وفرد مستلب.
في التحقيق كنت اشعر أن المحقق يدخل يديه في احشائي من فوق وتحت ويلويهم ببديه المعجونتين بالقذارة والدم.

أنا وثيابي
منذ العام 2012 لم أشتر كنزة جديدة. جميع الكنزات اللواتي لدي أشترتهم لي ديالا في ذلك الوقت.
قلت لديالا قبل أيام:
ـ ديالا، لقد مللت من هذه الثياب، من الوأنهم، من تكرار نفسي فيهم كل يوم.
قالت:
ـ هل ترغب في شراء كنزات جدد؟
ـ نعم. صحيح أنا إنسان تقليدي وبسيط، وأرى أن الثياب حاجة وليست رفاهية، لكني قرفت من نفسي في ثيابي المكررة.
ـ نحن في نهاية الشتاء وهناك ترخيص، سأريك الثياب الراغب في شرائهم، ولك من عندي أربعة كنزات هدية وجاكيت وبنطال بيجاما.
قلت:
ـ لا أقبل هدية، أريد أنا أشتريهم.
البارحة جلبت صندوق مملوء بالثياب، كنزات جميلات جدًا، وبيجاما وجاكيت جميل.
قست الجميع، أشكال مثل لون الفرح الطفولي.
البارحة كان الطقس باردًا والأرض مملوءة بالثلج، لم أستطع حمل الصندوق لهذا تركته عندها إلى اليوم.
اليوم صباحًا، تحممت واردت أرتداء ثيابي عدت إلى الرف، إلى ثيابي القديمة، قلت في نفسي يا ريت جلبت معي كنزة جديدة وصبحت على نفسي بها.
ألف شكر لك يا ديالا الجميلة، يا طيبة القلب وصاحبة الضمير الحي والنقي والصادق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا


.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ




.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت