الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا للتكتلات.، ومرحبا بالدول الكبرى.,!

محمد عبد الشفيع عيسى

2024 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو بالفعل، إلى حدّ بعيد، أن شعار "العولمة" الذى ارتفع بعد سقوط "الاتحاد السوفيتي"، ربما لم يكن أكثر من ستار لمجاراة و دفع التوسع الرأسمالي، كما يقولون، بالقيادة الأمريكية للعالم. وقد ترافق ذلك مع "فوْرة" الانتعاش الاقتصادي النسبي، منذ عقد الثمانينات من القرن المنصرم، ممتزجاً بنوع من التأزّم- خاصة بمناسبة استفحال أزمة الديون العالمية- و نوع من الركود أيضا. وهذا هو (التضخم الركودي)، المصاحب للتداخل المتزايد بين الاقتصادات المتطورة فيما سمّى "بالتدويلinternationalization وكذا للتداخل فيما بينها وبين الاقتصادات الأقل تطوراً .
كانت العولمة، و ربما لم تزل، "شعاراً رومانسياً"، إذا صح التعبير، روّجت له ثّلة من الكتّاب و"المفكرين" مثل فرانسيس فوكوياما، مصحوباً بإنتاج الترسانة الفكرية للثالوث : صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و"بنك الاحتياطالفيدرالي" الأمريكي فيما سمّي (إجماع واشنطن).
والملاحظ أن "رومانسية" العولمة" هذه، المصحوبة بالتأزم و بالانتعاش النسبي، رافقتها موجة من تعاظم موجة التكتلات الاقتصادية – الإقليمية، فى مقدمتها : الاتحاد الأوروبي،من جهة أولى، و "آسيان ASEAN " –رابطة دول جنوب شرق آسيا، من جهة أخرى. وفي نقطة التوسط بينهما : الميركسور (السوق المشتركة لدول أمريكا الجنوبية) انطلاقا من الدول الأربعة المؤسسة: البرازيل و الأرجنتين و أوروجواي وباراجواي. ثم هناك تجمع "الاتحاد الإفريقي" وجماعاته الفرعية كما فى شرق و وسط إفريقيا (كوميسا) و "الاتحاد الاقتصادي و النقدي لغرب إفريقيا" ( أموا) UEMOA . و في أدنى حلقات السلسلة بعض تكتلات ضعيفة بل و "أشباح تكتلات"، إن صح التعبير، مثل "منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى" مشتملة على الدول العربية جميعها، تقريبا، و التي بدأت بشائرها عام 2018، انبثاقا من "اتفاقية تونس" لعام 1983 حول تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية، ثم دخلت حيز التنفيذ اعتبارا من يناير 2005 .
وقد طفقت موجة التكتلات تعلو حتى بلغت أقصى ذراها في إنشاء تجمع كامل بذاته مكون من عدة دول كبيرة ومتوسطة، وهذا هو "بريكس" BRICS المكون أصلا من (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) ثم بلغ أوْج توسعة الكمّي بضمّ بلدان عديدة من "الجنوب" في عام 2023 قد لا يربط بعضها رابط قوي في جوانب متعددة. وتم ذلك بانضمام ستة دول هي مصر و إثيوبيا و إيران والسعودية و الإمارات والأرجنتين.
ولكن التكتلات المتنامية واجهت عاصفة جيوبوليتكية عاتية خلال 2020-2024، ممثلة فى "أزمات - صراعات" "دولية، إقليمية بالأحرى، تجلت قى ثلاث بؤر ساخنة تنذر "بالويل والثبور وعظائم الأمور"، و تمثلها رؤوس و أذناب ملتهبة؛ تلك هي : أوكرانيا (في مواجهة روسيا) وتايوان في (مواجهة الصين) و "إسرائيل " (في مواجهة البلدان العربية عموما وما يسمّى أحيانا "محور المقاومة" Axis of Resistance خصوصا).
مع البؤر الساخنة الثلاثة بدأت نُذر الركود تتجمع فى سُحب غائمة، بل قاتمة، وأطلت بوجهها الكالح لتطيح أو قد تطيح– ولو جزئيا– باندفاعة التكتلات السابقة، خاصة الاتحاد الأوروبي، و ربما بالتكتلات البازغة أيضا (بريكس).
و قد ظهر، أو بدأ يظهر، أن التكتلات شرعت تتوارى إلى حدّ ما، لتخلي الساحة أمام ما يمكن أن نطلق عليه (نظام دولي "ضد التكتلات") system Anti-bloc. وأخذ يتجلى رويدا رويدا، تحت ذبالة شمعة خافتة في الظلام الدامس، وضع دولي جديد، لا يقوم على التكتلات ولكن على الدول الفردية Individual States. إذْ ماذا يجمع أعضا التكتلات الكبار– مثل بريكس – سوى مصالح اقتصادية، قد تكون عارضة، مثل الدعوة إلى تنشيط التبادل التجاري، أو تسوية المبادلات بالعملات الوطنية، في محاولة للاستغناء عن "هيمنة الدولار" ؟ .
والخشية كل الخشية أن ينفضّ "سامر" التكتلات، وأظهرها الاتحاد الأوروبي "المترنح"، ليبقى من بعد انفضاضه فاعلون قدامى-جدد، هي بضعة "دول قومية" أو "شبه قومية" قد يمتلك عدد منها نوعا من التجانس العضوي، والتكامل السياسي الداخلي، ووحدة المصلحة، مما يمكن أن يؤهلها لأداء الدور القيادي في عالم الغد (ذي الأقطاب المتعددة).
تلك إذن دول قد تعلو إلى عنان السماء، إن بقيت هناك سماء حقاً ولم تقم حرب عالمية، في مقدمتها : الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا. وأما الهند فسوف يثقل كاهلها الكم السكاني الكثيف، بدون تنمية حقيقية تقريبا، وكذلك الحال إلى حد ما مع قطبيْ أمريكا اللاتينية : البرازيل والأرجنتين، وربما إيران. كما تبقى تركيا التائهة، الضائعة، بين أحضان "حلف الأطلنطي" وحلم "السوق الأوروبية المشتركة" عبْر "الجماعة الاقتصادية الأوربية"، وصولا إلى "الاتحاد الأوربي" . وتظل على الدوام إفريقيا و (العالم العربى- الإفريقي)، لتكون منهما جذّوة متّقدة، وبذرة أمل، مع توارى الأضواء الذابلة أو الكيانات (العميلة) من صنُاع – و وكلاء- بؤر التوتر الحاد، وخاصة منها الثلاثة : اسرائيل وأوكرانيا، وتايوان. فماذا يبقى من بعد، في عالم الغد المتضوّر...؟ .
تبقى الدول، الدول المنفردة أو المتفرّدة، التي لن تشمل الدول الثلاثة الطليعية فقط (الولايات المتحدة والصين وروسيا "النووية")، ولكن تشمل" دولة" من هنا أو هنالك، أو ما هو "أعلى من الدولة" Super-state، إلى هذا الحد أو ذاك، مثل "الوطن العربي" فيما نأمل .
و لقد يكون بين هاتيك الدول المشار إليها، المنفرّدة أو المتفرّدة، (ما صنع الحدّاد) كما يقولون، من العداوات التاريخية – و من المحن و " الإحَن"- فتتصارع على النفوذ هنا وهنالك .. فإن كان حظّ البشرية حسناً، فيمكن أن تتولد "تعددية قطبية" متعاونة. أما إن كان حظّ البشرية (سيئا)ً، و ما ذلك بمستبعد على كل حال، فسوف يتصارع الفاعلون من الدول و "غير الدول" على كعكة يضيق قطرها الدائري تماماً، حتى تنتهى بالحرب، لا قدّر الله، ويقضى الله حينئذ قضاءه المبرم، ويكون أمره ذاك مفعولاً ..!
فهل يغلب على حديثنا هذا، التشاؤم، أم هي الحقيقة العارية، التي تكشفها دورة التفلسف فى علم العلاقات الدولية أو (اللا علم) بالأحرى ..؟!
بيْد أنه يبقى هنالك أمل أو "ذُبالة أمل"، نرجو أن يكبر في ضوء القمر، حتى يصير بدراً منيراً في مقبل الأيام . ومن يدرى ..؟ لعله يصير واقعاً حقيقياً ذات يوم.
أم أن حديثنا هذا كله نتاج "كابوس ليلة شتاء"، على وزن غير موزون لعنوان رائعة وليام شكسبير: حلم ليلة صيف ..؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل