الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يَقْفُو خطواتِها ظِلُّهَا آلْعِمْلاقُ

عبد الله خطوري

2024 / 3 / 12
الادب والفن


وفي الأعالى، هناك في أفق سماء المقابر، يَحُومُ بَازٌ في حَلقات دائرية حلزونية، في المكان نفسه يَتَحَيَّنُ فُرَصا ما، غفلةً من الغفلات لالتقاط شيء ما هنا أو هناك .. يَدُورُ في فتور، لا يمل .. يرنو إلى السفوح، إلى الوهاد، الى العثرات التي يمكن أن تكون كحكيم صَبور عَرَكَتْهُ الأقدار .. لا يأبه بوهج القيظ ولا بحَمَّارة الأصقاع الرتيبة التي تطقطق أزمانُها بتثاقل لحظات مُشبعَة بشيء كالسديم كالعدم .. اِنتفظ في حركة مباغتة ثم كصاعقة حاسمة، انحدر في سقوط مُدَوٍّ يُرخي فيه العنان لكامل البدن تفعل به الجاذبية ما تشاء .. ثم .. هوووب .. ترتطم السماء بالأرض .. فينبعث صياح من هول آلمباغتة، من شدة آلاهتياج، من وجيب آلفجيعة، من ألم، من صَرَع .. من صراااع .. آآآآ .. ه ..!!.. كأنها صرخة من صرخات الفناء ... ويعلو جناح الجارح في الأعالي يخرق طيرانُه الأجواءَ، وفي براثنه الناتئة يتلوى ذاك الصياح يتخبط؛ فيختلط الصفير بالحشرحة بالخُوار بالثغاء باليُعَار بالنقيق باللغب بالصخب بالضجيج بجؤار ..آآآآ .. ه ..!!.. ثم يغيب كل شيء هناك، حيث دَنَتِ السماواتُ من الأرضين وآختلط الارتباك بالاشتباك وضاع مَا ضاع في مفازات الفراغ ...
أفيقُ مُلتاعا خائفا مُصَهَّدا وحُبَيْبَاتٌ من عَرق بارد تسيل على قفاي وصدغيَّ تُحَدِّجُ عيناي ما يحيط بي، فلا تريان إلا مزيدا من سواد يعانق سوادا .. كدتُ أطيرُ لولا نبراتها الرائقة الحانية الحادبة التي آنبعثَتْ كالرحمة المُهداة ...

_بسم الله آمَمي بسم الله .. ما يشيوغن ؟؟ تُورْجيتْ شا ؟؟ (بسم الله عليك يا ولدي ماذا حدث أكنتَ تحلم ؟؟)

_............. صَمْت ...............

_ما تخافيش ماكاين واالو ....

قالتها وهي تَسْتَعْوِذُ تُبَسمل مرات عديدة عامدةً الى الفانوس الرابض في وقار بجانبها توقد فتيلتَه الكسلانةَ المترددةَ ..

_ هااا قَلْ ... تْفاوْفتْ ... اُورْ يَللِي حتى دَلْحَاجتْ ... (هااا انظر هذا نور .. ليس هناك ما يُخيف)

ثم نهضتْ بتثاقل وفُتور وعياء تفتح بتُؤَدَةٍ خَشبةَ نافذة الغرفة (الغُورْفْتْ نْ تادّارتْ) السميكة، فدخل للتو نورٌ ساطع لبَدْر يُزين السماء، وأصوات كثيرة متفرقة تتناغى في همس، مَيَّزْتُ منها نباح كلاب تهر من بعيد أو قريب في وعيد ونذير، وصياح ديكة تتبادل جأش النبرات، وهَبيب ذكور ماعز مفعم بهرج ومرج في مُطاردات هستيرية لإناث غير مباليات داخل الحظائر والزرائب لا يكاد ينتهي صخبها حتى يبدأ من جديد ...

_ إيوا شَفْتي .. الدونشتْ قاعْ تفاقْ .. ماعَنْدكِي عْلاَشْ تْخَافِي ... (ها أنت تبصر وترى .. كل الأنام فائقون .. ليس هناك ما يخيف ..)

_.............. صَمْت .................

_هَاتَّايَنْ تْفَاوْفتْ زْتَاتْ خَالتشْ .. إيلْ تُگُّوودْ .. أضْرَحَاغْ أتْوَضِّيغْ .. آوِي يُولِي وَاسْ ... ( استعنْ بسِراجٍ قرب خالتك .. لا تخش شيئا .. سأذهب أتوضأ فالنهار قد سطع ..)

ثم عَمَدَتْ إلى الباب المُوارب تفتحه سكينتُها، وخرجَتْ بتثاقل رصين يَقْفُو خطواتِها ظِلُّها العملاقُ الذي بدأ يتضاءل يصغر يصغر حتى غاب في الظلام ...

*****************








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي


.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????




.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ