الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-كوتار- متلازمة الواقع المشوه

حسام الدين مسعد
كاتب وقاص ومخرج وممثل مسرحي ويري نفسه أحد صوفية المسرح

(Hossam Mossaad)

2024 / 3 / 12
الادب والفن


ماندركه بحواسنا أو بالعقل يطابق الواقع يسمي حقيقة، وما لا يطابقه يسمي "خطأ"،او" وهم"،إذ يجوز الخطأ علي ما ادركناه بالسمع والبصر،والذائقة،والملامسة،والشم، فالإنسان يتأثر في إدراك الاشياء بالوضع النفسي الداخلي،والظروف الخارجية الخاصة،فيري كل شئ بشكل معين.
"كوتار" هو عنوان العرض العماني الذي تم تقديمه ضمن فاعليات الدورة الثامنة من المهرجان المسرحي الدولي لشباب الجنوب، "كوتار" تأليف،واخراج احمد الشبلي،وعنوان العرض هو نص موازي يستطيع أن يبني المتلقي من خلاله أفق توقعه الخاص قبل الدلوف الي قاعة العرض المسرحي،وتأتي مفردة "كوتار" لتشير الي حقل دلالي مرتبط بعالم النفس الفرنسي جول كوتار مكتشف متلازمة الوهم،او متلازمة الجثة المتحركة،والتي فيها يصاب المريض بإضطراب نفسي نادر يتوهم فيه أنه ميت،او غير موجود،فالوجود يبدأ من الإنسان لا من الطبيعة،وينصب على الذات لا على الموضوع،فهو فكر عيني يمارسه الفرد من خلال فهمه لذاته،ويصفه من خلال علاقته به، أى من خلال المقولات العينية التى يحياها بالفعل،ومن خلال خبراته المعاشة،لذا فإن كل حقيقة يقررها الإنسان،هي اختيار لذاته،فالانسان يمارس حريته في كل قرار يتخذه،وهذه الحالة ترد الحقيقة الي البذور الأولي العميقة للشخصية الفردية،والحقيقة الذاتية،التي هي وثيقة الصلة بالإيمان الديني،ومن ثم تصبح حقيقة الوجود،هي الإختيار، والصيرورة من أجل البحث عن حقيقة الإنسان التي تعتمد علي جماعية الصدق،والتفاعل مع الواقع بشكل مباشر،او غير مباشر.
-ينطلق الشبلي المؤلف بالتشكيك في حقيقة الواقع المادي الذي يحياه (الأبن) الكاتب الذي قدم للبشرية أكثر من ٥٠ كتاباً عن طريق الواقع الإفتراضي (الوهم)،فتتهمه الفتاة التي هربت من عنف ابيها،لتتوهم بحنو والد الأبن فيغتصبها،فتحاول الإنتقام من الأب في صورة الأبن الكاتب،فتنعته بالجنون،إذ يناقش المؤلف جدلية الحقيقة،والوهم،ونسبية الحقيقة،والحقيقة المطلقة من خلال المقولات العينية التى يحياها الإنسان بالفعل والتي وردت بالحوار الدرامي كالتالي (ليست كل الحقائق جوهرية هناك حقائق تخفي تحتها مخالب شيطانية)،ومن خلال الإشارة إلي خبرات الإنسان المعاشة أثناء سعيه للبحث عن المعني الجوهري للحياة، وخوفه من الموت الذي يخيم علي واقعه المادي،وما يعتريه من خطأ،وخرافة، وبحثه عن الوجود الميتافيزيقي الذي ربما يدرك فيه السكينة،او الموت كمعني جوهري لهذه الحياة،لذا فإن الشبلي المؤلف أنتهج اسلوبية المسرح المضاد في كتابة نص العرض،فتأتت قوة الحوار المسرحي لديه في اختيار الجمل،والألفاظ،والعبارات الدلالية التي تخلق نظام ديالكتيكي جدلي يطرح التسأولات الوجودية منذ الإستهلالة الأولي (اين دوائي؟) والتي تشير الي المرض،فالإعتراف بوجود المرض هو السبيل الأول للعلاج،اوكما ورد في نص العرض علي لسان الأبن ( اتخذت القرار)،والذي يشير إلي ممارسة الحرية،والإختيار الباحث عن حقيقة الإنسان،اوحقيقة الأبن المصاب بمتلازمة الجثة المتحركة الذي يشبه الآلة الصماء التي لا روح فيها،او حياة،بل ويتشابه مع المحيطين في مجتمعه،ليضحي هذاالوجود العبثي مثار قبول أو مجابهة حتي يصير الزمن القادم هو الزمن الذي تردم فيه الفجوة بين الإنسان والآلة .
-استطاع الشبلي المخرج أن يجسد حالة العزلة لكل من الأبن،والفتاة من خلال الرؤية التشكيلية في الفراغ المسرحي،والذي سعي مصممها يوسف البريكي أن يقرأ نص الشبلي،قراءة مغايرة جعلته يخلق تشكيل بصري سينوجرافي ذا مفهوم موازي يشير إلي معني مختلف ل( أُكتار) فصمم قاعدة الخنجر الهندي المعروف بذاك الأسم،والذي قبضته علي شكل حرف H باللغة الإنجليزية من خلال مربعين من الحديد كل منهما ينتقص ضلعاً ومثبتين علي عجلات متحركة،مما ساعد المخرج علي تحريك المربعين بآلية جمالية عزل خلالها الأبن بداخل الأول ،وفي الثاني تم عزل الفتاة في إشارة حين يجتمع المربعين علي العزلة،والإنتقام في حلقة الصراع الدائر في الواقع الإفتراضي التعبيري علي الخشبة،ليشكك الشبلي من خلال هذا الواقع المشوه الإفتراضي بحقيقة ومسلمات الواقع المادي الذي يحياه الأنسان في هذا العالم،لذا استخدم الشبلي الخطوط الدائرية،والأفقية،والتي كانت موحية بإيقاع الحركة من خلال الظرف الملائم،والمؤكد علي موقف الشخصيات من القضية الوجودية المطروحة،والتي تمثلت في شخصيات الأبن،والفتاة،والأب،والقرين،ومجموعة الفئران التي كانت وظيفتها بالعرض تحريك المربعين الحديديين،فضلاً عن أن الإضاءة المستخدمة في العرض والتي اتسمت أغلبها باللون الأصفر الذي يثير تفكير وذهنية المتلقي،ويشتبك بالتسأولات مع عقله خلال عملية التعبير عن مشاعر وافكار الشخصيات التي غلب علي لباسها اللون الأسود فيما عدا الفتاة التي كانت ترتدي فستان ذهبي اللون،وكانت الموسيقي المصاحبة للعرض موحية بتوتر الموقف الدرامي للحدث إلي أن تكشفت الاوهام بإختيار الشخصيات أنفسهم للتفكير والتأمل الصوفي المؤكد علي بقاء الروح مادام في الجسد قلب وعقل ينبضان،فالوعي بفقدان الإنسان لقيم الحب والوفاء،والدفأ،هو الوعي بتشظي الحلم،وتشويه الواقع والسخرية منه،والغربة في هذا العالم بين قبول العبث،او مجابهته بالعودة الي واقع ميتافيزيقي لا يعلم عنه الإنسان اي شئ بغية بلوغ المعني الجوهري للحياة.
- نجح الممثل عبدالله الشبلي في دراسة ابعاد الشخصية بمستوياتها النفسية،والإجتماعية،والجسمية بوعي مكنه من جودة الأداء ممتلكاً لأدواته وتقنيات التقطيع،والتلوين،والتنغيم الصوتي،فضلاً عن التكيف الحركي الذي عبر عن الحالة النفسية لشخصية الأبن المصاب بمتلازمة كوتار،كما نجحت الممثلة نور الهدي الغمارية في أداء دور الفتاة التي رغبتها الإنتقام،مبرزة بشاعة الواقع المادي الذي تعيشه الشخصية متزينة بالتباين الأدائي الذي خلق حالة هرمونية عكست اصوات الشخصية،وساهمت في تعدد المعني
وأجاد باسم الفارسي في دور القرين،الذي ميزه المكياج الخارجي الذي صممته الماكيير عزيزة البلوشية خالقة حالة من الوهم لتصوير واقع ميتافيزيقي لشخصية لاندرك وجودها في هذا الواقع المادي المشوه الذي لم يعد أمامنا إلا مجابهته بالتفكير والتأمل واتخاذ القرار نحو ارتقاء درجات السلم المعرفي لبلوغ اليقين الوحيد أو الحقيقة المطلقة المتمثلة في الموت حتي ندرك السكينة أو المعني الجوهري لهذه الحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب